السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
يا شيخ أريد أن أسألك عن حديث: "كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء: إلا آسية امرأة فرعون، ومريم بنت عمران، وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام". هل هذا يعني أن من أتى بعدهم لا يمكن أن يكون كاملا كمالا بشريا سواء الرجال أو النساء واقتصر الكمال على السابقين.
الجواب:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ:«كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا آسية امرأة فرعون ومريم بنت عمران وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام.». [صحيح البخاري (4/ 158 ط السلطانية)].
اختلف العلماء في معنى الكمال المقصود من الحديث: فقيل الكمال هنا كمال النبوة، فتكون مريم وآسية نبيتان، قال أبو العباس القرطبي: «والصحيح: أن مريم نبية، لأن الله تعالى أوحى إليها بواسطة الملك، كما أوحى إلى سائر النبيين، وأما آسية، فلم يرد ما يدل على نبوتها دلالة واضحة. بل على صديقيتها وفضيلتها. فلو صحت لها نبوتها لما كان في الحديث إشكال. فإنه يكون معناه: أن الأنبياء في الرجال كثير، وليس في النساء نبي إلا هاتين المرأتين. ومن عداهما من فضلاء النساء صديقات لا نبيات، وحينئذ يصح أن تكونا أفضل نساء العالمين». [المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (6/ 332)]. وعلى هذا القول فالكمال المقصود لا يمكن بعدهم.
وقيل بل الكمال هنا يحمل على تمام الشيء وتناهيه في بابه والمراد هنا التناهي في جميع الفضائل وخصال البر والتقوى. وعلى هذا القول فالكمال ممكن، قال عياض: «وإذا قلنا: إنهما صديقتان، لم يمنع أن يكمل من هذه الأمة غيرهما». [إكمال المعلم بفوائد مسلم (7/ 441)].
وقد حملت النسوية هذا الحديث محاولة للمساواة بين الرجال والنساء، وهذا مما لا يمكن، فالحديث عن الرجال يكون منفصلا عن النساء للاختلاف الفطري، فقد قال ربنا: ﴿وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَامَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ﴾ [آل عمران: 42]. ولم يذكر الرجال.
وحينما قال النبي ﷺ: «كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا آسية امرأة فرعون ومريم بنت عمران وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام.». [صحيح البخاري (4/ 158 ط السلطانية)]. فالكمال من الرجال في صفات الرجال، والكمال في النساء من صفات النساء.
وقال ربنا:﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ﴾ [الحجرات: 11]. فخص الله النساء بالذكر مع دخولهن في عموم قوله:{ لا يسخر قوم من قوم}. لأنه لا مجال للخلط فالإنسان يطلق لسانه فيما يراه ويبصره.