من يملك حق التفسير

من يملك حق التفسير | مرابط

الكاتب: عبد الله بن صالح العجيري

2854 مشاهدة

تم النشر منذ 3 سنوات

انطلاقا من قسمة ابن عباس لطبيعة التفسير القرآني "التفسير على أربعة أوجه: وجه تعرفه العرب من كلامها، وتفسير لا يُعذر أحد بجهالته، وتفسير يعلمه العلماء، وتفسير لا يعلمه إلا الله"، فثمة مجال تفسيري يجب أن لا يتحدث فيه إلا ذوو الاختصاص من أهل العلم، وذلك لاختصاصهم بجملة من المعارف والعلوم تؤهلهم لمثل هذا النظر الشرعي في القرآن الكريم.

 

التخصص والتقليد

 

وهذه بدهية عقلية وشرعية، بأن للمختص امتيازا في مجاله العلمي عن غيره، وعليه فمنازعة أهل العلم قراءتهم للنص الشرعي في هذا المجال التفسيري لا شك خطأ، ثم ترتيب نتائج على مثل هذه المنازعة خطأ وضلال مركب، بل الواجب على من كان جاهلا سؤال العالم "فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ" بدل الوقوع في مصيبة "وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ" والعلم نقطة كثرها الجاهلون، ولو سكت من لا يعلم لسقط الخلاف.
 
ومن المغالطة بل من الجهل المركب أن يقال: إن التخصص مطلوب في العلوم التطبيقية، دون العلوم الشرعية، بحجة أن الدين مكلف به كل مسلم والتكليف يستلزم العلم؟
 
هذا الكلام يشهد على صاحبه بأنه غير متخصص إطلاقا، وأنه عاجز تماما عن التصور الصحيح لمسائل العلم؛ ذلك لأن التكليف وإن كان يشترط له العلم، إلا أن الله لم يكلف الخلق كلهم أن يكونوا علمهم تفصيليا مبنيا على نظر في الأدلة وموازنة بين الأقوال والخلافات، ولو كلف الله الخلق كلهم بذلك لكلفهم فوق ما يطيقون.
 
فالمسلم ليس بالضرورة أن يكون متخصصًا حتى يقيم عباداته وتكاليفه، إذ قد جعل الله للناس مخرجًا "فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ" وسؤال الناس للعالم فيما أشكل عليهم، مما تبرأ به ذممهم، ولم يكلفهم الله أكثر من ذلك، ومن ظن أن التكليف يستلزم العلم المفصل فقد أبعد النجعة وأطال الهجعة.

 

ذم التقليد

 
ومن الخلط هنا استجلاب كلام الأئمة في ذم التقليد وأنه لا يجوز إلا للضرورة كي ينقض بها مسألة التخصص؟
 
فهل معنى كلامهم أن على الجميع التوصل للحكم التفصيلي بالاجتهاد الشخصي، المبني على النظر في الأدلة والموازنة بينها والترجيح بين الأقوال؟ لو صح هذا الكلام لكان على جميع المسلمين أن يدعو علومهم الآخرى وشؤونهم الدنيوية، ويقلبوا على تعلم (الفقه، والأصول، واللغة، والعقائد والتفسير وسائر علوم الشريعة)، ولكان طلب العلم الشرعي بجميع صوره وأشكاله واجبا متعينا على كل أحد لا يجوز تركه إلا في حالات الضرورة المشابهة لأكل الميتة، وهو ما لا يمكن أن يقول به أحد.
 
أهل العلم حين يتحدثون عن ذم التقليد وإباحته حال الضرورة، إنما يعنون بذلك أهل العلم المتخصص الذي آتاهم الله العلم، ومع ذلك يصرون على تقليد علماء آخرين متخصصين مثلهم، كالأئمة الأربعة ونحوهم.
 
فمثل هؤلاء قعلهم فاسد ظاهر الفساد؛ ﻷن التقليد لا يشرع للعالم الذي يقوى على الاجتهاد، إذ عنده آلة العلم والفهم ما يؤهله للنظر واستنباط الأحكام، فليس له أن ينصرف عن علمه تقليدا لعلم آخر. أما عموم الناس، فإن التقليد مباح لهم كشرب الماء، وليس عليهم فيه أدنى حرج، ومن قال إن التقليد بالنسبة لجميع الخلق لا يجوز إلا للضرورة؛ فقد شق على المسلمين وكلفهم ما لا يطيقون.
 
