الفروق بين الجنسين

الفروق بين الجنسين | مرابط

الكاتب: مجلة أوج

421 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

قد تكون فكرة الفروق بين الجنسين بغيضة بالنسبة للبعض هذه الأيام، ولكن الإسلام يطالب بأن نعترف بها كواقع هام. يقول الله تعالى "وليس الذكر كالأنثى" إن رفض الاعتراف بالاختلافات التي خلقها الله في الكون بما فيها الاختلافات بين الجنسين لا يتعارض فقط مع الحقائق المقدسة البينة، بل يضرب أيضًا أساس الأسرة والمجتمع.

أي مناقشة للفروق بين الجنسين في الإسلام ينبغي أن تسبقها كلمات النبي، صلى الله عليه وسلم "النساء شقائق الرجال" يبين الخطابي، رحمه الله، أن من بين المعاني المقصودة هنا هو أن أي حكم شرعي في الإسلام ينطبق تلقائيًا على الذكور والإناث ما لم يوجد دليل نصي يثبت اختلافا.

بعض هذه الاختلافات تتعلق بالشعائر مثل أن النساء يعفين من الصلاة والصيام أثناء الحيض والنفاس، وبعضها الآخر يتعلق بالمجال الاجتماعي؛ مثل التعامل بين الرجال والنساء في المجتمع.

يتفق العديد من المسلمين وغير المسلمين -صراحة أو ضمنا- على أن هناك اختلافات جوهرية بين الذكور والإناث رغم أنهم قد يختلفون في الرأي ويتعرضون لقلق حاد حول موضع هذه الاختلافات، وما قد تعنيه، وكيف تقام العدالة في ضوئها، بالنسبة للمسلمين الذين تعتبر مرجعيتهم العليا خالق الذكور والإناث (لا ذاتية الإنسانية العلمانية)، وهو العادي الذي كلف البشر باخترام العدالة، يكون من المتوقع أن بعض الحقائق الأولية عن الوجود وعن طبيعتنا الإنسانية وحقوق ومسؤوليات كل منا تحدد بوضوح تماما كما هي في القرآن والسنة الصحيحة.

ربما يكون التحدي الأكبر الذي يواجه الاعتراف بالفوارق بين الجنسين اليوم هو ميل المجتمعات الحديثة إلى قياس قيمة النساء اليوم بمقارنتهن بالرجال بدلا من مقارنتهن بأفضل النسخ الممكنة من  أنفسهن (أقصى إمكاناتهن). الآثار الاجتماعية والنفسية والعاطفية السلبية لهذه المقارنة المضللة مروعة.

تشجيع النساء على تقدير قيمتهن الذاتية بمقارنتها بالرجال ضرر جسيم بالمرأة والمجتمع؛ ﻷنه يستند إلى الاعتقاد بأن عمل الرجال أكثر قيمة من عمل النساء. وما فعله هذا التفكير في الواقع أن جعل الذكر المثل الأعلى الذي ينبغي أن يتطلع إليه كلا من الرجال والنساء. المرأة التي تطمح إلى أن تكون مثل الرجل -كمثلها الأعلى- لا تؤدي إلى تآكل مواطن قوتها الأنثوية فحسب، بل يجعلها هذا في مفارقة مأساوية تطارد الأهداف التي وضعت من قبل الرجال ولأجلهم. وسواء أكانت المرأة تطمح إلى أن تكون من جنود المشاة البحرية الأمريكية، أو أي شيء آخر تسعى من خلاله لإنكار الفروق بين الجنسين فهذه المطامح تنطوي على العيش في ظل شخص آخر.

يقدم الإسلام للمرأة حرية أكثر معقولية من خلال الإصرار على أن للمرأة قيمة بطبيعتها وأنها تقدم مساهمات أنثوية بدونها لا يمكن لمجتمع صحي أن يزدهر. عندما كان العرب معتادون على دفن بناتهم الرضع أحياء معتبرين إياهم مسؤولية مخزية (مقارنة بالفتيان الذين بإمكانهم القتال والكسب)، لم يدافع النبي، صلى الله عليه وسلم، عن قضية المرأة بإقرار المقياس الخاطئ الذي استخدمه المجتمع في ذلك الوقت. لم ير بأن النساء ينبغي تكريمهن لأنهن كن أقوياء جسديا في المعركة مثل الرجال، أو لأن بإمكانهن تحقيق نفس القدر من الفوائد الاقتصادية للقبيلة مثل الرجال. وبدلا من ذلك أصر على أن يقدرن بسبب طبيعتهن المختلفة. وذكرنا -صلى الله عليه وسلم- بالعطف على أمهاتنا ثلاث مرات قبل الآباء

ويسلط القرآن الضوء على أن الاحتفاء بالأمهات يبرره فضائل الأعمال التي يلتزمن بها تجاه أبنائهن من حمل وولادة ورضاع وفطام. وعلمنا -صلى الله عليه وسلم- أن تربية ابنتين بحرص من شأنه جعل الشخص قريبًا من أفضل أنبياء الله في الجنة. وأن قيمة الرجل عند الله ترتبط ارتباطا وثيقًا بكيفية معاملته لزوجته وراء الأبواب المغلقة، وكيف يحمي عائلته بتفان من المخاطر.

