الإنسان الغربي.. وحالة فقدان المعنى واليقين

الإنسان الغربي.. وحالة فقدان المعنى واليقين | مرابط

الكاتب: عبد الوهاب المسيري

371 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

المجتمعات الغربية مجتمعات فقدت المعنى، ومن قبل فقدت الميتافيزيقا وأي يقين معرفي، فسقف الإنسان هو السقف المادي. والهدف من العالم المادي هو الاستهلاك ومزيد الاستهلاك، ومن الواضح أن الاستهلاك لا يصلح أن يكون هدفا في الحياة الإنسانية، لأن الإنسان كائن مركب نبيل يحتاج إلى شيء آخر غير هذا السقف المادي. ومع غياب المعنى تغيب مقدرة الإنسان على الحب، لأن الإنسان لا يمكن أن يحب الآخر إلا إذا كان هناك معنى لحياته وهدف لها ورؤية للمستقبل ورغبة في التواصل مع الآخر ومشاركته. والعالم المادي عالم متغير، في صيرورة مستمرة، ولذا لا يمكنه أن يزود الإنسان بأي يقين. في غياب المعنى واليقين لا يمكن أن نحب، يمكن أن تشتهى الآخر أو تصارعه أو تفترسه.

وأعتقد أن الممارسات الجنسية المتطرفة هذه هي في جوهرها بحث عن المعنى في عالم لا معنى له، بحث عن الفردوس في عالم لا يوجد فيه فردوس. ما يجري بحث عن يقين في عالم لا يقين فيه. ولذا هو ممارسة جنسية غير عادية. فمثلا قاموا بعمل إحصائية عن أحد أشهر الملاكمين فوجدوا أن معدل ممارسته الجنسية هو بنتان ونصف في اليوم، هذا معدل مرتفع للغاية؛ فمن يضاجع ثلاث إناث في يوم واحد لا يبحث عن إشباع جنسين وإنما عن شيء آخر.

من المعتاد في الولايات المتحدة الأمريكية أن الرجل عند عودته إلى منزله منهك القوى يتناول كأسًا أو كأسين فترتخي أعصابه وينام، أو في الحفلان يشربون كأسًا أو اثنتين وتسمى الخمر في ذلك الإطار "شرابا اجتماعيا" لكن أن يتجرع الإنسان مثلا عشرين كأسًا كل يوم فإن القضية تتحول من كونها مجرد تجرع كأس أو كأسين من الخمر إلى قضية ذات أبعاد فلسفية.

قضية البحث عن المعنى وعن اليقين توجد في خمريات عند أبي نواس وغيره. الخمر هنا ليست مجرد سائل أصفر يشربه الإنسان فيذهب وعيه ويستيقظ في اليوم التالي عنده صداع خفيف ليستأنف حياته، وإنما هي جزء من فلسفة كونية وتعبير عن إحساس عميق بالغربة والوحدة والخوف من العدم من جانب إنسان فقد الييقين والمعنى، وفقد الطمأنينة والمقدرة على التواصل.

إنها قضية إنسان فقد المعنى في العالم فأغرق ذاته في الخمر. أنا أعتقد أن الجنس هو الشيء نفسه في الولايات المتحدة الأمريكية، هو رغبة الإنسان في أن يجد معنى في حياته وأن يتواصل مع الآخر في مجتمع فقد الإحساس بالمعنى ولا يسمح بالتواصل الدائم، فهو مجتمع في حالة حركة، جعل الهدف من الحياة الاستهلاك والربح. وكذا فالتواصل مع الآخر لا بد أن يتم في الإطار نفسه، داخل الإطار المادي، أي التواصل من خلال الجسد؛ فالجسد يدركه المرء بالحواس الخمس، ويزوده بيقين ومعنى مؤقتين تحت السقف المادي.


