الجندر: المفهوم والحقيقة والغاية الجزء الثاني

الجندر: المفهوم والحقيقة والغاية الجزء الثاني | مرابط

الكاتب: حسن حسين الوالي

2439 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

الفطرة السليمة والعقيدة الإسلامية

هذه الدعوات والبرامج مهما كانت أهدافُها وغاياتها، إلاَّ أنَّها تتنافَى والفطرةَ التي خلق الله عليها الإنسان رجلًا وامرأة، وتصطدم -وبشكل سافر- بعقيدتنا ودِيننا الذي نؤمن به، تلك العقيدة التي ترتكز على أنَّ الإنسان الذي خَلقَه الله ربُّ العالمين مِن زوجين اثنين؛ آدم وحواء - جزءٌ من الثنائية المتناغمة في هذا الكون، والذي يحقِّق بها التوازن، والثبات والأعمار.
 
هذه الحقيقة التي أقرَّها الله في شريعته، وأنزلها على أنبيائه الذين علَّموها للبشر، شرائع ونواميس تنظِّم الحياة الإنسانية، وتُحافِظ على إنسانية الإنسان الذي كرَّمه الله، وأمر الملائكة بالسجود له، وتتكفَّل له بطريق الخير والسعادة في الدنيا والآخرة؛ {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [البقرة: 136].
 

العلاقة بين الرجل والمرأة

هذا الدِّين الذي نؤمِن به رجالًا ونساءً جَعَل العلاقة بينهما علاقةَ مودة ورحمة وسكن، تُبنَى فيه الأُسرة التي هي النواة الأولى في بناء الفرْد والمجتمع، والدولة والأمَّة، ونؤمِن بأنَّ كل ما جاء به هذا الدِّين هو حقٌّ، وإن لم يكن لنا فيه نفع ظاهر، فإنَّ الله -سبحانه وتعالى- له فيه حِكمة قد لا ندركها كبَشَر في مكانٍ ما وزمان ما؛ قال -سبحانه وتعالى-: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} [النساء: 34]، فهم قوَّامون على النساء، ولكن بضوابط وضَعَها الشرع؛ حفاظًا على هذه المرأة، التي هي مخلوقة من مخلوقات ربِّ العالمين، حالُها كحال الرجل، فكيف يظلم الله مخلوقًا خَلَقه؟!
 
فإذا كان الرجل قوَّامًا على المرأة، فإنَّ النساء كُرِّمن بسورة خاصَّة بهنّ، فيها من الضوابط والأحكام ما فيه؛ حفاظًا على كرامة المرأة وإنسانيتها، وحقوقها الاقتصادية والاجتماعية والشرعيَّة.
 
ما أتمنَّاه لكلِّ امرأة معذَّبة مضللة، تسعى نحو وهمٍ كاذب في الحرية التي فيها عبوديتها وهلاكها، حالها حال الفراشة الحائمة حولَ نور المصباح.
 
إنَّ رب العالمين خصَّ مريم بنتَ عمران بتكريم ربَّاني، وتطهير وتزكية، وهي امرأة.
 

الاختلاف بين الرجل والمرأة

هذا الدِّين الذي أقرَّ الاختلاف ليس تفضيلًا للرجل على المرأة، بل تفضيل لكلٍّ منهما على الآخر في كلِّ مجال من مجالات الاختلاف؛ قال تعالى {وَلاَ تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} [النساء: 32].
 
هذا الدِّين الذي أقرَّ الاختلافات بين الرِّجال والنساء، ونهانا عنها تربيةً لنا رجالًا ونساء؛ فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: ((لَعَن الله المتشبهين من الرِّجال بالنساء، والمتشبهاتِ من النساء بالرجال)).
 
وهذا الدِّين الذي أوصانا بالنِّساء خيرًا، فجعل مَن يكرمهنَّ هو الكريم، وأمرنا بالرِّفق بالقوارير، فقد كان آخِرُ كلام نبينا الحبيب -صلوات الله عليه وسلم-: ((أوصيكم بالنِّساء خيرًا)).
 

