عين الخصم!

عين الخصم! | مرابط

الكاتب: د. طارق عنقاوي

418 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

عندما تحاور من يستشكل أو يشكك في أحكام الإسلام، فلا يفوتنك شيء مهم، وهو أن لدى بعض من تحاورهم خللا منهجيا يجب أن تسلط الضوء عليه لتظهر قوة موقفك، فمثلا قد يسألونك عن سبب التحريم للحم الخنزير، وفي خلفية سؤالهم أنهم يطلبون مصدرا معينا من المعارف، وهو المصدر الحسي والتجريبي، والواقع أن اختزال المعرفة في الحس والتجريب خلل منهجي سائد في الغرب، فيجب أن تبين أنك ابتداء تعتقد أن هذا خلل، وأن المعرفة لها مصادر متعددة تتكامل ولا تتعارض، ونحن كمسلمين عندنا موقف مبرهن هو أن الوحي مصدر معرفي عظيم لأنه من عند الله ﷻ، وموقفنا من هذا المصدر مبني على أدلة عقلية قاطعة تدل على صحة الإسلام وأن ما جاء به النبي ﷺ حق ووحي من عند الله

والفائدة من هذا أنك تقطع طريقتهم في تعجيزك، لأنهم ضمنيا يحصرونك في مصدر واحد هو التجريب، ثم يطالبونك بالدليل من هذا المصدر، وعندما تسترسل معهم فكأنك تسلم لهم بصحة اختزاليتهم المعرفية وأنت لا تشعر، فتخسر أحد أقوى منطلقاتك، ويفوتك التنبيه على أعظم خلل في منطلقاتهم.

وأيضا لو قررت أنت تصحيح ذلك الخلل، فغاية ما عندهم بعدها أنهم يعارضون باختزاليتهم وجهلهم شموليتك وعلمك، وهذا في غاية الضعف، ففي مثال الخنزير مثلا سيطالبونك ببيان أضراره الصحية، وكأن الحكم بني على هذا فقط، دون اعتبار لوصف الله تعالى للخنزير بالرجس واحتمال تضمن ذلك لعدة معان كالخبث أو النجاسة أو غيرها، فينبغي لك أن لا تقبل بالاختزال، فغاية ما عندهم أن يختزلوا الحكمة في أثر محسوس، ثم يحتكمون لجهلهم،وهو قولهم: "لم يثبت!" أي تجريبيا.. وفي الحقيق أن عدم الثبوت ليس ثبوتا للعدم، أي قد يثبت ذلك مستقبلا، فهم إذا ينزلون الجهل منزلة العلم!

وصحيح أنك في هذه الحالات قد تنازعهم بالتجريب وتثبت بعض الأضرار التي يكثر وقوعها، ثم قد تشرح لهم أن الشرع يغلب جانب المفسدة إذا عظمت ويحكم بحكم يكون شرعاً يجب امتثاله طاعة لله، هذا كله صحيح، لكن من المفيد جدا أن تهز أساسهم الاختزالي وتكشف حقيقة موقفهم المستند للجهل والمنصرف عن الشمولية المعرفية الحقّة.

وقس على ذلك أوجه الخلل المنهجية الأخرى التي تبرز في صور المسائل المتنوعة الأخرى، كاتخاذ معايير غير مطلقة للحكم بالصواب والخطأ، كتأليه الإنسان وجعله مركز الوجود بدلا من سبب الوجود وهو الله الرب المعبود وحده سبحانه، وغير ذلك.

وأخيرا تنبه رعاك الله ﷻ إلى أن لا تقيس صحة الأمور بمدى اقتناع الخصم، فعدم اقتناعه لا يرجع بالضرورة لضعف موقفك وخلوه من الحجة، بل قد يرجع لخلل في طريقتك في سياق الحجة، أو قد تكون حجتك قوية لكن يرجع عدم الاقتناع لخلل منهجي ومرجعي وسابق وعميق عند الخصم، وقد يكون معه الهوى والاستكبار ونحوه مما ذكر الله ﷻ أنه من أسباب مخالفة الحق، فلا يصح أن نغفل هذه القضية ونوقع أنفسنا في حيرة بسبب عدم قبول المخالف أو ما يظهره من عدم اقتناع، ونبدأ ننظر ونقيّم من خلال عين الخصم العوراء!

