الرد على عدنان إبراهيم: فرية تنبؤ النبي أن معاوية يموت على غير ملة الإسلام ج2

الرد على عدنان إبراهيم: فرية تنبؤ النبي أن معاوية يموت على غير ملة الإسلام ج2 | مرابط

الكاتب: أبو عمر الباحث

7865 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

ثالثًا: السُّنَّةُ الصحيحة ترد الرواية:

 

وبعد أنْ نقدنا الرواية مِن حيث السند وَفَنَّدْنَاهَا, ننقدها من حيث المتن ونقول:

رواية خطيرة كهذه كيف تكون صحيحة عن معاوية بن أبي سفيان ولا تكون مشهورة بين الصحابة رضي الله عنهم والتابعين وتابعيهم؟ صِحَّةُ هذه الرواية تعني الطعنَ في عمر وعثمان وعليٍّ لأنهم استعملوا على المسلمين في إمارة الشام رَجُلًا  سيموت على غير الملة وولوه عليهم.

ثم هذه الرواية في حالة صحتها تقدح في رسول الله صلى الله عليه وسلم, لأنه استأمن رجلًا سيموت كافرًا في كتابة الوحي المنزل من السماء، وبالتالي تطعن في صحة القرآن الكريم. ومن المعلوم عند كافة العلمـاء أنَّ الإسلام شرط في التحمل عن الراوي في رواية الحديث الشريف, فما بالك بكتابة القرآن الكريم؟

ثم مِن أدلة بُطْلان هذه الرواية أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم دعا لمعاوية بقوله { اللهم علمه الكتاب والحساب, وَقِهِ العذاب }.(1) وصححه العَلَّامَة الألبانيُّ في صحيح سنن الترمذي.

ونحن نعلم أنَّ دعاء  النبيِّ صلى الله عليه وسلم مستجاب, إذا فدعاء الرسول لمعاوية أن يَقِيَهُ الله العذاب يعني أنَّ معاوية لن يعذبه الله، والكافر الذي مات على غير ملة الإسلام قطعًا سيعذبه الله.

فكيف يكون معاوية مات على غير الإسلام؟؟

 

ومن أدلة بطلان هذه الرواية دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم لمعاوية بقوله: { اللهم اجْعَلْهُ هاديًا مهديًا واهْدِ به}.(2) وصححه العَلَّامة الألبانيُّ في السلسلة الصحيحة، فيكون يكون معاوية هاديًا ومهديًا ويهدي الله به, ثم بعد ذلك يقال أنه يموت على غير الإسلام؟!

 

ومن أدلة بطلان هذه الروايةأنَّ معاوية رضي الله عنه نقل لنا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم{ مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهُ فِي الدِّيْنِ }.(3) وقد شَهِدَ ابنُ عباس وهو حَبْرُ هذه الأمة لمعاوية بأنه فقيه، كما رواه البخاري في صحيحه.(4) فلم أسمع والله في حياتي عن فقيه في الإسلام كافر !!

كيف يسمح الصحابة أن يتولى الخلافة رجلٌ يعرفون عنه أنه سيكفر ويموت على غير الملة؟ كيف يتنازل الحسنُ بنُ عليٍّ رضي الله عنهمـا عن الخلافة لرجل سيموت كافرًا؟ هل يقصد عدنان إبراهيم بقدحه في معاوية أن يقدح في الحسن بن علي رضي الله عنهم؟

 

ومن أدلة بطلان هذه الرواية أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: { أَوَّلُ جَيْشٍ مِنْ أُمَّتِي يَغْزُونَ الْبَحْرَ قَدْ أَوْجَبُوا }.(5)

قال الإمام ابن حجر العسقلاني: { وقوله قد أوجبوا: أي فعلوا فعلًا وَجَبَتْ لهم به الجنة }.(6)

{ قال المهلب: في هذا الحديث منقبة لمعاوية لأنَّه أَوَّلُ مَنْ غَزَا البحر }.(7)

قال الإمام بدر الدين العيني: { قَوْله: ( أول جَيش من أمتِي يغزون الْبَحْر ) أَرَادَ بِهِ جَيش مُعَاوِيَة، وَقَالَ الْـمُهَلَّبُ: مُعَاوِيَةُ أَوَّلُ مَنْ غَزَا الْبَحْر }.(8)

 فكيف يموت معاوية رضي الله عنه كافرًا على غير ملة الإسلام وهو الذي أوجب الجنة بغزوه البحر كما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم؟؟ ومن أدلة بطلان هذه الرواية أنَّ العلماء المحققين لم يقولوا أبدًا أنَّ معاوية مات على غير الإسلام.

