مع القلوب الصخرية

مع القلوب الصخرية | مرابط

الكاتب: إبراهيم السكران

166 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

مع القلوب الصخرية: الحديث عن قسوة القلب حديث ذو شجون، ومن رزايا هذا الزمن أن صرنا لا نستحي من المناصحة عن قسوة القلب بينما قلوبنا كالحجارة أو أشد قسوة... لكن دعنا يا أخي ندردش دردشة المحبوسين يتشاجون لبعضهم كيف يهربون من معتقلات خطاياهم...

يا أخي والله لقد قرأت كثيرًا كثيرًا في كتب الرقائق والإيمانيات والمواعظ، وجربت كثيرًا من الوسائل التي ذكروها، وأصدقك القول أنني رأيتها محدودة الجدوى، لا أنكر أن فيها فائدة، لكن ليست الفائدة الفعلية التي كنت أتوقعها، ووجدت العلاج الحقيقي الفعال الناجع المذهل في دواء واحد فقط، دواء واحد لا غير، وكلما استعملته رأيت الشفاء في نفسي، وكلما ابتعدت عنه عادت لي أسقامي، هذا العلاج هو بكل اختصار (تدبر القرآن).

دع عنك كلما يذكره صيادلة الإيمان، ودع عنك كل عقاقير الرقائق التي يصفونها، واستعمل (تدبر القرآن) وسترى في نفسك وإيمانك وقوتك على الطاعات وتأبيك على المعاصي وراحة نفسك في صراعات المناهج والأفكار شيئًا لا ينقضي منه العجب.

كل تقصير يقع فيه الانسان، سواء كان تقصيرًا علميًا بالتأويل والتحريف للشريعة، أو كان تقصيرًا سلوكيًا بالرضوخ لدواعي الشهوة، فإنه فرع عن قسوة القلب.

وهل تعلم كيف تحدث قسوة القلب؟ قسوة القلب ناشئة عن البعد عن الوحي، ألا ترى الله تعالى يقول: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ} [الحديد:16]...

أرأيت يا أخي؟ إنه طول الأمد...!

لما طال بهم الأمد قست قلوبهم... ولو جددوا العهد مع الوحي لحيت قلوبهم...

فإذا قسا القلب تجرأ الانسان على الميل بالشريعة مع هواه... وإذا قسا القلب تهاون الانسان في الطاعات واستثقلها... واذا قسا القلب عظمت الدنيا في عين المرء فأقبل عليها وأهمل حمل رسالة الاسلام للناس... وإذا قسا القلب ضعفت الغيرة والحمية لدين الله...

وما العلاج إذًا؟

العلاج لما يحيك في هذه الصدور هو مداواتها بتدبر القرآن... بالله عليك تأمل في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ} [يونس:57]... هكذا تقدم الآية المعنى بكل وضوح {وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ}...

ولكن ما الذي في الصدور؟!

في الصدور شهوات تتشوف... وفي الصدور شبهات تنبح... وفي الصدور حجبٌ غليظة... وفي الصدور طبقات مطمورة من الرين {كَلَّا ۖ بَلْ ۜ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [المطففين:14]...

وهذه الدوامات التي في الصدور دواؤها كما قال الله {قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ} [يونس من الآية:57]...

فإذا شفيت الصدور وجدت خفة نفس في الطاعات... وإذا شفيت الصدور انقادت للنصوص بكل سلاسة ونفرت من التأويل والتحريف... وإذا شفيت الصدور تعلقت بالآخرة واستهانت بحطام الدنيا... وإذا شفيت الصدور امتلأت بحمل هم إظهار الهدى ودين الحق على الدين كله...

وأعجب من ذلك أنه إذا شفيت الصدور استقزمت الأهداف الصغيرة... تلك الاهداف التي تستعظمها النفوس الوضيعة... الولع بالشهرة... وحب الظهور... وشغف الرياسة والجاه في عيون الناس... وشهوة غلبة الأقران...

النفوس التي شفاها هذا القرآن... ترى كل ذلك حطام إعلامي ظاهره لذيذ فإذا جرب الانسان بعضه اكتشف سخافته... وأنه لا يستحق لحظة من العناء فضلًا عن اللهاث سنوات... فضلًا عن تقبل أن يقوم المرء بتحريف الوحي ليقال فلان الوسطي الراقي الوطني التنموي الحضاري النهضوي التقدمي.. الخ من عصائب الأهواء التي تعشي العيون عن رؤية الحقائق...

هل تظن يا أخي أن تحريف معاني الشريعة لا صلة له بقسوة القلب؟! أفلا تقرأ معي يا أخي قوله تعالى {وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً ۖ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ} [المائدة من الآية:13]...

على أية حال... دعنا نعيد قراءة آية الشفاء {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ} [يونس:57]

يا الله... هل قال الله {شِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ}... نعم إنه شفاء لما في الصدور... هكذا بكل وضوح...

