منهجية الرسول في التعريف بالله عز وجل

منهجية الرسول في التعريف بالله عز وجل | مرابط

الكاتب: عبد العزيز الطريفي

398 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

في هذه الكلمة التي نتكلم فيها على شيء من معرفة حق الله سبحانه وتعالى، وهذا يظهر في قول النبي صلى الله عليه وسلم لذلك الأعرابي الذي جاء إليه فقال: (أتدري ما الله؟)، جاء في السنن من حديث محمد بن جبير عن أبيه عن جده: (أن أعرابيًا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، هلكت الأموال وضاعت العيال وانقطعت السبل، فاستسق لنا فإنا نستشفع بك على الله ونستشفع بالله عليك، قال: فاحمر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: ويحك! أتدري ما الله؟ فأخذ يسبح رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تغير وجهه وهو ينزه الله عز وجل مما قاله ذلك الأعرابي).

النبي صلى الله عليه وسلم حينما جاءه ذلك الأعرابي وهو يريد أن يستغيث به على الله وأن يستغيث بالله عليه، أي: يريد أن يجعل الله عز وجل وسيلة توصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لينفع أو يضر، وهذا عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم لكنه ما عرف الله، ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم ما قال له: ويحك! أتدري من أنا، وإنما قال له: (ويحك! أتدري ما الله؟)، يعني: جهلت قيمة الله فضللت في حقه وأعطيت حق الله جل وعلا لغيره، ولهذا أراد من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينزل الغيث؛ بل أراد ما هو أشد من ذلك، أن يجعل الله عز وجل شفيعًا عند رسوله حتى ينزل الغيث.

هذا الاختلال في أمر المعرفة هو سبب ضلال البشرية في حق الله سبحانه وتعالى؛ أنهم عرفوا حقائق الأشياء وجهلوا غيرها، ونفس الإنسان تملؤها المعرفة، فإذا عرف حيوانًا ولم يعرف غيره تعلق به، وإذا عرف مخلوقًا وكرمه تعلق به إذا لم يعرف من هو أكرم منه، وإذا عرف قويًا ولم يعرف من هو أقوى منه تعلق به وظن أنه أكرم الناس، ولهذا الله سبحانه وتعالى يعرف نفسه إلى عباده بذكر أسمائه وصفاته، وذكر حقه على عباده لازم لذلك، ويبين الله عز وجل أيضًا حقه على عباده بتعريف عباده بأنفسهم وبيان أيضًا ضعفهم وقصورهم.

ولهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم لما جاءه ذلك الأعرابي واستشفع به على الله واستشفع بالله عليه؛ وقال له: (ويحك! أتدري ما الله؟ وأخذ يسبح النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال: إن الله فوق عرشه، وعرشه على سماواته، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم بيده هكذا وفرج بين أصابعه كالقبةً)، والنبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يعرف الله عز وجل إلى ذلك الأعرابي بذكر شيء من مخلوقات الله وهي السماوات، وكذلك العرش، وأن يبين منزلة الله عز وجل ببيان منزلة بعض مخلوقاته التي هي أعظم من الإنسان، وهذا ما يستعمله النبي صلى الله عليه وسلم بالتعريف بالله، وبيان منزلته عند الناس، وذلك ببيان مخلوقاته وعظمها.

وقد جاء في ذلك أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تدل على هذا المعنى أن بيان حق الله عز وجل يتضح ببيان مخلوقات الله عز وجل التي هي أعظم من الإنسان، وذلك أن الإنسان بحاجة إلى كسر نفسه وكسر المعظم عنده، وكسر نفسه ببيان جهله، وهذا ما يأمر الله عز وجل الإنسان به أن يتفكر وأن يتدبر بحاله ومنزلته وقصوره وضعفه، "وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ" [الذاريات:21]، وكذلك بيان أن ما يدرك من حواس تخدعه ولا تدله إلى الحق دومًا، وإنما يكبو ويتعثر ويسقط، وكذلك أيضًا يخدع نفسه ويخطئه عقله كثيرًا ويرديه، ولهذا جعل الله عز وجل في الإنسان نفسه وهواه تغالبه وتصارعه؛ حتى توقعه فيما يخالف أمر الله سبحانه وتعالى.

ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم يدلل كثيرًا في ذكر بعض الأحوال من جهة معرفة الله سبحانه وتعالى بمعرفة مخلوقاته وتعظيمها، بالنسبة لضعف الإنسان وقصوره، ولهذا الله عز وجل يقول: "لَخَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ" [غافر:57]، يعني: أن الإنسان إذا كان يعظم نفسه عند نفسه ويرى أنه هو المعظم والسيد والآمر والناهي ليعلم أن خلق السموات والأرض أعظم وأكبر منه، ولكن جهله بذلك لا يعني أنه أعظم من غيره، وقد جاء في المسند وغيره من حديث عباس، وجاء أيضًا من حديث أبي هريرة عليه رضوان الله.

وجاء أيضًا من حديث عبد الله بن مسعود عليه رضوان الله تعالى موقوفًا: (أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى سحابة تمطر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما هذه؟ (والنبي صلى الله عليه وسلم يعلم، ويعلم أنهم يعلمون ما هذه)، فقالوا: السحاب، قال: والمزن؟ قالوا: والمزن، قال: والعنان؟ قالوا: والعنان، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أتدرون كم بين السماء الدنيا وبين الأرض؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ما بين السماء الدنيا والأرض مسيرة خمسمائة عام، وهل تعلمون ما بين السماء الدنيا إلى السماء التي تليها؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: مسيرة خمسمائة عام، قال: وهل تعلمون ما بين أدنى السماء وأعلاه وسمك كل سماء؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: مسيرة خمسمائة عام).

والنبي صلى الله عليه وسلم حينما أراد وبدأ هذا من تعريف المسافة التي تكون بين السماء وبين الأرض، والتي تكون بين السماء والتي تليها بدأ بها من سحابة تمطر، وأراد أن يعرف بهذا لأن ينتقل فيما وراءه، (حتى بلغ النبي صلى الله عليه وسلم السماء السابعة، قال: وتعلمون ما فوق السماء؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: العرش، وما بين أدناه وأعلاه مسيرة خمسمائة عام)، وهذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد أن يبين ضعف الإنسان ببيان قياس زمنه، من جهة مسيرة الإنسان وذهابه وضربه بأسفاره، أن يبين أن ما خلق الله عز وجل من المسافات الشاسعة ما يجب على الإنسان أن يعلمه، ومعرفته في ذلك ترجع إلى الإنسان بماذا؟ ترجع إلى الإنسان باستضعاف نفسه ومعرفة قيمة الخالق.

ولهذا إذا ضل الإنسان في معرفة الموازين والقوى فإنه يختل حينئذ من جهة التوكل، المحبة، الخوف، الرجاء، وما ينتج عن ذلك من بذل العبودية لله سبحانه وتعالى بعبادة الجوارح، السجود لغير الله، سؤال غير الله، التضرع لغير الله؛ كحال ذلك الأعرابي الذي جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم واستشفع بالله عليه؛ لأنه عرف شيئًا وجهل أشياء فكفر بالله سبحانه وتعالى، ولهذا النبي عليه الصلاة والسلام كان يعرف الله عز وجل للناس بتعريف مخلوقات الله عز وجل إليهم، وذلك أنهم يعلمون أن كل ما يرونه هو من خلق الله، فاعرف خلق الله غيرك تعلم ضعفك وتعلم مقدار الله سبحانه وتعالى، ولهذا ما وقع الناس في معصية، وما وقع الناس في كفر وفي شرك أو بدعة فيما يخالف أمر الله سبحانه وتعالى، أو غلب الهوى الإيمان، ما كان ذلك ليكون إلا بسبب ضعف الإنسان بمعرفة الله سبحانه وتعالى.