 

رابعًا: وإليك أيها القارئُ الكريمُ شَيْئًا من هذه الأقوال:

 

روى الإمام أبو بكر الخلَّال قال:

{ وسُئل الإمامُ أحمد : ما تقول رحمك الله فيمن قال : لا أقول إن معاوية كاتب الوحي ، ولا أقول إنه خال المؤمنين فإنه أخذها بالسيف غصبًا؟ قال أبو عبد الله : هذا قول سوء رديء ، يُـجَانَبُونَ هؤلاء القوم ، ولا يجالسون ، و نبين أمرهم للناس }.(9)

قلتُ: إذا كان هذا قول الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله في مَنْ يقول أن معاوية لم يكتب الوحيَّ واغتصب الخلافة, فماذا يا ترى يكون قوله فيمن يُكَفِّرُ معاوية ويقول أنه مات على غير الإسلام؟!

وروى الإمام أبو بكر الخلَّال قال: { عن الْفَضْلِ بْنِ زِيَادٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، وَسُئِلَ عَنْ رَجُلٍ انْتَقَصَ مُعَاوِيَةَ وَعَمْرَو بْنَ الْعَاصِ، أَيُقَالَ لَهُ رَافِضِيُّ؟ فَقَالَ: إِنَّهُ لَمْ يَجْتَرِئْ عَلَيْهِمَا إِلا وَلَهُ خَبِيئَةُ سَوْءٍ، مَا انْتَقَصَ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ إِلا لَهُ دَاخِلَةُ سَوْءٍ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي }.(10)

قال الإمام النووي: { وأما معاوية رضي الله عنه فهو من العدول الفضلاء والصحابة النجباء رضي الله عنه }.(11)

روى الإمام ابن عساكر قال: { عن عَلِيِّ بن جميل قال سمعت عبدَ الله بنَ المبارك يقول: معاوية عندنا محنة، فمن رأيناه ينظر إلى معاويةَ شزرًا اتهمناه على القوم أعني على أصحاب محمد  صلى الله عليه وسلم }.(12)

وروى الإمام ابن عساكر قال: { قَالَ أَبُو تَوْبَةَ، الرَّبِيعُ بْنُ نَافِعٍ الْحَلَبِيُّ: مُعَاوِيَةُ سِتْرٌ لِأَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا كَشَفَ الرَّجُلُ السِّتْرَ اجْتَرَأَ عَلَى مَا وَرَاءَهُ }.(13)

قال الإمام ابن كثير:

{ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمَّـارٍ الْمَوْصِليُّ وَغَيْرُهُ: سُئِلَ الْمُعَافَى بْنُ عِمْرَانَ أَيُّمَا أَفْضَلُ مُعَاوِيَةُ أَمْ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ؟ فَغَضِبَ وَقَالَ لِلسَّائِلِ: تَجْعَلُ رَجُلًا مِنَ الصَّحَابَةِ مِثْلَ رَجُلٍ مِنَ التَّابِعِينِ؟ ! مُعَاوِيَةُ صَاحِبُهُ وَصِهْرُهُ وَكَاتِبُهُ وَأَمِينُهُ عَلَى وَحْيِ اللَّهِ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " دَعَوْا لِي أَصْحَابِي وَأَصْهَارِي، فَمَنْ سَبَّهُمْ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ }.(14)

قال شيخ الإسلام ابنُ تيمية:

 { إنَّ معاوية ثَبَتَ بالتواتر أنه أمَّره النبي صلى الله عليه وسلّم كما أمّر غيره، وجاهد معه، وكان أمينًا عنده يكتب له الوحي، وما اتّهمه النبي صلى الله عليه وسلّم في كتابة الوحي، وَوَلَّاهُ عُمَرُ بنُ الخطاب الذي كان أخبر الناس بالرجال، وقد ضَرَبَ اللهُ الحقَّ عَلَى لسانه وقلبه، ولم يَتَّهِمْهُ في ولايته }.(15)

