المذاهب والفرق المعاصرة: المرجئة ج3

المذاهب والفرق المعاصرة: المرجئة ج3 | مرابط

الكاتب: عبد الرحيم السلمي

687 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

أثر الإرجاء


الانحراف في مفهوم لا إله إلا الله وفي مفهوم العبادة الشرعية

هل يترتب على الإرجاء انحراف في التعريف فقط، يعني: في تعريف الإيمان وفي تعريف الكفر أم أن له جذورًا وواقعًا عمليًا في حياة المسلمين؟
من آثار الإرجاء الانحراف في مفهوم لا إله إلا الله، وفي مفهوم العبادة الشرعية، فإن مفهوم: لا إله إلا الله صار عند المرجئة معناه: لا خالق ولا رازق ولا محيي ولا مميت إلا الله سبحانه وتعالى، ومفهوم العبادة عندهم صار هو اعتقاد أن الله هو الخالق الرزاق المحيي المميت، وسيأتي تفصيل ذلك إن شاء الله.

 

انتشار الفجور والفساد الأخلاقي في حياة الأمة

بسبب الإرجاء وتهوين العمل انتشر في حياة الأمة الفجور والفساد الأخلاقي، وانتشر في حياة الأمة التساهل في ارتكاب المحرمات، فتجد مثلًا أن الناس اليوم يتساهلون تساهلًا كبيرًا في الربا، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (درهم ربا أشد عند الله من ست وثلاثين زنية)، ويتساهلون أيضًا في الزنا، ويتساهلون أيضًا في المعاصي بكل ألوانها وأنواعها، ولو أنك ذهبت إلى الأسواق وتعاملت مع الناس لوجدت العجب العجاب، لوجدت كثيرًا من الناس يكذب، ويغدر، ولا يخاف الله عز وجل وأهم شيء عنده أن يتحصل على المال بأي أسلوب من الأساليب.

وتهوين هذه الأعمال مع أمور أخرى أساسه الإرجاء، فإنه لما انتشر في حياة الأمة: أن الإيمان هاهنا وأن التقوى هاهنا، وأن الإنسان إذا كان قلبه طيبًا فأعماله ليست مشكلة، وتجد كثيرًا من الناس يرددها في المنتديات العامة وفي المجالس العامة، وتجد أن بعض الناس يردد أنه أهم شيء قلبك، فإذا كان قلبك صافيًا وطيبًا ستدخل الجنة بإذن الله، حتى لو كانت أعمالك غير سليمة، أما إذا لم يكن القلب طيبًا فهذا يدل على أنك لن تدخل الجنة، فلما تربى أبناء المسلمين على هذه الفكرة والبذرة الخبيثة انتشر التهاون بهذه الطريقة.

وقارنوا بين المجتمعات المعاصرة الآن، والمجتمعات قبل أكثر من ألف سنة، تجدون أن الناس كانوا يتخوفون من المعاصي وبالذات من الكبائر، وذلك لوجود من ينهى عنها ويحذر عنها من أهل العلم الصادقين، يخافون من المعاصي ويخافون من الذنوب مع وجود من يرتكبها ولا يأبه بذلك، لكن كظاهرة عامة في المجتمع ليست كحال الناس اليوم.

أما الناس اليوم، فأي إنسان يستطيع أن يرصد هذه القضية الواضحة، وانظر إلى مخالفات الناس للشرع تجد عجب العجاب! في مجال الأعراض، وفي مجال الأخلاق، وفي مجال التعامل، وفي مجال الكلام، وفي مجال النساء، وفي الرجال، أشياء عجيبة انتشرت في حياة المسلمين ما كانوا ليتجرءوا عليها لو أنهم يعتقدون اعتقادًا جازمًا أن العذاب مصير من يفعل هذه الأعمال.

