موقف شحرور من قدرة الله

موقف شحرور من قدرة الله | مرابط

الكاتب: يوسف سمرين

1462 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

الحركة المعينة والسكون المعين ليس بإرادة الله

يقول شحرور: "الحركة والسكون معًا وبشكل مطلق ومتكافئ تكون بإرادة الله، وليس حركة عمرو وسكون زيد، فإذا تحرك عمرو وسكن زيد فقد اختار عمرو الحركة بنفسه، واختار زيد السكون بنفسه، وعليه يكون الثواب والعقاب والمسؤولية" (1).

فيتضح هنا تناقضه مع قوله أن الوجود هو كلام الله، وكلام الله ينفذ لا محالة، فهنا أضحت الحركة المعيّنة والسكون المعين ليس بإرادة الله وقدرته، بل إن إرادة الله تكون في تكافئها، وتأتي إرادة غيره لترجيح وجودها! وهذا يناقض الإيمان بقدرة الله الشاملة بأن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن (2)

 

الاحتجاج بالمصائب والحوادث

ويوضح شحرور مذهبه فيقول "هل قضى الله سلفا أن يحكم هتلر ألمانيا، ويسبب كوارث الحرب العالمية الثانية؟ وهل حُكم المستبدين والطغاة من قضاء الله؟ الجواب: كلا! ﻷنها لم تخضع لقوله كن فيكون"(3)

فهذا الرجل لا يدري أن ما يستدل به حجة عليه، إذ إن الحرب العالمية كانت فبأي شيء كانت لولا خلق الله لها؟ أم هي وُجدت بكل ما حوته من قتل وقتال وضرب اليابان بالقنابل الذرية دون أن يخلقها الله؟ فمن خلقها إذًا؟ فإن كان كل هذا من خلق غيره فقد قال بوجود خالقين، وإن قصد أن الله لم يقض بتلك الحرب، فهل فاجأه أمرها؟ فإن قصد أنه أراد منعها أتراه عجز عن هذا؟ وهذا الرجل الذي يزعم أنه يحتج بالقرآن يغفل عن قوله تعالى: "مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ"

فهو يحتج بالمصائب؛ فالحرب والطغاة، والله يقول بأن ذلك كله في كتاب قبل أن يكون، لكن شحرورًا يزعم أن حركة تصحيح عقيدة المسلمين التي يريدها في هذا الباب تتلخص في قوله "بأن الله لم يكتب الشقاء والسعادة، والغنى والفقر، وطول العمر وقصره على أحد أبدًا منذ الأزل" (4)

مع أن الله عز وجل يقول "وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ"

لكن شحرورًا يقول "ما يقع من ظلم واضطهاد ليس مكتوبا منذ الأزل، وأن الذي يضطهدنا ويستعمرنا قد فعل ذلك بإرادة شخصية منه، وأن الظلم والعدل متكافئان في علم الله تماما" (5)

 

الفرق بين محبة الله ومشيئته وإرادته الكونية

وهذا الخلط الذي يقع فيه شحرور بأن القضاء يلازمه أن الله محب لما هو واقع كان حجة قديمة لقوم اختلطت عليهم المسألة، يقول ابن القيم

"وأصل ذلك كله هو الفرق بين محبة الله ورضاه، ومشيئته وإرادته الكونية، وأن منشأ الضلال في هذا الباب من التسوية بينهما، أو اعتقاد تلازمهما، فسوّى بينهما الجبرية والقدرية، وقالوا: المشيئة والمحبة سواء، أو متلازمان" (6)

والصحيح "التفريق بين ما فرق الله بينه، وهو المشيئة والمحبة قليسا شيئًا واحدًا، ولا هما متلازمين، بل قدر يشاء الله ما لا يحبه، ويحب ما لا يشاء كونه
فالأول: كمشيئته لوجود إبليس وجنوده، ومشيئته العامة لجميع ما في الكون مع بُغضه لبعضه.
والثاني: كمحبته إيمان الكفار، وطاعات الفجار، وعدل الظالمين، وتوبة الفاسقين، ولو شاء الله لوجد كله وكان جميعه، فإنه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن"(7)

فالله أمر عباده بالطاعة، ونهاهم عن المعصية، ولا يرضى لعباده الكفر والعباد فاعلون حقيقة، والله خلق أفعالهم، وللعباد قدرة على أعمالهم وإرادة، والله خلقهم وخلق قدرتهم وإرادتهم (8)