وروى الإمام ابن عساكر قال: { عن أبي الأشهب، قال: قيل للحسن البصري: يا أبا سعيد، إن ههنا قوما يَشتمون -أو يلعنون- معاوية وابن الزبير! فقال: على أولئك الذين يَلعَنونَ لعنةُ الله }.(16)

 

خامسًا: تحذير خطير:

 

قال الإمام النووي: { واعلم أنَّ سبَّ الصحابة رضي الله عنهم حرام من فواحش المحرمات سواء من لابس الفتن منهم وغيره لأنهم مجتهدون في تلك الحروب مُتَأَوِّلُون، كمـا أوضحناه في أول فضائل الصحابة من هذا الشرح، قال القاضي: وسب أحدهم من المعاصي الكبائر، ومذهبنا ومذهب الجمهور أنه يُعَزَّرُ ولا يُقْتَلُ، وقال بعض المالكية: يقتل }.(17)

فإذا كان سب الصحابة من فواحش المحرمات فكيف يكون حال من يكفِّرهم ويحكم عليهم بالخروج من الملة؟

 

وأخيرًا:

 

هذا البحثُ اجتهدتُ فيه على قدر جهدي وعلمي, وأسألُ اللهَ أنْ يتقبلَه مِنِّي ويجعلَه خالصًا لوجهه الكريم, وأسأله سبحانه أن ينفع به المسلمين في كل مكان.

فما كان فيه يا ربنا مِنْ خَيرٍ فتقبلْه مِنِّي, وما كان فيه مِنْ خطأٍ أو سهوٍ أو نسيانٍ فالله ورسوله منه براء، فما قصدتُ منه إلا الذبَّ عن رجلٍ أعتقدُ أنَّه مِنْ أصحابِ رسولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسلم. كما أسأله سبحانه وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العُلَى أن يجعلني ممن قال فيهم:  { وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَـانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ } سورة الحشر 10

 


 

الإشارات المرجعية:

  1. سنن الإمام الترمذي بأحكام الشيخ الألباني ص865 ح3842، ط دار المعارف - الرياض، ت: مشهور بن حسن آل سلمان.
  2. الـمُسند للإمام أحمد بن حنبل ج29 ص426، ط مؤسسة الرسالة - بيروت، ت: شعيب الأرنؤوط وآخرون.
  3. صحيح البخاري للإمام محمد بن إسماعيل البخاري ص30 ح71، ط دار بن كثير - بيروت.
  4. صحيح البخاري للإمام محمد بن إسماعيل البخاري ص923 ح3765، ط دار بن كثير - بيروت.
  5. صحيح البخاري للإمام محمد بن إسماعيل البخاري ص721 ح2924، ط دار بن كثير - بيروت.
  6. فتح الباري للإمام ابن حجر العسقلاني ج7 ص196، ط دار طيبة - الرياض، ت: نظر محمد الفَاريابي.
  7. عمدة القاري شرح صحيح البخاري للإمام بدر الدين العيني ج14 ص277، ط دار الكتب العلمية - بيروت.
  8. السُّنَّة للإمام أبي بكر الخلال ج2 ص434، ط دار الراية - الرياض، ت: د/عطية الزَّهْراني. وسند الرواية صحيح.
  9. السُّنَّة للإمام أبي بكر الخلال ج2 ص447، ط دار الراية - الرياض، ت: د/عطية الزَّهْراني. وسند الرواية صحيح.
  10. شرح صحيح مسلم للإمام محي الدين النووي ج15 ص149، ط مؤسسة قرطبة - مصر.
  11. تاريخ دمشق للإمام أبي القاسم بن عساكر ج59 ص209، ط دار الفكر - بيروت، ت: محب الدين أبي سعيد عمر العمروي.
  12. البداية والنهاية للإمام ابن كثير ج11 ص450 ، ط دار هجر - الجيزة، ت: د/ عبد الله بن عبد المحسن التركي.
  13. مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ج4 ص288 ط مُجَمَّع الملك فهد - السعودية، ت: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم.
  14. تاريخ دمشق للإمام أبي القاسم بن عساكر ج59 ص206، ط دار الفكر - بيروت، ت: محب الدين أبي سعيد عمر العمروي.
  15. شرح صحيح مسلم للإمام محي الدين النووي ج16 ص93، ط مؤسسة قرطبة - مصر.

