منهجية الرسول في التعريف بالله عز وجل

منهجية الرسول في التعريف بالله عز وجل | مرابط

الكاتب: عبد العزيز الطريفي

320 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

في هذه الكلمة التي نتكلم فيها على شيء من معرفة حق الله سبحانه وتعالى، وهذا يظهر في قول النبي صلى الله عليه وسلم لذلك الأعرابي الذي جاء إليه فقال: (أتدري ما الله؟)، جاء في السنن من حديث محمد بن جبير عن أبيه عن جده: (أن أعرابيًا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، هلكت الأموال وضاعت العيال وانقطعت السبل، فاستسق لنا فإنا نستشفع بك على الله ونستشفع بالله عليك، قال: فاحمر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: ويحك! أتدري ما الله؟ فأخذ يسبح رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تغير وجهه وهو ينزه الله عز وجل مما قاله ذلك الأعرابي).

النبي صلى الله عليه وسلم حينما جاءه ذلك الأعرابي وهو يريد أن يستغيث به على الله وأن يستغيث بالله عليه، أي: يريد أن يجعل الله عز وجل وسيلة توصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لينفع أو يضر، وهذا عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم لكنه ما عرف الله، ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم ما قال له: ويحك! أتدري من أنا، وإنما قال له: (ويحك! أتدري ما الله؟)، يعني: جهلت قيمة الله فضللت في حقه وأعطيت حق الله جل وعلا لغيره، ولهذا أراد من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينزل الغيث؛ بل أراد ما هو أشد من ذلك، أن يجعل الله عز وجل شفيعًا عند رسوله حتى ينزل الغيث.

هذا الاختلال في أمر المعرفة هو سبب ضلال البشرية في حق الله سبحانه وتعالى؛ أنهم عرفوا حقائق الأشياء وجهلوا غيرها، ونفس الإنسان تملؤها المعرفة، فإذا عرف حيوانًا ولم يعرف غيره تعلق به، وإذا عرف مخلوقًا وكرمه تعلق به إذا لم يعرف من هو أكرم منه، وإذا عرف قويًا ولم يعرف من هو أقوى منه تعلق به وظن أنه أكرم الناس، ولهذا الله سبحانه وتعالى يعرف نفسه إلى عباده بذكر أسمائه وصفاته، وذكر حقه على عباده لازم لذلك، ويبين الله عز وجل أيضًا حقه على عباده بتعريف عباده بأنفسهم وبيان أيضًا ضعفهم وقصورهم.

ولهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم لما جاءه ذلك الأعرابي واستشفع به على الله واستشفع بالله عليه؛ وقال له: (ويحك! أتدري ما الله؟ وأخذ يسبح النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال: إن الله فوق عرشه، وعرشه على سماواته، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم بيده هكذا وفرج بين أصابعه كالقبةً)، والنبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يعرف الله عز وجل إلى ذلك الأعرابي بذكر شيء من مخلوقات الله وهي السماوات، وكذلك العرش، وأن يبين منزلة الله عز وجل ببيان منزلة بعض مخلوقاته التي هي أعظم من الإنسان، وهذا ما يستعمله النبي صلى الله عليه وسلم بالتعريف بالله، وبيان منزلته عند الناس، وذلك ببيان مخلوقاته وعظمها.

وقد جاء في ذلك أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تدل على هذا المعنى أن بيان حق الله عز وجل يتضح ببيان مخلوقات الله عز وجل التي هي أعظم من الإنسان، وذلك أن الإنسان بحاجة إلى كسر نفسه وكسر المعظم عنده، وكسر نفسه ببيان جهله، وهذا ما يأمر الله عز وجل الإنسان به أن يتفكر وأن يتدبر بحاله ومنزلته وقصوره وضعفه، "وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ" [الذاريات:21]، وكذلك بيان أن ما يدرك من حواس تخدعه ولا تدله إلى الحق دومًا، وإنما يكبو ويتعثر ويسقط، وكذلك أيضًا يخدع نفسه ويخطئه عقله كثيرًا ويرديه، ولهذا جعل الله عز وجل في الإنسان نفسه وهواه تغالبه وتصارعه؛ حتى توقعه فيما يخالف أمر الله سبحانه وتعالى.

ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم يدلل كثيرًا في ذكر بعض الأحوال من جهة معرفة الله سبحانه وتعالى بمعرفة مخلوقاته وتعظيمها، بالنسبة لضعف الإنسان وقصوره، ولهذا الله عز وجل يقول: "لَخَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ" [غافر:57]، يعني: أن الإنسان إذا كان يعظم نفسه عند نفسه ويرى أنه هو المعظم والسيد والآمر والناهي ليعلم أن خلق السموات والأرض أعظم وأكبر منه، ولكن جهله بذلك لا يعني أنه أعظم من غيره، وقد جاء في المسند وغيره من حديث عباس، وجاء أيضًا من حديث أبي هريرة عليه رضوان الله.

وجاء أيضًا من حديث عبد الله بن مسعود عليه رضوان الله تعالى موقوفًا: (أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى سحابة تمطر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما هذه؟ (والنبي صلى الله عليه وسلم يعلم، ويعلم أنهم يعلمون ما هذه)، فقالوا: السحاب، قال: والمزن؟ قالوا: والمزن، قال: والعنان؟ قالوا: والعنان، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أتدرون كم بين السماء الدنيا وبين الأرض؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ما بين السماء الدنيا والأرض مسيرة خمسمائة عام، وهل تعلمون ما بين السماء الدنيا إلى السماء التي تليها؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: مسيرة خمسمائة عام، قال: وهل تعلمون ما بين أدنى السماء وأعلاه وسمك كل سماء؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: مسيرة خمسمائة عام).

والنبي صلى الله عليه وسلم حينما أراد وبدأ هذا من تعريف المسافة التي تكون بين السماء وبين الأرض، والتي تكون بين السماء والتي تليها بدأ بها من سحابة تمطر، وأراد أن يعرف بهذا لأن ينتقل فيما وراءه، (حتى بلغ النبي صلى الله عليه وسلم السماء السابعة، قال: وتعلمون ما فوق السماء؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: العرش، وما بين أدناه وأعلاه مسيرة خمسمائة عام)، وهذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد أن يبين ضعف الإنسان ببيان قياس زمنه، من جهة مسيرة الإنسان وذهابه وضربه بأسفاره، أن يبين أن ما خلق الله عز وجل من المسافات الشاسعة ما يجب على الإنسان أن يعلمه، ومعرفته في ذلك ترجع إلى الإنسان بماذا؟ ترجع إلى الإنسان باستضعاف نفسه ومعرفة قيمة الخالق.

ولهذا إذا ضل الإنسان في معرفة الموازين والقوى فإنه يختل حينئذ من جهة التوكل، المحبة، الخوف، الرجاء، وما ينتج عن ذلك من بذل العبودية لله سبحانه وتعالى بعبادة الجوارح، السجود لغير الله، سؤال غير الله، التضرع لغير الله؛ كحال ذلك الأعرابي الذي جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم واستشفع بالله عليه؛ لأنه عرف شيئًا وجهل أشياء فكفر بالله سبحانه وتعالى، ولهذا النبي عليه الصلاة والسلام كان يعرف الله عز وجل للناس بتعريف مخلوقات الله عز وجل إليهم، وذلك أنهم يعلمون أن كل ما يرونه هو من خلق الله، فاعرف خلق الله غيرك تعلم ضعفك وتعلم مقدار الله سبحانه وتعالى، ولهذا ما وقع الناس في معصية، وما وقع الناس في كفر وفي شرك أو بدعة فيما يخالف أمر الله سبحانه وتعالى، أو غلب الهوى الإيمان، ما كان ذلك ليكون إلا بسبب ضعف الإنسان بمعرفة الله سبحانه وتعالى.