وبكل حال فالخروج عن تفسير أهل العلم للقرآن موقع للإنسان في الخطأ ولا شك، وكم أتألم حين أجد متحدثا في هذه المسائل يريد أن يقرر حقه في الاستقلال بتفسير القرآن وأنه رجل في هذا الباب كما الأئمة رجال، ثم إذا سألته عن معنى شيء من غريب قصار المفصل احتار وعجز، فما أبعد هذا الصنف عن إصابة الحق.

 


 

المصدر:

  1. عبد الله بن صالح العجيري، ينبوع الغواية الفكرية، ص212
تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.
اقرأ أيضا
الاستعمار الإمبراطوري الليبرالي | مرابط
اقتباسات وقطوف

الاستعمار الإمبراطوري الليبرالي


إن الاستعمار الإمبراطوري الليبرالي لن يهزم قضية الحرية فقط في الأماكن التي يفرض فيها بل هو سيميل أيضا إلى هدم الحرية في قاعدتها الوطنية وإن الاستعمار الإمبراطوري الليبرالي يحتاج إلى العضلات العسكرية الضخمة لتنتشر في الأرض المعادية

بقلم: ريتشارد كوك وكريس سميث
544
إياك والأوهام! | مرابط
مقالات

إياك والأوهام!


خلقت قوى النفس مطيعة للأوهام وإن كانت كاذبة حتى إن الطبع لينفر عن حسناء سميت باسم اليهود إذ وجد الاسم مقرونا بالقبح فظن أن القبح أيضا ملازم للاسم ولذا تورد على بعض العوام مسألة عقلية جليلة فيقبلها فإذا قلت هذا مذهب الأشعري أو الحنبلي أو المعتزلي نفر عنه إن كان يسيء الاعتقاد فيمن نسبته إليه

بقلم: عبد الله القرني
394
العنصرية الأمريكية ضد العرب | مرابط
اقتباسات وقطوف

العنصرية الأمريكية ضد العرب


مقتطف من كتاب الحروب الهمجية يتحدث فيه الكاتب عن الرؤية الأمريكية للعرب والتي تقوم على العنصرية أو التعصب إذ يعد هذا هو المحرك الأبرز في التعامل مع كافة الأحداث ومن هنا توصف أعمال العنف التي يرتكبها الأمريكان أو إسرائيل على أنها دفاع عن النفس بينما أي عنف يرتكبه العرب يقع تحت وصف الإرهاب

بقلم: ستيفن سالايتا
631
قصة العلمانية التي لا تعارض الإسلام | مرابط
فكر مقالات

قصة العلمانية التي لا تعارض الإسلام


هل كان يدور بخلد الفقيه المالكي شهاب الدين القرافي ت684 ه أن اسمه سيتردد بعد وفاته بقرون في محاولة التلفيق بين النظام السياسي الإسلامي والعلمانيهل كان القرافي يريد في حديثه عن تصرفات النبي صلى الله عليه وسلم بالإمامة والقضاء ما ذكره بعض المعاصرين عنه أن دليل على أن الأحكام الشرعية السياسية تصرفات غير ملزمة وإنما هي مرتبطة بالأئمة يقيمونها بحسب الأصلح

بقلم: فهد بن صالح العجلان
829
صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ج1 | مرابط
تفريغات

صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ج1


إن الله سبحانه وتعالى قد فرض فرائض وشرع شرائع وأمر بلزومها ومن أعظم هذه الشرائع هي أركان الإسلام الخمسة التي أمر الله عز وجل بها وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بركنيتها للإسلام كما جاء في حديث عبد الله بن عمر في الصحيحين وغيرهما في قوله عليه الصلاة والسلام: بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت من استطاع إليه سبيلا

بقلم: عبد العزيز الطريفي
826
الوحي بين المحكم والمتشابه | مرابط
أباطيل وشبهات مقالات

الوحي بين المحكم والمتشابه


الوحي كما أخبر الله فيه النص المحكم الذي يجب التزامه والنص المتشابه الذي يلزم رده إلى المحكم فإذا غاب عن الباحث قاعدة المحكم والمتشابه فلن يتميز له المراد الإلهي وسيبقى مترددا متذبذبا يقفز مع كل أطروحة ويركبه كل اعتراض

بقلم: عبد الله العجيري
481