هل كانت زوجة عمر ترفع صوتها عليه؟

هل كانت زوجة عمر ترفع صوتها عليه؟ | مرابط

الكاتب: الإسلام سؤال وجواب

330 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

هل ثبت أن زوجة عمر رضي الله عنه كانت ترفع صوتها فيسكت عنها ويصبر عليها؟

السؤال
أفيدوني يرحمكم الله في صحة الخبر المنتشر في الآونة الأخيرة على الإنترنت، وفيه أن رجلا غضب من زوجته؛ لأنها ترفع صوتها عليه، فذهَب إلى عـُمـر بن الخـَطـاب ليشكُوها، وعندما وصل وهمّ بطرق الباب، سمع زوجة عمر صوتها يعلو على صوته! فرجع يجر أذيال الخيبة. فما صحة هذا الخبر؟ وإذا صح: فهل يستدل به على جواز رفع صوت الزوجة على زوجها؟

الجواب
الحمد لله..
أولا:
هذه القصة والتي مفادها أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى عُمَرَ يَشْكُو إلَيْهِ خُلُقَ زَوْجَتِهِ فَوَقَفَ بِبَابِهِ يَنْتَظِرُهُ فَسَمِعَ امْرَأَتَهُ تَسْتَطِيلُ عَلَيْهِ بِلِسَانِهَا وَهُوَ سَاكِتٌ لَا يَرُدُّ عَلَيْهَا، فَانْصَرَفَ الرَّجُلُ قَائِلًا: إذَا كَانَ هَذَا حَالَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَكَيْفَ حَالِي؟ فَخَرَجَ عُمَرُ فَرَآهُ مُوَلِّيًا فَنَادَاهُ: مَا حَاجَتُك يَا أَخِي؟ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ جِئتُ أَشْكُو إلَيْك خُلُقَ زَوْجَتِي وَاسْتِطَالَتَهَا عَلَيَّ فَسَمِعْتُ زَوْجَتَكَ كَذَلِكَ فَرَجَعْت وَقُلْت: إذَا كَانَ هَذَا حَالَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ مَعَ زَوْجَتِهِ فَكَيْفَ حَالِي؟ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: إنَّمَا تَحَمَّلْتُهَا لِحُقُوقٍ لَهَا عَلَيَّ: إنَّهَا طَبَّاخَةٌ لِطَعَامِي خَبَّازَةٌ لِخُبْزِي غَسَّالَةٌ لِثِيَابِي رَضَّاعَةٌ لِوَلَدِي، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهَا، وَيَسْكُنُ قَلْبِي بِهَا عَنْ الْحَرَامِ، فَأَنَا أَتَحَمَّلُهَا لِذَلِكَ، فَقَالَ الرَّجُلُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَكَذَلِكَ زَوْجَتِي؟ قَالَ: فَتَحَمَّلْهَا يَا أَخِي فَإِنَّمَا هِيَ مُدَّةٌ يَسِيرَةٌ.

فهذه القصة لم نجد لها أصلا، ولا وجدنا أحدا من أهل العلم بالحديث تكلم عليها بشيء، وإنما ذكرها الشيخ سليمان بن محمد البجيرمي الفقيه الشافعي في "حاشيته على شرح المنهج" (3/ 441-442)، كما ذكرها أيضا أبو الليث السمرقندي الفقيه الحنفي في كتابه "تنبيه الغافلين" (ص: 517)، وكذا ابن حجر الهيتمي في "الزواجر" (2/80) ولم يذكر واحد منهم إسنادها، بل صدروها كلهم بصيغة التمريض التي تفيد التضعيف عادة: " ذُكر أن رجلا "، " روى أن رجلا "، وهذا مما يدل على أن القصة لا تصح.

ويؤيد ذلك ما يلي:
- مخالفتها للمشهور عن عمر رضي الله عنه في سيرته من كونه كان مهابا في الناس، فكيف بزوجاته؟ وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما: " مكثت سنة أريد أن أسأل عمر بن الخطاب عن آية فما أستطيع أن أسأله هيبة له " رواه البخاري (4913) ومسلم (1479).
وقال عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ: " شَهِدْتُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَوْمَ طُعِنَ فَمَا مَنَعَنِي أَنْ أَكُونَ فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ إِلَّا هَيْبَتُهُ، وَكَانَ رَجُلًا مَهِيبًا " "حلية الأولياء" (4/151).

- رفع صوت زوجة عمر عليه رضي الله عنهما حتى يسمعها من بالخارج وهو ساكت منكَر غير محتمل، والذي يعرف حال أمير المؤمنين ينكر ذلك بالقطع، وهو الذي كان يخاف الشيطان منه، ولو سلك فجا لسلك الشيطان فجا غير فجه، ورَفْعُ النساء أصواتهن واستطالتهن على أزواجهن لا يعرف في السلف.

- قوله " إنَّهَا طَبَّاخَةٌ لِطَعَامِي خَبَّازَةٌ لِخُبْزِي غَسَّالَةٌ لِثِيَابِي رَضَّاعَةٌ لِوَلَدِي، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهَا " قول غير صحيح، وخدمة المرأة زوجها واجبة عليها بالمعروف، راجع جواب السؤال رقم: (119740) وخاصة الرضاع، فإنه يجب عليها إرضاع أولادها إذا كانت في عصمة زوجها بلا أجرة، راجع جواب السؤال رقم (130116).