هذا القرآن يا أخي له سحر عجيب في إحياء القلب وتحريك النفوس وعمارتها بالشوق لباريها جل وعلا... وسر ذلك أن هذا القرآن له سطوة خفية مذهلة في صناعة الاخبات والخضوع في النفس البشرية كما يقول تعالى {وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ} [الحج من الآية:54]..

فإذا أخبتت النفوس... وانفعلت بالتأثر الإيماني... انحلت قيود الجوارح... ولهج اللسان بالذكر... وخفقت الأطراف بالركوع والسجود والسعي لدين الله... كما يصور الحق تبارك وتعالى ذلك بقوله {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ} [الزمر من الآية:23] لاحظ كيف تقشعر... ثم تلين... إنها الرهبة التي تليها الاستجابة... وذلك هو سحر القرآن...

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.
اقرأ أيضا
نابليون والمهمة الحضارية: سأستعمر مصر الجزء الثاني | مرابط
تاريخ مقالات

نابليون والمهمة الحضارية: سأستعمر مصر الجزء الثاني


الحملة الفرنسية التي حملت الكثير من التناقضات وكشفت الوجه الحقيقي والقبيح لفرنسا كحركة استعمارية تقوم على السلب والنهب والعداء الصريح للإسلام رغم ذلك أحاطها المؤرخون وغلفها الكتاب بكتلة من مساحيق التجميل حتى تبدو خلاف ما هي عليه وكما يقول المؤلف: رغم كل البيانات والمنشورات والتحليلات التي صاحبت وأعقبت الحملة الفرنسية إلى يومنا هذا فإن نابليون كان صريحا وواضحا في تحديد مهمته في مصر عندما قال: سأستعمر مصر

بقلم: محمد جلال كشك
1914
إمكانيات فهم القرآن | مرابط
فكر مقالات

إمكانيات فهم القرآن


وأتذكر قصص السلف التي رويت في تراجمهم وما ذكر عن تهجدهم بالأسحار وقيام بعضهم الليل كله بآية يرددها من كتاب الله وجاء هذا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من حديث أبي ذر عند النسائي أيضا أتذكر هذه المشاهد من قيام بعض السلف ليلة كاملة بآية واحدة وأقول في نفسي: يا ترى كم هي المعاني التي فتحت لهذا المتهجد في قيام الليل حتى أصبحت قراءة الآية لا تزيده إلا شغفا بإعادتها

بقلم: إبراهيم السكران
529
التاريخ عظات وعبر | مرابط
اقتباسات وقطوف

التاريخ عظات وعبر


التاريخ علم لا يحتاج إلى معلم يحتاج فقط إلى قدم تسير وعين تنظر قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا ... لا يكاد توجد واقعة إلا ولها نظير في التاريخ ومن المؤسف حقا أن نرى أخطاء التاريخ تتكرر: بسبب الجهل به ... من جهل التاريخ لا بد أن يعيد أغلاطه وأكثر الناس يسقطون بنفس حفر الماضين

بقلم: عبد العزيز الطريفي
251
الوحي بين المحكم والمتشابه | مرابط
أباطيل وشبهات مقالات

الوحي بين المحكم والمتشابه


الوحي كما أخبر الله فيه النص المحكم الذي يجب التزامه والنص المتشابه الذي يلزم رده إلى المحكم فإذا غاب عن الباحث قاعدة المحكم والمتشابه فلن يتميز له المراد الإلهي وسيبقى مترددا متذبذبا يقفز مع كل أطروحة ويركبه كل اعتراض

بقلم: عبد الله العجيري
277
التربية وضياع الأبناء | مرابط
تفريغات

التربية وضياع الأبناء


جاءني أحد الآباء يبكي بدموع حارة وقد مات ابنه ويريد أن يعرف: هل تسبب هو في ضياعه قال: كان ابني من الصالحين من الذين يحافظون على الصلوات ويحفظون القرآن وفجأة بدأت أحواله تتغير وبدأ يكثر السهر وبدأ يلازم الشارع أكثر من لزومه للبيت وبدأت طباعه تتغير والطيور على أشكالها تقع فلا تصحب أخا الفسق وإياك وإياه فكم فاسقا أردى مطيعا حين آخاه

بقلم: خالد الراشد
275
الجندر: المفهوم والحقيقة والغاية الجزء الثاني | مرابط
الجندرية

الجندر: المفهوم والحقيقة والغاية الجزء الثاني


ظهر مصطلح الجندر في سبعينيات القرن الماضي ولكنه أحدث رجة عنيفة في الساحة الفكرية والاجتماعية بعدما تم إدخاله في كل المجالات تقريبا وتم إعادة صياغة المصطلح ليعبر عن الأدوار الاجتماعية والميول الشخصية فقد يشعر الرجل أنه امرأة وتشعر المرأة أنها رجل أما مصطلح الجنس فهو لا يعبر إلا عن الجانب البيولوجي أو العضوي الجنسي ومن هنا انفتح الباب على مصراعيه أمام الشذوذ وظهرت أشكال جديدة للعلاقات وللأسرة

بقلم: حسن حسين الوالي
2301