وليس الإرجاء هو وحده الذي أوصل إلى هذه الظاهرة، وإنما كذلك الغفلة وأمور أخرى، لكن الإرجاء هو الذي هوّن الأمر عند هؤلاء، فتجد أنهم يمارسون المعاصي وكبائر الذنوب بشكل عادي ولا تؤنبهم ضمائرهم، لكن لو أنهم يعرفون الأحاديث، ويعرفون الآيات ومع هذا يمارسونها سيجدون تأنيب الضمير، وسيخافون من هذه المعاصي، لكن ينشأ الصغير على ما نشأ عليه الكبير من أن التقوى هاهنا، ومن أنه إذا كان عملك طيبًا فإنك تكون من الصالحين حتى لو كان عملك الظاهر غير ذلك، وأصبح كثير من الناس يقول: ليس المهم هو اللحية وتقصير الثياب، وليس المهم أن الإنسان يترك الدش مثلًا، وليس المهم هو أن الإنسان لا تكون أمواله في البنوك الربوية ونحو ذلك، وإنما المهم أن يكون قلبك نظيفًا وطيبًا، وكيف يكون قلبك نظيفًا وطيبًا وأنت تفسده بهذه الأعمال؟!

ولهذا لما انفصل في المفهوم العمل عن القلب صار الناس يتجرءون على المعاصي كما بينّا.

 

جرأة الزنادقة والملاحدة على السخرية من دين الله تعالى والاستهزاء به

ومن آثار الإرجاء جرأة الزنادقة والملاحدة سواءً كانوا كُتَّابًا أو حكامًا وزعماء أو أدباء على السخرية من دين الله سبحانه وتعالى والاستهزاء به، فأصبح كثير من الناس يستهزئ بأحكام الدين، وأصبح بعضهم يرى أن هذا الدين لا يصلح أن يطبق في هذا العصر، وبعضهم يستهزئ بأصحاب العقائد ويعتبرهم معقدين، وبعضهم..وبعضهم، نماذج كثيرة بل أصبح يقرؤها الإنسان العادي في الصحف وفي حياة المسلمين، ويقرؤها في الكتب ويراها في كل مكان، جرأة غريبة على الإلحاد والكفر بالله سبحانه وتعالى.

وقد سبق أن نقلنا نصوصًا عن بعض الملاحدة الذين تجرءوا على دين الله عز وجل، ولو وجد هؤلاء أصحاب عقائد صحيحة لتبين كفرهم، فتعلن ذلك وتفصح به لِتَرددِ هؤلاء عن إظهار هذه العقائد الباطلة، وعلى أقل تقدير إذا لم يكن مقتنعًا بالدين فسيكتم زندقته في قلبه ولا يظهرها، لكن لما انتشر الإرجاء في حياة المسلمين وصار كثيرٌ من الناس يعتبر أن كل من كفر ملحدًا فهو متشدد وأنه على مذهب الخوارج ونحو ذلك، صار كثير من هؤلاء الملاحدة يتجرءون، ووُجِهوا بكلامهم وقال الرجل منهم: أنا مسلم وهو يسب الله، ويسب الرسول، ويسب الأديان، ويسب الملائكة ومع هذا يقول: أنا مسلم، وتروج هذه الكلمة في أهل الإرجاء ويعتبرونه مسلمًا لمجرد قوله: أنا مسلم، وهذا يدل على أن انتساب الإنسان للإسلام وللإيمان لا يعني أنه يكون مستمرًا إذا خالفه وخرج عنه بأي ناقض من النواقض.

 

انتشار القبورية في حياة المسلمين

كذلك انتشرت في حياة المسلمين القبورية، والقبورية هي: عبادة القبور والذبح لها والنذر لغير الله عز وجل، انتشرت بسبب الإرجاء، قد تقولون: كيف انتشرت؟ انتشرت أولًا في المفهوم، ثم انتشرت في الواقع العملي.

أما في المفهوم: فإن التوحيد مرتبط بالإيمان، أي: التوحيد داخل في الإيمان، فلما انحرفوا عن التوحيد وعن الإيمان وقالوا: إن الإيمان هو تصديق القلب فقط، وأما عمل الجوارح وعمل القلب فلا يدخل في الإيمان، كذلك قالوا: إن عمل القلب وعمل الجوارح لا يدخل في التوحيد؛ لأن التوحيد هو توحيد الربوبية وهو اعتقاد: أن الله الخالق الرازق المحيي المميت.. إلى آخره. وهذا الاعتقاد في الإيمان، وهو أيضًا إفراد الله بالعبادة وهذا عمل القلب والجوارح.