الدعوات الكاذبة

فإذا كانت الدعوات الكاذبة لأصحاب الفِكر الفاسد، والقلوب الخَرِبة، والنفسيات المشوهة، ذكورًا وإناثًا، وإن حاولوا أن يُغلِّفوها بغلاف من الزيف، ويُزيِّنوها بدعوات كاذبة، وشعارات رنانة؛ بدعوى السعي للدِّفاع عن حرية المرأة، أو تخليصها مِن ظُلم يقع عليها، أو تفعيل دورها في المجتمع....إلخ، وهي دعواتٌ كاذبة، تُغطَّى بستار من الضلالة، الغاية النهائية للمروِّجين والمروِّجات لأفكار (الجندر) بكل ما يحمل من تقليعات ومسميات من جندرة اللغة، وجندرة السياسة، وجندرة الأدب، وجندرة الأُسرة، وجندرة الاقتصاد...إلخ، مما أفرزته العقلياتُ المريضة، والنفسيات المشوهة المسيطرة في مؤتمرات بِكين والقاهرة، وصنعاء وروما، من أفكار رفضتها معظمُ الدول المشارِكة في هذه المؤتمرات؛ لأنَّها تتنافَى والفطرة.
 
ونرفضها نحن بقلوبنا، بعقولنا، بألسنتنا، وبكلِّ ما أوتينا من قوَّة؛ لأنها إذا كانت تتنافى مع الفطرة، فهي تصطدم بمعتقداتنا ودِيننا الإسلامي، وقِيَمِنا الأصيلة.
 
وهو رفضٌ لا يحمل شبهةَ الوقوف في وجه حقوق المرأة؛ بل هو رفضٌ يحافظ على المرأة، ويضعها في المكانة السامية التي اصطفاها لها ربُّ العالمين، بأقدس رسالة، وهي الأمومة التي رفعتْ درجتَها في الدِّين والدنيا ثلاثة أضعاف درجةِ الرجل؛ ((قال: أمك، ثم مَن؟ قال: أمك، ثم مَن؟ قال: أمك، ثم مَن؟ قال: أبوك))، هذا الاصطفاء الذي لم يقف عائقًا في وجه المرأة لأن تكونَ شاعرة وفارسة وممرِّضة..

فتحتَ جناح هذا الدِّين ترعرعت النِّساء، وسجلنَ للتاريخ أسمى أمثلة، وفي شتَّى المجالات، في التمريض كانت الصحابية رُفيدة، ونَسِيبة بنت كعب الفارسة، عنها يقول - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ما التفتُّ يومَ أُحد يمينًا ولا شِمالًا إلاَّ وأراها تقاتل دوني))، وفي الطبِّ كانت الطبيبة المداوية   الشِّفاء بنت عبدالله، وعلى هُدَى القرآن الكريم ودَرْب المصطفى إلى يومِنا هذا، كم مِن نَسيبة بنت كعب، وكم من الشفاء بنت عبدالله، ترعرعن في كنف أُسرة قامتْ على أساس مِنَ السكن والسكينة، وكان بين ركنيها - الرجل والمرأة - المودة والرحمة، وليس الصِّراع القائم على مفاهيمَ تناحرية مِن منطلق اعتقاد المرأة بأنَّ دورها في الأسرة عِبارةٌ عن اضطهاد لها، ويجب أن تُصارِع مضطهدَها؛ لتنتصرَ عليه، وإن لزم الأمرُ تبحث عن القوَّة والتمكين من خارج الأُسرة، والجندريون جاهزون!!
 
الحمد لله الذي أكرمنا بهذا الدِّين، يحترم آدميتَنا، ويُخرجنا من عبادة العِباد إلى عبادة ربِّ العباد، وأكرمنا بأن جعلنا مسلمين موحدين، وشرَّفَنا بأشرف الخَلْق محمَّد - صلَّى الله عليه وسلَّم - النبي الأمين، وشرَّفنا بالقرآن الكريم؛ حُجَّة على الكافرين والفاسقين إلى يوم الدِّين.
 
