موقف المدرسة العقلية من السنة النبوية الجزء الثاني

موقف المدرسة العقلية من السنة النبوية الجزء الثاني | مرابط

الكاتب: الشبكة الإسلامية

1316 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

المحطة الثانية في خط الانحراف بالعقل وتحكيمه على نصوص السنة:

 

كانت المحطة الثانية في تكريس مبدأ الإعلاء من شأن العقل وتحكيمه على نصوص السنة، هي ظهور الاستشراق كاتجاه فكري يُعنى بدراسة حضارة الأمم الشرقية بصفة عامة، وحضارة العرب والإسلام بصفة خاصة. والمستشرقون هم علماء من الغرب اعتنوا بدراسة الإسلام واللغة العربية وكذلك لغات الشرق وأديانه وآدابه. ويرى بعض المؤرخين أن بداية الاستشراق كانت مع بداية الاستعمار في العصر الحديث قبيل القرن التاسع عشر، بينما يرى بعضهم الآخر أن الاستشراق أقدم من ذلك، حيث يرون أن بدايته كانت مع اشتغال الغرب بترجمة الكتب العربية.

 

وللاستشراق أهدافه، ودوافعه، ومنهجه في دراسة الإسلام، ليس هذا محل تفصيلها.

 

والذي يعنينا هنا أن اشتغال المستشرقين بنتاج الفكر الإسلامي أدى إلى إثارة شبهات حول السنة النبوية؛ حيث شعروا بأهمية ذلك الرصيد الضخم، فركزوا طعونهم عليها ليتسنى لهم الطعن في القرآن، ولقد وجدوا في منهج المعتزلة ما يخدم أغراضهم، فتبنوه ودافعوا عنه وساروا على منواله في محاربة السنة والتهوين من شأنها، ولقد كان عدم التصديق بنبوته – صلى الله عليه وسلم – هو القاعدة التي انطلقوا منها في بث كل شكوكهم ومطاعنهم في بقية جوانب الإسلام؛ فبثوا في كتبهم أن ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس إلا أفكارًا ولَّدها صفاء نفسه، وأنه لا يعدو أن يكون مصلحًا اجتماعيًا، وأن الوحي عبارة عن كهانة وأمراض عقلية ونفسية، وأن هذا الوحي مقتبس من اليهودية والنصرانية والعقائد والأديان القديمة المختلفة.

 

وأراد أولئك المستشرقون أن يدعموا آراءهم السابقة حول السنة النبوية فبثوا في كتاباتهم قذفًا لرسول الله – صلى الله عليه وسلم - وتُهمًا جائرة، وطعنوه بكل نقيصة في شخصه، وكالوا له أبشع الشتائم وأوسع السباب؛ وذلك ليتمكنوا من تجريده من العصمة الملازمة لمقام النبوة؛ فصوروه مشغولاً بالنساء، ومهتمًا بالدنيا وحطامها الفاني يعيش على الغنائم والتلصص والسلب والنهب، كما صوروه شخصًا متناقضًا متبعًا لهواه.

 

وكان إنكار نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم من قِبل المستشرقين هو المدخل والطريق لطعنهم في سنته؛ فقد نظروا إلى هذه الثروة الهائلة من الأحاديث النبوية فاستبعدوا أن يكون النبي محمد هو مصدرها، فأعملوا عقولهم الخاسرة في قطع الصلة ومحو العلاقة بين تلك الأحاديث وبين النبي - صلى الله عليه وسلم -.

 

ومع أن الذي يعتقده كل مسلم أن حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم – حُفظ كما حفظ القرآن، وظل طيلة القرون الماضية سليمًا معافى، وقد هيّأ الله تعالى له رجالاً بذول غاية جهدهم في سبيل المحافظة عليه وتنقيته مما علق به من شوائب، وَفق منهجية ذات شروط صارمة.

 

ورغم ذلك فقد زعموا الوضع في الحديث، وأنه لا تصح نسبته لرسول الله – صلى الله عليه وسلم -، وطعنوا في أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه -، ولم يكتف المستشرقون بذلك، بل طعنوا في منهج النقد عند الأئمة الحفاظ المحدثين.

