حكم الزيادة في الدين

حكم الزيادة في الدين | مرابط

الكاتب: أبو إسحق الحويني

700 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

 

إن الحمد لله تعالى، نحمده ونستعين به ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا.. من يهد الله تعالى فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله..

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1] .

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

أما بعد..

فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

فقبل أن نشرع في الرد على محسني البدع نذكر مقدمة ضرورية بين يدي هذا الرد، وهذه المقدمة تتمثل في التنفير من البدعة وذكر مساوئها، وهذه طريقة قرآنية..

إن الله تبارك وتعالى إذا أراد أن ينفر من النار ذكر شيئًا من عذاب أهل النار، وإذا أراد أن يرغب في الجنة ذكر بعض نعيم أهل الجنة، وذلك لأن النفوس تتشوق إلى ذلك.

 

أهل البدع

إن العبد إذا علم شر منقلب أهل البدع، لم يلجأ إلى التأويل الذي تأوله أهل البدع، إنما نريح أنفسنا بذكر هذه المقدمة، لأن الموضوع إذا نوقش فيه بطريقة الجدل النظري لا نصل فيه إلى نتيجة، إذًا: لا بد من دخول المعنى الإيماني في المناقشة، ليست المسألة نظرية بحتة كما يفعل أهل البدع في النقاش، إنما نتكلم عن خير الهدي، وخير الهدي من أعظم الخوارم فيه: البدع.. إذًا: لا بد من دخول المعنى الإيماني أثناء المناقشة.. ولا يكون هذا إلا بذكر سوء منقلب أهل البدع.

صاحب البدعة عمله مردود؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) وأصحاب البدعة يدخلون دخولًا أوليًا في قوله تعالى: قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا [الكهف:103-104] وذلك لأن صاحب البدعة ليس معه برهان من الله ورسوله على الذي يفعله.. شيء استحسنه ففعله، والبرهان لا بد أن يكون كاملًا؛ لأن أصحاب البدعة الإضافية يحتجون بالأصل على الوصف، فأخذوا جزءًا وتركوا جزءًا آخر، لذلك لابد أن يكون البرهان كاملًا وشاملًا حتى يشفع لصاحبه في العمل، كل أصحاب البدع يظنون أنهم يحسنون صنعًا، والباب الذي ولجوا منه هو زيادة التعبد لله تبارك وتعالى بالبدعة.

 

تعريف البدعة

وتعريف البدعة كما يقول الإمام الشاطبي رحمه الله: هي طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشرعية يقصد بالسلوك عليها التعبد لله تبارك وتعالى.

فقوله: (في الدين): أخرج بمفهومه الدنيا، حتى لا يعترض بالسيارات والطائرات والقاطرات والصواريخ؛ لأن هذه كلها تعتبر بدع، إذ أنها لم تكن موجودة ثم وجدت، وهذا هو معنى البدعة اللغوية، كما قال تبارك وتعالى: قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ [الأحقاف:9] أي: ما أنا بأول رسول أرسلت، بل أرسل قبلي.

فقوله: (طريقة في الدين) حتى لا يعترض أهل البدع بأشياء محدثة في الدنيا، فكلما جادلناهم قالوا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنتم أعلم بشئون دنياكم).

وقوله: (مخترعة) أي: ليس لها برهان، ولا دليل شرعي، أي: فيها شبه من الأدلة الشرعية، فالذين يذكرون الله عز وجل عن طريق التمايل يمنة ويسرة، أصل الذكر الذي يفعلونه مشروع، لكن الطريقة التي يفعلونها غير مشروعة.

 

مقصود المبتدع

ما هو مقصود المبتدع؟ إننا لا نزعم أن المبتدع يريد أن يغير دين الله، لا. بل هو يريد بهذا أن يتقرب إلى الله أكثر، لكن هل شفعت له نيته هذه؟

الجواب: لا. كما يقول الناس: (طريق جهنم ملآن بالنيات الصالحة).. وأجود من هذا قول ابن مسعود رضي الله عنه (كم من مريد للخير لا يبلغه..) لأننا كنا ضلالًا فهدانا الله بالنبي صلى الله عليه وسلم، فإذا التمسنا الخير في غير طريقه ضللنا.. إذا كل خير لم يكن من طريق الرسول صلى الله عليه وسلم، فليس من الخير وإن ظنناه كذلك، فما من مبتدع إلا وهو يريد أن يتقرب إلى الله تبارك وتعالى ببدعته .. فهو يظن أنه أحسن الصنيع بهذه القربى.