والخلاصة: أن هذه القصة لا أصل لها، ومتنها ينادي عليها بالنكارة وعدم الصحة.. وعلى ذلك: فلا يصح الاستدلال بها على جواز رفع الزوجة صوتها على زوجها.

ثانيا:
رفع الزوجة صوتها على زوجها من سوء الأدب وسوء العشرة، فلا يجوز ذلك.
سئل الشيخ ابن عثيمين: ما حكم الزوجة التي ترفع صوتها على الزوج في أمور حياتهم الزوجية؟

فأجاب رحمه الله تعالى: " نقول لهذه الزوجة إن رفع صوتها على زوجها من سوء الأدب؛ وذلك لأن الزوج هو القوام عليها وهو الراعي لها فينبغي أن تحترمه وأن تخاطبه بالأدب؛ لأن ذلك أحرى أن يؤدم بينهما وأن تبقى الألفة بينهما.
كما أن الزوج أيضاً يعاشرها كذلك، فالعشرة متبادلة، قال الله تبارك وتعالى: ( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً ).

فنصيحتي لهذه الزوجة أن تتقي الله عز وجل في نفسها وزوجها، وأن لا ترفع صوتها عليه لا سيما إذا كان هو يخاطبها بهدوء وخفض الصوت ". انتهى من"فتاوى نور على الدرب" (19/ 2) - بترقيم الشاملة.
والله تعالى أعلم.

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#عمر-بن-الخطاب
اقرأ أيضا
المدارس العالمية وتعلم اللغات | مرابط
فكر لسانيات

المدارس العالمية وتعلم اللغات


لي تجربة مع ولدي كان العمل يعطيني بدلا للتعليم يدخله أغلى مدرسة دولية لكنني فضلت لغة دينه وأمته ثم لما اطمأننت عليها دفعته قبل الجامعة بعام أو عامين لتعلم الإنجليزية فأتقنها وها هو الآن يدرس بها فلا هو ضيع لغته ودينه ولا هو تأخر عن غيره من أهل اللغة التي يدرسونها منذ نعومة أظفارهم على حساب لغة قرآنهم وأمتهم.

بقلم: د.خالد حمدي
391
لو كان فيها آلهة إلا الله لفسدتا | مرابط
اقتباسات وقطوف

لو كان فيها آلهة إلا الله لفسدتا


مقتطف لابن قيم الجوزية رحمه الله من كتاب مفتاح دار السعادة يعلق فيه على قول الله تبارك وتعالى لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا ولماذا عبر سبحانه بالآلهة وليس الأرباب وكيف أن هذا الفساد يعود إلى عبادة غير الله تعالى أي أنه في معنى الألوهية

بقلم: ابن قيم الجوزية
1948
التصور الإسلامي للنسوية: الجزء الأول | مرابط
فكر مقالات النسوية

التصور الإسلامي للنسوية: الجزء الأول


تستعرض المؤلفة في هذا المقال بعض القواعد والأسس والكليات والأصول الدينية التي فيها رد ضمني على منطلقات التيار النسوي ومرتكزاته وأعمدته الفلسفية والفكرية سنرى هنا كيف تعامل الإسلام مع المرأة وما هي صورة المرأة في الإسلام هل فعلا هناك ظلم واقع عليها أم لا وهل هناك دونية أو نظرة استعلاء من قبل الرجل للمرأة في الإسلام أم لا وغير ذلك من التساؤلات والمرتكزات النسوية

بقلم: د وضحى بنت مسفر القحطاني
2330
شهادة امرأة غربية | مرابط
اقتباسات وقطوف

شهادة امرأة غربية


كان النساء يعاملن على أنهن كائنات أدنى حتى جاء الإسلام.. في الحقيقة نحن النساء لا زلنا نعاني في الغرب حيث يعتقد الرجال أنهم أرقى من النساء. وهذا أمر من الممكن أن نراه في نظم الترقية والرواتب من عاملات التنظيف إلى النساء في مجالس الإدارة. النساء الغربيات لا زلن يعاملن كسلعة حيث الاستعباد الجنسي في علو وإن كان يتغطى تحت كنايات تسويقية حيث تروج أجساد النساء عبر عالم الإعلانات.

بقلم: إيفوني ردلي
208
من فضائل أم سليم | مرابط
المرأة

من فضائل أم سليم


هذه أم سليم رضي الله عنها علمتنا هذا الأصل في الحديث المشهور كان لها ولد مريض ثم ذهب أبو طلحة للتجارة فمات الولد فقالت أم سليم: لا أحد يخبره حتى أكون أنا أول من يخبره.

بقلم: أبو إسحق الحويني
225
بناء المساجد.. وبناء البشر | مرابط
مقالات

بناء المساجد.. وبناء البشر


جل أهل السير كانو يجعلون دوما بناء المسجد النبوي في المقدمة.. في مطلع العهد المدني وبعد الهجرة مباشرة كان اختيار المكان الذي سيكون المستقر الجديد للمؤمنين ومحل اجتماعهم على الطاعة وتلقي الوحي المنزل على رسول الله وبالفعل كان البناء المكاني لكن كثيرون لا يلتفتون إلى بناء آخر سبقه.. بناء البشر وبناء العلاقة بينهم

بقلم: د. محمد علي يوسف
221