النسبوية وما بعد الحداثة الجزء الثاني

النسبوية وما بعد الحداثة الجزء الثاني | مرابط

الكاتب: عمرو عبد العزيز

2323 مشاهدة

تم النشر منذ 3 سنوات

ويتبقي نقاش أخير:

 

- إن الإيمان بالنسبوية، هو وهم، متناقض، نعاين أثره كل يوم: فالذي يؤمن بنسبوية الحق والأخلاق والقيم والأديان، وبأن إيمانك بمعيار ونموذج تحاكم إليه الناس هو خطأ وتعصب وانغلاق =يعتبرك ضالا مضلًا، لأنك تخالف معياره الذي لا يوجد فيه حق مطلق ولا صواب مطلق ولا معيار أبدي للمعرفة!

 

إذن هو نفسه يملك معيارا يقيس سلوكك وعقائدك عليه، فإن خالفته هاجمك وآمن بأنك من المفسدين! هو نفسه يؤمن بوجود النهي عن المنكر الذي تصنعه بسلوكك الناتج عن عقيدتك وإيمانك وأصوليتك المتطرفة، وأمرك بالمعروف الذي هو الصواب الإنسانوي من وجهة نظره ومعياره، ودعوتك إلى اتباع مذهبه النسوي، وعدم الرضا عن مذهبك اليقيني الدوغمائي!

 

ذاك التناقض الذي لا يرتفع هو أشهر ما يواجه النسبية ويُذيبها في لحظة، ولا مفر منه! فالنسبوية تضع هي ذاتها معيارا تحاكم إليه الناس! وإن شئت الصدق أكثر، قلت أن النسبوية غير موجودة في الواقع على التحقيق، وليست إلا آلة فلسفية موطِّئة لتمكين فلسفة مضادة عن طريق تفكيك سابقتها..

 

فلا توجد نسبوية في القوانين مثلا، بل التشريعات ملزمة، ولا حق لأحد أن يطلب الإفلات من العقاب مثلا في ولاية أمريكية، لأنه تزوج بقاصر، حتى إن كانت الولاية التي ينتمي إليها لا تمنع ذلك. فلكل ولاية تشريعاتها الملزمة والتي يجب على المقيم فيها احترامها وإن لم يؤمن بها.

 

مآلات أخرى للنسبوية

 

-ويُلزم تطبيق النسبوية اللوطي بتناقضات أشنع، عند تطبيقها في كافة المجالات، وقد حدث هذا في حالات ننتقي منها ثلاثة فقط، لندرك حجم سُخف ذلك الزعم 

 

1- في الولايات المتحدة الأمريكية، قام شخص أبيض يدعى Jadu بتعريف نفسه أنه (ترانس راسيال/عابر للعرق) مؤكدًا أنه أعاد تعريف عرقه ليصبح فيليبينيا، وله مجموعة مؤيّدة مشابهة تُنكر العرق الذي ولدت به، وتؤكد أنها أعادت تعريف عرقها وتحديد هويّته ليصبح عرقًا آخر، وبناء على أساس الهوى المحض والراحة الشخصية لا غير، فقد سمع (جا) عن الأكل الفليبيني، وعادات الفليبينيين، وقرر أنه سيصبح من العرق الفليبيني، بناء على هذا!

 

وقد كان (جا) مسبوقًا بامرأة بيضاء، هي Rachel Dolezal التي ظلت لعشر سنوات تُعرّف نفسها بأنها (امرأة سوداء) لا بيضاء، داعية المجتمع إلى الاعتراف بالترانسراسيال، كما اعترفوا بالترانسجندر (الخناث) 

 

2- ولنتوقف لحظة عند حديث رتشيل، الرئيسة السابقة لإحدى المنظمات الحقوقية المساندة للسود، فهي أكثر تماسكا من الترانس (جا). تقول للصحافة: إن الجندر ليس ثنائيًا (ذكر وأنثى) بل ليس حتى بيولوجيا (بناء على العضور الجنسي).. أما ما صدمني حقًا، هو أن العرق أيضًا ليس بيولوجيًا! إن ما أدعو إليه هو أن يكون العرق سائلًا هو الآخر Racial fluid، بنفس الطريقة التي سُمح بها للجندر أن يكون سائلًا Gender fluid.

 

ولرتشيل منطق: فالعرق حقا مفهوم أكثر سيولة من الناحية البيولوجية من الجندر، وما دمنا قد أسلنا الجندر وقبلنا بهذا فلماذا نرفض نفس الأمر مع العرق؟!

 

تقول رتشيل: إن العرق كذبة، إذا كيف نكذب حول كذبة"؟!

 

3- إميل راتلباند، عجوز في التاسعة والتسعين مفتون بالتفكير الإيجابي، قام برفع قضية لتخفيض عشرين عاما من عمره دفعة واحدة.
يقول إميل: إ،نا نعيش في زمن يمكن فيه تغيير الاسم والجندر، فما الذي يمنع تغيير العمر أيضًا؟!

