المرأة القارة في البيت: تصحيح المفاهيم

المرأة القارة في البيت: تصحيح المفاهيم | مرابط

الكاتب: د. ليلى حمدان

263 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

كل الأبواق والمنابر والقنوات تدافع عن المرأة الموظفة، وتزين حياتها وتصورها على أنها محض تفوق ونجابة، ويصفق لهم دعاة “حقوق المرأة”. فإن خرج صوت واحد يدافع عن المرأة القارة في البيت، يذكر محاسنها وميزاتها وإنجازاتها، يخرج لك هؤلاء “دعاة حقوق المرأة” ينددون ويعترضون ويهاجمون! حدثني عن الحقوق!

أكثر امرأة ظُلمت في العالم هي المرأة التي اختارت القرار في البيت والانشغال بتربية أبنائها وإصلاح بيتها، فهي أكثر النساء تعرضا للشيطنة والتحقير والبخس والتهميش! هي أكثر من يُزدرى مع أنها أهم امرأة وأكثرهن خدمة لأمتها قبل نفسها! وظلم هذه المرأة ظلم لها ولزوجها وأبنائها. وهو ظلم مركب!

لا يمكن لامرأة أن تجمع بين مشروعين متناقضين، مشروع يتطلب منها الخروج كل الوقت ومشروع يتطلب منها الرباط مع أبنائها كل الوقت! وأغلب نماذج العاملات أبناؤهن في ضعف عقدي وتربوي وخلقي واضح، والنماذج المهملة حقيقة هي لكل امرأة آثرت الانشغال بصناعة الأجيال عن خدمة ساحة العمل وجني الأموال.

من أهم أسباب الطلاق في زماننا، دخول المرأة في علاقة زوجية وفي ذهنها وقناعاتها أن وظيفتها أهم من زوجها وأبنائها، وأن نجاحها الأهم وتفوقها هو في نوع الوظيفة التي تحصل عليها. فتنجب الأبناء وهي لا تدرك قيمتهم ولا عظم مسؤوليتهم، وتتركهم لتربية “الصدفة” ينالون منها بعض العناية في وقت فراغها!

لقد تمكنت الآلة الإعلامية والبرامج الغربية الموجهة للمرأة من ترسيخ مفهوم التفوق والنجاح في إطار “الوظيفة والعمل خارج البيت” وأصبح تلقائيا في تعليقات النساء لدينا الحديث عن المرأة القارة في البيت إشارة للفشل والعجز، ولو كانت بالأصل خريجة جامعية واختارت هذا القرار بنفسها. إننا أمام تشويه المفاهيم!

إذا تحدثت المرأة غير المتعلمة عن مزايا القرار في البيت، هوجمت بالتخلف والجهل.

وإذا تحدثت المرأة المتعلمة الموظفة عن مساوئ القرار في البيت، أثني عليها وصفق لنجابتها وفطنتها.

وإذا أثنت المرأة المتعلمة التي اختارت القرار في البيت على هذا القرار، هوجمت وشُيطنت! القضية:: “ما يريدون لا ماتريدين أنت!”,

رحم الله نساء السلف كان صيت المرأة ينتشر لكثرة صدقاتها وحسن دينها وخلقها، لحسن تربيتها لأبنائها، تذكر أسماؤهن في حلقات العلم والجهاد، هذا ابن تلك الأم، نعم المربية! أما اليوم فقيمة المرأة في كم هو راتبها؟ وفي أي شركة تعمل؟ وكم من مزايا الوظيفة جنت ولو كان أولادها لا يصلون ولا يعرفون دينهم!

محاولة ربط التعليم والعلم بالوظيفة أكبر فخ تقع فيه المسلمة. العلم متاح ولا يعني ضرورة العمل! وحصر العلم في الوظيفة أكبر أكذوبة تتحجج بها المنافحات عن الوظيفة،

ويعلم الله أن الكثيرات منهن وبشهادات بليدات جدا.

فالعلم ليس الوظيفة بل البصيرة وحسن الفهم والأم الواعية متعلمة بالأساس وتدرك الأولويات.

أولويتك أبناؤك أيتها المسلمة! وولد صالح يدعو لك بعد وفاتك!

(وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)

قال تعالى (إِنّ هَٰؤُلَاء يُحِبُّونَ العَاجِلةَ وَيَذَرُونَ وراءَهُم يَومًا ثقيلًا)

قال ابن كثير – قالها تعالى- :”منكرا على الكفار ومن أشبههم في حب الدنيا والإقبال عليها والانصباب إليها،وترك الدار الآخرة وراء ظهورهم: (إن هؤلاء يحبون العاجلة ويذرون وراءهم يوما ثقيلا) يعني: يوم القيامة”.

