منزلة المحبة

منزلة المحبة | مرابط

الكاتب: ابن القيم

1210 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

فلو بطلت مسألة المحبة لبطلت جميع مقامات الإيمان والإحسان، ولتعطلت منازل السير إلى الله؛ فإنها روح كل مقام ومنزلة وعمل. فإذا خلا منها فهو ميت لا روح فيه. ونسبتها إلى الأعمال كنسبة الإخلاص إليها. بل هي حقيقة الإخلاص، بل هي نفس الإسلام. فإنه الاستسلام بالذل والحب والطاعة لله. فمن لا محبة له لا إسلام له ألبتة. بل هي حقيقة شهادة أن لا إله إلا الله. فإن الإله هو الذي يألهه العباد ذلا، وخوفا ورجاء، وتعظيما وطاعة له. بمعنى مألوه. وهو الذي تألهه القلوب. أي تحبه وتذل له.

وأصل التأله التعبد. والتعبد آخر مراتب الحب. يقال: عبده الحب وتيمه: إذا ملكه وذلله لمحبوبه؛ فالمحبة حقيقة العبودية. وهل تمكن الإنابة بدون المحبة والرضا، والحمد والشكر، والخوف والرجاء!! وهل الصبر في الحقيقة إلا صبر المحبين!! فإنه إنما يتوكل على المحبوب في حصول محابه ومراضيه.

وكذلك الزهد في الحقيقة: هو زهد المحبين. فإنهم يزهدون في محبة ما سوى محبوبهم لمحبته.. وكذلك الحياء في الحقيقة: إنما هو حياء المحبين. فإنه يتولد من بين الحب والتعظيم. وأما ما لا يكون عن محبة: فذلك خوف محض.

وكذلك مقام الفقر فإنه في الحقيقة فقر الأرواح إلى محبوبها. وهو أعلى أنواع الفقر. فإنه لا فقر أتم من فقر القلب إلى من يحبه. لا سيما إذا وحده في الحب، ولم يجد منه عوضا سواه. هذا حقيقة الفقر عند العارفين.

وكذلك الغنى هو غنى القلب بحصول محبوبه. وكذلك الشوق إلى الله تعالى ولقائه. فإنه لب المحبة وسرها. كما سيأتي.

فمنكر المحبة هذه المسألة ومعطلها من القلوب: معطل لذلك كله. وحجابه أكثف الحجب. وقلبه أقسى القلوب، وأبعدها عن الله. وهو منكر لخلة إبراهيم عليه السلام. فإن الخلة كمال المحبة. وهو يتأول الخليل بالمحتاج. فخليل الله عنده: هو المحتاج. فكم - على قوله - لله من خليل من بر وفاجر، بل مؤمن وكافر. إذ كثير من الفجار والكفار من ينزل حوائجه كلها بالله صغيرها وكبيرها. ويرى نفسه أحوج شيء إلى ربه في كل حالة.

فلا بالخلة أقر المنكرون، ولا بالعبودية، ولا بتوحيد الإلهية، ولا بحقائق الإسلام والإيمان والإحسان. ولهذا ضحى خالد بن عبد الله القسري بمقدم هؤلاء وشيخهم جعد بن درهم، وقال في يوم عيد الله الأكبر، عقيب خطبته: أيها الناس، ضحوا. تقبل الله ضحاياكم. فإني مضح بالجعد بن درهم. فإنه زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلا، ولم يكلم موسى تكليما. تعالى الله عما يقول الجعد علوا كبيرا. ثم نزل فذبحه، فشكر المسلمون سعيه. ورحمه الله وتقبل منه.

