أزمة غياب العقلانية بين الباحثين الغربيين

أزمة غياب العقلانية بين الباحثين الغربيين | مرابط

الكاتب: إبراهيم السكران

1397 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

بسم الله الرحمن الرحيم
 
من الظواهر الأليمة والمنتشرة بشكل واسع بين الباحثين الغربيين هي أزمة التفكير النصوصي الجامد وغياب العقلانية المفتوحة، وهذا ما سبب احتباس وتخلف العلوم الغربية، وضعف هيمنتها على العالم..
 
من المضحك بين الباحثين الغربيين أنهم في سياق البرهنة والاثبات يدورون في حلقة نصوصية متقوقعة.. ولا يفكرون بعقول مفتوحة، غير مرتبطة وخاضعة لـ"نصوص".
 
 

القاضي ونصوص القانون

خذ مثلًا هذه المشاهد التي تفسر لنا الضعف العلمي في العلوم الغربية:
 
تأتي للقانوني الغربي (قاضي، محامي، شارح، أكاديمي) وتقول له من غير المعقول أن يكون "العقد" الفلاني ممنوع، أو أن يكون "التصرف" الفلاني ممنوع، فيحتج عليك بنصوص القانون..
فتقول له: ولكن هذا النص القانوني لم يوافق عقلي؟!
فيتفرس في وجهك من جديد وكأنه يتساءل هل أنت معتوه أم لا؟
ويبدي استغرابه من رفضك للقانون، حتى ولو لم يوافق عقلك !
 

المؤرخ الغربي

وتأتي للمؤرخ الغربي وتقول له من غير المعقول أن يكون الملك "هنري الثامن" تزوج ست زوجات، وقام بإعدام بعضهن!! هذا يتناقض مع منطق الأمور!
 
فيقول لك: ولكن هذه "نصوص" التاريخ والتي سجلها شهود كثيرون! فتحاول أن تقنعه أن الأمر غير معقول، فيحتج عليك بنصوص التاريخ!!
 

الاقتصادي الغربي

وتأتي للاقتصادي الغربي وتقول له من غير المعقول بتاتًا أن يكون ماركس ينكر أهمية مفهوم الملكية الفردية في تنمية الاقتصاد وتحفيز الانتاج، ماركس عقلية ضخمة فكيف يمكن أن يقول كلامًا ساذجًا كهذا؟
 
فيستغرب تساؤلك وإنكارك العقلي، ويحتج عليك بنصوص ماركس، ويرى أن هذه الحجة كافية جدا للبرهنة!!
 
فتقول له: يا عزيزي دعنا من نصوص ماركس وفكر بعقلانية مفتوحة، فيدركه الوجوم ويستغرب كيف تفكر في فلسفة ماركس بعيدًا عن نصوص ماركس ذاته؟! كيف يمكن أن تنسب إلى ماركس أي فكرة من دون الالتزام بنصوص ماركس ذاته؟!
 

السياسي الغربي

وتأتي للسياسي والدبلوماسي الغربي فلا تكاد تفتح معه موضوعًا، إلا وتذرع بنصوص الاتفاقيات الدولية، وأن هذا نص المادة كذا في اتفاقية كذا، ويدخلون في حيص بيص في تفسير نصوص الاتفاقيات.. فيأخذ مني الاستغراب كل مأخذ.. وأقول لهم: يا أيها المتقوقعون.. دعونا من النصوص وفكروا في الالتزامات والحقوق بعقلانية، إلى متى هذا التخلف؟!
 
ومع ذلك.. يستمرون في تعيين مراكزهم التفاوضية على أساس تفسير نصوص الاتفاقيات!!
 

المؤسسات الغربية

بل تجد المؤسسات الغربية تجعل من وظائف المحاكم العليا فيها أن تكون المرجعية النهائية في حسم النزاع حول تفسير نصوص القانون!!
 