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#التعريف-بالله
اقرأ أيضا
اختلاط الجنسين في نظر الإسلام الجزء الثاني | مرابط
فكر مقالات المرأة

اختلاط الجنسين في نظر الإسلام الجزء الثاني


ومعنى غض البصر صرفه عن النظر الذي هو وسيلة الفتنة والوقوع في فساد ومن ذا الذي يجمع الفتيان والفتيات في غرفة وينتظر من هؤلاء وهؤلاء أن يصرفوا أبصارهم عن النظر ولا يتبعوا النظرة بأخواتها وهل يستطيع أحد صادق اللهجة أن يقول: إن أولئك المؤمنين والمؤمنات يحتفظون بأدب غض أبصارهم من حين الالتقاء بين جدران الجامعة إلى أن ينفضوا من حولها والشريعة التي تأمر بغض النظر عن النظر إلى السافرات تنهى أولي الأمر عن تصرف شأنه أن يدفع الفتيان والفتيات إلى عواقب وخيمة

بقلم: محمد الخضر حسين
1714
السياسة الرشيدة في الإسلام | مرابط
تعزيز اليقين فكر مقالات

السياسة الرشيدة في الإسلام


أتى على العالم حين من الدهر وهو يتخبط في جهل وشقاء ويتنفس من نار البغي الطاغية على أنحائه الصعداء حتى نهض صاحب الرسالة الأعظم - صلوات الله عليه- بعزم لا يحوم عليه كلال وهمة لا تقع إلا على أشرف غرض فأخذ يضع مكان الباطل حقا ويبذر في منابت الآراء السخيفة حكمة بالغة وما لبثت الأمم أن تقلدت آدابا أصفى من كواكب الجوزاء وتمتعت بسياسة يتجلى بها العدل في أحسن رواء وأرفع سناء

بقلم: محمد الخضر حسين
1060
إنما يخشى الله من عباده العلماء | مرابط
تعزيز اليقين

إنما يخشى الله من عباده العلماء


كل عاص لله فهو جاهل وكل خائف منه فهو عالم مطيع لله وإنما يكون جاهلا لنقص خوفه من الله إذ لو تم خوفه من الله لم يعص. ومنه قول ابن مسعود رضي الله عنه: كفى بخشية الله علما وكفى بالاغترار بالله جهلا وذلك لأن تصور المخوف يوجب الهرب منه وتصور المحبوب يوجب طلبه فإذا لم يهرب من هذا ولم يطلب هذا دل على أنه لم يتصوره تصورا تاما

بقلم: شيخ الإسلام ابن تيمية
424
اكتساب الهمة | مرابط
ثقافة

اكتساب الهمة


لا شك أن قابلية اكتساب الهمة والعزم كبيرة فالله جل وعلا كلف العباد جميعا - إلا من استثنى الله منهم - بتكاليف متساوية في الجملة وكل هذه التكاليف تفتقر إلى الهمة وصدق العزم كالصلاة والصيام والإنفاق والحج وترك الشهوات المحرمة والمنكرات الفاحشة وإذا كانت الهمة غير مكتسبة ومستطاعة التحصيل لكانت التكليفات ظلما لطائفة من العباد تعالى الله عن ذلك. والحياة تدفع لنا كل يوم صورا عظيمة لأناس هزموا اليأس وتغلبوا على أنفسهم وصاروا من أصحاب الهمم العالية كان ذلك في الدنيا أو في الآخرة.

بقلم: كريم حلمي
345
مخالفة المرجئة لأهل السنة والجماعة: الإيمان لا يزيد ولا ينقص | مرابط
أباطيل وشبهات تعزيز اليقين فكر تفريغات

مخالفة المرجئة لأهل السنة والجماعة: الإيمان لا يزيد ولا ينقص


أجمع أهل السنة والجماعة على أن الإيمان درجات وشعب يزيد وينقص يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية وأن المؤمنين يتفاوتون بحسب علمهم وعملهم وان بعضهم أكمل إيمانا من بعض وليس إيمان جبريل وأبي بكر وعمر كإيمان آحاد الناس وهذا خلاف عقيدة المرجئة وهو ما يوضحه الكاتب في المقال

بقلم: محمد صالح المنجد
1125
إضاءة في سبيل العلم وطلبه | مرابط
مقالات

إضاءة في سبيل العلم وطلبه


هل جربت يا طالب العلم قبل كل كتاب تقرؤه أو درس تحضره أو مادة تسمعها أن تتضرع إلى الله وتسأله أن يبارك لك في هذه القراءة وهذا الدرس وأن يفتح على قلبك وأن ييسر لك سبيل العلم النافع وأن لا يكلك إلى نفسك وأن يجعل ذلك كله سبيلا إلى رضوانه.

بقلم: د. طلال الحسان
1191