إن النفس لا تخلو عن الشعور والإرادة، بل هذا الخلو ممتنع فيها. فإن الشعور والإرادة من لوازم حقيقتها، ولا يتصور أن تكون النفس إلا شاعرة مريدة، ولا يجوز أن يقال: إنها قد تخلو من حق الخلق تعالى عن الشعور بوجوده، وعدمه، وعن محبته، وعدم محبته. وحينئذ فلا يكون الإقرار به ومحبته من لوازم وجودها، ولو لم يكن لها معارض، بل هذا باطل.
وذلك أن النفس لها مطلوب مراد بضرورة فطرتها، وكونها مريدة من لوازم ذاتها، لا يتصور أن تكون نفس الإنسان غير مريدة. ولهذا قال -صلى الله عليه وسلم "أصدق الأسماء: الحارث وهمام"، وهي حيوان، وكل حيوان متحرك بالإرادة، فلا بد لها من حركة إرادية، وإذا كان كذلك فلا بد لكل مريد من مراد، والمراد إما أن يكون مرادا لنفسه أو لغيره، والمراد لغيره لا بد أن ينتهي إلى مراد لنفسه، فيمتنع أن تكون جميع المرادات مرادات لغيرها، فإن هذا تسلسل في العلل الغائية، وهو ممتنع، كامتناع التسلسل في العلل الفاعلية، بل أولى.
وإذا كان لا بد للإنسان من مراد لنفسه فهذا هو الإله الذي يألهه القلب، فإذن لا بد لكل عبد من إله، فعُلم أن العبد مفطور على أن يحب إلهه.
المصدر:
ابن تيمية، در تعارض العقل والنقل، 8/464