فبالله عليك.. انظر كيف يضيع القضاة أوقاتهم في تفسير نصوص القانون.. بدلًا من أن يفكروا من خلال "العقل" وحضارة "العقل" ومدنية "العقل" بعيدًا عن أغلال النصوص!!
 
المهم.. أنني تركت هذه الحقول النصوصية الجمودية وقلت في نفسي: لابد أن الفلسفة هي المكان الذي سأتخلص فيه من سلطة النص بتاتًا، فالفلاسفة كما يقولون هم الممثل النموذجي للعقل..
 

فلاسفة الغرب

ولما بدأت أستطلع نتاج الفلاسفة الغربيين وجدتهم في معارك طاحنة لا أول لها ولا آخر في تفسير نصوص الفلاسفة الذين سبقوهم، وكل يطرح تفسيرًا لفلسفة فلان، ويتبارون في هذه التفسيرات أيها الأدق والأعمق في استيعاب فلسفة الفيلسوف الفلاني..
 
ولا تكاد تجد فيلسوفًا معاصرًا إلا وله العديد من الأعمال التي يسمونها "قراءة في فلسفة فلان" يحاول فيها استكشاف فلسفة أحد الفلاسفة المشهورين من خلال نصوصه ورسائله..
 
فيالله العجب.. كيف أضاع هؤلاء الغربيون أوقاتهم في تفسير النصوص، والاحتكام للنصوص في نسبة أي أمر لصاحبه..
 

في عالمنا العربي

ونحن في عالمنا العربي –ولله الحمد- رزقنا الله مفكرين أفذاذ يفكرون في المسائل الشرعية دون الارتهان لألفاظ النصوص ودون الاحتباس في حروف النص.. فينسبون للشريعة أفكارًا ومفاهيم من وحي "العقل المطلق" أو "الذوق الرفيع".. فاستطاعوا تحريرنا من سلطة النص لندخل مملكة الذوق..
 
وهذا هو "الإبداع العلمي" الذي فات على الباحثين الغربيين المساكين! ولذلك تطور الفكر العربي المعاصر، وأخفقت العلوم الغربية..!
 
حين نريد أن ننسب للشريعة حكمًا فهل يجب أن نرتهن للنصوص حتى تكون نسبتنا علمية؟ أم يجوز لنا أن ننسب للشريعة ما استحسناه بذوقنا؟
 
بطبيعة الحال.. لا حاجة للنصوص حين نريد أن ننسب للشريعة شيء.. حتى لا نكون نصوصيين متقوقعين متشرنقين.
 

الاحتكام للنص

والمشكلة أن منهج "الاحتكام للنص" في الشرعيات هو منهج أسسه القرآن..
 
ولذلك لما جاء اليهود إلى النبي وحاوروه في حكم بعض الأطعمة، ونسبوا لشريعة موسى ما ليس منها، فأرشد الله نبيه إلى أن يجعل البرهان هو "الاحتكام للنص" فقال سبحانه لنبيه:
(قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) سورة آل عمران
 
ولما تحاور مشركوا قريش مع النبي فنسبوا لله الولد –تعالى الله عن ذلك- فأرشد الله نبيه إلى أن يكون مسار البرهان هو "الاحتكام للنص" فطالبهم بنص يثبت ذلك، فقال الله سبحانه:
(فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) سورة الصافات
 
العقل حجة فطرية شرعية، ولكن نسبة الأحكام للشريعة دون الاحتكام للنص، هذا إجراء ضد العقل، وضد المنهج العلمي!

