كلام محرج للاختلاطيين

كلام محرج للاختلاطيين | مرابط

الكاتب: قاسم اكحيلات

463 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

هل مجرد وجود الرجال والنساء في مكان واحد بغير تقارب لا يدخل في الاختلاط المحرم؟
هل المقصود بالاختلاط المحرم في كلام العلماء هو الامتزاج والتلاصق وتقارب الرجال بالنساء، وذلك مثل ما يوجد في عامة الأفراح، أو ما يوجد في الجامعات المختلطة من التقارب والتلاصق، أو ما يوجد في الموالد؟
هل مجرد وجود النساء والرجال تحت سقف واحدٍ بغير تقارب بأن يكون هؤلاء في جانب وهؤلاء في جانب ليس هو الاختلاط المنهي عنه في كلام العلماء أصلًا؟

مسألة التلامس

الجواب:
كلام محرج حقيقة، فلمس النساء والاحتكاك بهن ليس محل بحث الفقهاء في هذا الباب، لأن مستحله كافر إجماعا، قال حافظ المغرب في وقته ابن أبي راشد الوليدي: «وأما من غلب على ظنك أنه يعلم ذلك [يقصد الملاصقة] ويستبيحه، فهذا كافر يجب جهاده إن قدرت بيدك أو بلسانك، فإن لم تقدر فبقلبك وأما من يعتقد تحريم ذلك ويفعله فهو عاصٍ وأمره إلى الله إن لم يتب من ذلك وتغيير ذلك عليه مما يختص بالحاكم» (1)
وله نص آخر في تعليم الرجل للنساء سنذكره لك فلا تمل منا.

وقال أبو بكر محمد العامري: "اتفق علماء الأمة أن من اعتقد هذه المحظورات، وإباحة امتزاج الرجال بالنسوان الأجانب، فقد كفر..". (2) فمحاولة حصر كلام العلماء عن الاختلاط في الاحتكاك والتلامس فهم مغلوط.

الاختلاط لغة واصطلاحا

وربما نقلوا نصوصا من اللغة تفيد هذا، وحقيقة هذا نصف العلم، فالكلمة أوسع من ذلك، ففي المصباح المنير: «خلطت الشيء بغيره خلطا ‌من ‌باب ‌ضرب ‌ضممته إليه فاختلط هو وقد يمكن التمييز بعد ذلك كما في خلط الحيوانات». (3)

وجاء في لسان العرب (4) "خلط القوم خلطا وخالطهم: داخلهم. وخليط الرجل: مخالطه. وخليط القوم: مخالطهم كالنديم المنادم، والجليس المجالس". وفي مقاييس اللغة (5) "والخليط: المجاور". قال ربنا: ﴿وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ ‌الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ [ص: 24].

وكذا قول النبي ﷺ: «المؤمن ‌الذي ‌يخالط ‌الناس ويصبر على أذاهم، أعظم أجرا من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم» (6)
وعن أنس قال: «كان رسول الله ﷺ ‌يخالطنا». (7)

أما في اصطلاح الفقهاء وهذا أهم من اللغة لأننا نتحدث عن مصطلح، فإنه يدل على اجتماع الرجال والنساء في مكان واحد. قال الحسن البصري: «وإن اجتماع ‌الرجال ‌والنساء ‌لبدعة». (8)

لفظ الاختلاط في كلام العلماء

العجيب أن ابن رجب الذي توفي سنة (795هـ)، عبر عن كلام الحسن بـ(الاختلاط) فقد قال بعدما أنكر ونفى تواجد الرجال والنساء في مجلس واحد على عهد النبي ﷺ: «وأصل هذا، ‌أن ‌اختلاط ‌النساء ‌بالرجال ‌في ‌المجالس بدعة كما قال الحسن البصري». (9) فانظر رحمك الله كيف عبر عن اجتماع الرجال والنساء بـ(الاختلاط)، وهو يقصد كلام الحسن.

