أزمة غياب العقلانية بين الباحثين الغربيين

أزمة غياب العقلانية بين الباحثين الغربيين | مرابط

الكاتب: إبراهيم السكران

1487 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

بسم الله الرحمن الرحيم
 
من الظواهر الأليمة والمنتشرة بشكل واسع بين الباحثين الغربيين هي أزمة التفكير النصوصي الجامد وغياب العقلانية المفتوحة، وهذا ما سبب احتباس وتخلف العلوم الغربية، وضعف هيمنتها على العالم..
 
من المضحك بين الباحثين الغربيين أنهم في سياق البرهنة والاثبات يدورون في حلقة نصوصية متقوقعة.. ولا يفكرون بعقول مفتوحة، غير مرتبطة وخاضعة لـ"نصوص".
 
 

القاضي ونصوص القانون

خذ مثلًا هذه المشاهد التي تفسر لنا الضعف العلمي في العلوم الغربية:
 
تأتي للقانوني الغربي (قاضي، محامي، شارح، أكاديمي) وتقول له من غير المعقول أن يكون "العقد" الفلاني ممنوع، أو أن يكون "التصرف" الفلاني ممنوع، فيحتج عليك بنصوص القانون..
فتقول له: ولكن هذا النص القانوني لم يوافق عقلي؟!
فيتفرس في وجهك من جديد وكأنه يتساءل هل أنت معتوه أم لا؟
ويبدي استغرابه من رفضك للقانون، حتى ولو لم يوافق عقلك !
 

المؤرخ الغربي

وتأتي للمؤرخ الغربي وتقول له من غير المعقول أن يكون الملك "هنري الثامن" تزوج ست زوجات، وقام بإعدام بعضهن!! هذا يتناقض مع منطق الأمور!
 
فيقول لك: ولكن هذه "نصوص" التاريخ والتي سجلها شهود كثيرون! فتحاول أن تقنعه أن الأمر غير معقول، فيحتج عليك بنصوص التاريخ!!
 

الاقتصادي الغربي

وتأتي للاقتصادي الغربي وتقول له من غير المعقول بتاتًا أن يكون ماركس ينكر أهمية مفهوم الملكية الفردية في تنمية الاقتصاد وتحفيز الانتاج، ماركس عقلية ضخمة فكيف يمكن أن يقول كلامًا ساذجًا كهذا؟
 
فيستغرب تساؤلك وإنكارك العقلي، ويحتج عليك بنصوص ماركس، ويرى أن هذه الحجة كافية جدا للبرهنة!!
 
فتقول له: يا عزيزي دعنا من نصوص ماركس وفكر بعقلانية مفتوحة، فيدركه الوجوم ويستغرب كيف تفكر في فلسفة ماركس بعيدًا عن نصوص ماركس ذاته؟! كيف يمكن أن تنسب إلى ماركس أي فكرة من دون الالتزام بنصوص ماركس ذاته؟!
 

السياسي الغربي

وتأتي للسياسي والدبلوماسي الغربي فلا تكاد تفتح معه موضوعًا، إلا وتذرع بنصوص الاتفاقيات الدولية، وأن هذا نص المادة كذا في اتفاقية كذا، ويدخلون في حيص بيص في تفسير نصوص الاتفاقيات.. فيأخذ مني الاستغراب كل مأخذ.. وأقول لهم: يا أيها المتقوقعون.. دعونا من النصوص وفكروا في الالتزامات والحقوق بعقلانية، إلى متى هذا التخلف؟!
 
ومع ذلك.. يستمرون في تعيين مراكزهم التفاوضية على أساس تفسير نصوص الاتفاقيات!!
 

المؤسسات الغربية

بل تجد المؤسسات الغربية تجعل من وظائف المحاكم العليا فيها أن تكون المرجعية النهائية في حسم النزاع حول تفسير نصوص القانون!!
 
فبالله عليك.. انظر كيف يضيع القضاة أوقاتهم في تفسير نصوص القانون.. بدلًا من أن يفكروا من خلال "العقل" وحضارة "العقل" ومدنية "العقل" بعيدًا عن أغلال النصوص!!
 