تعليق سابق لي على اتصال بهذا الشأن

نساء ظُلمن

هناك نسبة كبيرة من النساء مهووسة بالعمل ومزاحمة الرجال على حساب نفسها وأسرتها. وهناك نسبة كبيرة أخرى من الرجال والأسر التي تدفع ببناتها دفعا للعمل والخروج، وتطالبهن بالمشاركة في مصاريف البيت. وهن يحلمن بالقرار في البيت، والزوج الصالح، (ويرفضن غيره) لا يتحدث عنهن إلا القلة. تصلني شكاوى لأخوات في كرب عظيم!

ثم نشاهد دعوات من قبيل لا تتزوج المرأة العاملة وبإطلاق وتعميم فيه إجحاف، ذلك أن هناك بالفعل نساء أجبرن على العمل ويتمنين أن يجدن زوجا ينتشلهن من مستنقع الجاهلية هذا، لا زوجا يغرقهن فيه، فيزيد عليهن أصحاب هذه الدعوات هما وغما. لذلك أشدد حذاري من الإطلاقات ولا بد من العدل وتمييز المضطرة من المعاندة. وشتان بينهما.

معالجة قضية المرأة بفصلها عن أسرتها وواقع الرجل في حياتها أبا وزوجا، معالجة قاصرة لا تليق بمن يريد الإصلاح، فهذه المرأة في بيت رجل فإن تزوجت دخلت بيت رجل آخر ولا يجب أن تزاح المسؤولية عن هؤلاء الرجال وتحمل المرأة التي هي بالأساس تحت ولاية الرجل كل المسؤولية ويصمت عن تقصير الآباء والأزواج.

هناك نساء قابضات على الجمر -حرفيا- في بيت رجل فاسق يتاجر بابنته، وفي أسرة تسخر من استقامتها وتدينها وتعيّشها الجحيم لتتحول لحساب بنكي يحقق لهم أحلامهم، بالمن والأذى تُحاسب على لقمة أطعموها إياها في طفولتها! فأين تذهب هذه الفتاة بين جحيم أسرة تعيش الجاهلية ودعاة يطلقون ويعممون بلا رحمة!

علينا أن نعترف أن الأسر كلها أصيبت بداء جاهلية العصر، وأن تحول النساء لما نشاهده الآن من انفلات وضياع إلا من رحم ربي ليس من صنيع المرأة لوحدها بل صنيع أسرة كاملة ساهمت في ضياعها.مع لذلك لدينا نماذج فاخرة لنساء ثابتات رغم أنهن في أسر منفلتة، فمن لهن إن لم يكن تراحم المؤمنين والمؤمنات

تصنيف كل امرأة اضطرت للعمل على أنها فاسدة ظلم ولا يليق في مجتمعات نعلم جيدا أنها تعاني من خلل عظيم لبعدها عن منظومة الإسلام العظيمة، والذي كان له تبعات لا تُعالج إلا بإعادة هذه المنظومة كاملة، فيعم العدل والأمان، أما تحميل المرأة التي تكون في مرات ضحية، كل المسؤولية، هذا من التملص من المسؤولية وظلم آخر.

قضية صلاح المرأة ترتبط بداية بعقيدتها ودينها وخلقها، فمن كانت تنشد القرار في البيت الأصل مساعدتها لا إعلان الحرب عليها ونبذها ومهاجمتها كأنها الفاسدة. ويعلم الله أن هناك أخوات مسلمات يعانين الأمرين من أب وزوج لا يصلي، ومع ذلك لا نسمع صوتا يوجه لهؤلاء! وكم من امرأة صلحت على يد رجل!

لماذا يخجل البعض من الاعتراف أن هناك بالفعل أسرا فيها الأب لا يصلي والزوج لا يسجد لله، لماذا تعامل نساء تربين في مثل هذه البيوت واستقمن رغم ذلك بالشيطنة وإعلان الحروب، قول النبي صلى الله عليه وسلم واضح “فاظفر بذات الدين” كل من أدخل شروطا لم يشترطها الإسلام كلامه يبقى رأيا شخصيا، فرج الله كرب كل مؤمنة عفيفة.