وقال خليل وهو العمدة عند المالكية: «‌وينبغي ‌أن ‌يفرد ‌وقتا أو يوما للنساء: كالمفتي والمدرس». (10)
فانظر لخليل فهو يتحدث عن فصل الرجال والنساء، وكل جنس له يومه، العجيب أن شارح الكتاب نص على أن مخالفة ذلك (اختلاط)، جاء في التاج والإكليل: «(‌وينبغي ‌أن ‌يفرد ‌وقتا أو يوما للنساء) أشهب: إن رأى أن يبدأ بالنساء فذلك له على اجتهاده ولا يقدم الرجال والنساء مختلطين، وإن رأى أن يجعل للنساء يوما معلوما أو يومين فعل». (11)

اجتماع الرجال والنساء بغير ملامسة

الوجه الثالث: تحدث الفقهاء عن اجتماع الرجال والنساء في مكان واحد من غير ملامسة ومنعوا منه -وسمه ما شئت- قال الحسن البصري: «وإن اجتماع ‌الرجال ‌والنساء ‌لبدعة». (12)

وقال ابن العربي المالكي: «فإن المرأة لا ‌يتأتى ‌منها ‌أن ‌تبرز ‌إلى ‌المجالس، ولا تخالط الرجال، ولا تفاوضهم مفاوضة النظير للنظير، لأنها إن كانت فتاة حرم النظر إليها وكلامها، وإن كانت متجالة برزة لم يجمعها والرجال مجلس تزدحم فيه معهم، وتكون منظرة لهم، ولم يفلح قط من تصور هذا، ولا من اعتقده». (13)

وقال ابن قدامة الحنبلي: «‌والذكورية ‌شرط ‌لوجوب ‌الجمعة ‌وانعقادها، لأن الجمعة يجتمع لها الرجال، والمرأة ليست من أهل الحضور في مجامع الرجال». (14)

وقال ابن الهمام الحنفي: «غير أن ‌المرأة ‌إنما ‌تخالط ‌المرأة ‌لا ‌الرجل الأجنبي». (15)

وقال الغزالي الشافعي عند حديث عن مجالس الوعظ: «ويجب أن يضرب بين الرجال والنساء حائل يمنع من ‌النظر ‌فإن ‌ذلك ‌أيضا ‌مظنة ‌الفساد والعادات تشهد لهذه المنكرات ويجب منع النساء من حضور المساجد للصلوات ومجالس الذكر إذا خيفت الفتنة بهن فقد منعتهن عائشة رضي الله عنها». (16)

وقال ابن أبي راشد الوليدي المالكي وقد سئل عن تعليم الرجل للنساء: «وأما مباشرتكم لهن لتعليم ذلك وإيقاظهن للتوبة من ذلك، وربما أذن لكم في ذلك أزواجهن، فهذا مما لا سبيل لكم إليه بوجه، وإنما يجب على مثلكم تعليم زوجته ما يلزمها من العقائد وفروع الشريعة. وأن مما يجب عليه أن يتعلم ما يجب على زوجته من ذلك في حق الله تعالى وفي حق نفسه، فتتعلم هي منه ما يلزمها من ذلك وما يلزمها التوبة منه، وما لا يلزم، وذلك أن زوجها بعد أبيها في حال البكارة هو المكلف بتأديبها بآداب الشريعة والقيام بأمرها كله.. وكون الزوج يأذن لكم في ذلك أو يوكلكم عليه فلا يجوز له ولا لكم ذلك، لأن ذلك مما لا تصح النيابة فيه مطلقاً وإن سألتكم عن شيء فلا يكون السؤال إلا من وراء حجاب كما أمر الله تعالى» (17)

من نصوص العلماء في منع الاختلاط

فأنت ترى حديث الفقهاء في تحريم اجتماع الرجال والنساء في موضع واحد، وهذا ما يسمى بـ(الاختلاط) فإذا أحببت لفظا غيره فلك ذلك، والمبنى لا يتغير بالأسماء.

