مش متدين لكنه طيب

مش متدين لكنه طيب | مرابط

الكاتب: د إياد قنيبي

2081 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

 

من المفاهيم التي تحتاج تصحيحًا -وبشدة!:
 
(فلان أو فلانة مش متدين لكنه طيب، محترم، "جنتل"، مستقيم، مُتقن لعمله)..
 
وكأنَّ هذه الصفات كلها ليست جزءًا من التدين!
 
وهذا ناتج عن تصور "التَّدَيُّن" وكأنه محصور في شعائر معينة كالحجاب واللحية، واجتناب العلاقات غير المنضبطة بين الجنسين وما إلى ذلك.
 
والصحيح أن علينا أن نوسع دائرة التدين في حِسِّنا وتَصَوُّرنا لتشمل كل خُلق جميل وكل معنىً من المعاني السامية كالخيرية والطيبة وحسن التعامل ومعونة الناس وإتقان العمل.
 
ألم تسمع قول الله تعالى: {إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يَعِظُكم لعلكم تذكَّرون}..
 
ورسولُنا صلى الله عليه وسلم وسَّع الدائرة في الحديث الذي صححه الألباني: مر على النبي رجلٌ فرأى أصحابُ النبي من جَلَده ونشاطه ما أعجبهم، فقالوا: (يا رسول الله، لو كان هذا في سبيل الله)!
 فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إن كان خرج يسعى على ولده صغارًا فهو في سبيل الله، وإن خرج يسعى على نفسه يعفها فهو في سبيل الله، وإن كان خرج رياء وتفاخرًا فهو في سبيل الشيطان}.
 
لا شك أن المهم في هذا كله أن يكون الذي نتكلم عنه مسلمًا أو مسلمة، بحيث لم يفعل ما يحبط عمله أو يخرجه من دائرة الإسلام، المسلم الذي يعظم الله ويحب الله ورسوله ويُقر بأن المرجعية هي لشرع الله عز وجل، ويعترف لله بأخطائه وذنوبه ولا يبررها..

المسلم الذي يقوم بأركان الإسلام لا يهدمها، فهو أو هي يصلي ويصوم ويزكي وإن استطاع حجَّ، ولا يقلل من شأن هذه الأمور بدعوى أن المهم حسن التعامل مع الناس، بل هو معترف بحق رب الناس سبحانه وتعالى. هذا المسلم كل خُلق طيب لديه وكل عمل صالح يعمله هو "تَدَيُّن"، حتى وإن كان عاصيًا مذنبًا في جانب من الجوانب.

في المقابل، من العبارات الخطيرة: (فلان متدين لكنه جلف في التعامل مع والديه/مهمل لأبنائه/"عواطلي" أو اتكالي لا يسعى على رزق عياله/يستدين من الآخرين ولا يهتم بسداد الدَّين/حقود...إلخ). (فلانة متدينة لكنها تغتاب زميلاتها، تحسدهن، تعاملها سيئ...إلخ)..
 
وكأن هذه الذنوب لا تقدح في وصف "التدين"!  
 
كما أن كبائر الجوارح تقدح في "التدَيُّن" فكذلك كبائر القلوب تقدح في التدين، بل كثيرًا ما تكون أسوأ من كبائر الجوارح كما نص ابن القيم، رحمه الله... فكم من شخص يوصف بأنه "متدين" وعنده حسد/سوء ظن بالمسلمين/عُجب/كبر...
 
وكم من شخص لا يصنف –بالتعريف الضيق- ضمن دائرة المتدينين وعنده من خيرية القلب وسلامة الصدر وحسن الخلق ما يجعله يسبق "المتدين" في عرف الناس، ففي الحديث الصحيح قال نبينا صلى الله عليه وسلم: «إنَّ اللهَ لَيبلّغُ العبدَ بحُسنِ خُلُقِه درجةَ الصومِ والصلاةِ».

ولا يُقصد به طبعًا أنه يكفيه حسن الخلق ولو هَدَم ركنين من أركان الإسلام (الصوم والصلاة)! بل فيه التأكيد على أهمية شمول حسن الخلق في دائرة الطاعة و"التدين".
 
حصر التدين في شعائر معينة خلل فكري كبير يكرس للعلمانية. وصحيح أن علينا الحذر من التهوين من شأن المعاصي وإجراء المقارنات التي لا معنى لها (فلانة متبرجة وأحسن من كثير من المتحجبات)..فهي مقارنات تُذكر في سياق التهوين من شأن هذه المعاصي.
 