 

المصدر:

https://www.antishubohat.com/articles/adnan-ibrahem/37-mellati

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.
اقرأ أيضا
نسف شبهات عدنان إبراهيم حول الصحابي بسر بن أبي أرطأة ج1 | مرابط
أباطيل وشبهات

نسف شبهات عدنان إبراهيم حول الصحابي بسر بن أبي أرطأة ج1


أثار عدنان إبراهيم في إحدى حلقاته الكثير من الشبهات حول الصحابي بسر بن أبي أرطأة وزعم أنه قتل طفلين ثم جنت أمهما من هول المنظر ثم ادعى بأنه باع نساء المسلمين سبايا في أسواق النخاسة فكانت المسلمة العفيفة تكشف عن ساقها ليرى ليستطيع الناظرون تثمينها وكل ذلك لأنهن كن في معسكر علي بن أبي طالب رضي الله عنه فما حقيقة هذه الشبهات هذا ما يناقشه المقال

بقلم: أبو عمر الباحث
1844
المذاهب والفرق المعاصرة: العلمانية ج2 | مرابط
تفريغات العالمانية

المذاهب والفرق المعاصرة: العلمانية ج2


نعلم أن هناك متآمرين على المسلمين لكن المنهج القرآني يبين لنا أننا إذا انحرفنا في أنفسنا فإن أعداءنا سيتمكنون منا لكن إذا استطعنا أن نلتزم بديننا الحق الذي جاء من عند الله سبحانه وتعالى فلن يكون لهم قدرة علينا ولهذا مشاكلنا تعود إلى أنفسنا وكثير من المصلحين عندما يناقش انهزامات المسلمين وتأخرهم عن الصدارة في العالم المعاصر يرد ذلك إلى كيد الأعداء فقط

بقلم: عبد الرحيم السلمي
842
أحاديث وفضائل شهر رجب | مرابط
مقالات

أحاديث وفضائل شهر رجب


رجب: من الترجيب وهو التعظيم ويجمع على أرجاب ورجاب ورجبات ومن أسمائه رجب مضر ومنصل الأسنة والأصم والأصب ومنفس ومطهر ومعلي ومقيم وهرم ومقشقش ومبريء.. أما ما يروجه بعضهم من أن سمي بالأصب لأن الله يصب فيه الرزق فباطل.

بقلم: قاسم اكحيلات
846
منهج عبادة | مرابط
مقالات اقتباسات وقطوف

منهج عبادة


من أبرز سمات المنهج الإسلامي أنه منهج عبادة ولكن العبادة في هذا المنهج ليست مقصورة على مناسك التعبد المعروفة من صلاة وصيام وزكاة وإنما هي معنى أعمق من ذلك جدا إنها الصلة الدائمة بالله هذه الصلة في الحقيقة هي منهج التربية كله تتفرع منه جميع التفريعات وتعود في النهاية إليه

بقلم: محمد قطب
2162
صناعة الحياة | مرابط
فكر

صناعة الحياة


استثمار النفس وبناء المستقبل وصناعة الحياة كلمات نسمعها كثيرا ولا مشاحة في الاصطلاح ولكن ثمة ملحظ على أغلب من يردد هذه المصطلحات.. وهذا الملحظ هو أنهم يريدون بهذا الإطلاق المعنى المادي الدنيوي الخالص ويغفلون عما هو أهم وهو المستقبل الحقيقي بعد الموت ذلك المستقبل الأبدي الذي لا يفنى.

بقلم: د. طلال بن فواز الحسان
443
واجب الأخوة في الله | مرابط
تفريغات

واجب الأخوة في الله


فالإنسان يجب أن يكون بالنسبة لأخيه مرآة له يريه ويبصره بما يرى على سبيل التناصح فالنصيحة واجبه بيننا أما إن كانت علاقاتنا عاطفية أو أخوية تتجرد عن التناصح وعن تسديد الأخطاء وعن بيان الواجب في الدعوة إلى الله فإننا مع الزمن تتضخم لدينا الأخطاء ولا نستفيد من هذه العلاقة إلا راحة نفسية يجدها الإنسان عندما يرى إخوانه ولا شك أن هذه الراحة مطلوبة

بقلم: سفر الحوالي
483