الخادم الذي يخدم المقبور هل قصد أن يخرج بدينه من ذلك؟

الجواب: لا. هل يظن أنه مأجور على ذلك؟!

الجواب: نعم.. لذلك هو يبالغ في تنظيف الضريح وبالعناية به على اعتبار أن هذه خدمة لأولياء الله، ويلبس عليه الشيطان فتاوي الخدمة لهذا المقبور مع الخدمة للعلماء الأحياء، يقول: لو أن عالمًا جليلًا خدمته كنت مأجورًا على ذلك، فأي فرق بين أن تخدم وليًا من أولياء الله وعالمًا من علماء المسلمين؟! إذا هو يظن أنه يحسن الصنع بهذه الخدمة، لذلك إذا قلت له: لا تخدم الضريح لأن هذا لا يجوز، ما ترك خدمة الضريح أبدًا، لأنه يعتبرها دينًا وقربة إلى الله، وهذا كما لو قلت لعالم من علماء المسلمين: دع تعليم الناس، يقول: لا أدع تعليم الناس أبدًا، إنه قربى إلى الله عز وجل، فهذا هو معنى الآية: قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا [الكهف:103] وجاء لفظ (الأخسر) بصيغة المبالغة إذ ليس هناك من هو أخسر من هذا الإنسان؛ لأن طرق الرجعة كلها مسدودة بالنسبة لهذا الإنسان لاعتقاده أنه يتقرب إلى الله، فإذا زجرته ظن أنك تريد أن تسحبه من طريق الله عز وجل؛ لذلك كان ذلك أدعى له أن يستمر، ولذلك كان أخسر الناس، وهذه الآية حجة على أن المبتدع أخطر من العاصي، لأن العاصي يعلم ولو بنسبة جزئيةٍ ضئيلة أنه ليس على الحق، والله تبارك وتعالى لما خلق الناس جعل في أنفسهم ضميرًا، ولذلك تجد الرجل الجاهل الذي لا يدري شيئًا يأتي ليسأل عن شيء في صدره، وهو لا يعلم أحلالٌ أم حرام؟ فما الذي أهاج فيه هذا السؤال؟

هذا الضمير، الذي هو داعي الله في نفس كل مؤمن -كما قال عليه الصلاة والسلام- فما من معصيةٍ إلا والعبد يعلم أنها معصية سواء علمًا كليًا أو جزئيًا، لذلك يمكن أن يرجع من معصيته إذا وجد رجلًا قويًا خاطب فيه محل الإيمان، بخلاف العاصي المبتدع الذي يتعبد الله ببدعته، ومن أظهر الدلائل على التفريق بينهما حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي رواه البخاري ومسلم : أن رجلًا اسمه عبد الله ، وكان يلقب حمارًا ، وكان يضحك النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يشرب الخمر، وشربها أكثر من مرة، وحد أكثر من مرة، فجيء به مرةً وهو سكران، فأقام النبي عليه الصلاة والسلام عليه الحد، فقال رجلٌ بعدما أقيم عليه الحد: اللهم العنه، ما أكثر ما يجاء به وهو سكران! وفي رواية: ما أكثر ما جلد!

فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تلعنه، فقد علمتُ أنه يحب الله ورسوله) وهذا عاص شارب للخمر، فقد يجتمع حب الله ورسوله والعصيان في نفس رجل؛ لأن المعصية قد يكون أساسها الهوى، وليس استمراء المخالفة.

إن كثيرًا من العاصين يعصون الله عز وجل بسبب ضعف عزائمهم، أو ضعف إيمانهم، وحديث أبي هريرة رضي الله عنه أيضًا في البخاري ... قال: (جاء رجلٌ شرب الخمر على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: اضربوه، قال: فمنا الضارب بنعله، ومنا الضارب بثوبه، ومنا الضارب بالعصا، فقال رجلٌ: اللهم العنه، فقال عليه الصلاة والسلام: لا تعن الشيطان على أخيك)، فهذا عاص، وكف النبي صلى الله عليه وسلم الرجل أن يلعنه، وقال: (لا تعن الشيطان على أخيك).