 


 

المصدر:

ابن قيم الجوزية، مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#ابن-القيم
اقرأ أيضا
قانون السببية وإيقاظ العقيدة الإلهية في النفس | مرابط
تعزيز اليقين فكر مقالات

قانون السببية وإيقاظ العقيدة الإلهية في النفس


يقرر قانون السببية أن شيئا من الممكنات لا يحدث بنفسه من غير شيء لأنه لا يحمل في طبيعته السبب الكافي لوجوده ولا يستقل بإحداث شيء لأنه لا يستطيع أن يمنح غيره شيئا لا يملكه هو كما أن الصفر لا يمكن أن يتولد عنه عدد إيجابي فلا بد له في وجوده وفي تأثيره من سبب خارجي وهذا السبب الخارجي إن لم يكن موجودا بنفسه احتاج إلى غيره فلا مفر من الانتهاء إلى سبب ضروري الوجود يكون هو سبب الأسباب

بقلم: د محمد عبد الله دراز
2243
لم نفعلها وحسبت علينا | مرابط
فكر مقالات

لم نفعلها وحسبت علينا


حين يقف الإنسان في اليوم الآخر لحظة تسليم الصحائف والاطلاع على محتوياتها فإن الإنسان ربما لن يتفاجأ كثيرا من خطايا نفذها فعلا وقام بها فهو قد علم مسبقا بأنه سيراها في صحيفته ولكن المفاجأة المذهلة أن يجد الإنسان في صحيفته خطايا لم يفعلها هو ومع ذلك يجدها مدونة في كتاب أعماله ربما يجد الإنسان في صحيفته خطايا لعشرات الأشخاص بل ربما لمئات الأشخاص بل ربما لملايين الأشخاص وكلها محسوبة في صحيفة سيئاته وسيحاسبه الله عليها

بقلم: إبراهيم السكران
1487
لشد ما اجترأت المرأة في هذا العصر | مرابط
اقتباسات وقطوف المرأة

لشد ما اجترأت المرأة في هذا العصر


مقتطف للأستاذ محمود شاكر يعلق فيه على اجتراء المرأة في العصر الحديث ويقف على معنى الحرية التي تعنيها المرأة ونظرتها التي لا تخلو من الجور إلى الرجل ومآلات هذه النظرة إذا وصلت إلى كل بيت من بيوت المسلمين وإذا سمعتها كل واحدة من النساء ومالت إليها

بقلم: محمود شاكر
1869
حكم الزيادة في الدين | مرابط
تفريغات

حكم الزيادة في الدين


إن العبد إذا علم شر منقلب أهل البدع لم يلجأ إلى التأويل الذي تأوله أهل البدع إنما نريح أنفسنا بذكر هذه المقدمة لأن الموضوع إذا نوقش فيه بطريقة الجدل النظري لا نصل فيه إلى نتيجة إذا: لا بد من دخول المعنى الإيماني في المناقشة ليست المسألة نظرية بحتة كما يفعل أهل البدع في النقاش إنما نتكلم عن خير الهدي وخير الهدي من أعظم الخوارم فيه: البدع إذا: لا بد من دخول المعنى الإيماني أثناء المناقشة ولا يكون هذا إلا بذكر سوء منقلب أهل البدع

بقلم: أبو إسحق الحويني
783
وبدأ الانحراف يسبل إزاره | مرابط
مقالات

وبدأ الانحراف يسبل إزاره


وإذا رأى متدبر القرآن -أيضا- ما في القرآن من عناية شديدة بالتحفظ في العلاقة بين الجنسين كوضع السواتر بين الجنسين كما في قوله وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب الأحزاب من الآية:53 وحثه المؤمنات على الجلوس في البيت وقرن في بيوتكن الأحزاب من الآية:33 ونهيه عن تلطف المرأة في العبارة فلا تخضعن بالقول الأحزاب من الآية:32 ونهيه عن أي حركة ينبني عليها إحساس الرجل بشيء من زينة المرأة ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن النور من الآية:31 ونحو ذلك.

بقلم: إبراهيم السكران
670
لا يدري ولا يدري | مرابط
مقالات

لا يدري ولا يدري


من الناس من لا يدري ويدري أنه لا يدري وهذا جاهل ويعلم أنه جاهل ويسمى جهله بالجهل البسيط. أما قسيمه فهو الذي لا يدري ولا يدري أنه لا يدري فيكون جاهلا بجهله ويسمى جهله بالجهل المركب.

بقلم: د. جمال الباشا
366