الإنسان الغربي.. وحالة فقدان المعنى واليقين

الإنسان الغربي.. وحالة فقدان المعنى واليقين | مرابط

الكاتب: عبد الوهاب المسيري

306 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

المجتمعات الغربية مجتمعات فقدت المعنى، ومن قبل فقدت الميتافيزيقا وأي يقين معرفي، فسقف الإنسان هو السقف المادي. والهدف من العالم المادي هو الاستهلاك ومزيد الاستهلاك، ومن الواضح أن الاستهلاك لا يصلح أن يكون هدفا في الحياة الإنسانية، لأن الإنسان كائن مركب نبيل يحتاج إلى شيء آخر غير هذا السقف المادي. ومع غياب المعنى تغيب مقدرة الإنسان على الحب، لأن الإنسان لا يمكن أن يحب الآخر إلا إذا كان هناك معنى لحياته وهدف لها ورؤية للمستقبل ورغبة في التواصل مع الآخر ومشاركته. والعالم المادي عالم متغير، في صيرورة مستمرة، ولذا لا يمكنه أن يزود الإنسان بأي يقين. في غياب المعنى واليقين لا يمكن أن نحب، يمكن أن تشتهى الآخر أو تصارعه أو تفترسه.

وأعتقد أن الممارسات الجنسية المتطرفة هذه هي في جوهرها بحث عن المعنى في عالم لا معنى له، بحث عن الفردوس في عالم لا يوجد فيه فردوس. ما يجري بحث عن يقين في عالم لا يقين فيه. ولذا هو ممارسة جنسية غير عادية. فمثلا قاموا بعمل إحصائية عن أحد أشهر الملاكمين فوجدوا أن معدل ممارسته الجنسية هو بنتان ونصف في اليوم، هذا معدل مرتفع للغاية؛ فمن يضاجع ثلاث إناث في يوم واحد لا يبحث عن إشباع جنسين وإنما عن شيء آخر.

من المعتاد في الولايات المتحدة الأمريكية أن الرجل عند عودته إلى منزله منهك القوى يتناول كأسًا أو كأسين فترتخي أعصابه وينام، أو في الحفلان يشربون كأسًا أو اثنتين وتسمى الخمر في ذلك الإطار "شرابا اجتماعيا" لكن أن يتجرع الإنسان مثلا عشرين كأسًا كل يوم فإن القضية تتحول من كونها مجرد تجرع كأس أو كأسين من الخمر إلى قضية ذات أبعاد فلسفية.

قضية البحث عن المعنى وعن اليقين توجد في خمريات عند أبي نواس وغيره. الخمر هنا ليست مجرد سائل أصفر يشربه الإنسان فيذهب وعيه ويستيقظ في اليوم التالي عنده صداع خفيف ليستأنف حياته، وإنما هي جزء من فلسفة كونية وتعبير عن إحساس عميق بالغربة والوحدة والخوف من العدم من جانب إنسان فقد الييقين والمعنى، وفقد الطمأنينة والمقدرة على التواصل.

إنها قضية إنسان فقد المعنى في العالم فأغرق ذاته في الخمر. أنا أعتقد أن الجنس هو الشيء نفسه في الولايات المتحدة الأمريكية، هو رغبة الإنسان في أن يجد معنى في حياته وأن يتواصل مع الآخر في مجتمع فقد الإحساس بالمعنى ولا يسمح بالتواصل الدائم، فهو مجتمع في حالة حركة، جعل الهدف من الحياة الاستهلاك والربح. وكذا فالتواصل مع الآخر لا بد أن يتم في الإطار نفسه، داخل الإطار المادي، أي التواصل من خلال الجسد؛ فالجسد يدركه المرء بالحواس الخمس، ويزوده بيقين ومعنى مؤقتين تحت السقف المادي.


المصدر:
عبد الوهاب المسيري، الثقافة والمنهج، ص124

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#الثقافة-الغربية
اقرأ أيضا
أهمية العلم ولزوم الدليل | مرابط
مقالات

أهمية العلم ولزوم الدليل


ومن أحالك على غير أخبرنا وحدثنا فقد أحالك: إما على خيال صوفي أو قياس فلسفي. أو رأي نفسي. فليس بعد القرآن وأخبرنا وحدثنا إلا شبهات المتكلمين. وآراء المنحرفين وخيالات المتصوفين وقياس المتفلسفين. ومن فارق الدليل ضل عن سواء السبيل. ولا دليل إلى الله والجنة سوى الكتاب والسنة. وكل طريق لم يصحبها دليل القرآن والسنة فهي من طرق الجحيم والشيطان الرجيم.

بقلم: ابن القيم
377
الافتتان بالآخرين وصد الحق | مرابط
اقتباسات وقطوف

الافتتان بالآخرين وصد الحق


قد يكون اتباع أحدهم للباطل ليس إلا افتتانا بمن رآهم يتبعون هذا الباطل إذ يقول في نفسه: كيف لهؤلاء العظام والعقول الراجحة أن تتبع باطلا لا بد أنه الحق وأنهم رأوا من آياته ما حملهم على اتباعه إذن أتبعه مثلهم حتى لو بدى لي خلاف ذلك

بقلم: الشاطبي
2095
أعذار أهل العلم | مرابط
اقتباسات وقطوف

أعذار أهل العلم


ومن أعظم المحرمات وأشنع المفاسد إشاعة عثراتهم والقدح فيهم وفي غلطاتهم وأقبح من هذا إهدار محاسنهم عند وجود شيء من ذلك. وربما يكون -وهو الواقع كثيرا- أن الغلطات التي صدرت منهم لهم فيها تأويل سائغ ولهم اجتهاد هم فيه معذورون والقادح فيهم غير معذور.

بقلم: عبد الرحمن السعدي
371
شبهة شرب معاوية رضي الله عنه الخمر: رد على عدنان إبراهيم | مرابط
أباطيل وشبهات

شبهة شرب معاوية رضي الله عنه الخمر: رد على عدنان إبراهيم


يستهدف الطاعنون والمشككون في الإسلام سيدنا معاوية بن أبي سفيان بكثير من الشبهات والحملات التشويهية التي ترمي في النهاية إلى إسقاط قيمة ورمزية الصحابة من قلوب المسلمين ورويدا يصلون إلى الطعن في دين الإسلام نفسه بعد تشويه رجاله وحملته وفي هذا المقال يفند الكاتب شبهة سخيفة نسمعها ويرددها الكثيرون ومفادها أن سيدنا معاوية كان يشرب الخمر وإليكم تفصيلها والرد عليها

بقلم: أبو عمر الباحث
2351
حب الظهور | مرابط
فكر تفريغات

حب الظهور


روي أن أعرابيا بال في ماء زمزم فقام الناس عليه فأمسكوا به وقالوا: ما حملك قال: أحببت أن يذكرني الناس ولو باللعنات يعني: المهم عنده الصيت ولذلك هذا المرض الخطير يمكن أن يجعل الإنسان يعمل من البلايا ما الله به عليم لأجل فقط أن يخرج صيته يعمل أي شيء له حاجة أوليس له حاجة له داع أو ليس له داع يحرك ساكنا ويسكن متحركا المهم أن يخرج صيته أمام الناس

بقلم: محمد صالح المنجد
2325
اتباع رخص المذاهب | مرابط
اقتباسات وقطوف

اتباع رخص المذاهب


مقتطف من كتاب الموافقات للإمام الشاطبي يعلق فيه على ما يفضي إليه تتبع رخص المذاهب وجمعها من فساد الدين والانسلاخ عن اتباع الأمر المنزل الثابت في الوحي بل وترك اتباع الدليل كلية والاكتفاء بالرخص والاستهانة في النهاية بأمر الدين كله

بقلم: الإمام الشاطبي
1849