 


 

المصدر:

http://saaid.net/arabic/232.htm

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#إبراهيم-السكران #العقلانية
اقرأ أيضا
سنة الله في إهلاك الظالمين والمكذبين | مرابط
تفريغات

سنة الله في إهلاك الظالمين والمكذبين


وكانت سنة الله عز وجل في إهلاك الظالمين السابقين قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يهلكهم بخارقة وكان المؤمنون لا يرفعون سيفا ولا يشتبكون في قتال فلما حدثت هذه الخطورة على بيت الله الحرام طبقت هذه السنة الإلهية حتى في غياب المؤمنينولكن مع بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم تغيرت طريقة الإهلاك فقد كان الظالمون في السابق يهلكهم الله بخوارق وأما في رسالة الإسلام فالسنة هي: إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم محمد:7

بقلم: د راغب السرجاني
588
وضع الحجاب في الأندلس بعد الاستعمار | مرابط
تاريخ تفريغات المرأة

وضع الحجاب في الأندلس بعد الاستعمار


حظر اللباس الموريسكي الموريسكيون هم المسلمين الذين دخلوا في المسيحية حظر اللباس الموريسكي على الرجال والنساء وإلزام النساء بالإضافة إلى ذلك بكشف الوجه -لأنهن كن قد غطين الوجوه- في الزفاف وفي كل أنواع الاحتفالات تمنع رقصة السمرة وإقامة الليالي أي: تقوم الليالي بمصاحبة الآلات الغنائية ويجب أن تضل أبواب البيوت مفتوحة وتمنع النساء من التخضيب بالحناء ويحظر استعمال الأسماء والألقاب الإسلامية

بقلم: عبد العزيز الطريفي
316
القانون والإنسان | مرابط
اقتباسات وقطوف

القانون والإنسان


والشرع غاية ولكنه ليس الغاية الأخيرة إنه ليس سوى حد وسط بين الإنسان كما هو ناشئا يتطلع إلى الحياة الأخلاقيةومصارعا من أجل كمالهوبين الإنسان كما ينبغي أن يكون في قبضة الفضيلة الكاملة والشرع أشبه بقنطرة بين شاطئين نحن نقطة بدايته ونقطة نهايته أوهوأشبه بسلم درجاته مستقرة على الأرض ولكن يعد من يريدون تسلقه أن يرفعهم إلى السماء

بقلم: محمد عبد الله دراز
549
العلمانيون ووهم الاستقلال الفكري | مرابط
العالمانية

العلمانيون ووهم الاستقلال الفكري


من المفارقات العجيبة أن أصحاب الفكر العلماني مع دعواهم الاستقلال الفكري ودعوتهم إلى التحرر من سلطة أي مرجعية إلا أنهم في حقيقة حالهم إنما يبنون مقولاتهم ومشاريعهم على مسلمات ليس لهم فيها جهد مستقل بل هم فيها مقلدون ومجرد صدى لما يطرح من مقولات وتحولات واتجاهات في الفكر الغربي فهم في حقيقة الأمر إنما تركوا مرجعية إلى مرجعية وانتقلوا من القطيعة مع التراث الإسلامي إلى الاستمداد من الفكر الغربي.

بقلم: عبد الله القرني
335
الشعر الجاهلي واللغة ج1 | مرابط
مناقشات

الشعر الجاهلي واللغة ج1


تعتبر مقالات محمد الخضر حسين من أهم ما قدم في الرد على كتاب طه حسين في الشعر الجاهلي وهذه المقالات تفند جميع مزاعمه وترد عليها وتبين الأخطاء والمغالطات التي انطوت عليها نظريته التي قدمها فيما يخص الشعر الجاهلي وكيف أن هذه الأخطاء تفضي إلى ما بعدها من فساد وتخريب وبين يديكم مقال يقف بنا على زعم طه حسين بأنه لا يسلم بصحة هذه الكثرة المطلقة من الشعر الجاهلي وأن هذا الشعر لا يمثل اللغة العربية ولا يعبر عنها بحال

بقلم: محمد الخضر حسين
735
ماذا لو | مرابط
تعزيز اليقين فكر مقالات

ماذا لو


عندما نسمع الآيات التي تتكلم عن القدر والأحاديث مثل واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك فلنعلم أنها تذكرنا بحقيقة أن هذه الأقدار إنما قدرها الله الذي نعلم عن علمه وحكمته ولطفه ورحمته وعدله فلنسلم له أنفسنا بطمأنينة

بقلم: إياد قنيبي
2252