تناولت المجلد الأول من كتاب درء تعارض العقل والنقل وفتحته لأرى الشيخ. ويا لسروري عندما ظهر لي الشيخ وقد كان مكبًا على ورقة، فلم أتمالك نفسي، فقلت له على الفور: أنا سعيد برؤيتك، فما زلت أخشى أن ينقطع هذا اللقاء في أي لحظة، فلا أراك ثانية.
أكمل الشيخ الجملة التي كان يكتبها ثم رفع رأسه إلي وقال: لا تقلق سوف تراني، فأنا صُنع مخيلتك من هذه الكتب التي تحيط بك..،
اشتريت كتاب درء تعارض العقل والنقل، منذ أكثر من عشرين سنة، فقرأت فيه، فلم أكد أفهم شيئًا، فتركته. ثم عدت له بعد سنوات فوجدت فيه علما غزيرًا وقواعد منهجية لا تكاد توجد في غيره.
ينظر كثير من الناس إلى هذا الكتاب على أنه كتاب عقيدة للرد على الرازي والأشاعرة فقط، والصحيح أنه -بالإضافة إلى ذلك- كتاب في المنهج، منهج تلقي النصوص وتفسيرها وفهمها، ومنهج للفهم العقلي بشكل عام. فأساس الخلل الذي لحق بكثير من علماء الإسلام هو تخليهم عن المنهج الذي كان يسير عليه علماء الإسلام منذ الصحابة في فهم النصوص، وقصدت فيه الرد على أهل الكلام بعامة والرازي بخاصة في قانونهم الذي أسموه القانون الكلي في التأويل.
ما الذي كنت تهدف له في هذا الكتاب؟
كنت أريد أن أقول لهم إن قانونكم العقلي هذا ليس صحيحًا، وقد أدى بكم إلى رد نصوص كثيرة من الكتاب والسنة وتحريف معناها وتفريغها من معناها الصحيح. وهو يفتح الباب للتلاعب بالنصوص الشرعية، ويلغي الفهم الصحيح لتلك النصوص الذي سار عليه الصحابة والتابعون. فباختصار أردت أن أبين أن قانونهم ليس بدليل عقلي قوي، وأنه يخالف النصوص الشرعية وأن ما تدل عليه النصوص الشرعية -مما لا تقبله عقولهم- ليس فيه ما يخالف العقل. "والإنسان قد يعتقد صحة قضية من القضايا وهي فاسدة فيحتاج أن يعتقد لوازمها، فتكثر اعتقاداته الفاسدة"
"مسمى العقل قد مدحه الله في القرآن في غير آية لكن لما أحدث قوم من الكلام المبتدع المخالف للكتاب والسنة بل وهو في نفس الأمر مخالف للمعقول وصاروا يسمون ذلك عقليات وأصول دين وكلاما في أصول الدين صار من عرف أنهم مبتدعة ضلال في ذلك ينفر عن جنس المعقول والرأي والقياس والكلام والجدل فإذا رأى من يتكلم بهذا الجنس اعتقده مبتدعًا مبطلًا..."
المصدر:
د. راشد العبد الكريم، مع ابن تيمية، ص59