من الإشكالات التي تتعلق بموضوع الاختلاط، التعاطي معه بالتسليم للواقع أو التطبيع معه، بمعنى لو قال قائل: ما ضوابط الاختلاط في الجامعات؟ أو ما ضوابط الاختلاط في العمل؟
الأصل أن يكون السؤال عن حكم الدراسة المختلطة، يعني حكم الجمع بين الرجال والنساء في مكان واحد لتعلم الهندسة! أو المحاماة! أو الإعلام! والأصل أن يكون السؤال عن حكم عمل المرأة مع الرجال! لا أن تقفز للسؤال عن الضوابط للواقع الذي أنت محكوم به.
صورة التطبيع والتسليم مع الاختلاط أن يُبحث عن ضوابط الاختلاط مع إغفال أصل المشكلة، مثلا كثير من الدول العربية ليس فيها جامعات منفصلة، فيأت مثلا بعضهم فلا يبحث عن حكم هذه الجامعات من أصلها، وهل هي بصورتها المعاصرة القبيحة مما يُقاس عليه خروج المرأة قديما إلى السوق لحاجتها؟! وهل والتسوية بين الاختلاط العارض والاختلاط المقصود المنظم لذي ليس لنا فيه حاجة، ومثله العمل، فالأصل السؤال عن حكم الاختلاط بالعمل ونوع العمل، لا القفز إلى ضوابط الاختلاط.
وجود حالات لبعض النساء تحتاج فيها إلى الدراسة وإلى العمل، لا يُنكر، لكن مع التنبيه إلى أمرين:
١- وجود الحالات لا يعمم على جميع النساء.
٢- أن الحكم الشرعي لا يستنبط من تلكم الحالات.
فمثلا قد تحتاج بعض النساء إلى العمل لشدة فقرها وانقطاع من يعولها بتاتا، لا قريب ولا شيء، فتحاج إلى العمل، مثلها يقال لها انتبهي في تعاملك مع الرجال من غص البصر والكلام لغير حاجة ولين الجانب والجلوس بعيدا عن الرجال... إلى غير ذلك، لكن ليس حكم تلك المحتاجة حكما عاما للنساء ولا يؤخذ الحكم الشرعي العام من تلكم الحالة.
وثمة حالات أيضا تختص بالجامعات من إجبار الفتاة على الدراسة وإلا نالات الضرب أو الطرد من المنزل أو غير ذلك مما قد يقع، لكن كل ذلك لا يؤخذ منه حكما عاما، فالبحث عن الحكم من أصله قبل وقوعه لا بعد وقوعه بالتطبيع معه.
وبعض الناس -وأنا والله لا أحب ذكر ذلك- يحبث عن مخارج للاختلاط لأن واقعه فيه ذلك، وبيئته تحكمه بذلك ولو تكلم سيلحق الذم بنفسه، فيبحث عن مخارج.
والبحث عن الفتوى من جهة هل للاختلاط ضوابط أم لا مع غض البصر عن الواقع السيء الذي نشاهده من الكوارث بسبب الاختلاط، أقول: الكلام من جهة الحكم الشرعي النظري البحث مع إغفال الواقع هو في الحقيقة قلة فقه وقلة حكمة وانبطاح للواقع.