ونصوص العلماء كثيرة تمنع الاختلاط في مجالات مختلفة وسنكتفي لك بذكر بعض المالكية:

- منع الاختلاط منذ النشأة في التعليم: قال سحنون المالكي:"وأكره للمعلم أن يعلم الجواري ولا يخلطهن مع الغلمان لأن ذلك فساد لهم". (18)

وقال القابسي: “ومن صلاحهم، ومن حسن النظر لهم، أن لا يخلط الذكران واللإناث”. (19)
والعجيب أن هذا قول تقي الدين الهلالي، قال رحمه الله: “يجب أن تكون مدارس الإناث مفصولة عن مدارس الذكور من روضة الأطفال إلى شهادة الدكتوراه” (20)

-إجابة الدعوة: قال النفراوي المالكي عند موانع إجابة دعوة الوليمة: "(ولا منكر بين) أي مشهور ظاهر، كاختلاط الرجال بالنساء". (21)

-القضاء: جاء في منح الجليل: «‌وأما ‌المخدرات ‌واللاتي ‌يخشى ‌من ‌سماع صوتهن الفتنة بهن فيوكلن من يخاصم عنهن أو يبعث لهن في منازلهن ثقة مأمونا. ابن عرفة سحنون يعزل النساء على حدة والرجال على حدة». (22)

- الوصية فهي لا تنفذ: قال الدسوقي: «أو يوصي بإقامة مولد على الوجه الذي يقع في هذه الأزمنة من ‌اختلاط ‌النساء ‌بالرجال ‌والنظر ‌للمحرم ونحو ذلك من المنكر». (23)

-التجارة: جاء منح الجليل: «وتجوز ‌الشركة ‌بين ‌النساء ‌وبينهن وبين الرجال. اللخمي يريد إن كانت متجالة أو شابة ولا تباشره في التجارة لأن كثرة محادثة الشابة الرجل يخشى منها الفتنة، فإن كان بينهما واسطة فلا بأس». (24)
قال الغرياني: "تجوز شركة النساء فيما بينهن، وتجوز الشركة بينهن وبين الرجال.. ولا تخالط الرجال، بأن كان هناك محرم ينوب عنها". (25)

والنصوص كثير جدا تركنا أعظمها خوف السآمة، فهل يعقل أن هؤلاء العلماء خطأوا في فهم معنى الاختلاط!.


الإشارات المرجعية:

  1. [المعيار المعرب.(274/1)].
  2. [أحكام النظر.ص:278].
  3. [المصباح المنير في غريب الشرح الكبير (1/ 177)].
  4. لسان العرب [293/7].
  5. مقاييس اللغة [209/2].
  6. [سنن ابن ماجه (5/ 160 ت الأرنؤوط)].
  7. [مسند أحمد (19/ 233 ط الرسالة)].
  8. [القصاص والمذكرين (ص301)].
  9. [تسلية نفوس النساء والرجال عند فقد الأطفال (ص7 بترقيم الشاملة آليا)].
  10. [مختصر خليل (ص219)].
  11. [التاج والإكليل لمختصر خليل (8/ 119)].
  12. [القصاص والمذكرين (ص301)].
  13. [أحكام القرآن لابن العربي ط العلمية (3/ 483)].
  14. [المغني لابن قدامة (3/ 204 ت التركي)].
  15. [فتح القدير للكمال ابن الهمام وتكملته ط الحلبي (5/ 222)].
  16. [إحياء علوم الدين (2/ 337)].
  17. [المعيار المعرب.274/1]. 
  18. [آداب المعلم].
  19. [الرسالة المفصلة].
  20. [حكم الإسلام في الإختلاط.جمعية الإصلاح.ص:65].
  21. [الفواكه الدواني.322/2].
  22. [منح الجليل شرح مختصر خليل (8/ 306)].
  23. [الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (4/ 427)].
  24. [منح الجليل شرح مختصر خليل (6/ 251)].
  25. [مدونة الفقه 370/4].
تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#الاختلاط
اقرأ أيضا
خلط الإسلام بالديمقراطية إساءة كبيرة للإسلام ج3 | مرابط
فكر الديمقراطية