فهم لما أخرجوا العمل عن الإيمان أخرجوا كذلك عمل القلب وإفراد الله بالعبادة من التوحيد، فأصبحت حقيقة التوحيد عند هؤلاء هو توحيد الربوبية فقط، وأصبح حقيقة الإيمان هو: التصديق فقط، وحينئذٍ أصبح عند هؤلاء المرجئة لو أن إنسانًا طاف بقبر أو ذبح لغير الله، أو نذر لغير الله فإنه لا يعتبر كافرًا خارجًا عن الإسلام؛ لأنه ما زال مصدقًا، فالذي يستغيث بغير الله، ويقول: أنا أعتبر هذا واسطة عند الله، أو يدعو غير الله، أو يطوف بالقبور أو يذبح لها أو يتعبد لها، أو يذهب إلى السحرة والكهنة والمشعوذين أو يكون من السحرة والكهنة والمشعوذين ونحو ذلك، لا يعتبره المرجئة كافرًا ما دام أنه مصدق بالله، ولا يعتبرونه كافرًا إذا كان مصدقًا بالله.

وهكذا كثير من أصحاب المذاهب المنحرفة لم يعتبروهم كفارًا، ولم يعتبروا تغيير الدين واستبداله بالقوانين الوضعية كفرًا يخرج عن الإسلام، فصار الخلاف مع هؤلاء المرجئة في عدد كبير من المرتدين الذين خرجوا في الحقيقة عن الإسلام وهم ينسبونهم إلى الإسلام، ولهذا ظاهرة القبورية والذبح لغير الله والنذر لغير الله نشأت من المرجئة، وظاهرة الاستغاثة بغير الله نشأت من المرجئة، ولهذا تجد أن غالب الصوفية يعظمون الأشاعرة، فمثلًا: محمد علوي مالكي في كتابه: (مفاهيم يجب أن تصحح) أفرد عنوانًا خاصًا للأشاعرة وعظمهم وبين أهمية اعتقادهم؛ لأن منهج الأشاعرة أصبح هو السند العلمي لانتشار التصوف وانتشار ظاهرة القبورية في حياة المسلمين، وأصبحت ظاهرة القبورية في حياة المسلمين فتنة لكثير من الناس.

 

انتشار العلمانية

وانتشر بسببها العلمانية، وذلك حين يأتي رجل ويعتبر نفسه مثقفًا ومطلعًا ويسافر إلى الغرب ثم يرجع مرة أخرى فيأتي إلى قومه فيجد أن أباه يفرح به، ويذهب ويذبح ذبيحة عند القبر؛ لأن ابنه جاء من الخارج، وذهب هذا الأب إلى القبر وذبح له وطاف به وسجد له، وقال: أشكرك يا سيدي فلان، أنت الذي أنجحت ابني، فيبدأ الولد يفكر بعقله: هل فعلًا هذا القبر هو الذي أنجحني أنا؟ ما هي العلاقة بيني وبين القبر؟ ليست هناك علاقة، ولكن يظن الولد أن هذا الفعل الذي حصل من والده هو حقيقة دين الإسلام، فيقول: إذًا: دين الإسلام ليس دينًا صحيحًا هو مثل خرافات أوروبا التي انقضَّ عليها المتحررون، وحينئذٍ يجب أن نرفض الدين جملة وتفصيلًا حتى ننهض بأمتنا، فصار هؤلاء فتنة للعلمانيين، وظهرت العلمانية في بلاد المسلمين كما سبق أن أشرنا عند حديثنا عن أسباب ظهور المذاهب الفكرية المعاصرة.

 

انتشار القوانين الوضعية

ومن آثار الإرجاء انتشار القوانين الوضعية، وظهورها في حياة المسلمين، يعني: لو أن الذين جاءوا بالقوانين الوضعية في حياة المسلمين فهموا أو أُفهموا بأن تطبيقهم للقوانين الوضعية معناه: الكفر المبين، ومعناها: أنه لا شرعية لوجودهم، ومعناها: أن المسلمين سيخرجون عليهم ويقاتلونهم وأنهم كاليهود والنصارى، هل تتصورون أن هؤلاء يتجرءون على الإتيان بقوانين وضعية وينحون الشريعة عن الحياة؟ لا يمكن أبدًا، لكن فهموا أو أُفهموا من خلال علماء المرجئة وانتشار الإرجاء في حياة المسلمين أن تطبيق هذه القوانين الوضعية لا يعدو أن يكون معصية في أسوأ الأحوال والله غفور رحيم، وحينئذٍ استهانوا بها فانتشرت في بلاد المسلمين طولًا وعرضًا، وظهرت وأصبحت هي الأصل في حياة المسلمين، وأصبح الرجل الذي يكون عنده أموال يريد أن يستخلصها من أشخاص يتحاكم إلى القانون الفلاني أو إلى القانون الفلاني الذي لا يمت إلى الدين بصلة.

