النسبوية وما بعد الحداثة الجزء الثاني

النسبوية وما بعد الحداثة الجزء الثاني | مرابط

الكاتب: عمرو عبد العزيز

2212 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

ويتبقي نقاش أخير:

 

- إن الإيمان بالنسبوية، هو وهم، متناقض، نعاين أثره كل يوم: فالذي يؤمن بنسبوية الحق والأخلاق والقيم والأديان، وبأن إيمانك بمعيار ونموذج تحاكم إليه الناس هو خطأ وتعصب وانغلاق =يعتبرك ضالا مضلًا، لأنك تخالف معياره الذي لا يوجد فيه حق مطلق ولا صواب مطلق ولا معيار أبدي للمعرفة!

 

إذن هو نفسه يملك معيارا يقيس سلوكك وعقائدك عليه، فإن خالفته هاجمك وآمن بأنك من المفسدين! هو نفسه يؤمن بوجود النهي عن المنكر الذي تصنعه بسلوكك الناتج عن عقيدتك وإيمانك وأصوليتك المتطرفة، وأمرك بالمعروف الذي هو الصواب الإنسانوي من وجهة نظره ومعياره، ودعوتك إلى اتباع مذهبه النسوي، وعدم الرضا عن مذهبك اليقيني الدوغمائي!

 

ذاك التناقض الذي لا يرتفع هو أشهر ما يواجه النسبية ويُذيبها في لحظة، ولا مفر منه! فالنسبوية تضع هي ذاتها معيارا تحاكم إليه الناس! وإن شئت الصدق أكثر، قلت أن النسبوية غير موجودة في الواقع على التحقيق، وليست إلا آلة فلسفية موطِّئة لتمكين فلسفة مضادة عن طريق تفكيك سابقتها..

 

فلا توجد نسبوية في القوانين مثلا، بل التشريعات ملزمة، ولا حق لأحد أن يطلب الإفلات من العقاب مثلا في ولاية أمريكية، لأنه تزوج بقاصر، حتى إن كانت الولاية التي ينتمي إليها لا تمنع ذلك. فلكل ولاية تشريعاتها الملزمة والتي يجب على المقيم فيها احترامها وإن لم يؤمن بها.

 

مآلات أخرى للنسبوية

 

-ويُلزم تطبيق النسبوية اللوطي بتناقضات أشنع، عند تطبيقها في كافة المجالات، وقد حدث هذا في حالات ننتقي منها ثلاثة فقط، لندرك حجم سُخف ذلك الزعم 

 

1- في الولايات المتحدة الأمريكية، قام شخص أبيض يدعى Jadu بتعريف نفسه أنه (ترانس راسيال/عابر للعرق) مؤكدًا أنه أعاد تعريف عرقه ليصبح فيليبينيا، وله مجموعة مؤيّدة مشابهة تُنكر العرق الذي ولدت به، وتؤكد أنها أعادت تعريف عرقها وتحديد هويّته ليصبح عرقًا آخر، وبناء على أساس الهوى المحض والراحة الشخصية لا غير، فقد سمع (جا) عن الأكل الفليبيني، وعادات الفليبينيين، وقرر أنه سيصبح من العرق الفليبيني، بناء على هذا!

 

وقد كان (جا) مسبوقًا بامرأة بيضاء، هي Rachel Dolezal التي ظلت لعشر سنوات تُعرّف نفسها بأنها (امرأة سوداء) لا بيضاء، داعية المجتمع إلى الاعتراف بالترانسراسيال، كما اعترفوا بالترانسجندر (الخناث) 

 

2- ولنتوقف لحظة عند حديث رتشيل، الرئيسة السابقة لإحدى المنظمات الحقوقية المساندة للسود، فهي أكثر تماسكا من الترانس (جا). تقول للصحافة: إن الجندر ليس ثنائيًا (ذكر وأنثى) بل ليس حتى بيولوجيا (بناء على العضور الجنسي).. أما ما صدمني حقًا، هو أن العرق أيضًا ليس بيولوجيًا! إن ما أدعو إليه هو أن يكون العرق سائلًا هو الآخر Racial fluid، بنفس الطريقة التي سُمح بها للجندر أن يكون سائلًا Gender fluid.

 

ولرتشيل منطق: فالعرق حقا مفهوم أكثر سيولة من الناحية البيولوجية من الجندر، وما دمنا قد أسلنا الجندر وقبلنا بهذا فلماذا نرفض نفس الأمر مع العرق؟!

 

تقول رتشيل: إن العرق كذبة، إذا كيف نكذب حول كذبة"؟!

 

3- إميل راتلباند، عجوز في التاسعة والتسعين مفتون بالتفكير الإيجابي، قام برفع قضية لتخفيض عشرين عاما من عمره دفعة واحدة.
يقول إميل: إ،نا نعيش في زمن يمكن فيه تغيير الاسم والجندر، فما الذي يمنع تغيير العمر أيضًا؟!