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#التعريف-بالله
اقرأ أيضا
شدة عناية الصحابة بتدبر القرآن | مرابط
اقتباسات وقطوف

شدة عناية الصحابة بتدبر القرآن


كان القرآن هو شغل الصحابة وشاغلهم الأول ولا يدانيه شيء آخر أو اهتمام آخر في الحياة وهذا مقتطف جميل لشيخ الإسلام ابن تيمية يتحدث عن هذه القيمة الكبيرة والفارق الكبير بين الصحابة ومن جاء بعدهم في الاهتمام والعناية بكلام الله تعالى

بقلم: شيخ الإسلام ابن تيمية
2117
لماذا نحب الرسول الجزء الأول | مرابط
تفريغات

لماذا نحب الرسول الجزء الأول


في هذه المحاضرة يدور الحديث حول محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم: الطريق إليها معناها وأهميتها واجباتها ومستلزماتها وما ينبغي أن يكون موقف المسلم تجاه نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم وهذا الموضوع على درجة عظيمة من الحساسية لما وقع الناس فيه من أهل الإسلام أهل القبلة بين الإفراط والتفريط هذا الموضوع ينبغي أن يفتح كل مسلم قلبه وسمعه لتفاصيله ويتذكر حتى ولو لم يتعلم شيئا جديدا ويستعيد إلى نفسه وقلبه ذكريات هذا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ويتذكر حقوق رسول الله وواجباته

بقلم: محمد المنجد
842
الحداثة الداروينية | مرابط
اقتباسات وقطوف

الحداثة الداروينية


والحداثة الداروينية لها أثرها علي نسيج المجتمع وعلي منظوماته الحاكمة ولنذكر بعض الظواهر الاجتماعية السلبية المختلفة: تآكل الأسرة تراجع التواصل بين الناس الأمراض النفسية تزايد الإحساس بالاغتراب والوحدة والغربة ظهور الإنسان ذي البعد الواحد هيمنة النماذج الكمية والبيروقراطية علي الإنسان تزايد العنف والجريمة يعد قطاع السجون هو أسرع القطاعات توسعا في الاقتصاد الأمريكي

بقلم: عبد الوهاب المسيري
566
القانون والإنسان | مرابط
اقتباسات وقطوف

القانون والإنسان


والشرع غاية ولكنه ليس الغاية الأخيرة إنه ليس سوى حد وسط بين الإنسان كما هو ناشئا يتطلع إلى الحياة الأخلاقيةومصارعا من أجل كمالهوبين الإنسان كما ينبغي أن يكون في قبضة الفضيلة الكاملة والشرع أشبه بقنطرة بين شاطئين نحن نقطة بدايته ونقطة نهايته أوهوأشبه بسلم درجاته مستقرة على الأرض ولكن يعد من يريدون تسلقه أن يرفعهم إلى السماء

بقلم: محمد عبد الله دراز
698
محاكم التفتيش | مرابط
تاريخ فكر

محاكم التفتيش


محاكم التفتيش من أبشع الأحداث التي حفظها لنا التاريخ والتي تكشف لنا كم الحقد والضغينة التي يحملها الصليبيون في دواخلهم للمسلمين فقد وصلت الأخبار بطرق التعذيب البشعة والتي لا يتصورها عقل ولا يرقى إليها خيال أما عن الأدوات التي كانوا يستخدمونها فحدث ولا حرج كانوا ينتقون أكثر الطرق إيلاما قبل الموت وفي المقال خلاصات حول هذا الحدث التاريخي المشهور

بقلم: راغب السرجاني
3830
أنواع الإلحاد | مرابط
فكر الإلحاد

أنواع الإلحاد


في مقال موجز ومختصر يقسم الكاتب البشير عصام المراكشي الإلحاد إلى ثلاثة أنواع وهي: الإلحاد الفلسفي الإلحاد العلمي والإلحاد الشهواني ثم ينتقل إلى أرض الواقع ليكشف لنا مراكز كل نوع من هذه الأنواع فالإلحاد الفلسفي مثلا ينتمي إلى فرنسا والعلمي في أمريكا والشهواني هو الطاغي في بلادنا العربية

بقلم: البشير عصام المراكشي
2464