وأما وجه الجمع بين هذه النصوص وبين حديث سؤال جبريل عليه السلام عن الإسلام والإيمان، وتفريق النبي، صلى الله عليه وسلم، بينهما، وإدخاله الأعمال في مسمى الإسلام دون مسمى الإيمان، فإنه يتضح بتقرير أصل، وهو أن من الأسماء ما يكون شاملا لمسميات متعددة عند إفراده وإطلاقه، فإذا قرن ذلك الاسم بغيره صار دالًا على بعض تلك المسميات، والاسم المقرون به دال على باقيها، وهذا كاسم الفقير والمسكين، فإذا أفرد أحدهما دخل فيه كل من هو محتاج، فإذا قرن أحدهما بالآخر دل أحد الاسمين على بعض أنواع ذوي الحاجات، والآخر على باقيها، فهكذا اسم الإسلام والإيمان: إذا أفرد أحدهما، دخل فيه الآخر، ودل بانفراده على ما يدل عليه الآخر بانفراده، فإذا قُرن بينهما دل أحدهما على بعض ما يدل عليه بانفراده، ودل الآخر على الباقي.
ويدل على صحة ذلك أن النبي، صلى الله عليه وسلم، فسّر الإيمان عند ذكره مفردًا في حديث وفد عبد القيس بما فسر به الإسلام المقرون بالإيمان في حديث جبريل، وفسر في حديث آخر الإسلام بما فسر به الإيمان...، عن عمرو بن عبسة، قال: جاء رجل إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، ما الإسلام؟ قال: أن تسلم قلبك لله، وأن يسلم المسلمون من لساند ويدك، قال: فأي الإسلام أفضل؟ قال: الإيمان. قال: وما الإيمان؟ قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت، قال: فأي الإيمان أفضل؟ قال: الهجرة. قال: فما الهجرة؟ قال: أن تهجر السوء. قال: فأي الهجرة أفضل؟ قال: الجهاد.. فجعل النبي، صلى الله عليه وسلم، الإيمان أفضل الإسلام، وأدخل فيه الأعمال.
المصدر:
- جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثًا من جوامع الكلم، الإمام زين الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن شهاب الدين الشهير بابن رجب، الحديث الثاني