وقد ناظر أبو إسحاق الأسفراييني القاضي عبد الجبار المعتزلي، "فقال عبد الجبار في ابتداء جلوسه للمناظرة: سبحان من تنزه عن الفحشاء، فقال الأستاذ مجيبًا: سبحان من لا يقع في ملكه ما لا يشاء.
فقال عبد الجبار: أفيشاء ربنا أن يُعصى؟
فقال الأستاذ: أيُعصى الله قهرًا؟"(9)

 

تناقض شحرور

ومع ذلك فلا يتسق شحرور مع مذهبه، فهو القائل "الحركة والسكون -معا وبشكل مطلق ومتكافئ- تكون بإرادة الله" (10)، ومع ذلك يقول "إن أصبت فمن الله وفضله، وإن أخطأت فمن نفسي"(11)

فإن كان الاثنان متماثلين صوابه وخطؤه في إرادة الله وعلمه فمن أين له أن ينسب الأولى إلى الله؟ وما معنى توفيقه وهو لم يخلق فعله ولا سلطان عليه فيه؟

ثم إن هذا الرجل لما كان التلفيق دأبه -لا الاتساق مع مذهب فلسفي- فإنه يقرر هنا أن يتعامل مع الإرادة بطريقة مثالية، مع أنه انحاز مرة إلى الحل المادي في الفلسفة، فقرر أن المادة تسبق الوعي (12)، وأن العقل ينتجه الدماغ، وتطور العقل يتبع تطور الدماغ (13)، فعلى هذا يفترض أن يتسق مع الحل المادي بجعل الإرادة الإنسانية تابعة للمادة، لا أنها مطلقة كما هو شأن المثالية! فإن كانت تعود إلى وجود مادي مخلوق، فهي مخلوقة، وإلا فهو نفسه ينقض انحيازه إلى الخيار المادي ويرتمي في أحضان المثالية التي يزعم رفضه لها (14).

 

مناظرة القدرية

وقد قال كثير من أئمة لاسلف "ناظروا القدرية بالعلم، فإن أقرّوا به خُصِموا، وإن جحدوه فقد كفروا"

يريدون أن من أنكر العلم القديم السابق بأفعال العباد وأن الله تعالى قسمهم قبل خلقهم إلى شقي وسعيد وكتب ذلك عنده في كتاب حفيظ فقد كذب بالقرآن، فيكفر بذلك، وإن أقروا بذلك وأنكروا أن الله خلق أفعال عباده وشاءها وأرادها منهم إرادة كونية قدرية فقد خُصموا؛ ﻷن ما أقروا به حجة عليهم فيما أنكروه"(15)

فما الذي يسلّمه شحرور من علم الله بالغيب؟ بل ما موقفه من علم الله بالموجودات؟

 


 

الإشارات المرجعية:

  1. الدين والسلطة، ص294
  2. انظر العقيدة الواسطية، أحمد ابن تيمية، ص107
  3. الدولة والمجتمع، ص20
  4. الدولة والسلطة، ص294
  5. الدولة والسلطة، ص295
  6. مدارج السالكين، ابن قيم الجوزية، ص676
  7. مدارج السالكين، ص1928
  8. انظر العقيدة الواسطية، ص108
  9. طبقات الشافعية الكبرى، تاج الدين أبو نصر عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي السبكي، (261/4)
  10. الدين والسلطة، ص294
  11. الدولة والمجتمع، ص375
  12. انظر: الكتاب والقرآن، ص42
  13. القصص القرآني 250/1
  14. انظر: الكتاب والقرآن ص42
  15. جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثا من جوامع الكلم، ابن رجب الحنبلي، ص81

 

المصدر:

يوسف سمرين، بؤس التلفيق: نقد الأسس التي قام عليها طرح محمد شحرور، ص57

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#محمد-شحرور #قدرة-الله
اقرأ أيضا
الرد على عدنان إبراهيم: فرية تنبؤ النبي أن معاوية يموت على غير ملة الإسلام ج1 | مرابط
أباطيل وشبهات

الرد على عدنان إبراهيم: فرية تنبؤ النبي أن معاوية يموت على غير ملة الإسلام ج1


يدعي عدنان إبراهيم أن الرسول صلى الله عليه وسلم تنبأ بأن الصحابي الجليل معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه سيموت على غير ملة الإسلام واستند في ذلك على ما رواه البلادري وفي هذا المقال فحص وتمحيص لهذه الفرية ورد عليها وبيان ما فيها من أخطاء وأباطيل

