نظرة الإسلام للثقة بالنفس

نظرة الإسلام للثقة بالنفس | مرابط

الكاتب: عبد الرحمن بن ناصر البراك

212 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

السؤال: سمعتُ بعض المنتسبين إلى العلم يقول: إنَّ لفظ "الثقة بالنفس" لا يجوز، وعلَّلوا ذلك بأن على المرء أن يثق بالله في كل شؤونه لا بنفسه؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- في الدعاء: «ولا تكلني لنفسي طرفة عين»،[1] ويتناولُ علمُ النفس وبعضُ المختصين فيه من المسلمين هذا اللفظ "الثقة بالنفس" على أنه ضرورة ملحَّة لكل مسلم؛ إذ إن القدر المعقول من الثقة بالنفس غير المؤدية للغرور والتكبر، تمكِّن الإنسان مِن التقدُّم في الحياة، وتحمِّل الأمانة، وقول الحق، والصبر والدعوة والأمر بالمعروف؛ فإن الإنسان الذي لا يثق بقدرته وعلمه وإمكاناته، لن يستطيع تحمل أعباء الحياة، حتى التكاليف الشرعية في حدها الأدنى، فإنه سيعجز عنها، وقالوا: إن الثقة بالنفس لا تنافي الثقة بالله، بل تخرج عنها لأنها من قبيل قولنا: إن لكل إنسان مشيئة خاصة لا تخرج عن مشيئة الله العامة. فلعكم تعطون الجواب في ذلك وافيًا، بارك الله حياتكم وعلمكم.
 
الجواب: الحمدُ لله، وصلَّى الله وسلَّم على محمَّد، أما بعد:

فعبارة "الثِّقة بالنفس" تأتي في كلام الناس على وجهين:

أحدهما: أن يُراد بها الاعتماد على الحول والقوة وما أوتيه الإنسان من قُدَرٍ عقليَّة وبدنيَّة، وأنَّه بما أُوتي من ذلك يصل إلى مطالبه غافلًا عن ربِّه الذي لا يكون شيءٌ في هذا الكون إلا ما شاءه سبحانه؛ فالثِّقة بالنفس من هذا الوجه هي من قَبيل الاعتماد على الأسباب، وهذا نوعٌ من الشرك، وهو مناقضٌ لما يجب من التَّوكِّل على الله، فهذا هو الوجه المذموم الذي يجب النهي عنه، فلا يجوز إطلاق هذه العبارة مرادًا بها هذا المعنى.[2]

الوجه الثاني: الثِّقة بالنفس، بمعنى الشُّعور بما أنعم الله على العبد من قُدَرٍ ومواهبَ تمكِّنه من الوصول إلى مطالبه، مستحضرًا فضل الله عليه، فهو بذلك لا يحتقر نفسه عن المطالب العالية، خلاف من يشعر بالنقص والعجز؛ فإنه لا يُقدِم في مواضع الإقدام، لأنه غيرُ واثقٍ بقدرته على هذا المطلوب، فتصغرُ همَّته، ويغلبُ عليه الجبن، أمَّا الواثق بنفسه شعورًا بما وهبه الله فإنه شجاعٌ مِقدامٌ طموحٌ إلى المراتب العليا، وهمَّتُه عالية؛ فنفسه بذلك كبيرة يصدق عليه قول الشاعر:
وإذا كانتِ النفوسُ كبـارًا       تعبتْ في مـرادِها الأجســـامُ[3]

ويدخل في هذا الوجه من معنى الثِّقة بالنَّفس: استغناءُ الإنسان عن الناس، بعدم الالتفات إليهم للوصول إلى مطالبه، متوكِّلا على ربِّه مفتقرًا إليه جلَّ وعلا؛ فهذا الوجه من الثِّقة بالنفس من أنواع الكمالات الإنسانيَّة، وهو الذي يتعلق به المدح؛ لأنه يجمع بين التَّوكِّل على الله وحده وفعل الأسباب؛ فإطلاق العبارة بهذا المعنى لا بأس به، وهذا هو الصراط المستقيم في هذا المقام، والله هو الهادي من يشاء إلى صراط مستقيم. والله أعلم.[4]
 


 

المراجع:

  1. أخرجه النسائي في الكبرى (10330)، والحاكم -ط الحرمين-(2052) عن أنس بن مالك رضي الله عنه وقال الحاكم: " " هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه"، وحسنه الألباني في الصحيحة (227). وأخرجه أحمد (20430)، والبخاري في الأدب المفرد (701)، وأبو داود (5090)، عن أبي بكرة رضي الله عنه وصححه ابن حبان (970)، وحسنه الألباني في تخريج الكلم الطيب (رقم 121).
  2. ينظر: فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم (1/170 رقم 87).
  3. ديوان المتنبي -ت عزام- (ص289).
  4. ينظر توجيه بنحوه للشيخ ابن عثيمين في: فتاوى إسلامية- جمع وترتيب محمد المسند- (4/480).
تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#الثقة-بالنفس
اقرأ أيضا
من مقومات المجتمع المسلم: العدل | مرابط
فكر تفريغات

