للناس في مقصود العبادات مذاهبُ: منهم من يقول: المقصود بها تهذيب أخلاق النفوس، وتعديلها؛ لتستعِدَّ بذلك للعلم، وليست هي مقصودة في نفسها، ويجعلونها من قسم الأخلاق، وهذا قول متفلسفة اليونان، وقول من اتَّبعهم من الملاحدة والإسماعيلية وغيرهم من المتفلسفة الإسلاميين كالفارابي وابن سينا، وغيرهما، ومن سلك طريقهم من متكلِّمٍ، ومتصوِّفٍ، ومتفقِّهٍ، كما يوجد مثل ذلك في كتب أبي حامد العزَّاليِّ، والسُّهْرَوَرْديِّ المقتول، وابن رشد الحفيد، وابن عربي، وابن سبعين، لكنْ أبو حامد يختلف كلامه؛ تارةً يوافقهم، وتارةً يخالفهم.
وهذا القَدْرُ فعله ابن سينا وأمثاله ممن رام الجمع بين ما جاءت به الأنبياءُ وبين فلسفة المشَّائين: أرسطو، وأمثاله، ولهذا تكلموا في الآيات وخوارق العادات، وجعلوا لها ثلاثة أسباب: القوى الفلكية، والقوى النفسانية، والطبيعية، إذ كانت هذه هي المؤثرات في هذا العالم عندهم، وجعلوا ما للأنبياء وغير الأنبياء من المعجزات والكرامات، وما للسحرة من العجائب، هو من قوى النفس، لكن الفرق بينهما أن ذلك قصده الخير، هذا قصده الشر، وهذا المذهب من أفسد مذاهب العقلاء، كما قد بُسط الكلام عليه في موضع آخر، فإنه مبنى على إنكار الملائكة وإنكار الجن، وعلى أن الله لا يعلم الجزئيات ولا يخلق بمشيئته وقدرته، ولا يقدر على تغيير العالم
المصدر:
شيخ الإسلام ابن تيمية، الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح، 6/24