 

التزام اللوازم

 

- ما الذي يجمع تلك الحالات كافة؟! إنه إنكار محسوس مشاهد بمحض الهوى والإحساس الداخلي، تماما كما يفعل الخناث اللوطيون، فلماذا يُنكر الناس التزام اللوازم؟ أليست النسبوية هي الحق، والإحساس الداخلي للإنسان هو فقط المحدد لأول عناصر تكوين هويته في تلك الدنيا وأشدها وضوحًا، ألا وهو العنصر الجنسي، فما معنى التعصب ضد النسبوية في العمر والعرق كذلك؟

 

بل إن مفاهيم العمر والعرق أقل وضوحًا وأكر نسبية من العنصر البيولوجي الجنسي؛ وإن كان الجنس هو أكذوبة مجتمعية وتاريخية كبرى، فلماذا لا يكون العمر والعرق كذلك؟

 

آفاق جديدة من النوع

 

إن هذا سيدعونا إلى آفاق جديدة من التنوع: فلماذا لا تنفصل الدول في تعريف الإنسان ذاته، فيعرّف أحدهم نفسه بأنه سمكة أو طائر لقلق؟ إن لجأنا للعلم فالتشريح لا يعترف بغير النوعين مع وجود حالة ثالثة مركبة فيها خلل وهي الخنثى، فلا يمكن التحجج بالعلم، ولن يبقى إلا الفكر والنفس = وهنا لا يصبح هناك معنى لمنع من يعرف نفسه بأنه سمكة أو طائر لقلق!

 


 

المصدر:

  1. عمرو عبد العزيز، دين المؤتفكات، ص33
تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.
اقرأ أيضا
من مكايد الشيطان: الفتنة بالقبور وأهلها ج2 | مرابط
أباطيل وشبهات مقالات

من مكايد الشيطان: الفتنة بالقبور وأهلها ج2


مقال تأصيلي محكم حول مسألة القبور والأضرحة وما وقع فيه عوام المسلمين من المفاسد العظيمة في تعظيم هذه القبور والتمسح بها والدعاء عندها والصلاة إليها بل وحتى الحج إليها واعتقاد أن أصحابها يملكون نفعا وضرا وسعادة وشقاء وعزة وذلا وغير ذلك من الأمور التي لا يملكها إلا الله وحده.. وهذا التأصيل مقتطف من كتاب إغاثة اللهفان لابن القيم وفيه رد على كل الشبهات المحيطة بهذا الموضوع وتبيين للعقيدة الصحيحة في هذا الباب.

بقلم: ابن القيم
516
هل القرآن منقول من الكتاب المقدس ج1 | مرابط
أباطيل وشبهات تعزيز اليقين

هل القرآن منقول من الكتاب المقدس ج1


يقول المشككون أهل الباطل أن القرآن منحول عن الكتاب المقدس في كثير من معارفه ونصوصه التي شابهت ما في الكتاب المقدس من أخبار السابقين وبين يديكم مقال تفصيلي في الرد على هذه الفرية يقف فيها الكاتب الدكتور منقذ السقار على حقائق الإيمان بين القرآن والكتاب المقدس وقصص الأنبياء وأخبار الأمم السابقة في الكتابين وكذلك الأحكام التشريعية بين القرآن والكتاب المقدس لندرك حقيقة الأمر وندرك الباطل الذي بنيت عليه هذه الشبهة

بقلم: د منقذ السقار
1829
تسليع المرأة في الغرب | مرابط
فكر تفريغات المرأة

تسليع المرأة في الغرب


عامة النساء أصبحن يرين أنفسهم كسلع جنسية للرجال وأن الإعلام يكرس هذه النظرة والمجتمع يكرسها وحتى الvideo games تكرسها وأن أجساد النساء تعرض للدعاية وكديكور وأن هذا يؤدي إلى العناية المفرطة من بعض النساء بأشكالهن وإمضاء أوقات طويلة أمام المرآة ويؤدي إلى أمراض نفسية لدى بعضهم بالإصابة بالخزي من أجسادهن

بقلم: د إياد قنيبي
1011
مناظرة ابن عباس مع الخوارج | مرابط
مناظرات

مناظرة ابن عباس مع الخوارج


كان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه حريصا على رجوع الخوارج إلى جماعة المسلمين فربما أنهم انحازوا عن صفوص المسلمين لشبهة أو شيء أشكل عليهم ومن هنا قرر أن يرسل إليهم ابن عباس رضي الله عنهما ليناظرهم ويجلي لهم الحق وهو ما حدث فعلا وفي هذا المقال نص المناظرة التي دارت بينه وبينهم والشبه التي ألقوها عليه ورده رضي الله عنه عليها

بقلم: النسائي
4129
الساعة الخامسة والسابعة صباحا | مرابط
تعزيز اليقين

الساعة الخامسة والسابعة صباحا


في الساعة الخامسة صباحا والتي تسبق تقريبا خروج صلاة الفجر عن وقتها تجد طائفة موفقة من الناس توضأت واستقبلت بيوت الله تتهادى بسكينه لأداء صلاة الفجر إما تسبح وإما تستاك في طريقها بينما أمم من المسلمين أضعاف هؤلاء لا يزالون في فرشهم بل وبعض البيوت تجد الأم والأب يصلون ويدعون فتيان المنزل وفتياته في سباتهم وما إن تأتي الساعة السابعة -والتي يكون وقت صلاة الفجر قد خرج- وبدأ وقت الدراسة والدوام إلا وتتحول الرياض وكأنما أطلقت في البيوت صافرات الإنذار حركة موارة وطرقات تتدافع ومتاجر يرتطم الناس فيه...

بقلم: إبراهيم السكران
1834
هل يحق للنسويات انتقاد وضع المرأة في الإسلام؟ | مرابط
النسوية

هل يحق للنسويات انتقاد وضع المرأة في الإسلام؟


وأما النسوية الليبرالية فليس لها أيضا انتقاد مكانة المرأة ولا أحكامها في الإسلام لأن الليبرالية تقرر نسبية الحقيقة أي الحق عندي ليس بالضرورة هو كذلك عندك وهذه سفسطة يقررها عامة الليبراليين يقول راسل: إن الفيلسوف الليبرالي لا يقول: هذا حق بل يقول في مثل هذه الظروف: يبدو لي أن هذا الرأي أصح من غيره

بقلم: حمود بن ثامر
428