وكرَّمنا فلسطينيِّين على هذه الأرض المقدَّسة، ساحل من سواحل الشام، أو بيت المقدس وأكنافه، نعيش مرابطين محتسبِين، ونقضي شهداء - بإذن الله

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#الجندرية
اقرأ أيضا
من الغافل؟ | مرابط
تفريغات

من الغافل؟


وكل يوم تطلع فيه الشمس عليك صدقة -كما قال النبي صلى الله عليه وسلم- وكل يوم محسوب عليك وأقرب مثال نراه نحن -الآن- في حياتنا هو هذا التقويم الذي يعلق في البيوت وفي المساجد إذا أخذت كل يوم منه ورقة تفاجأ وإذا به قد انتهى وهكذا العمر كل يوم تأخذ منه ورقة وإذا بالعمر فجأة ينتهي فهذا فيه عبرة لمن اعتبر.

بقلم: سفر الحوالي
385
شبهة: اختلاط الرجال والنساء أثناء الوضوء في زمن الرسول | مرابط
أباطيل وشبهات

شبهة: اختلاط الرجال والنساء أثناء الوضوء في زمن الرسول


وأما الاحتجاج بحديث: كان الرجال والنساء يتوضؤون في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم جميعا..فلا أدري كيف يفهم منه الاختلاط فكيف يقول النبي عن الصلاة: اخير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها وخير صفوف النساء آخرها.. وهو قد جمعهم قبل الصلاة يتوضؤون جميعا ثم يفرقهم وقت الصلاة ولا ريب أن من فهم هذا الفهم أساء بالنبي فهما وتشريعا والمقصود به غير هذا المعنى.

بقلم: عبد العزيز الطريفي
342
مقصود القصص القرآني | مرابط
اقتباسات وقطوف

مقصود القصص القرآني


مما صد أكثر هذه الأمة عن تفهم القرآن ظنهم أن الذي فيه من قصص الأولين وأخبار المثابين والمعاقبين من أهل الأديان أجمعين أن ذلك إنما مقصوده الأخبار والقصص فقط كلا وليس كذلك إن ذلك إنما مقصوده الاعتبار والتنبيه بمشابهة متكررة في هذه الأمة من نظائر جميع أولئك الأعداد وتلك الأحوال والآثار

بقلم: فخر الدين أبو الحسن الحرالي
304
مخرجاتك مدخلاتك | مرابط
مقالات

مخرجاتك مدخلاتك


من أوجه الشبه بين الإنسان والحاسوب أن كلا منهما له مدخلات ومخرجات وصندوق معالجة والقاعدة المهمة في كليهما أن المخرجات من جنس المدخلات فلن يعالج الحاسوب أي بيانات لم يتعرف عليها وبالتالي لن يعطيك أي مخرجات بلا مدخلات.. ومع الإنسان الأمر ذاته في ذاته!!

بقلم: د. جمال الباشا
316
هل نقل شيء من القرآن بطريق الآحاد | مرابط
أباطيل وشبهات

هل نقل شيء من القرآن بطريق الآحاد


يقول بعض المشككين أن القرآن لم ينقل كله بالتواتر بدليل أن زيد بن ثابت لم يجد خاتمة سورة براءة إلا مع خزيمة الأنصاري وهو صحابي واحد إذ يقول زيد: فتتبعت القرآن أجمعه من الرقاع والأكتاف والعسب وصدور الرجال حتى وجدت من سورة التوبة آيتين مع خزيمة الأنصاري لم أجدهما مع أحد غيره لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم إلى آخرهما وبين يديكم الرد على هذه الشبهة

بقلم: د منقذ السقار
843
من آفات السوشيال ميديا: التغيير من أجل التغيير | مرابط
فكر اقتباسات وقطوف ثقافة

من آفات السوشيال ميديا: التغيير من أجل التغيير


من أجل استمرار تدفق اللايكات إلى حسابك أو في سبيل أن تصبح إنسانا عاديا في 2020م ينبغي عليك أن تتايع التريندات أولا بأول أو تطور أجهزتك الإلكترونية باستمرار أو أن تقرأ المنشورات الحديثة للشخصيات والصفحات المشهورة يشكل يومي نحن نعيش في حالة مجنونة من السرعة كل لحظة هناك شيء جديد وأمر متغير

بقلم: د إسماعيل عرفة
424