دلالة القرآن على أن السنة وحي الجزء الثاني

دلالة القرآن على أن السنة وحي الجزء الثاني | مرابط

الكاتب: أحمد يوسف السيد

2527 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

الوجه الثاني من وجود دلالة القرآن على أن السنة وحي:

 

تكفل الله ببيان القرآن، وإخباره عن رسوله بأنه يبين للناس ما نُزل إليهم.
 
المقصود بهذا الوجه: الإثبات بأن للقرآن بيانًا تكفل الله به، وأنه جعل هذا البيان على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، وهذا يدل على أنه من عنده سبحانه، خاصة وأن من هذا البيان الثابت عن رسوله ما لا يحتمل أن يكون محل اجتهادٍ منه، كتحديد عدد الصلوات وركعاتها ومواقيتها.
 
و تكفُّل الله ببيان القرآن جاء بقوله: {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} [القيامة:١٧-١٩]

 

قال ابن كثير:

 

"ثم إن علينا بيانه”: أي بعد حفظه وتلاوته نبيِّنُه لك ونوضحه، ونلهمك معناه على ما أردنا وشرعنا.

 

وإخبارُه بأن رسوله مبين للقرآن جاء بقوله:{وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}

 

قال القرطبي:

 

“لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ” في هذا الكتاب من الأحكام والوعد والوعيد بقولك وفعلك; فالرسول صلى الله عليه وسلم مبين عن الله عز وجل مراده مما أجمله في كتابه من أحكام الصلاة والزكاة, وغير ذلك مما لم يفصله.

 

وسأكتفي هنا بهذا العرض المجمَل، لاشتراك هذا الوجه مع ما سيأتي في الطريق الثالث من طريق دلالة القرآن على حجية السنة، وسأفصل في ذلك الموضع -إن شاء الله تعالى.

 

الوجه الثالث من وجوه دلالة القرآن على أن السنة وحي:

 

الآيات الدالة على نزول الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم في مقامات معينة بأحكام وأخبار ليست مذكورة في نص القرآن. 

 

والاستدلال بهذه الآيات على درجتين:
الأولى: عدم انحصار الوحي في القرآن -وهذا مهم في الرد على المنكرين-.
الثانية: أن من سنة النبيصلى الله عليه وسلم ما هو وحي.

 

وسأكتفي بذكر أربعة مواضع من القرآن تدل على ذلك:

 

الموضع الأول: دلالة آيات الإخبار بنزول الملائكة في بدر:

 

جاء في سورة آل عمران أن النبي وعد صلى الله عليه وسلم أصحابه بأن الله سيُمدّهم بثلاثة آلاف من الملائكة مُنزَلين، وذلك يوم بَدْر فقال:{إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَن يَكْفِيَكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُنزَلِينَ}
 
ولا شك أن هذا الخبر من النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه لا يكون إلا بوحي، لأنه لا محل فيه للاجتهاد والتخمين، والإيحاء بهذا الخبر ليس مذكورًا في القرآن؛ وإنما هو مما أوحاه الله إلى النبي خارج النص القرآني.

 

قال الطاهر بن عاشور:

 

والمعنى: إذ تعِد المؤمنين بإمداد الله بالملائكة، فما كان قول النَّبي صلى الله عليه وسلم لهم تلك المقالة إلاّ بوعد أوحاه الله إليه أن يقوله.

 

الموضع الثاني: دلالة آيات تحويل القبلة:

 

من المعلوم أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان يتوجه أولَ الإسلام في صلاته إلى الشام، حتى بعد هجرته إلى المدينة، مع تطلعه إلى أن تكون الكعبةُ قبلتَه، وما كان يمنعه من التحول إلى القبلة التي يتطلع إليها إلا أنه مأمور من الله بخلاف ذلك، حتى نزل عليه قول الله سبحانه: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا} [البقرة : ١٤٤]. والقبلة التي يرضاها هي الكعبة كما هو معلوم؛ فإن تتمة الآية {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} والسؤال المتوجه هنا هو: أين الأمر الإلهيُّ له باستقبال القبلة السابقة للكعبة؟
 
ومن المعلوم أن هذا الأمر ليس مذكورًا في القرآن، فيكون هذا دليلًا على أن نزول الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم ليس منحصرًا في النص القرآني، والله أعلم.