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#البدعة #الحويني
اقرأ أيضا
العلمانية الجزء الأول | مرابط
العالمانية

العلمانية الجزء الأول


مدلول العلمانية المتفق عليه يعني عزل الدين عن الدولة وحياة المجتمع وإبقاءه حبيسا في ضمير الفرد لا يتجاوز العلاقة الخاصة بينه وبين ربه فإن سمح له بالتعبير عن نفسه ففي الشعائر التعبدية والمراسم المتعلقة بالزواج والوفاة ونحوهما وقد ظهرت في أوروبا منذ القرن السابع عشر وانتقلت إلى الشرق في بداية القرن التاسع عشر

بقلم: الندوة العالمية للشباب الإسلامي
1933
رائدة النسوية بين التنظير والحياة الواقعية | مرابط
النسوية

رائدة النسوية بين التنظير والحياة الواقعية


هذه الرائدة النسوية المتمردة والتي كانت تدعو نساء العالم للتمرد على الرجل كانت تكتب لحبيبها الأمريكي نيلسون ألغرين -في لحظة شفقة وتية وعشق هائم بعد أن هجرها عشيقها الأول جان بول سارتر لبعض الوقت وذهب لمن هي أصغر سنا- وتقول له: سأكون مطيعة لك مثل زوجة عربية.

بقلم: د. عائض الدوسري
285
إعادة تفسير الإسلام | مرابط
اقتباسات وقطوف

إعادة تفسير الإسلام


تعليق: يدور الحديث في هذا المقتطف حول التيار الإصلاحي الذي خرج من مدرسة الإمام محمد عبده والذي انتهى به الحال في النهاية إلى التلبس بمضامين علمانية وإن قيلت بعبارات إسلامية وهذا المقتطف للكاتب والمؤرخ الكبير المهتم بشؤون الشرق: ألبرت حوراني

بقلم: ألبرت حوراني
1988
شبح الحروب الصليبية الجزء الثاني | مرابط
تاريخ مقالات

شبح الحروب الصليبية الجزء الثاني


إذا أردنا أن نقف على الأسباب الحقيقية للعداء البغيض الذي تحمله أوروبا ويحمله الغرب تجاه الإسلام علينا أن نرجع عدة خطوات إلى الخلف إلى الماضي الذي شكل معالم المدنية الأوروبية وتشربه الرجل الأبيض وتوارثه مع مرور الوقت سنقف هنا أمام الحروب الصليبية لندرك أثرها على الهوية الأوروبية فيما يخص الإسلام كما يقول الكاتب: إن الشر الذي بعثه الصليبيون لم يقتصر على صليل السلاح ولكنه كان قبل كل شيء وفي مقدمة كل شيء شرا ثقافيا لقد نشأ تسميم العقل الأوروبي عما شوهه قادة الأوروبيين من تعاليم الإسلام ومثله ال...

بقلم: محمد أسد
2090
سلسلة كيف تصبح عالما الدرس الخامس ج1 | مرابط
تفريغات

سلسلة كيف تصبح عالما الدرس الخامس ج1


من الكلمات الجميلة جدا يقول صلى الله عليه وسلم: وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع يعني: عندما تأتي لطلب العلم تقابلك الملائكة في الطريق -وأنت لا تراها لكن هي تراك- فتضع أجنحتها لك تواضعا لك وتعظيما لك وتكريما وتبجيلا لك تقف لك الملائكة في الطريق هكذا لأنك تذهب إلى مجلس علم تلتمس علما انظر إلى عظم الأمر تغيرات كونية هائلة تنزل الملائكة وتضع أجنحتها لا تحرسك فقط بل تتواضع لك وتبجلك وتعظمك

بقلم: د راغب السرجاني
709
شبهة: بين إباحة الزواج من الكتابية ومنع الترحم عليها | مرابط
أباطيل وشبهات

شبهة: بين إباحة الزواج من الكتابية ومنع الترحم عليها


يعني لا يظنن ظان أن إباحة الزواج من الكتابيات يعني أن دينهن مرضي عند الله تعالى. بل كل من كفر بالإيمان من توحيد الله تعالى والإيمان بجميع رسله ومنهم خاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم وجميع كتبه ومنها القرآن...كل من كفر بهذا الإيمان فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين...لاحظ: فقد حبط عمله فلا أجر له عليه في الآخرة وهو في الآخرة من الخاسرين وليس من المرحومين كما يقول المبطلون!!

بقلم: د. إياد قنيبي
312