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#المناظرات
اقرأ أيضا
العمارة في الحضارة الإسلامية ج1 | مرابط
تاريخ

العمارة في الحضارة الإسلامية ج1


أمر الإسلام بتعمير الأرض بالبناء عليها وحث عليه لحماية الإنسان من حر الشمس وبرد الشتاء وأمطاره وجعل اتخاذ المساكن نعمة من الله لمخلوقاته ولذلك وضع الإسلام لبناء المساكن والمدن والقرى الكثير من الآداب وشهدت بلادنا الإسلامية ازدهار العمران والبناء الذي تميز بطابع إسلامي خالص وفي هذه المقالات سيقف بنا الكاتب على ملامح العمران في كل العصور الإسلامية

بقلم: موقع قصة الإسلام
1716
تحذير الأئمة الأربعة من الاختلاط | مرابط
مقالات المرأة

تحذير الأئمة الأربعة من الاختلاط


قال الإمام مالك بن أنس رحمه الله: أرى للإمام أن يتقدم إلى الصناع في قعود النساء إليهم وأرى ألا تترك المرأة الشابة تجلس إلى الصناع فأما المرأة التجالة والخادم الدون التي لا تتهم على القعود ولا يتهم من تقعد عنده فإني لا أرى بذلك بأسا

بقلم: عبد العزيز الطريفي
313
حول مشروع الجندر | مرابط
الجندرية

حول مشروع الجندر


تدور الفكرة الرئيسية لمفهوم الجندر حول أن صفاتنا النفسية والاجتماعية وأدوارنا لا تولد معنا بل نكتسبها من خلال التربية والثقافة المحيطة وأن الاختلاف الطبيعي الوحيد بين الذكر والأنثى هو في تلك الوظيفة الإنجاب أما الاختلافات الأخرى من حيث الطباع أو الأدوار الاجتماعية التي يقوم بها كل من الذكر والأنثى فهي ليست مرتبطة بالاختلافات البيولوجية أو الفيزيولوجية الموجودة في جسد كل منهما بل بسبب عوامل اجتماعية صنعها البشر أنفسهم

بقلم: الحارث عبد الله بابكر
492
عبادات ميسورة | مرابط
مقالات

عبادات ميسورة


ومن العبادات الميسورة التي لا يعجز أحد عنها: عبادة جميلة هي زكاة العلم وهو أنك إذا سألك أحدهم عن معلومة قلها كاملة مثلما ساقها لك رب العالمين عن طريق أحدهم... ابعثها لكل الناس أفدهم بها وكذلك عبادة الرضا الرضا بما قسمه الله لك أيا كان لأنه هو الأنسب لك في كل الأحوال

بقلم: محمد لبيب
493
تسليع المرأة في الغرب | مرابط
فكر تفريغات المرأة

تسليع المرأة في الغرب


عامة النساء أصبحن يرين أنفسهم كسلع جنسية للرجال وأن الإعلام يكرس هذه النظرة والمجتمع يكرسها وحتى الvideo games تكرسها وأن أجساد النساء تعرض للدعاية وكديكور وأن هذا يؤدي إلى العناية المفرطة من بعض النساء بأشكالهن وإمضاء أوقات طويلة أمام المرآة ويؤدي إلى أمراض نفسية لدى بعضهم بالإصابة بالخزي من أجسادهن

بقلم: د إياد قنيبي
1013
تعلق القلب بالمخلوقات | مرابط
اقتباسات وقطوف

تعلق القلب بالمخلوقات


وكل من علق قلبه بالمخلوقات أن ينصروه أو يرزقوه أو أن يهدوه خضع قلبه لهم وصار فيه من العبودية لهم بقدر ذلك وإن كان في الظاهر أميرا لهم مدبرا لهم متصرفا بهم فالعاقل ينظر إلى الحقائق لا إلى الظواهر فالرجل إذا تعلق قلبه بامرأة ولو كانت مباحة له يبقى قلبه أسيرا لها تحكم فيه وتتصرف بما تريد وهو في الظاهر سيدها لأنه زوجها

بقلم: شيخ الإسلام ابن تيمية
561