للأسف، العديد من مناقشات حقوق المرأة في العصر الحديث تردد نفس العقلية المادية البالية التي جاء الإسلام لعلاجها. في هذه النظرة العالمية السعي وراء مهنة مربحة ماليا الطموح الوحيد الجدير بالاهتمام، في حين أن اختيارات مثل التخصص في الأمومة أو التدبير المنزلي يقلل منها. ولهذا السبب نجد أن الحياة المكرسة للأمومة وأعمالها البطولية أصبح ينظر إليها من قبل الكثيرين على أنها هدر ذريع؛ ﻷنها لا تؤدي إلى النمو الاقتصادي.

وقد وصفت Mayo Clinic إثقال النساء بالعبء والتقليل المستمر منهن، في مقالة صدرت مؤخرا بعنوان (الاكتئاب عند النساء فهم الفجوة بين الجنسين)، والتي تذكر أن (إصابة النساء بالاكتئاب حوالي ضعف عدد إصابة الرجال، وأن هناك عدة عوامل قد تزيد من احتمالية إصابة النساء بالاكتئاب.. فغالبا ما تعمل النساء خارج المنزل ومع هذا يتحملن مسؤوليات المنزل أيضًا.. وتتصدى العديد من النساء لتحديات إعالة الأسرة منفردات؛ مثل العمل بوظائف متعددة لتغطية النفقات. أيضًا، قد تقوم النساء برعاية أطفالهن بينما يقمن أيضًا برعاية المرضى أو كبار السن، من أفراد الأسرة). وتقترح المقالة أيضًا أن التغيرات الهرمونية في مختلف مراحل حياة المرأة (ألحمل والنفاس، وانقطاع الطمث، وما إلى ذلك) المصحوبة بمثل هذه الضغوطات، قد تساهم في ارتفاع معدلات الإصابة بالاكتئاب في النساء أكثر من الرجال.

ومن المؤكد أن قيمة المرأة لا ترتبط بالحمل والأمومة. العديد من النساء التقيات لم يلدن أطفالا ومنهن السيدة عائشة رضي الله عنها، والتي على صدرها لفظ حبيبنا النبي، صلى الله عليه وسلم، أنفاسه الأخيرة، ولإسهاماتها الفكرية الهائلة سيظل المسلمون مدينون لها. كما لا يقلل من قيمتها عدم قدرتها على جذب أفضل الخاطبين لها، لئلا نستهين ببعض ممن هن أكثرهن تقوى عبر التاريخ ممن لم يتزوجن قط، أو أولئك اللاتي تزوجن من مفسدين؛ مثل آسية -رضي الله عنها- زوجة فرعون. لكن، على نحو مشابه جعل الغرض النهائي للإنسان أي أهداف مادية، شيء خلق الناس جميعًا -رجالا ونساء- لتجاوزه (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون).

إن سيل الرسائل التي تترد في مجتمع مادي لا يجعل فقط بعض النساء ستخففن بالأمومة، لكن يجعل أيضًا بعض الرجال يشعروا بانخفاض القيمة عندما يشعرون بأن كل ما يقومون به هو إعالة أسرهم (فقط)، من خلال أي وظيفة يمكنهم الحصول عليها، ومثلما يجد النساء أنفسهن غير راضيات عندما يقارن أنفسهن بالرجال من حيث العمل خارج المنزل والقدرة على الكسب، يشعر العديد من الرجال بالغضب عندما ينافسون بعضهم البعض في سباق الفئران من أجل الحصول على وظائف ذات راتب أعلى ومناصب أكثر بريقًا. يوضح هذا المأزق جانبا آخر للحرية في الإسلام وهو أنه: لا ينبغي أبدًا قبول الثروة المادية كعامل حاسم للقيمة في مجتمع عادل. كل البشر لهم قيمة ومكرمون بحكم إنسانيتهم، ثم يتمايزون أكثر في ضوء إخلاصهم لله، وكيف يتصرف كل منهم بإمكانياته الفريدة التي وهبها الله له.

