استثمار النفس وبناء المستقبل وصناعة الحياة كلمات نسمعها كثيرا، ولا مشاحة في الاصطلاح، ولكن ثمة ملحظ على أغلب من يردد هذه المصطلحات.. وهذا الملحظ هو أنهم يريدون بهذا الإطلاق المعنى الماديّ الدنيوي الخالص، ويغفلون عما هو أهم، وهو المستقبل الحقيقي بعد الموت، ذلك المستقبل الأبدي الذي لا يفنى.
إن هذه الدنيا مهما امتدت وطالت ونال الإنسان من ملذاتها ما نال؛ فإن عاقبتها إلى زوال واضمحلال، فهي ظل زائل.. وما أحوجنا في زمن المادية الصارخة إلى تصحيح المفاهيم والتصورات، خاصة فيما يتعلق بالدار الآخرة.
إن أعظم استثمار للنفس وصناعة للحياة هو سعي المرء لأن يبني لنفسه مستقبلا عامرا بعد فناء البشرية.. تفكر في أبدية الآخرة ثم تفكر إذا كانت هذه الآخرة الأبدية في نعيم الفردوس الأعلى، مع النبيين والصحابة والصديقين.. هذا هو المستقبل الحقيقي الذي يستحق أن تبذل المهج في سبيل تحصيله، ولا يستخفنك الذين لا يوقنون.
وأعظم حجاب حجب الناس عن هذه الحقيقة هو حجاب الغفلة الذي نسجه الشيطان على القلوب، قال الله (اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون).. ومن أعظم ما يعين على العمل للآخرة التفكر فيها، خصص لك دقائق يومية تتفكر فيها في القبر ومدة المكث فيه، تتفكر فيها في نعيم الجنة التي قال الله عنها: (أعددت لعبادي ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر).
فيا من أردت السر الأعظم للفلاح فاعلم أنه الإيمان العميق بالآخرة.. قال الله في سورة ص بعد ذكر ما منّ به على بعض أنبيائه من العطايا: (إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار) أي: خصصناهم بخصيصة عظيمة، وهي إعمار قلوبهم بذكر اليوم الآخر والاستعداد له بالعمل الصالح.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: “وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون”