المرأة القارة في البيت: تصحيح المفاهيم

المرأة القارة في البيت: تصحيح المفاهيم | مرابط

الكاتب: د. ليلى حمدان

392 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

كل الأبواق والمنابر والقنوات تدافع عن المرأة الموظفة، وتزين حياتها وتصورها على أنها محض تفوق ونجابة، ويصفق لهم دعاة “حقوق المرأة”. فإن خرج صوت واحد يدافع عن المرأة القارة في البيت، يذكر محاسنها وميزاتها وإنجازاتها، يخرج لك هؤلاء “دعاة حقوق المرأة” ينددون ويعترضون ويهاجمون! حدثني عن الحقوق!

أكثر امرأة ظُلمت في العالم هي المرأة التي اختارت القرار في البيت والانشغال بتربية أبنائها وإصلاح بيتها، فهي أكثر النساء تعرضا للشيطنة والتحقير والبخس والتهميش! هي أكثر من يُزدرى مع أنها أهم امرأة وأكثرهن خدمة لأمتها قبل نفسها! وظلم هذه المرأة ظلم لها ولزوجها وأبنائها. وهو ظلم مركب!

لا يمكن لامرأة أن تجمع بين مشروعين متناقضين، مشروع يتطلب منها الخروج كل الوقت ومشروع يتطلب منها الرباط مع أبنائها كل الوقت! وأغلب نماذج العاملات أبناؤهن في ضعف عقدي وتربوي وخلقي واضح، والنماذج المهملة حقيقة هي لكل امرأة آثرت الانشغال بصناعة الأجيال عن خدمة ساحة العمل وجني الأموال.

من أهم أسباب الطلاق في زماننا، دخول المرأة في علاقة زوجية وفي ذهنها وقناعاتها أن وظيفتها أهم من زوجها وأبنائها، وأن نجاحها الأهم وتفوقها هو في نوع الوظيفة التي تحصل عليها. فتنجب الأبناء وهي لا تدرك قيمتهم ولا عظم مسؤوليتهم، وتتركهم لتربية “الصدفة” ينالون منها بعض العناية في وقت فراغها!

لقد تمكنت الآلة الإعلامية والبرامج الغربية الموجهة للمرأة من ترسيخ مفهوم التفوق والنجاح في إطار “الوظيفة والعمل خارج البيت” وأصبح تلقائيا في تعليقات النساء لدينا الحديث عن المرأة القارة في البيت إشارة للفشل والعجز، ولو كانت بالأصل خريجة جامعية واختارت هذا القرار بنفسها. إننا أمام تشويه المفاهيم!

إذا تحدثت المرأة غير المتعلمة عن مزايا القرار في البيت، هوجمت بالتخلف والجهل.

وإذا تحدثت المرأة المتعلمة الموظفة عن مساوئ القرار في البيت، أثني عليها وصفق لنجابتها وفطنتها.

وإذا أثنت المرأة المتعلمة التي اختارت القرار في البيت على هذا القرار، هوجمت وشُيطنت! القضية:: “ما يريدون لا ماتريدين أنت!”,

رحم الله نساء السلف كان صيت المرأة ينتشر لكثرة صدقاتها وحسن دينها وخلقها، لحسن تربيتها لأبنائها، تذكر أسماؤهن في حلقات العلم والجهاد، هذا ابن تلك الأم، نعم المربية! أما اليوم فقيمة المرأة في كم هو راتبها؟ وفي أي شركة تعمل؟ وكم من مزايا الوظيفة جنت ولو كان أولادها لا يصلون ولا يعرفون دينهم!

محاولة ربط التعليم والعلم بالوظيفة أكبر فخ تقع فيه المسلمة. العلم متاح ولا يعني ضرورة العمل! وحصر العلم في الوظيفة أكبر أكذوبة تتحجج بها المنافحات عن الوظيفة،

ويعلم الله أن الكثيرات منهن وبشهادات بليدات جدا.

فالعلم ليس الوظيفة بل البصيرة وحسن الفهم والأم الواعية متعلمة بالأساس وتدرك الأولويات.

أولويتك أبناؤك أيتها المسلمة! وولد صالح يدعو لك بعد وفاتك!

(وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)

قال تعالى (إِنّ هَٰؤُلَاء يُحِبُّونَ العَاجِلةَ وَيَذَرُونَ وراءَهُم يَومًا ثقيلًا)

قال ابن كثير – قالها تعالى- :”منكرا على الكفار ومن أشبههم في حب الدنيا والإقبال عليها والانصباب إليها،وترك الدار الآخرة وراء ظهورهم: (إن هؤلاء يحبون العاجلة ويذرون وراءهم يوما ثقيلا) يعني: يوم القيامة”.