 

وقد جرى لي موقف طريف مع أحد منكري السنة إنكارًا كلّيًا في دلالة هذه الآيات على المعنى المذكور، فحين سألته أين الأمر الأول باستقبال الشام فوجئتُ به يقول:
إن القبلة لم تتحول أصلًا، وإنما هذا قول السفهاء! يعني قول الله سبحانه {سَيَقُولُ السُّفَهَاء مِنَ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا}[البقرة:١٤٢]
 
فقلت له: إن السفهاء لم يدّعوا تحوّل القبلة ابتداء وإنما كان سؤالهم وتشغيبهم في سبب التحول، فقالوا {مَا وَلاَّهُمْ} أي لأيّ شيء تولّوا وتحولوا؟ وهذا ظاهر جدًا، وبعد منازعة طويلة منه في ذلك، انتقل إلى المطالبة بأمر فرعي ليس متعلقًا بأصل الاستدلال، وهو الإثبات بأن القبلة كانت إلى الشام، فقلتُ له: ليس الشأن في أنها كانت إلى الشام أو إلى اليمن، وإنما الشأن في أنها كانت إلى غير الكعبة، وفي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان راغبًا في أن تكون إليها، ولم يمتنع من تحقيق رغبته إلا لأنه مأمور بخلافها، حتى نزل عليه قول الله (فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) فالسؤال متوجه إلى البحث عن الأمر الإلهي الأول باستقبال جهة لم تكن الكعبة أصالةً، وليس متوجهًا إلى تحديد تلك الجهة عينًا!
فلم يزد على تكرار سؤاله هاربًا من مأخذ الاستدلال الحقيقي، ولم يكن ذلك غريبًا لمن عرف حال القوم وما سلبهم الله من الفهم الصحيح.

 

الموضع الثالث: دلالة آيات سورة التحريم: 

 

قال الله تعالى: (وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ) [التحريم: ٣]
وموضع الشاهد من الآية، قوله سبحانه: (وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ) وقوله: (قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ)
ومن المعلوم أن إنباء الله نبيه -بالوحي- بما نبّأت به زوجته ليس مذكورًا في نص القرآن، فدلّ ذلك على دلّت عليه الأمثلة السابقة من أنّ الوحي النازل على رسول الله أوسع مما حُفِظ بين الدفتين.

 

الموضع الرابع: دلالة فتح مكة مع آيات تحريمها:

 

من المعلوم أن الله سبحانه قد حرّم مكة، وجعلها آمنة، وسماها: المسجد الحرام، وذكر هذا في كتابه العزيز في مواضع كثيرة، منها قوله:{إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَٰذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ ۖ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [النمل ٩١]، ثم نجد أنه قد تواتر في نقل العامة والخاصة أن النبي صلى الله عليه وسلم قد حاصر مكة بجيشه وسلاحه بعد أن نقض المشركون العهد معه، ثم فتحها ودخلها، وقد تواتر عنه أنه قام يوم فتحها في الناس قائلًا: (إن الله قد أحلّها لي ساعة من نهار) ثم نجد أن الله في كتابه أثنى على هذا الفتح بقوله (إذا جاء نصر الله والفتح) [النصر: ١].
 
والسؤال: أين ورد الإذن من الله لنبيه صلى الله عليه وسلم بفتح مكة بالسلاح بعد أن نصّ سبحانه على تحريمها في القرآن؟
والجواب: أن ذلك ليس مذكورًا في نص القرآن، بل المذكور الثناء على الفتح بعد أن وقع وتمّ، فالإذن بذلك-إذًا- مما أوحى الله لنبيه، والوحي أعم من أن يكون منحصرا فيما نزل من القرآن فقط.