إذًا: نلاحظ أن الإرجاء كان سببًا في انتشار القبورية وكان سببًا في انتشار العلمانية، وكان سببًا أيضًا في انتشار القوانين الوضعية؛ ولو أن الأمة فهمت أن القوانين الوضعية هذه معناها: أنه لا شرعية لهم كالإسماعيلية وكالطوائف الكافرة، ومثل أيام الاستعمار عندما كان البريطانيون يحكمون بلاد المسلمين حكمًا مباشرًا، لكن كثيرًا من هؤلاء لم يتفهم ولم يُفهم هذه القضية، أو أن الأمة كانت غائبة عن هذه القضية فلم تعتقدها وتتبناها بقوة.

 

دعوة محمد بن عبد الوهاب

لما جاءت دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله كانت واضحة وقوية جدًا في إنكار الإرجاء، وتعاملت مع المكفرات الموجودة في العصر بالتكفير الصريح، فتعاملت مع الطواف حول القبور والذبح لها والنذر لغير الله عز وجل بالتكفير الصريح، وأن هذا كفر مخرج عن الملة، وأنه ليست القضية فيها مجاملة ومحاباة، ويمكن لي أن أقول لكم: هذه معصية مثلًا: لا، هذا حكم الله في الأمر، هذا كفر يخرج عن الملة، فماذا كانت النتيجة لما ظهر الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله وتلاميذه؟
كانت النتيجة أن رماهم المرجئة في طول البلاد الإسلامية وعرضها عن قوس واحد وقالوا: هؤلاء خوارج، وقالوا: هؤلاء حرورية ومعنى: حرورية: نسبة إلى حروراء القرية التي ظهر فيها الخوارج.

فإن قال قائل: لماذا اعتبروهم خوارج؟

فالجواب: اعتبروهم خوارج لأنهم التزموا بالدين الصحيح وهم على مذهب آخر، وهو الإرجاء الباطل، وهكذا أتباع دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله وهم أتباع المنهج الحقيقي، بغض النظر عن الدعوات وإن كان الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى هو الذي جدد هذه الدعوة وأبرزها وأظهرها وألف فيها وألف تلاميذه فيها، لما ظهر أتباعهم بنفس القول اعتبرهم كثير ممن ينتسبون إلى الإسلام أنهم من المتطرفين المصاصين للدماء الذين يريدون القضاء على حضارة القرن العشرين كما يعبرون.

وتلاحظون أيضًا: أن دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب تعاملت مع أصحاب المنهج العلماني بنفس التعامل الذي تعاملت به مع الطواف حول القبور والذبح لها، وأضرب لكم بمثال على هذا؟

لما جاء محمد علي باشا وقد كان رجلًا يعتبرونه متمدنًا؛ لأنه اتفق مع أوروبا وأرسل إرساليات لأوروبا وجاءت الإرساليات، وبدءوا يدندنون حول العلمنة وإن لم تكن بصورة صارخةٍ كالصورة الموجودة في حياة المسلمين الآن، ووشى الأوروبيون إلى الأتراك فطلبوا من محمد علي باشا أن يقاتل العلماء الذين كانوا في نجد في تلك الفترة، فأرسل محمد علي باشا حملة يقودها ابنه إبراهيم باشا، ودخلت الحملة عن طريق الحجاز إلى نجد ودخلوا عليهم في الدرعية ودخلوا عليهم في بقية المدن، وأخذوا قراهم قرية قرية، ووصلوا إلى مدينة الرس، وهي مدينة موجودة الآن، وكان شيخهم وعالمهم من علماء الدعوة السلفية يسمى جرناس الجرناس، وكان هذا العالم مجاهدًا في نفس الوقت، فاجتمع أهل الرس في تلك الفترة وقاتلوا إبراهيم باشا ولم يستسلم، فحاصرهم أكثر من عشرين يومًا، ورماهم بالبارود ورموه هم حتى نفد ما معهم من البارود، فلما نفد ما معهم من البارود جمع هذا الشيخ جماعته.