تعليق سابق لي على اتصال بهذا الشأن

نساء ظُلمن

هناك نسبة كبيرة من النساء مهووسة بالعمل ومزاحمة الرجال على حساب نفسها وأسرتها. وهناك نسبة كبيرة أخرى من الرجال والأسر التي تدفع ببناتها دفعا للعمل والخروج، وتطالبهن بالمشاركة في مصاريف البيت. وهن يحلمن بالقرار في البيت، والزوج الصالح، (ويرفضن غيره) لا يتحدث عنهن إلا القلة. تصلني شكاوى لأخوات في كرب عظيم!

ثم نشاهد دعوات من قبيل لا تتزوج المرأة العاملة وبإطلاق وتعميم فيه إجحاف، ذلك أن هناك بالفعل نساء أجبرن على العمل ويتمنين أن يجدن زوجا ينتشلهن من مستنقع الجاهلية هذا، لا زوجا يغرقهن فيه، فيزيد عليهن أصحاب هذه الدعوات هما وغما. لذلك أشدد حذاري من الإطلاقات ولا بد من العدل وتمييز المضطرة من المعاندة. وشتان بينهما.

معالجة قضية المرأة بفصلها عن أسرتها وواقع الرجل في حياتها أبا وزوجا، معالجة قاصرة لا تليق بمن يريد الإصلاح، فهذه المرأة في بيت رجل فإن تزوجت دخلت بيت رجل آخر ولا يجب أن تزاح المسؤولية عن هؤلاء الرجال وتحمل المرأة التي هي بالأساس تحت ولاية الرجل كل المسؤولية ويصمت عن تقصير الآباء والأزواج.

هناك نساء قابضات على الجمر -حرفيا- في بيت رجل فاسق يتاجر بابنته، وفي أسرة تسخر من استقامتها وتدينها وتعيّشها الجحيم لتتحول لحساب بنكي يحقق لهم أحلامهم، بالمن والأذى تُحاسب على لقمة أطعموها إياها في طفولتها! فأين تذهب هذه الفتاة بين جحيم أسرة تعيش الجاهلية ودعاة يطلقون ويعممون بلا رحمة!

علينا أن نعترف أن الأسر كلها أصيبت بداء جاهلية العصر، وأن تحول النساء لما نشاهده الآن من انفلات وضياع إلا من رحم ربي ليس من صنيع المرأة لوحدها بل صنيع أسرة كاملة ساهمت في ضياعها.مع لذلك لدينا نماذج فاخرة لنساء ثابتات رغم أنهن في أسر منفلتة، فمن لهن إن لم يكن تراحم المؤمنين والمؤمنات

تصنيف كل امرأة اضطرت للعمل على أنها فاسدة ظلم ولا يليق في مجتمعات نعلم جيدا أنها تعاني من خلل عظيم لبعدها عن منظومة الإسلام العظيمة، والذي كان له تبعات لا تُعالج إلا بإعادة هذه المنظومة كاملة، فيعم العدل والأمان، أما تحميل المرأة التي تكون في مرات ضحية، كل المسؤولية، هذا من التملص من المسؤولية وظلم آخر.

قضية صلاح المرأة ترتبط بداية بعقيدتها ودينها وخلقها، فمن كانت تنشد القرار في البيت الأصل مساعدتها لا إعلان الحرب عليها ونبذها ومهاجمتها كأنها الفاسدة. ويعلم الله أن هناك أخوات مسلمات يعانين الأمرين من أب وزوج لا يصلي، ومع ذلك لا نسمع صوتا يوجه لهؤلاء! وكم من امرأة صلحت على يد رجل!

لماذا يخجل البعض من الاعتراف أن هناك بالفعل أسرا فيها الأب لا يصلي والزوج لا يسجد لله، لماذا تعامل نساء تربين في مثل هذه البيوت واستقمن رغم ذلك بالشيطنة وإعلان الحروب، قول النبي صلى الله عليه وسلم واضح “فاظفر بذات الدين” كل من أدخل شروطا لم يشترطها الإسلام كلامه يبقى رأيا شخصيا، فرج الله كرب كل مؤمنة عفيفة.