 

التزام اللوازم

 

- ما الذي يجمع تلك الحالات كافة؟! إنه إنكار محسوس مشاهد بمحض الهوى والإحساس الداخلي، تماما كما يفعل الخناث اللوطيون، فلماذا يُنكر الناس التزام اللوازم؟ أليست النسبوية هي الحق، والإحساس الداخلي للإنسان هو فقط المحدد لأول عناصر تكوين هويته في تلك الدنيا وأشدها وضوحًا، ألا وهو العنصر الجنسي، فما معنى التعصب ضد النسبوية في العمر والعرق كذلك؟

 

بل إن مفاهيم العمر والعرق أقل وضوحًا وأكر نسبية من العنصر البيولوجي الجنسي؛ وإن كان الجنس هو أكذوبة مجتمعية وتاريخية كبرى، فلماذا لا يكون العمر والعرق كذلك؟

 

آفاق جديدة من النوع

 

إن هذا سيدعونا إلى آفاق جديدة من التنوع: فلماذا لا تنفصل الدول في تعريف الإنسان ذاته، فيعرّف أحدهم نفسه بأنه سمكة أو طائر لقلق؟ إن لجأنا للعلم فالتشريح لا يعترف بغير النوعين مع وجود حالة ثالثة مركبة فيها خلل وهي الخنثى، فلا يمكن التحجج بالعلم، ولن يبقى إلا الفكر والنفس = وهنا لا يصبح هناك معنى لمنع من يعرف نفسه بأنه سمكة أو طائر لقلق!

 


 

المصدر:

  1. عمرو عبد العزيز، دين المؤتفكات، ص33
تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.
اقرأ أيضا
ولا يبدين زينتهن | مرابط
تفريغات المرأة

ولا يبدين زينتهن


قول الله جل وعلا: ولا يبدين زينتهن النور:31 في نهي الله جل وعلا عن إبداء الزينة جاءت الزينة في هذه الآية في موضعين: الموضع الأول في النهي والموضع الثاني في الاستثناء إلا ما ظهر منها أمر الله جل وعلا بعدم إبداء الزينة وفي قوله جل وعلا: إلا ما ظهر منها النور:31

بقلم: عبد العزيز الطريفي
574
عوامل الصعود اللوطي الجزء الثاني | مرابط
مقالات الجندرية

عوامل الصعود اللوطي الجزء الثاني


تستند الموجة اللوطية الجديدة على عدد من العوامل في صعودها السريع وانتشارها الملحوظ في بعض المجتمعات ومن أبرز هذه العوامل: التقدم الطبي الذي أتاح للشواذ واللوطيين إجراء تعديلات جسدية وتجميلية وظاهرية موافقة للميول الجندرية الجديدة وكذلك الإتخام الجنسي وإتاحته بكل الصور في كل مكان عبر الشبكة مثلا أحدث نوعا من الملل والتخمة لدى مشاهدي ومدمني البورنو وهو كا دفعهم إلى أشكال جديدة من الجنس مثل اللوطية وفي هذا المقال يناقش الكاتب عمرو عبد العزيز هذه العوامل وغيرها بشكل موجز

بقلم: عمرو عبد العزيز
2111
دور الحملة الفرنسية | مرابط
تاريخ

دور الحملة الفرنسية


إذا طالعت الكتب الدراسية التي تقدم للتلاميذ والطلاب في بلادنا ووقفت على ذكر الحملة الفرنسية فيها فلا بد أن يمر عليك ما يطلق عليه مآثر الحملة الفرنسية أو ربما مساهمات الحملة الفرنسية في تحقيق التقدم والرخاء للمجتمع المصري أو انتشاله من ظلمات الضياع والجهل وغير ذلك من العبارات التي قد توصف بها المساهمة العظيمة للحملة الفرنسية في مصر وبالطبع ستجد حديثا طويلا حول المطابع العلمية التي جاء بها نابليون إلى بلادنا وكيف أفادتنا وحققت طفرة ونقلة ضخمة على المستوى العلمي لبلادنا وكذلك البعثة العلمية ال

بقلم: الأستاذ محمد قطب
3631
الوقت وقراءة القرآن | مرابط
اقتباسات وقطوف

الوقت وقراءة القرآن


تجد بعضنا حين ينشر المصحف بين يديه ليتلو شيئا من القرآن يدب إليه بعد هنيهة استطالة الزمن فلا يمضي ربع ساعة إلا وتراه تارة يعد الصفحات المتبقية على نهاية الجزء؟ وتارة ينظر إلى الساعة كم مضى وكم بقي؟ وتارة يفكر في أشغال يرى أنه أجلها وأنها عذر لقطع التلاوة أو أنه بحاجة لقسط من الراحة والنوم.

بقلم: إبراهيم السكران
288
حاضر العالم الإسلامي | مرابط
فكر مقالات مناقشات

حاضر العالم الإسلامي


رغم التطورات التكنولوجية الجديدة في عالمنا المعاصر إلا أن الأمة الإسلامية تزداد بعدا وتفرقا وتشتتا ويزداد المسلمون شقاقا وخلافا فيما بينهم وقلما تجد مسلما يعرف شيئا كبيرا من أخبار إخوانه وجيرانه المسلمين وهذا بجانب ما ضربته وفرضته الحدود من شقاق فوق الشقاق القائم فصار المسلمون متشرذمون متباعدون لا يجمعهم الدين كما كان سابقا وفي المقال يتحدث العلامة محمود شاكر عن هذا الأمر من وحي كتاب حاضر العالم الإسلامي

بقلم: محمود شاكر
2358
إقناع العقل وإمتاع العاطفة | مرابط
تعزيز اليقين

إقناع العقل وإمتاع العاطفة


وفي النفس الإنسانية قوتان: قوة تفكير وقوة وجدان وحاجة كل واحدة منهما غير حاجة أختها فأما إحداهما فتنقب عن الحق لمعرفته وعن الخير للعمل به وأما الأخرى فتسجل إحساسها بما في الأشياء من لذة وألم والبيان التام هو الذي يوفي لك هاتين الحاجتين ويطير إلى نفسك بهذين الجناحين فيؤتيها حظها من الفائدة العقلية والمتعة الوجدانية معا

بقلم: محمد عبد الله دراز
563