 

• وعلى خطى المعتزلة والمستشرقين في موقفهما من السنة النبوية سارت المدرسة العقلية الحديثة؛ حيث استطاع المستشرقون أن يستقطبوا كثيرًا من أبناء الإسلام الذين تأثروا بثقافتهم وانخدعوا بآرائهم وما روجوه لأنفسهم بالتزام المنهجية والحيادية في البحث العلمي، وهؤلاء المقتفون لآثار المستشرقين كانوا يمثلون رموزًا بارزة في بلدانهم، مما كان له أثر بالغ في نشر تلك الأفكار بين المسلمين، وانخداع السُّذج منهم بها، وتفلُّت كثير منهم من التمسك بالشرع الشريف.
كما أن تتلمذ بعض أبناء المسلمين على أيدي المستشرقين جعل كثيرًا منهم يحذو حذوهم، فكان خطرهم أكبر وإفسادهم أعظم؛ لأن هدم الحصون من داخلها أشد خطرًا من أي عدوان خارجي.

كما أن جهل تلاميذ المستشرقين بالسنة النبوية وبالجهود التي بذلها الأئمة في نقلها ونقدها وتمييز صحيحها من سقيمها، جعلَهم يتلقفون شبهات المستشرقين وينخدعون بأقوالهم وآرائهم.

ويضاف لما سبق: ضعفُ الوازع الديني عند بعضهم، الأمر الذي جعلهم يستجيبون للضغوط فيرجون لبعض الأفكار، ولو على حساب دينهم!
ولا شك أن ضعف الأمة الإسلامية وانصرافها عن دينها أدى إلى انبهارها بالغرب وتشبثها بأذياله وتبعيتها لأفكاره.

 

• لقد تأثر روَّاد المدرسة العقلية الحديثة بمنهج المعتزلة في التعامل مع نصوص الوحي فردوا كثيرًا منها بالعقل، ومن أمثلة ذلك: حديث غمس الذباب الواقع في الإناء، وحديث المعراج، وحديث شق صدر الرسول وإخراج حظ الشيطان منه، وحديث سحر النبي صلى الله عليه وسلم، وحديث إسلام شيطان النبي صلى الله عليه وسلم، وحديث: "إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة ..."، وحديث: "تحاجت الجنة والنار ..."، وحديث نزول عيسى عليه السلام في آخر الزمان، وأحاديث الدجال والجساسة، وحديث لطم موسى عليه السلام لملك الموت وفقء عينه، إلخ.

 

• وكما تأثر أصحاب المدرسة العقلية الحديثة بالمعتزلة، فإنهم تأثروا كذلك بمنهج المستشرقين وما بثوه من شبهات وأراجيف، ومن ذلك التشكيك في صحة الأحاديث واعتقاد وضعها على رسول الله صلى الله عليه وسلم كما شككوا في دقة التدوين وكتابة الأحاديث النبوية. وبالغوا في النتائج المترتبة على تصحيح العلماء لرواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمعنى. ولجهلهم وضيق عطنهم عارضوا السنة النبوية بظاهر القرآن الكريم، وضربوا بعضهما ببعض. وتجرؤوا على صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يُسَلِّموا بعدالتهم، ولقد نال أبو هريرة رضي الله تعالى عنه من ذلك التنقُّص النصيبَ الأوفر. وأما الصحيحان اللذان هما أصح الكتب بعد كتاب الله تعالى وأجمعت الأمة على تلقيهما بالقبول فلم يسلما - كذلك - من تشكيكهم.

ثم وجهوا سهامهم لمناهج المحدثين ووسمهم بأنهم إنما اعتنوا بأسانيد الأحاديث دون متونها، وأنهم لايفقهون دلالات ألفاظ الأحاديث التي يشتغلون بدراسة أسانيدها، وجعلوا اختلاف الأئمة الحفاظ في الحكم على الأحاديث صحة أو ضعفًا ناشئًا عن هوى وبواعث نفسية!