وقال: ماذا ترون؟ فقالوا: الرأي إليك، قال: لا نستسلم، فاخترعوا فكرة وهي أنهم جعلوا في الحصن أحواضًا وملئوها بالماء، فإذا جاءتهم قذيفة من قذائف إبراهيم باشا أخذوا هذه القذيفة وبردوها ثم أخذوا ما فيها من البارود فأصبحوا يقاتلون إبراهيم باشا بنفس البارود الذي يرميه عليهم فلم يستسلموا، فخضع إبراهيم باشا للصلح، فلما خضع إبراهيم باشا للصلح طلب أن يلتقي بهذا الشيخ، فقال: الموعد يوم الجمعة تأتينا صباحًا وأعطاه الأمان، فدخل إبراهيم باشا ومعه بعض مستشاريه إلى الحصن الذي كان في الرس وتفاوضوا على الصلح، فتكلموا إلى أن جاءت صلاة الجمعة فنهض جرناس الجرناس خطيبًا يعظ الناس ويوجههم ويعلمهم الخير، ثم انصرف إبراهيم باشا بعد أن انتهى من الصلح مع أهل الرس، فلما رجع إلى مصر جاءه بعض المنتسبين إلى العلم ممن كان يريد مصالح دنيوية فلم يلتفت إليه وأعرض عنه، فاستغربوا إعراضه، فبعد فترة قال: لستم أنتم العلماء الحقيقيون، العلماء الحقيقيون هم الموجودون في نجد، ويقصد بهم: أصحاب الدعوة السلفية دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله.

ولهذا يا إخواني الذي يقرأ في تراث الشيخ محمد بن عبد الوهاب ودعوته يجد أن تغيير أحكام الشرع كفر مخرج عن الملة، ويجد أن الطواف حول القبور مخرج عن الملة، ويجد ردودًا قوية جدًا على الإرجاء والمرجئة، فأنت إذا رجعت إلى كتاب يقرؤه أكثر الشباب والطلاب وهو كتاب (كشف الشبهات) تجد أن من الشبه التي أجاب عنها الشيخ شبهة المرجئة وهي قولهم: أن هذا الذي يطوف حول القبور ويذبح لها يقول: لا إله إلا الله، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قتل من قال: لا إله إلا الله، فرد الشيخ عليهم وقال: إنه إذا قال: لا إله إلا الله وعمل بها فلا يقتل، لكن إذا قال: لا إله إلا الله ثم نقضها فإنه يقتل، ثم ضرب لهم أمثلة، قال: لو قال: لا إله إلا الله وجحد وجوب الصلاة، قالوا: يكفر.

قال: إذا قال: لا إله إلا الله وفعل مثل ما فعل المرتدين وجحد وجوب الزكاة؟ قالوا: يكفر، قال لهم: وإذا قال: لا إله إلا الله، وادعى أن مسيلمة الكذاب نبي صادق؟ قالوا: يكفر، قال: إذًا: قول لا إله إلا الله وحدها لا تكفي، لابد أن يضاف إليها العمل، ولا بد أن يضاف إليها ترك نواقض الإيمان، فإذا لم تترك نواقض الإيمان فإنه حينئذٍ لا يكون هناك إيمان، ولا تنفع الكلمة التي ينقضها عمل، وهذا مثاله في الأمور الطبيعية: لو أن إنسانًا قال: أحبك ثم لطمك، ألستم تشعرون بازدواجية بين المحبة واللطم؟ ازدواجية واضحة، فكذلك إذا قال: لا إله إلا الله ثم لم يلتزم بـ(لا إله إلا الله)، هذا مثل من يقول: أحبك ثم يلطمك بعد ذلك.

هذا ما يتعلق بهذه الفرقة، ويمكن أن تراجع كتب أهل العلم في هذا الموضوع وهو موضوع حساس ومهم، ويمكن مراجعة كتاب الإيمان لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وهو من أفضل الكتب.

وبعض الأحيان أيها الإخوة تجدون أن بعض الناس يقرر التقرير العام في الإيمان مثل أهل السنة، لكنه يأتي في بعض المسائل فيخالف منهج أهل السنة في التقرير، فيأتي إلى موضوع عمل الجوارح فيخرجه عن حقيقة الإيمان معنىً ويثبته لفظًا، فيقول: العمل من الإيمان، لكن يخرجه في الحقيقة فلا يرتب عليه كفرًا، وكذلك عمل القلب ونحو ذلك من الأعمال.

أسأل الله عز وجل أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح.

