
معرفة الحق بدلائله وبراهينه حتى يطمئن إليه القلب وتسكن إليه النفس مقدم على معرفة ما قد يعارضه من الشبهات وكيف يكون الرد عليها، إذ لا يمكن دفع الباطل إلا بما تدل براهين الحق على بطلانه، ومن عكس الأمر فأشغل نفسه بالشبهات قبل أن يكون قد حصل له التمكن من اليقين بالحق فيخشى عليه أن يضطرب حاله حتى لا يعود يدري ما الحق ولا كيف يدفع ما وقع له من الشبهات.
والقلب أميل إلى ما سبق إليه من حق أو باطل، فمن استقر عنده العلم بالحق استقامت فطرته، واطمأن قلبه، واهتدى بما آتاه الله من النور إلى كشف ما قد يعرض له من الباطل، ومن سبقت إلى قلبه الشكوك والشبهات فقد تحول بينه وبين الهداية حتى مع ظهور دلائلها، ويكون حاله كحال من يسعى في دفع الصائل وليس عنده من السلاح ما يحمي به نفسه.
ومن تأمل حال أهل البدع والضلالات وما حصل لهم من الانحراف عن الحق مع ظهور براهينه، والشذوذ عن طريق أهل العلم، وجد أنه إنما حصل لهم ذلك لأنه قد سبقت إلى قلوبهم شكوك وشبهات لم يمكنهم دفعها، بل صار ما تمكن في قلوبهم من الشبهات عندهم محكمات يناقضون بها الأصول الواضحات، وهم مع ذلك يحسبون أنهم يحسنون صنعا.