كم من طالبة جامعية آثرت البقاء في البيت والتوقف عن الدراسة، فماذا كان رد الأسرة، إعلان الحرب عليها، وتضييق العيش عليها وإجبارها على الدراسة، والأمثلة في ذلك مؤلمة جدا إذ تتأذى من أقرب الناس لها، مع ذلك حين تخرج تجد من يعايرها بالاختلاط ويصنفها بالفاسدة، فتأمل مطرقة وسندان!
العدل عظيم.


المصدر:
موقع د. ليلى حمدان

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.
اقرأ أيضا
قاعدة جليلة في التوكل | مرابط
اقتباسات وقطوف

قاعدة جليلة في التوكل


قاعدة جليلة في التوكل منتقاة من كتاب الفوائد لابن قيم الجوزية يعرض فيه أنواع التوكل على الله فمن الناس من يتوكل على الله في جلب حوائجه الدنيوية ومنهم من يتوكل على الله في حصول ما يحبه الله ويرضاه كما يعرض لنا مفهوم التوكل بشكل صحيح والفرق بينه وبين التواكل وحال المؤمن المتوكل على الله

بقلم: ابن القيم
1344
مناظرة فخر الدين الرازي وعالم نصراني | مرابط
مناظرات

مناظرة فخر الدين الرازي وعالم نصراني


مناظرة هامة جرت بين أحد علماء النصارى واشتهر بالذكاء والتحقيق والتمحيص والنظر وبين فخر الدين الرازي ودار الحديث حول ألوهية المسيح التي يقول بها النصارى وما يترتب على ذلك من لوازم فاسدة واستلزامات يتنزه عنها الإله جل في علاه وسنرى كيف ألزمه فخر الدين بهذه اللوازم التي تنكرها العقول والفطر السوية

بقلم: فخر الدين الرازي
2353
الطعن في كثرة أحاديث أبي هريرة | مرابط
أباطيل وشبهات تعزيز اليقين مقالات

الطعن في كثرة أحاديث أبي هريرة


من أكثر الصحابة الذين تعرضوا لسهام النقد والطعن سيدنا أبو هريرة رضي الله عنه ولا تجد منكرا للسنة إلا وهو يطعن في أبي هريرة رضي الله عنه نظرا لكثرة الأحاديث التي رواها وتفرغه لرواية السنة النبوية وهذا مما يغيظهم ويبدو أن المستشرقين تلقفوا هذه السهام وزادوها حدة وتبعهم من تبعهم من أهل الأهواء أمثال محمود أبو رية وفي هذا المقال يرد الكاتب محمد أبو شهبة على الأباطيل التي أثارها فيما يخص كثرة روايات أبي هريرة

بقلم: محمد أبو شهبة
2557
هكذا يفعلون بتاريخنا | مرابط
فكر

هكذا يفعلون بتاريخنا


أدرك أعداء الإسلام أن الجيل المسلم يحب أن يكون له جذور يعتز بها ويحن إلى أمجادها لذا لم يكتفوا بتشويه القدوات المعاصرة بل عادوا إلى التاريخ فتعاملوا معه ب: 1 الحرق 2 التجهيل 3 التشويه حرق المكتبات وتجهيل النشء بالماضي وتشويه ما يعرفونه عنه

بقلم: د إياد قنيبي
2257
لماذا أنتم تعانون من فوبيا الجنس؟! | مرابط
أباطيل وشبهات

لماذا أنتم تعانون من فوبيا الجنس؟!


من احتجاجات الاختلاطيين كثرة قولهم: لماذا تعانون من هذا التشكك والارتياب وبث القلق من نشوء العلاقات المحرمة؟ لماذا تتوهمون أن الناس مهجوسين بالجنس بهذا الشكل؟ لماذا ننظر للمرأة على أنها كائن جنسي؟ لماذا لاتنظرون للأمور نظرة طمأنينة وثقة؟! .. بين يديكم الرد على هذه الشبهات المتكررة على ألسنة العلمانيين ومؤيدي الاختلاط

بقلم: إبراهيم السكران
415
الهجرة النبوية دروس وعبر | مرابط
تعزيز اليقين مقالات

الهجرة النبوية دروس وعبر


لقد كانت الهجرة النبوية الشريفة من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة انطلاقة جديدة ونقلة نوعية هامة في مسيرة الإسلام وإعزازا لدين الله تعالى وفاتحة خير ونصر وبركة على الإسلام والمسلمين لذا فإن دروس الهجرة الشريفة لا تنتهي ولا ينقطع مداها وفي المقال نقف على بعض الدروس الهامة خلال هذه الهجرة

بقلم: د بدر عبد الحميد هميسه
1354