خلط الإسلام بالديمقراطية إساءة كبيرة للإسلام ج3


أما دين الإسلام فإن تطبيقه السليم قد أخضع المنصفين حتى من خصومه إلى الإقرار بأنه يمثل الرحمة الحقيقية التي جعلها الله لهذه البشرية ولذا لم تزدد هذه الأمة بتطبيقه إلا عزة ومنعة إلى أن دخلت الدواخل والرواسب على الأمة ورضي فئام من أبنائها باستبدال الذي هو أدنى - من تيارات الانحراف - بالذي هو خير فتراكمت في الأمة مشاكل يجزم من كان له عقل يعي به الأمور أن من المحال أن ترتفع هذه المشاكل بغير الإسلام

بقلم: د عبدالله بن عبدالعزيز العنقري
7309
المسلمة والفكر المادي للرزق | مرابط
مقالات المرأة

المسلمة والفكر المادي للرزق


العلمانية نخرت فكر كثير من المسلمات فجعلت المسلمة تفكر تفكيرا ماديا لدرجة صارت المسلمة تخاف من الرزق! فصارت تتساءل ماذا لو مات والدي؟ ماذا لو طلقت أو ترملت؟! متناسية بوجود رب اسمه الرزاق الكريم الرحيم

بقلم: قاسم اكحيلات
303
فرية ضرب عثمان بن عفان لعمار بن ياسر: رد على عدنان إبراهيم ج1 | مرابط
أباطيل وشبهات

فرية ضرب عثمان بن عفان لعمار بن ياسر: رد على عدنان إبراهيم ج1


ادعى الدكتور عدنان أن عثمان بن عفان رضي الله عنه ضرب عمار بن ياسر رضي الله عنه بقدمه في محاشه أي عورته حتى كان عمار لا يحتبس بوله واستدل على ذلك بما رواه ابن شيبة في تاريخ المدينة الجزء الثالث وطبعا نعلم جميعا ما لدى الدكتور عدنان من خلط وحقد يمرره بشكل ناعم في حلقاته وفي هذا المقال يناقش أبو عمر الباحث هذه الشبهة ويرد عليها

بقلم: أبو عمر الباحث
4660
زكاة القلب | مرابط
مقالات

زكاة القلب


إن زكاة القلب موقوفة على طهارته كما أن زكاة البدن موقوفة على استفراغه من أخلاطه الرديئة الفاسدة قال تعالى: ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحد أبدا ولكن الله يزكى من يشاء والله سميع عليم النور: 21 وذكر ذلك سبحانه عقيب تحريم الزنا والقذف ونكاح الزانية فدل على أن التزكى هو باجتناب ذلك وكذلك قوله تعالى فى الاستئذان على أهل البيوت: وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم النور: 28

بقلم: ابن القيم
612
تحديد المنهجية في انتقاء الكتب | مرابط
تفريغات

تحديد المنهجية في انتقاء الكتب


ما هو السبيل إلى الانتفاع بالكتب وهي كثيرة لأنك إذا دخلت في الكتب على غير منهج تفارق عليك أمرك فأفضل وسيلة بعدما تأخذ قدرا من العلم وهذا كلام موجه إلى من انتهى من الفرض العيني ويريد أن يتخصص يعني كلامنا ليس للذين يطلبون الفرض العيني فأفضل وسيلة أن تأتي لكل فن من الفنون بأفضل كتاب وأشده تحريرا وتبدأ تخدم هذا الكتاب وتقرؤه بتمعن فافترض مثلا أنك تبنيت كتابا فقهيا فتأخذ -على سبيل المثال- نيل الأوطار أو سبل السلام -وله متن أيضا- على أساس أنه من أقصر الكتب وأفضلها

بقلم: أبو إسحق الحويني
591
كم من نعمة لله في عرق ساكن | مرابط
مقالات

كم من نعمة لله في عرق ساكن


كان من دعاء أحد الأعراب: الحمد لله على نوم الليل وهدوء العروق وسكون الجوارح وكف الأذى والغنى عن الناس. ألا ما أعمق هذا الدعاء على وجازته! فنعمة هدوء العروق وسكون الجوارح من الأملاك الخفية التي لا تعرف قيمتها إلا حين فقدها ومن جميل حكم أبي الدرداء قوله: كم من نعمة لله في عرق ساكن

بقلم: طلال الحسان
247