من مقومات المجتمع المسلم: العدل


العدل مطلوب من هذه الأمة بالذات بل من كل أحد وهو محبب إلى النفوس جميعا وتطلبه كل الفطر والعقول في المجتمعات كافة الكافر منها والمؤمن فكلها تريد العدل وكلها تدعيه وتحبه وتنشده ولكن الأمة التي تعرف الحق وهديت إلى الحق وبه يعدلون هي هذه الأمة والحمد لله

بقلم: د سفر الحوالي
336
نظرة الإسلام للثقة بالنفس | مرابط
فكر

نظرة الإسلام للثقة بالنفس


يقول بعض المنتسبين إلى العلم يقول: إن لفظ الثقة بالنفس لا يجوز وعللوا ذلك بأن على المرء أن يثق بالله في كل شؤونه لا بنفسه لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- في الدعاء: ولا تكلني لنفسي طرفة عين ويتناول علم النفس وبعض المختصين فيه من المسلمين هذا اللفظ الثقة بالنفس على أنه ضرورة ملحة لكل مسلم فما حقيقة هذا القول

بقلم: عبد الرحمن بن ناصر البراك
212
فلسفة الزواج | مرابط
المرأة

فلسفة الزواج


إن العلاقة الوثيقة والحب العميق بين الرجل والمرأة ليسا ناشئين عما تتطلبه الحياة الدنيا من الحاجات فحسب فالمرأة ليست صاحبة زوجها في حياة دنيوية وحدها بل هي رفيقته أيضا في حياة أبدية خالدة. فما دامت هي صاحبته في حياة باقية فلا ينبغي لها أن تلفت نظر غير رفيقها الأبدي وصديقها الخالد إلى مفاتنها ولا تزعجه ولا تحمله على الغضب والغيرة.

بقلم: بديع الزمان النورسي
52
مواجهة المشكلات | مرابط
تفريغات ثقافة

مواجهة المشكلات


ن اللجوء إلى الله جل وعلا هو من عتاد المسلم في الكروب وعلينا ألا نغفل عن هذا الجانب فلدى الله تعالى من أشكال المعونة وتفريج الكربات أكثر بكثير مما يظن الناس وأكثر بكثير مما يعرفون لنجعل من المشكلات والأزمات نقاط انطلاق جديدة ولنجعل منها مصدرا لتجديد الوعي واستخراج الإمكانات الكامنة ومصدرا للمراجعة والنقد الذاتي وبذلك تنقلب المحنة إلى منحة

بقلم: د عبد الكريم بكار
155
حياتنا بين هموم الدنيا والآخرة الجزء الثاني | مرابط
فكر مقالات

حياتنا بين هموم الدنيا والآخرة الجزء الثاني


ثم ورث هموم الآخرة الصالحون من أمة محمد صلى الله عليه وسلم ويظهر ذلك في أمانيهم وأحلامهم وتتبع أحوالهم ومن ذلك أن عمر قال لأصحابه يوما: تمنوا فقال رجل منهم: أتمنى لو أن هذه الدار مملوءة ذهبا أنفقه في سبيل الله عز وجل فقال: تمنوا فقال رجل: أتمنى لو أنها مملوءة لؤلؤا وزبرجدا وجوهرا أنفقه في سبيل الله عز وجل وأتصدق بهثم قال: تمنوا قالوا: ما ندري ما نقول يا أمير المؤمنين قال عمر: لكني أتمنى لو أن هذه الدار مملوءة رجالا مثل أبي عبيدة بن الجراح

بقلم: د منقذ بن محمود السقار
1165
لا يجتمع الإخلاص ومحبة المدح في قلب المؤمن | مرابط
اقتباسات وقطوف

لا يجتمع الإخلاص ومحبة المدح في قلب المؤمن


لا يبقى الإخلاص في قلب المؤمن إذا داخله حب الشهرة والمدح والثناء فأحد هذه الصفات إذا دخل خرج الآخر ولم يطق البقاء معه كما يقول ابن القيم: لا يجتمع الإخلاص في القلب ومحبة المدح والثناء والطمع فيما عند الناس إلا كما يجتمع الماء والنار والضب والحوت فإذا حدثتك نفسك بطلب الإخلاص فأقبل على الطمع أولا فاذبحه بسكين اليأس وأقبل على المدح والثناء فازهد فيهما زهد عشاق الدنيا في الآخرة

بقلم: ابن القيم
805