تلكم هي جذور المدرسة العقلية الحديثة، والأسس الفكرية التي قامت عليها، وتلكم هي الروافد التي أثرت في تكوينها وفي الموقف الذي اتخذته من سنة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، وتلكم هي المداخل والأساليب التي اتخذوها لصرف الناس عن هذه السنة المطهرة والتهوين من شأنها وخطرها وصولاً إلى ردها كليًا أو جزئيًا.
واطلاعنا على ما سبق يساهم في تكوين حصانة للمسلم تعصمه وتساعده في التصدي لما قد يَرِدُ عليه من شبهاتهم. والله الموفق، وهو الهادي إلى سواء السبيل.

 


 

المصدر:

موقع إسلام ويب

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#السنة-النبوية #شبهات-حول-السنة
اقرأ أيضا
الافتتان بالآخرين وصد الحق | مرابط
اقتباسات وقطوف

الافتتان بالآخرين وصد الحق


قد يكون اتباع أحدهم للباطل ليس إلا افتتانا بمن رآهم يتبعون هذا الباطل إذ يقول في نفسه: كيف لهؤلاء العظام والعقول الراجحة أن تتبع باطلا لا بد أنه الحق وأنهم رأوا من آياته ما حملهم على اتباعه إذن أتبعه مثلهم حتى لو بدى لي خلاف ذلك

بقلم: الشاطبي
2176
الرد على عدنان إبراهيم: فرية تنبؤ النبي أن معاوية يموت على غير ملة الإسلام ج2 | مرابط
أباطيل وشبهات

الرد على عدنان إبراهيم: فرية تنبؤ النبي أن معاوية يموت على غير ملة الإسلام ج2


يدعي عدنان إبراهيم أن الرسول صلى الله عليه وسلم تنبأ بأن الصحابي الجليل معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه سيموت على غير ملة الإسلام واستند في ذلك على ما رواه البلادري وفي هذا المقال فحص وتمحيص لهذه الفرية ورد عليها وبيان ما فيها من أخطاء وأباطيل

بقلم: أبو عمر الباحث
7880
رائدة النسوية بين التنظير والحياة الواقعية | مرابط
النسوية

رائدة النسوية بين التنظير والحياة الواقعية


هذه الرائدة النسوية المتمردة والتي كانت تدعو نساء العالم للتمرد على الرجل كانت تكتب لحبيبها الأمريكي نيلسون ألغرين -في لحظة شفقة وتية وعشق هائم بعد أن هجرها عشيقها الأول جان بول سارتر لبعض الوقت وذهب لمن هي أصغر سنا- وتقول له: سأكون مطيعة لك مثل زوجة عربية.

بقلم: د. عائض الدوسري
353
شخصية مريم المؤمنة | مرابط
تفريغات

شخصية مريم المؤمنة


مريم المسلمة المؤمنة العابدة القانتة الطائعة لربها التي جعلت لها محرابا تصلي فيه وتعبد ربها ومحراب المرأة أيتها النساء في قعر بيوتهن كلما كان أعمق في البيت كلما كان أفضل تصلي فيه الفرائض والنوافل.. تجلس لتقرأ القرآن وتحاول أن تقوم بهذه العبادات لله عز وجل كما أمرها الله سبحانه وتعالى

بقلم: محمد المنجد
383
الاعتبار | مرابط
اقتباسات وقطوف

الاعتبار


ومن اعتمد في هدايته وسداده على نفسه ومواهبه ومهاراته واستغنى عن ربه فلن تزيده إلا حيرة وضلالا وطغيانا ومن استعان الله واهتدى به هداه الله بأقل ما يبلغه من العلم ووفقه للعمل به ومن حاز الدنيا بكل ما فيها من زينة ومتاع ولم يطلب الباقيات الصالحات فهو أعظم الناس خسارة وهو الظالم والمظلوم ولا يظلم ربك أحدا

بقلم: حسين عبد الرازق
458
تغريدات حول التقوى وآثار الذنوب | مرابط
اقتباسات وقطوف

تغريدات حول التقوى وآثار الذنوب


حفظ الجوارح من المعاصي في أول العمر معين من الله على حفظها في الكبر من أمرين: من أن يختم له خاتمة سوء أو يقع في الخرف والهذيان ومن حفظ الله للطائع في صغره حفظ العقل من البلاء بأنواعه عند الكبر قال ابن عباس: من قرأ القرآن لم يرد إلى أرذل العمر

بقلم: عبد العزيز الطريفي
800