لكن في الوقت ذاته، علينا الحذر من تضييق دائرة "التدين"...فكل خير يجب أن يكون مشمولًا فيها، وكل صفة سيئة فإنها تنتقص منها وإن تمسك المسلم أو المسلم ببعض شعائر الدين: قال الله تعالى {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَىٰ بِنَا حَاسِبِينَ (47)}

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#إياد-قنيبي
اقرأ أيضا
المدخل إلى فهم إشكالات ما بعد السلفية ج2 | مرابط
مناقشات

المدخل إلى فهم إشكالات ما بعد السلفية ج2


حين أخبرني الشيخ أحمد سالم عن كتاب ما بعد السلفية وكان يتوقع رفضا واسعا للكتاب أبديت مخالفتي لهذا التوقع وأن مثل هذا النقد سيكون متقبلا عند التيار الأوسع من السلفيين كنت أرى أن مثل هذا النقد من كاتبين فاضلين سيكون له أثر إيجابي لحظة ما وصلني الكتاب بدأت متلهفا بقراءته قرأته بشكل دقيق فاحص شعرت بعد الانتهاء منه أنني كنت ساذجا جدا حين ظننت أن مثل هذا النقد سيحدث أثرا إيجابيا أو من الممكن أن تتقبله أكثر النفوس أو أن يكون الفضاء الذي سيحدثه فضاء صحيا السبب هو في الروح التي كتب بها هذا النقد وحك...

بقلم: فهد بن صالح العجلان
1055
العبر من الحروب الصليبية الجزء الأول | مرابط
تفريغات

العبر من الحروب الصليبية الجزء الأول


عندما نختار أن نأخذ مرحلة الحروب الصليبية بالذات فإن ذلك له دلالته الخاصة من جهة أنها تحكي أو تشابه الواقع الذي نعيشه الآن والمرحلة التي تحياها هذه الأمة في ظل هذه الهجمة الخبيثة الماكرة التي يستجمع الغرب فيها قواه مرة أخرى فما أشبه الليلة بالبارحة إن المؤرخين يقولون: التاريخ يعيد نفسه ونحن نقول: سنة الله ولن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا هذه هي سنة الله تعالى في الأمم وبالذات في الأمة الإسلامية كل حياتها كر وفر وكل مواقفها إقبال وإدبار

بقلم: سفر الحوالي
656
القابلية للاستعمار | مرابط
اقتباسات وقطوف

القابلية للاستعمار


مقتطف للكاتب والمفكر مالك بن نبي من كتاب شروط النهضة يشير فيه إلى موضوع هام وهو القابلية للاستعمار فكثيرا ما يكون استعمار شعب ما ناتج عن قابليتهم للاستعمار أو أن نفوسهم قابلة لوجود مستعمر يمارس عليهم كل صنوف الظلم أما إذا ارتفعت هذه القابلية عن نفوسهم سيأبى الواحد منهم أن يكون تحت حكم مستعمر جائر

بقلم: مالك بن نبي
2460
خطر حب الشهرة | مرابط
فكر تفريغات

خطر حب الشهرة


حب الشهرة والصيت هذا المرض موجود في نفوس الكثيرين وهذا المرض موجود عند الفسقة وقد يكون موجودا أيضا عند بعض أهل الدين فعند الفسقة الآن هناك شيء اسمه عالم الأضواء وعالم الشهرة ويقال: فلان أو فلانة من الممثلين والممثلات دخل عالم الشهرة بفلم كذا وفلانة من المغنيات دخلت عالم الشهرة بأغنية كذا وفلان من اللاعبين دخل عالم الشهرة وعالم الأضواء بهدف من الأهداف الرياضية بمباراة كذا وهكذا من أنواع الشهرة الدنيوية المذمومة القبيحة المضيعة للوقت الصارفة للجهد بغير طاعة الله والمورثة للإثم والعدوان والمثي...

بقلم: محمد صالح المنجد
2333
الشعور بالذنب في زمن الحداثة | مرابط
فكر

الشعور بالذنب في زمن الحداثة


التفسير الأول يرى أن الشعور الطبيعي العميق بالذنب ينجم ضمن عملية تفرد الإنسان في الحداثة وهذه العملية الضرورية للتطور والنمو تستوجب على الفرد أن يضع نفسه في مواجهة الطبيعة أو الكون وهذه الوضعية تشعر الفرد بالضعة الهائلة أمام الكون وتملؤه بإحساس الضآلة والصغر والهامشية وانعدام القيمة ومن ثم يتولد الشعور بالذنب.

بقلم: عبد الله الوهيبي
459
فتنة النساء.. إصدار خاص | مرابط
المرأة

فتنة النساء.. إصدار خاص


بدأت أؤمن أن فتنة النساء بالنسبة للرجال ليست مقتصرة أبدا على الانجذاب الفطري لها بشكل محرم إذا لم تكن زوجة أو بشكل يؤدي إلى محرم إذا كانت زوجته ولكن يؤدي التعلق بها إلى حرام آخر في اكتساب المال أو عقوق الوالدين وغير ذلك.

بقلم: معتز عبد الرحمن
327