المهم.. أنني تركت هذه الحقول النصوصية الجمودية وقلت في نفسي: لابد أن الفلسفة هي المكان الذي سأتخلص فيه من سلطة النص بتاتًا، فالفلاسفة كما يقولون هم الممثل النموذجي للعقل..
 

فلاسفة الغرب

ولما بدأت أستطلع نتاج الفلاسفة الغربيين وجدتهم في معارك طاحنة لا أول لها ولا آخر في تفسير نصوص الفلاسفة الذين سبقوهم، وكل يطرح تفسيرًا لفلسفة فلان، ويتبارون في هذه التفسيرات أيها الأدق والأعمق في استيعاب فلسفة الفيلسوف الفلاني..
 
ولا تكاد تجد فيلسوفًا معاصرًا إلا وله العديد من الأعمال التي يسمونها "قراءة في فلسفة فلان" يحاول فيها استكشاف فلسفة أحد الفلاسفة المشهورين من خلال نصوصه ورسائله..
 
فيالله العجب.. كيف أضاع هؤلاء الغربيون أوقاتهم في تفسير النصوص، والاحتكام للنصوص في نسبة أي أمر لصاحبه..
 

في عالمنا العربي

ونحن في عالمنا العربي –ولله الحمد- رزقنا الله مفكرين أفذاذ يفكرون في المسائل الشرعية دون الارتهان لألفاظ النصوص ودون الاحتباس في حروف النص.. فينسبون للشريعة أفكارًا ومفاهيم من وحي "العقل المطلق" أو "الذوق الرفيع".. فاستطاعوا تحريرنا من سلطة النص لندخل مملكة الذوق..
 
وهذا هو "الإبداع العلمي" الذي فات على الباحثين الغربيين المساكين! ولذلك تطور الفكر العربي المعاصر، وأخفقت العلوم الغربية..!
 
حين نريد أن ننسب للشريعة حكمًا فهل يجب أن نرتهن للنصوص حتى تكون نسبتنا علمية؟ أم يجوز لنا أن ننسب للشريعة ما استحسناه بذوقنا؟
 
بطبيعة الحال.. لا حاجة للنصوص حين نريد أن ننسب للشريعة شيء.. حتى لا نكون نصوصيين متقوقعين متشرنقين.
 

الاحتكام للنص

والمشكلة أن منهج "الاحتكام للنص" في الشرعيات هو منهج أسسه القرآن..
 
ولذلك لما جاء اليهود إلى النبي وحاوروه في حكم بعض الأطعمة، ونسبوا لشريعة موسى ما ليس منها، فأرشد الله نبيه إلى أن يجعل البرهان هو "الاحتكام للنص" فقال سبحانه لنبيه:
(قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) سورة آل عمران
 
ولما تحاور مشركوا قريش مع النبي فنسبوا لله الولد –تعالى الله عن ذلك- فأرشد الله نبيه إلى أن يكون مسار البرهان هو "الاحتكام للنص" فطالبهم بنص يثبت ذلك، فقال الله سبحانه:
(فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) سورة الصافات
 
العقل حجة فطرية شرعية، ولكن نسبة الأحكام للشريعة دون الاحتكام للنص، هذا إجراء ضد العقل، وضد المنهج العلمي!

 


 

المصدر:

http://saaid.net/arabic/232.htm

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#إبراهيم-السكران #العقلانية
اقرأ أيضا
كيف تقرأ كتابا ج3 | مرابط
تفريغات

كيف تقرأ كتابا ج3


من الأمور التي تشد أو تحبب القراءة للشخص أن يحس بالمردود وإذا كان المردود سريعا كان تحبيب القراءة أو حبه للقراءة أكثر فمثلا: لو أن الإنسان قرأ مسألة فقهية ثم تعرض لها فإنه يستأنس جدا لأنه يعرف الجواب مثلا: لو قرأت عن الحج ثم ذهبت إلى الحج سيكون إحساسك بفائدة القراءة كبيرا لو قرأت كتابا في صفة الوضوء أو صفة الصلاة وأنت تطبق ذلك يوميا ستشعر بحب للقراءة لأن الثمرة مرئية ومشاهدة وسريعة