 


 

المصدر:

  1. أحمد بن يوسف السيد، تثبيت حجية السنة ونقض أصول المنكرين، ص24
تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#حجية-السنة
اقرأ أيضا
إنما أهلك من قبلكم الدينار | مرابط
تفريغات اقتباسات وقطوف

إنما أهلك من قبلكم الدينار


إن الإسلام لا ينهى عن جمع المال وعن كسبه من طريق مشروع حلال لكن المشكلة هذا الجمع كم أولئك الناس الذين يتيسر لهم الجمع من طريق مشروع ثم إن توفر لهم ذلك فكم هم أولئك الذين يصرفون هذا المال المكتسب من طريق مشروع في طريق مشروع قليل جدا

بقلم: محمد ناصر الدين الألباني
513
وصف حي لتسليم غرناطة | مرابط
تاريخ

وصف حي لتسليم غرناطة


وفي الثاني من ربيع الأول 897ه كانون الثاني يناير سنة 1492م وفي وقت الصباح تم تسليم المدينة فما أن تقدم النصارى الإسبان القشتاليون من تل الرخى صاعدين نحو الحمراء حتى تقدم أبو عبد الله الصغير وهو يلبس أثواب الهزيمة وعلى وجهه العار والشنار وقال للقائد القشتالي بصوت مسموع: هيا يا سيدي في هذه الساعة الطيبة وتسلم القصور -قصوري- باسم الملكين العظيمين اللذين أراد لهما الله القادر أن يستوليا عليها لفضائلهما وزلات المسلمين

بقلم: علي محمد الصلابي
4248
الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف | مرابط
مقالات

الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف


هذا البيت الذي غاب رجله عن الفعل والتربية سيخرج أبناء وبنات لا يستطعون إقامة بيوت سوية بصورة طبيعية لأنهم فقدوا الجزء التربوي الأهم في فترة التنشأة.الكلام على مرارته معروف نعيشه جميعا .. إذن ما الحل: الحل القريب: أن نحاول المحافظة على بنية الأسرة الطبيعية بكل ما نملك على روابطنا ببعضنا مهما كانت حالتنا المعيشية .. أن نوطن أنفسنا على التحمل في سبيل عدم خسارتنا لأنفسنا.

بقلم: محمد حشمت
329
الإنسان ودوامات الحياة | مرابط
اقتباسات وقطوف

الإنسان ودوامات الحياة


لحظة الصدمة تقع دوما حين يتذكر المؤمن لحظة لقاء الله وقرب هذه اللحظة..وقد أشار القرآن إلى مفارقة مؤلمة وهي شدة قرب لقاء الله مع كون الإنسان يغفل كثيرا عن هذه الحقيقة لقاء الله قريب ولا زلنا غافلين كما قال تعالى: اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون.

بقلم: إبراهيم السكران
411
حاضر العالم الإسلامي | مرابط
فكر مقالات مناقشات

حاضر العالم الإسلامي


رغم التطورات التكنولوجية الجديدة في عالمنا المعاصر إلا أن الأمة الإسلامية تزداد بعدا وتفرقا وتشتتا ويزداد المسلمون شقاقا وخلافا فيما بينهم وقلما تجد مسلما يعرف شيئا كبيرا من أخبار إخوانه وجيرانه المسلمين وهذا بجانب ما ضربته وفرضته الحدود من شقاق فوق الشقاق القائم فصار المسلمون متشرذمون متباعدون لا يجمعهم الدين كما كان سابقا وفي المقال يتحدث العلامة محمود شاكر عن هذا الأمر من وحي كتاب حاضر العالم الإسلامي

بقلم: محمود شاكر
2356
نتائج الاختلاط الغربي | مرابط
فكر

نتائج الاختلاط الغربي


ومن المهم أن نلاحظ هاهنا أنه مع كل ما وضعت النظم الغربية من قوانين لمنع التحرش ومنع علاقات استغلال النفوذ ومع شدة فعاليتها التنفيذية لأنظمتها وقوانينها فإن ذلك كله لم يمنع المشكلة من كونها لا تزال متفاقمة بسبب كون المجتمع الغربي لا يزال مصرا على الاختلاط فهو يهيج الأسباب ويحاول عرقلة النتائج بالقوانين وهذه مناقضة لطبيعة الأمور.

بقلم: إبراهيم السكران
310