المصدر:
عبد الوهاب المسيري، الثقافة والمنهج، ص124

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#الثقافة-الغربية
اقرأ أيضا
فن أصول التفسير ج8 | مرابط
تفريغات

فن أصول التفسير ج8


مهما جلسنا نستنبط من آيات الله سبحانه وتعالى ونذكر الفوائد والمسائل المتعلقة بالآيات فإننا يمكن أن نجلس من صلاة العشاء إلى الفجر في سورة واحدة ونحن نستخرج هذه الفوائد والنفائس ولا شك أن هذا مما يدل على عظمة القرآن ومجده لأن الله سبحانه وتعالى وصفه بالمجد فهو مجيد في ألفاظه ومجيد أيضا في معانيه ومجد المعاني أي: أن معانيه متسعة

بقلم: مساعد الطيار
731
الأمن نعمة من نعم الله | مرابط
تفريغات

الأمن نعمة من نعم الله


إن الأمن نعمة وأي نعمة فقد امتن الله بها على قريش إذ كانت تعيش في الجزيرة العربية حيث السلب والنهب واعتداء القبيلة على القبيلة الأخرى وفي وسط الجزيرة العربية كانت مكة واحة أمن ولذلك قال سبحانه: لإيلاف قريش إيلافهم رحلة الشتاء والصيف فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف قريش:1-4

بقلم: عمر الأشقر
687
كيف تتصرف عندما يعاملك أحد بتقصير؟ | مرابط
تفريغات

كيف تتصرف عندما يعاملك أحد بتقصير؟


وأنت أيها الداعية: كيف تتصرف حينما يتصرف أحد المدعوين نحوك بتقصير أو بكلمة أو بفعل لا يليق؟ أتعاديه وتجانبه وتجفوه أتأمر أصحابك أن يقاطعوه ويهجوه ويهجروه أتتخذ منه موقفا: هو في سبيله وأنت في سبيلك من أجل نفسك إن هذا لا يليق أيها الإخوة.

بقلم: خالد السبت
437
طريقة ابن خلدون في إثبات النبوة | مرابط
تعزيز اليقين

طريقة ابن خلدون في إثبات النبوة


ومن علاماتهم أيضا: أنه يوجد لهم -قبل الوحي- خلق الخير والزكاة ومجانبة المذمومات والرجس أجمع. وهذا هو معنى العصمة. وكأنه مفطور على التنزه عن المذمومات والمنافرة لها. وكأنها منافية لجبلته.

بقلم: البيهقي
281
دراسة السيرة النبوية | مرابط
مقالات

دراسة السيرة النبوية


إن خير ما يتدارسه المسلمون ولا سيما الناشئون والمتعلمون ويعنى به الباحثون والكاتبون دراسة السيرة المحمدية إذ هي خير معلم ومثقف ومهذب ومؤدب واصل مدرسة تخرج فيها الرعيل الأول من المسلمين والمسلمات الذين قلما تجود الدنيا بأمثالهم. ففيها ما ينشده المسلم وطالب الكمال من دين ودنيا وإيمان واعتقاد وعلم وعمل واداب وأخلاق وسياسة وكياسة وإمامة وقيادة وعدل ورحمة وبطولة وكفاح وجهاد واستشهاد في سبيل العقيدة والشريعة والمثل الإنسانية الرفيعة والقيم الخلقية الفاضلة.

بقلم: محمد أبو شهبة
353
الركون إلى الدنيا | مرابط
تفريغات

الركون إلى الدنيا


والله عز وجل مع أنه رفع الهمة وبث الأمل ونشط المسلمين فقد علم المسلمين المنهج الواقعي في معالجة الأمور فليس معنى رفع الهمة الغفلة عن الأخطاء وعدم ذكر العيوب لا فلابد أن نذكر ولكن بصيغة لطيفة ولنرفع الهمة ونصلح الأوضاع ولنكن إيجابيين نكتشف الأخطاء ونصلحها ونرفع الهمة عند المسلمين ولا نقرع الأبدان ولا نلهب الظهور بالسياط ولكن بلطف وبرقة وببث الأمل

بقلم: د راغب السرجاني
966