منهج عبادة

منهج عبادة | مرابط

الكاتب: محمد قطب

2077 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

من أبرز سمات المنهج الإِسلامي أنه منهج عبادة، ولكن العبادة في هذا المنهج ليست مقصورة على مناسك التعبد المعروفة من صلاة وصيام وزكاة.. وإنما هي معنى أعمق من ذلك جدًا.. إنها الصلة الدائمة بالله.

 

هذه الصلة في الحقيقة هي منهج التربية كله، تتفرع منه جميع التفريعات وتعود في النهاية إليه.

 

والصلاة والصيام والزكاة والحج، وسائر الشعائر التعبدية، إن هي إلا مفاتيح؛ مجرد مفاتيح للعبادة، أو ”محطات” يقف عندها السائرون في الطريق يتزودون بالزاد، ولكن الطريق كله عبادة، وكل ما يقع فيه من نسك أو عمل، أو فكر أو شعور، فهو كذلك عبادة.. ما دامت وجهته إلى الله.

 

والعبادة بهذا المعنى تشمل الحياة.

 

إنها لا تقتصر على اللحظات القصيرة التي تشغلها مناسك التعبد، وما كان هذا هو القصد من الآية الكريمة: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) وإلا فما قيمة لحظات عابرة في صفحة الكون، لا تكاد تترك لها أثرًا وتضيع في الفضاء؟

 

إنما قيمتها أن تكون منهج حياة يشمل كل الحياة، قيمتها أن تكون خطة سلوك وخطة عمل وخطة فكر وخطة شعور، قائمة كلها على منهج واضح، يتبين فيه – كل لحظة – ما ينبغي وما لا ينبغي أن يكون.

 

ومرد الأمور كلها في ذلك هو الله، هو المرجع الذي يرجع إليه في كل أمر، ودستوره هو الدستور الذي يستشار في كل لحظة، يستشار في داخل القلب وفي وعي العقل وفي واقع السلوك.

 

وهذه هي العبادة في مفهوم الإِسلام.
ليس معناها أن يتزهد الإِنسان ويتنسك ويترهبن.
وليس معناها أن تستولي التقوى على قلبه في السجود والركوع، فإذا ختم صلاته هبت في داخل نفسه نوازع الطمع والجشع والعدوان، أو تخاذل عن القيام بالأمانة، أو ضعف عن نصرة الحق، أو تواكل عن العمل المنتج في عالم الحس.

 

كلا ! فما هو إذن موصول القلب بالله؟ إنه ”متسكع” في ”محطة العبادة” لكنه لا يسير في الطريق.

 

والعبادة هي السير في الطريق، مع التزود بين الحين والحين؛ السير في الطريق والقلب يحمل الشحنة الحية الواصلة، التي تدفع للعمل. تدفع دائمًا إلى الأمام.

 

والإِسلام صريح في اعتبار العمل هو العبادة، ما دام القلب يتجه فيه إلى الله: (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ).

 

هذا هو منهج العبادة الذي يرسمه الإِسلام ويقيم عليه أسسه التربوية، ويشترط فيه الصدق مع الله، والتقوى لله، أي الصلة الدائمة بالله

 


 

المصدر:

  1. محمد قطب، هل نحن مسلمون
تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.
اقرأ أيضا
المرأة قبل وبعد دعاة التحرير | مرابط
النسوية المرأة

المرأة قبل وبعد دعاة التحرير


عاشت المرأة المصرية حقبة من دهرها مطمئنة في بيتها راضية عن نفسها وعن عيشها ترى السعادة كل السعادة في واجب تؤديه لنفسها أو وقفة تقفها بين يدي ربها أو عطفة تعطفها على ولدها أو جلسة تجلسها إلى جارتها تبثها ذات نفسها وتستبثها سريرة قلبها وترى الشرف كل الشرف في خضوعها لأبيها وائتمارها بأمر زوجها ونزولها عند رضاهما

بقلم: مصطفى لطفي المنفلوطي
514
اليمين الغربي واليسار الليبرالي | مرابط
فكر

اليمين الغربي واليسار الليبرالي


وكما أن الليبرالية كانت وثن الإسلاميين الحركيين والحداثيين قبلا سيكون اليمين وثن الإسلاميين التراثيين عما قريب والإسلام لا إلى ذلك ولا إلى ذاك وعلى المسلم إبصار سبيله ومعرفة الحق من الضلال وامتلاك زمام المبادرة بالفهم على أن يقرأ للنقد من كان له أهل لا كل محب يتقافز شوقا لنصرة الدين ولا يعرف ما هو الدين أصلا ولا يضبط أدنى إشكالات الموضوع الذي ينوي القراءة فيه لهذا الطرف أو ذاك

بقلم: عمرو عبد العزيز
648
قراءة الأحداث بعيون زرقاء | مرابط
فكر

قراءة الأحداث بعيون زرقاء


رغم أن الأعين الزرقاء لم يأت بجديد في قراءة الأحداث إلا أن ضحايا الاستبداد الثقافي يتلهفون دائما للحصول على ختم الصلاحية لأفكارهم وعقائدهم ولذلك يفرحون إذا وافقتهم الثقافة الغربية في فكرة أو فكرتين.. ويطيرون إذا قال الرجل الأبيض شيئا موافقا لثقافة وأفكار المسلمين! فهذا يأتي بمثابة صك الصلاحية وكأن لسان حالهم: الآن لا نخجل مما نعتقده الآن لا حرج على أفكارنا!

بقلم: محمود خطاب
263
ليلة في بيت النبي الجزء الثالث | مرابط
تفريغات

ليلة في بيت النبي الجزء الثالث


إن الله سبحانه وتعالى لم يشرع الضرب إلا للإصلاح والرسول عليه الصلاة والسلام قيد الضرب الذي جاء مطلقا في كتاب الله في قوله تعالى: واضربوهن النساء:34 فالضرب هذا يحتمل أن يكون ضربا شديدا وأن يكون ضربا خفيفا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اضربوهن ضربا غير مبرح أي: غير شديد فهذا الضرب مطلق في كتاب الله وقيد بكلام الرسول عليه الصلاة والسلام فعلى الزوج أن يضرب ضرب المحب لا ضرب المنتقم إذ المقصود بالضرب هو الإصلاح

بقلم: أبو إسحق الحويني
782
لماذا لا نستمتع بالنعم | مرابط
فكر مقالات

لماذا لا نستمتع بالنعم


حديث رائع للدكتور إياد قنيبي يدور حول استشعار النعم التي وهبنا الله إياها وأحاطنا بها وكيف أن كثيرا من المسلمين لا يدرك هذه النعم أو يشعر بها فقد بهتت أدوات استشعار النعم في داخله وبات لا يولي نظره إلا لأهدافه التي لم يحققها أو فشل في تحقيقها فيغيب عن ناظريه قدر النعم العظيمة التي ما زال يملكها

بقلم: د إياد قنيبي
2370
الموقف من آيات الصفات | مرابط
تعزيز اليقين

الموقف من آيات الصفات


وأما ما ورد من آيات الصفات وأحاديثها فالذي يفهم منها هو أن لله جل ذكره مطلق يد ووجه ونحو ذلك مما ورد أما أن يدل على ماهية أو كيفية ونحوها فلا بل لو قيل: إن ملكا من الملائكة له رأس لما فهم منه إلا أن له رأسا فحسب فأما تفصيله فكلا

بقلم: عبد الرحمن المعلمي اليماني
301