بقلم: أبو عمر الباحث
1444
الدفاع عن السنة الجزء الرابع | مرابط
تفريغات

الدفاع عن السنة الجزء الرابع


النبي عليه الصلاة والسلام لما جاء بدين الله عز وجل قال له ورقة هذه الكلمة التي تعد من أصدق ما قاله إنسان جاء النبي فخالف كثيرا من أعراف العرب وأهواء الجاهلية ولذلك رموه عن قوس واحدة وجاء يقول لهم: يا أيها الناس قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا فأبت العرب أن تقول هذه الكلمة ورضيت أن تدخل في حروب دمرت اقتصادياتها وقتلت أشراف الناس فيها وسبيت النساء وكان العرب أصحاب غيرة إذا هم فهموا معنى: لا إله إلا الله وما معنى أن يقول الواحد منهم: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله

بقلم: أبو إسحق الحويني
783
تعدد طرق الضلال | مرابط
اقتباسات وقطوف

تعدد طرق الضلال


الشبهات هي شبهات عظيمة في ذاتها وشبهات هي يسيرة في ذاتها ولكنها عظيمة في قلب الإنسان لقلة معرفته بالحق فالله سبحانه وتعالى جعل للإنسان طريقا مختصرا بينا يميز به الإنسان الخير من الشر ويجعل هذا الطريق هو طريق الفيصل بين الطرق كلها وقد ذكر الله عز وجل في هذه الآية أن الصراط صراط واحد وأما السبل فهي متعددة لأن طريق الحق هو طريق واحد كحال العافية فالعافية واحدة وأما الأمراض فمتعددة

بقلم: عبد العزيز الطريفي
433
الدنيا تغيرت الجزء الثاني | مرابط
أباطيل وشبهات فكر مقالات

الدنيا تغيرت الجزء الثاني


الدنيا تغيرت توظف هذه المقولة للاعتراض على بعض المقررات الشرعية بذريعة أن النصوص الشرعية ثابتة والواقع متغير ولذا لا يمكن أن نجمد على الثابت وقد يسعى بعضهم إلى مقاربة تظهره بمظهر المعظم للشريعة فهو يتحدث عن حجم استجابة الشريعة لمتغيرات الواقع وتقلباته فهي ليست مجرد نصوص جامدة صلبة لا تقبل الزحزحة أو التطوير بل هي تتطور مع تتطور الواقع للتفاعل معه والذي يؤول في الحقيقة إلى جعل الواقع حكما على الوحي وفي المقال فحص لهذه الشبهة ورد عليها

بقلم: عبد الله بن صالح العجيري وفهد بن صالح العجلان
1260
التسوية بين المرأة والرجل | مرابط
المرأة

التسوية بين المرأة والرجل


إن تسوية الأنثى بالذكر في جميع الأحكام والميادين فيها من الفساد والإخلال بنظام المجتمع الإنساني ما لا يخفى على أحد إلا من أعمى الله بصيرته. وذلك لأن الله جل وعلا جعل الأنثى بصفاتها الخاصة بها صالحة لأنواع من المشاركة في بناء المجتمع الإنساني صلاحا لا يصلحه لها غيرها كالحمل والوضع والإرضاع وتربية الأولاد وخدمة البيت والقيام على شؤونه من طبخ وعجن وكنس ونحو ذلك.

بقلم: محمد الأمين الشنقيطي
399
المذاهب والفرق المعاصرة: القدرية ج1 | مرابط
تفريغات

المذاهب والفرق المعاصرة: القدرية ج1


أهل السنة والجماعة يؤمنون بالقدر إيمانا كاملا مفصلا وعقيدتهم في الإيمان بالقدر عقيدة واضحة وبينة وهم ينهون ويأمرون بالإمساك عن مسائل القدر إذا كان الخوض فيها بغير منهاج الشرع فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أنه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم والناس يتكلمون في القدر قال: فكأنما تفقأ في وجهه حب الرمان من الغضب وقال: ما لكم تضربون كتاب الله بعضه ببعض بهذا هلك من كان قبلكم وهذا حديث صحيح رواه الإمام أحمد في المسند بإسناد صحيح

بقلم: عبد الرحيم السلمي
938