فَالْمُؤْمِنُ كُلُّهُ طَيِّبٌ قَلْبُهُ وَلِسَانُهُ وَجَسَدُهُ بِمَا سَكَنَ فِي قَلْبِهِ مِنَ الْإِيمَانِ، وَظَهَرَ عَلَى لِسَانِهِ مِنَ الذِّكْرِ، وَعَلَى جَوَارِحِهِ مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ الَّتِي هِيَ ثَمَرَةُ الْإِيمَانِ، وَدَاخِلَةٌ فِي اسْمِهِ فَهَذِهِ الطَّيِّبَاتُ كُلُّهَا يَقْبَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ. وَمِنْ أَعْظَمِ مَا يَحْصُلُ بِهِ طِيبَةُ الْأَعْمَالِ لِلْمُؤْمِنِ طِيبُ مَطْعَمِهِ، وَأَنْ يَكُونَ مِنْ حَلَالٍ، فَبِذَلِكَ يَزْكُو عَمَلُهُ. وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يَقْبَلُ الْعَمَلَ وَلَا يَزْكُو إِلَّا بِأَكْلِ الْحَلَالِ، وَإِنَّ أَكْلَ الْحَرَامِ، يُفْسِدُ الْعَمَلَ، وَيَمْنَعُ قَبُولَهُ، فَإِنَّهُ قَالَ بَعْدَ تَقْرِيرِهِ: " «إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا» " إِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ، فَقَالَ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا} [المؤمنون: ٥١] وَقَالَ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة: ١٧٢]. وَالْمُرَادُ بِهَذَا أَنَّ الرُّسُلَ وَأُمَمَهُمْ مَأْمُورُونَ بِالْأَكْلِ مِنَ الطَّيِّبَاتِ الَّتِي هِيَ الْحَلَالُ، وَبِالْعَمَلِ الصَّالِحِ، فَمَا دَامَ الْأَكْلُ حَلَالًا، فَالْعَمَلُ الصَّالِحُ مَقْبُولٌ، فَإِذَا كَانَ الْأَكْلُ غَيْرَ حَلَالٍ، فَكَيْفَ يَكُونُ الْعَمَلُ مَقْبُولًا؟
المصدر:
ابن رجب الحنبلي، جامع العلوم والحكم، ص260