وصلى الله على نبينا محمدٍ وآله وصحبه وسلم.

 


 

المصدر:

محاضرة المرجئة ضمن سلسلة المذاهب والفرق المعاصرة: المرجئة، للشيخ عبد الرحيم السلمي

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#المرجئة
اقرأ أيضا
المدرسة العقلانية المعاصرة | مرابط
فكر تفريغات

المدرسة العقلانية المعاصرة


الآن نتكلم على قضية الذين يقدمون آرائهم على الكتاب والسنة وبالذات من المعاصرين يعني ما يسمى بالمدرسة العقلانية المعاصرة طبعا ينتمي إلى هذه المدرسة عدد من المعاصرين استطاعوا أن يقعدوا لها قواعد ويضعوا الأصول الخاصة بهم وبالطبع درجات انحرافهم متباينة ومتفاوتة وهذا ما سنعرفه

بقلم: محمد صالح المنجد
2450
المؤمن كله طيب | مرابط
اقتباسات وقطوف

المؤمن كله طيب


مقتطفات من كتاب جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثا من جوامع الكلم للإمام زين الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن شهاب الدين الشهير بابن رجب رحمه الله وهو من أشهر وأبرز المؤلفات الجامعة لأصول وكليات الدين الحديث العاشر إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا

بقلم: ابن رجب الحنبلي
686
الإسراء والمعراج ج1 | مرابط
تفريغات

الإسراء والمعراج ج1


إن الإسراء والمعراج كانا مكافأة ربانية على ما لاقاه النبي صلى الله عليه وسلم من أفراح وأحزان فلقد كان بعد حصار دام ثلاث سنوات في شعب أبي طالب وما لاقى أثناءه من جوع وحرمان ولقد كان بعد فقد الناصر الحميم وهو عمه أبو طالب وفقد زوجته خديجة أم المؤمنين ولقد كانت بعد خيبة الأمل في ثقيف وما ناله من سفهائها وصبيانها وعبيدها

بقلم: خالد الراشد
366
خطورة اللسان | مرابط
تفريغات اقتباسات وقطوف

خطورة اللسان


وبعض الناس وهم يضحكون في مجالسهم يريدون النكات لكي يضحكون وقد تمس رسول الله أو الصلاة وقد تمس الإمام الذي يقرأ القرآن وتضحك الناس من أمر من أمور الدين هذا خطر كبير يقع فيه كثير من المسلمين الذين يرجون خيرا ويرجون الله سبحانه وتعالى ولا يلقون للكلمة بالا

بقلم: عمر الأشقر
421
أبرز آراء النسوية الراديكالية: الشذوذ الجنسي وبناء الأسرة اللانمطية | مرابط
النسوية

أبرز آراء النسوية الراديكالية: الشذوذ الجنسي وبناء الأسرة اللانمطية


ومع تصاعد الموجة الجنسانية الحديثة وتمرد الغربيين على كل القيم والأعراف والأديان وميلهم لتقديس كل نزواتهم وغرائزهم والاستجابة لها بأية وسيلة ثم الإباحية المفرطة التي أدت إلى انصرافهم عن النساء بحثا عن تنويع اللذة وتكثير التجربة الجنسية وتطور هذا الأمر في العالم الغربي إلى حد أن تورطت فيه شخصيات كبيرة في المجتمع الغربي من السياسيين وأهل الفن والإعلام والرياضيين وأساتذة الجامعات ورجال الأعمال بل حتى وصل الأمر إلى رجال العبادة في الكنائس وفي أعلى المراتب الكنسية

بقلم: مثنى أمين الكردستاني
2654
القياس الفاسد لشرعنة الاختلاط | مرابط
المرأة

القياس الفاسد لشرعنة الاختلاط


هؤلاء الكتبة رأوا النبي -صلى الله عليه وسلم- أذن في اختلاط الرجال والنساء في المطاف والطريق ولم ينكر ذلك وهو اختلاط في زمن يسير عارض فجاء هؤلاء وقاسوا على ذلك مشروعية الاختلاط في التعليم والعمل وهو اختلاط مكث في زمن يطول وأهدروا اعتبار الفارق بين الزمن اليسير والزمن الكثير بين الاختلاطين.. وهذا قياس فاسد وشبهة رائجة بين يديكم رد مفصل عليها.

بقلم: إبراهيم السكران
291