الحمد لله وحده.
من متع الحياة الدُّنيا: أن تكون عبدًا مكروبًا بكربٍ دنيويٍّ، أو محتاجًا لشيء من لعاعة الدُّنيا، فتُلحَّ بالدُّعاء والطَّلب من الله.
ربِّنا العظيم الكبير الجليل المالك، ذي الجلال والجبروت والملكوت.. فتدعوه مع التَّذلُّل له، ويرزقك الخضوعَ والانصياع التام، والفقر التام، ولو بعد حين من الدعاء.
فتدعو بالشيء نفسه، دعاء مكروب ملتجئ.
يومًا، ويومين، وأسبوعًا، وشهرًا وشهرًا وشهرًا..
عامًا بعد عامٍ..
وأنت موقنٌ أن أجرك على هذه العبادة؛ محفوظٌ مشكورٌ.
فهذا الدعاء مع هذا اليقين: متعة متجرِّدة خالصة، وحلاوتها منصوصة في دين الملك سبحانه.
وأمتع من ذلك وأفضل منزلة:
أن ترى استجابة دعائك، وتحقُّقه في الدُّنيا بعينك!
فتسعى وتريد أن تشكر الله، فيرزقك الفهم، وتعرف أنّ وفاء الشكر مستحيل!
أتشكره على أن قدَّر لك الإسلام أولا؟
أم على أنه قدّر لك الخير فأصابك بكربٍ تشعر معه بفقرك وغناه، وذلّك وعزَّته، وحاجتك وقيّوميته، سبحانه؟
أم على أن هداك بعد الكرب لدعائه وعبادته؟
أم على أنه رزقك اليقين فلم تيأس، ولم تتزحزح عن منزلة الفقر أبدا؟
أم على أنه سميع مجيب، سمع دعاءك واستجاب، فأعطاك ما أردته، ولم يفتنك بعده ويصيِّرك من الغافلين اللاهين؟
بل هداك إلى إرادة شكره، والتَّأمُّل في فقرك قبل الاستجابة وبعدها؟
فإذا يئستَ - حينئذٍ - من قدرتك على شكره؛ شكرتَه بالتوحيد والتجرد، والثبات على التفقُّر والتذلُّل، ورجاء أن ينجيك يوم الدين.
فإنك فهمتَ الآن، أن الخير كلَّه بيديه، وأنه الأول، المبدئ، الذي لا قوة إلا به، ولا تحوُّل إلا بإذنه.
فهذا خير لك وأفضل من حاجتك الدنيوية التي استجيبت لك.
ولعلك لم تكن لتصيب هذه الحال ولا هذا الفهم: لولا كربك الأول، ثم منة الله عليك بعد الاستجابة!
وإن من أعظم الخير الذي يقدِّره الله لإنسانٍ:
ألا يستجيب دعاءه هذا في الدُّنيا، رغم إلحاح العبد وصدقه في الدعاء والطلب والتذلل!
وذلك إذ علمَ العليم الحكيم تعالى: أنَّ العبدَ فلانًا، إذا استُجيب دعاؤه: نسي فقره الذاتي الذي لا يزول، أو تبطَّر.
أو غفل عن الشكر الموصوف، فاستراح للدُّنيا، وركن إليها، وترك الدُّعاء الذي كان عليه.
فبقاؤه - إذًا - على حال الدعاء العبادة؛ خير له في الآخرة، وإن لم يكن خيرا له في الدُّنيا.
بل خير له في الدُّنيا، إذا علم الله أنه ينسى أو يتبطر!
ولعلَّ بعض المحرومين من استجابة دعاء الدنيا؛ يكون في الآخرة: أسعد الناس بالحرمان من زينة السحَّارة الفتَّانة!
فهذه حال واحدة فقط، تكون عدم استجابة الدعاء في الدنيا فيها خيرا للعبد.
وهذا إذا قلنا: إن الداعي استكمل شروط الاستجابة كلها، ودعا بخير.
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.