بقلم: محمد صالح المنجد
487
مبدأ الليبرالية | مرابط
الليبرالية

مبدأ الليبرالية


الإنسان عند الليبراليين إله نفسه وعابد هواه غير محكوم بشريعة من الله ولهذا فإن الليبرالية لا تعطيك إجابات حاسمة على الأسئلة التالية مثلا: الشريعة الإسلامية حق أم لا وهل الربا حرام أم حلال وهل القمار حرام أم حلال وهل نسمح بالخمر أم نمنعها وهل للمرأة أن تتبرج أم عليها أن تتحجب وهل تساوي الرجل في كل شيء أم تختلف معه في بعض الأمور وهل الزنا جريمة أم أنه علاقة شخصية وإشباع لغريزة طبيعية إذا وقعت برضا الطرفين وهل الشذوذ الجنسي حق أم باطل وهل نسمح بحرية نشر أي شيء أم نمنع نشر الإلحاد والإباحية وهل...

بقلم: شحاتة صقر
805
السعادة الحقيقية | مرابط
تفريغات

السعادة الحقيقية


أغلب الناس وكل واحد منهم سوف يقول: أريد أن أعيش سعيدا مرتاحا مطمئنا أبحث عن شيء يسمى السعادة والراحة كل الناس يلهث ويتعب وراءها وينصب من أجلها من أجل أن يعيش سعيدا في هذه الحياة الدنيا. انظر إلى من يجمع الأموال: الملايين .. العمارات .. العقارات .. والأرصدة لا يعدها ولا يستطيع حسابها هل حصل على السعادة؟!

بقلم: نبيل العوضي
564
انتقاد ابن تيمية لمن أهمل العقل | مرابط
اقتباسات وقطوف

انتقاد ابن تيمية لمن أهمل العقل


لم يكن السلف الصالح في خصام مع العقل أو الاستدلال العقلي بل إن كلامهم فيه الكثير من الأدلة العقلية وكذلك الوحي فيه من الأدلة السمعية العقلية الكثير والكثير وهنا اقتباس لشيخ الإسلام ابن تيمية ينتقد من أهملوا العقل تماما بحجج مختلفة وجاء ذلك في الفتاوى المجلد السادس عشر

بقلم: شيخ الإسلام ابن تيمية
1926
الموقف من العلوم العقلية | مرابط
فكر مقالات

الموقف من العلوم العقلية


إن الموقف الشرعي من تلك العلوم العقلية -وخاصة علم الفلسفة والكلام- هو الذم والقبيح والتحريم لأنها علوم متضمنة لمناقضة الشريعة أو مخالفة في كثير من موادها إما في الأدلة أو في المسائل. ولأجل هذا فإنه لا يجوز شرعا أن يحكم عليها بمدح مطلق ولا بدعوة مطلقة لدراستها ولا تنشر الكتب المؤلفة فيها ولا تروج موادها بمسالك مطلقة وإنما يوصى بها في حالات مخصوصة تغلب فيها جانب المصلحة على جانب المفسدة

بقلم: د. سلطان العميري
282
كلام محرج للاختلاطيين | مرابط
مقالات المرأة

كلام محرج للاختلاطيين


هل مجرد وجود الرجال والنساء في مكان واحد بغير تقارب لا يدخل في الاختلاط المحرم؟ هل المقصود بالاختلاط المحرم في كلام العلماء هو الامتزاج والتلاصق وتقارب الرجال بالنساء وذلك مثل ما يوجد في عامة الأفراح أو ما يوجد في الجامعات المختلطة من التقارب والتلاصق أو ما يوجد في الموالد؟ هل مجرد وجود النساء والرجال تحت سقف واحد بغير تقارب بأن يكون هؤلاء في جانب وهؤلاء في جانب ليس هو الاختلاط المنهي عنه في كلام العلماء أصلا؟ يجيبكم الشيخ قاسم اكحيلات.

بقلم: قاسم اكحيلات
565