كم من طالبة جامعية آثرت البقاء في البيت والتوقف عن الدراسة، فماذا كان رد الأسرة، إعلان الحرب عليها، وتضييق العيش عليها وإجبارها على الدراسة، والأمثلة في ذلك مؤلمة جدا إذ تتأذى من أقرب الناس لها، مع ذلك حين تخرج تجد من يعايرها بالاختلاط ويصنفها بالفاسدة، فتأمل مطرقة وسندان!
العدل عظيم.


المصدر:
موقع د. ليلى حمدان

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.
اقرأ أيضا
كثرة الجدال والمراء والخصام | مرابط
اقتباسات وقطوف

كثرة الجدال والمراء والخصام


ومما أنكره أئمة السلف: الجدال والخصام والمراء في مسائل الحلال والحرام أيضا ولم يكن ذلك طريقة أئمة الإسلام وإنما أحدث ذلك بعدهم. قال بعض السلف: إذا أراد الله بعبد خيرا فتح له باب العمل وأغلق عنه باب الجدل وإذا أراد الله بعبده شرا أغلق عنه باب العمل وفتح له باب الجدل.

بقلم: ابن رجب الحنبلي
267
عن القوامة والنشوز وضوابط تعامل الزوج معه | مرابط
المرأة

عن القوامة والنشوز وضوابط تعامل الزوج معه


الله جل وعلا قد خلق كل جنس ونوع على وفق مقتضى حكمته البالغة ثم هداه لوظيفته التي تلائم ذلك الخلق ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى ومن ذلك أن الله جل وعلا خلق الرجل أقوى جسدا وأجسر قلبا وأشد تحملا للمشاق وأحسن تدبيرا وثباتا في مخاطر الحياة وأعظم تغليبا للعقل على المشاعر والانفعالات وهذا كله يؤهله لوظيفة القوامة والحفظ والحماية والرعاية والكسب.

بقلم: كريم حلمي
298
الرد على بعض شبهات الصوفية | مرابط
تفريغات

الرد على بعض شبهات الصوفية


قد تجد أهل الباطل والضلال عندهم جميع الإمكانات التي ينشرون بها ضلالهم وتجد أهل الحق ضعافا لا يملكون شيئا ومع ذلك يصل الحق إلى الناس ولا يصل الباطل بالرغم من الإمكانات لأن قوة الحق في كونه حقا بل نقذف كأن الحق قذيفة بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه الأنبياء:18

بقلم: أبو إسحق الحويني
325
حياتنا بين هموم الدنيا والآخرة الجزء الثاني | مرابط
فكر مقالات

حياتنا بين هموم الدنيا والآخرة الجزء الثاني


ثم ورث هموم الآخرة الصالحون من أمة محمد صلى الله عليه وسلم ويظهر ذلك في أمانيهم وأحلامهم وتتبع أحوالهم ومن ذلك أن عمر قال لأصحابه يوما: تمنوا فقال رجل منهم: أتمنى لو أن هذه الدار مملوءة ذهبا أنفقه في سبيل الله عز وجل فقال: تمنوا فقال رجل: أتمنى لو أنها مملوءة لؤلؤا وزبرجدا وجوهرا أنفقه في سبيل الله عز وجل وأتصدق بهثم قال: تمنوا قالوا: ما ندري ما نقول يا أمير المؤمنين قال عمر: لكني أتمنى لو أن هذه الدار مملوءة رجالا مثل أبي عبيدة بن الجراح

بقلم: د منقذ بن محمود السقار
1395
مش متدين لكنه طيب | مرابط
أباطيل وشبهات فكر تفريغات

مش متدين لكنه طيب


يناقش الدكتور إياد قنيبي العبارة الرائجة على ألسنة عوام الناس فلان مش متدين لكنه طيب في محاولة لتوضيح مفهوم التدين وكيف أنه يشمل كل خلق حميد وكل صفة حسنة وأن على المسلمين التحلي بكل هذه الصفات وإدخالها في مفهوم التدين لديهم وعدم حصره في بعض الشعائر والمظاهر فقط

بقلم: د إياد قنيبي
2059
ما أحسن الرجوع إلى الله | مرابط
تفريغات

ما أحسن الرجوع إلى الله


ما أحسن الرجوع إلى الله! كلمة عظيمة رددها أخونا فهد بن سعيد ثلاث مرات وهي كلمة ذات معنى لأنها تخرج بعد معاناة معاناة رجل عاش فترة من الزمن في ظل البعد عن الله ثم رجع إلى الله فذاق لذة الرجوع إلى الله وليس من ذاق كمن لم يذق

بقلم: سعيد بن مسفر
312