 


 

المصدر:

مجلة أوج

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#الفروق-بين-الجنسين
اقرأ أيضا
الليبرالية السعودية والتأسيس المأزوم ج4 | مرابط
أبحاث الليبرالية

الليبرالية السعودية والتأسيس المأزوم ج4


المراقب الواعي إذا تجول في مخرجات التيار الليبرالي ووقف على أبرز محطاته وسلط الأضواء على مرتكزاته المعرفية تصيبه الدهشة بسبب ما يراه من الفقر الشديد في مؤهلات النمو الصحي وبسبب ما يلحظه من الهشاشة الكبيرة في مرتكزات شرعية وجوده في الساحة الفكرية وسيكتشف أن الليبرالية السعودية تعاني من أزمة فكرية ومنهجية عميقة أزمة في المصطلح وأزمة في الخلفيات الفلسفية وأزمة في السلوكيات اليومية وأزمة في الالتزام بالقيم وأزمة في الاتساق مع المبادئ وأزمة في الاطراد وأزمة في التوافق بين أسس الليبرالية وبين قطع...

بقلم: سلطان العميري
1508
محاسن الإسلام في الأبواب التي يلج منها المشككون فيه | مرابط
تعزيز اليقين مقالات

محاسن الإسلام في الأبواب التي يلج منها المشككون فيه


إذا تأملنا في الشبهات المثارة ضد تشريعات الإسلام وأحكامه العملية فإننا نجد أنها تمر -في الغالب- من ثلاثة أبواب: وهي الجهاد والمرأة والحدود وإذا أمعناالنظر في كل باب من هذا الأبواب من جهة مقاصدها التشريعية وتفصيلات الأحكام المتعلقة بها فسنجد فيها من الحكمة والحسن والجمال ما يصح لنا أن نفخر به لا أن نواريه ونخجل منه

بقلم: أحمد يوسف السيد
860
المؤامرة على المرأة المسلمة ج1 | مرابط
تفريغات المرأة

المؤامرة على المرأة المسلمة ج1


مرت بالأمة الإسلامية عصور تراجعت فيها عن كتاب ربها وسنة نبيها صلى الله عليه وسلم وعن العقيدة الصحيحة عقيدة السلف الصالح ودخلتها الضلالات والبدع من كل جهة حتى جاءت الحملة الصليبية الكبرى التي تسمى حملة نابليون وعندما قدم نابليون قدم معه عاهرات الفرنجة مرة أخرى ولكن الأمة اختلفت نظرتها هذه المرة عنها في المرة السابقة فأخذوا يكتبون ويقولون -وإن كتب ذلك بعد نابليون - إن المرأة الفرنسية متحضرة متطورة ناهضة وأن على المرأة المسلمة أن تقلدها وأن تحتذي حذوها

بقلم: سفر الحوالي
617
العربية الفصحى وبداية اللحن | مرابط
لسانيات

العربية الفصحى وبداية اللحن


فلما انتشر الإسلام وامتدت فتوحاته ازداد اختلاف لهجات المحادثة بسبب اختلاط العرب بالأعاجم وانتقال العربية إلى الأمصار واختلاف القبائل العربية النازلة بتلك الأمصار واختلاف الشعوب الأعجمية المجاورة لها وكان من أول مظاهر ابتعادها عن الفصحى اللحن وهو أول أدواء العامية

بقلم: د نفوسة زكريا
410
اللسان العربي والعلوم العقلية | مرابط
لسانيات

اللسان العربي والعلوم العقلية


تغيرت طبيعة التعبير اللغوي بتأثير من العلوم العقلية المتغلغلة في الأمة وقد ظهر هذا الأثر في مجالين كبيرين: الأدب والعلوم الشرعية وهناك الكثير من الشواهد التي لا تحصى على تغير اللسان وابتعاده عن اللسان الأول بسبب تأثر العبارة الشرعية بالمنطق اليوناني خصوصا وبالعلوم العقلية عموما

بقلم: البشير عصام المراكشي
527
منزلة السنة من الكتاب الكريم الجزء الأول | مرابط
تعزيز اليقين فكر مقالات

منزلة السنة من الكتاب الكريم الجزء الأول


إن القرآن روح الإسلام ومادته وفي آياته المحكمة شرع دستوره وبسطت دعوته وقد تكفل الله بحفظه فصينت به حقيقة الدين وكتب لها الخلود أبد الآبدين والرجل الذي اصطفاه الله لإبلاغ آياته وحمل رسالاته كان قرآنا حيا يسعى بين الناس كان مثالا لما صوره القرآن من إيمان وإخبات وسعي وجهاد وحق وقوة وفقه وبيان فلا جرم أن قوله وفعله وتقريره وأخلاقه وأحكامه ونواحي حياته كلها تعد ركنا في الدين وشريعة للمؤمنين إن الله اختاره ليتحدث باسمه ويبلغ عنه فمن أولى منه بفهم مراد الله فيما قال ومن أولى منه بتحديد المسلك الذي...

بقلم: محمد الغزالي
1487