الهجرة النبوية نقطة تحول في التاريخ الإنسان ج4

الهجرة النبوية نقطة تحول في التاريخ الإنسان ج4 | مرابط

الكاتب: علي الصلابي

810 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

20 – الهجرة تضحيةٌ عظيمةٌ في سبيل الله:

كانت هجرة النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه من البلد الأمين تضحيةً عظيمةً، عبَّر عنها النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بقوله: «والله! إنك لخير أرض الله، وأحبُّ أرض الله إلى الله، ولولا أنِّي أُخرِجت منك ما خرجتُ» [أحمد (4/305) والترمذي (3925) وابن ماجه (3108)].

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: لـمَّا قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة؛ قدمها، وهي أوبأ أرض الله من الحمَّى، وكان واديها يجري نجلًا – يعني ماءً آجنًا – فأصاب أصحابَه منها بلاءٌ، وسقمٌ، وصرف الله ذلك عن نبيِّه، قالت: فكان أبو بكر، وعامر بن فهيرة، وبلال، في بيتٍ واحدٍ، فأصابتهم الحمَّى، فاستأذنتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم في عيادتهم، فأذن، فدخلت إليهم أعودهم، وذلك قبل أن يضرب علينا الحجاب، وبهم ما لا يعلمه إلا الله من شدَّة الوعك، فدنوت من أبي بكرٍ، فقلت: يا أبتِ كيف تجدُك؟ فقال:

كلُّ امْرِئ مُصَبَّحٌ فِي أَهْلِهِ    والمَوْتُ أَدْنَى مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ

قالت: فقلت: والله! ما يدري أبي ما يقول، ثم دنوت من عامر بن فهيرة، فقلت: كيف تجدُك يا عامر؟! فقال:

لَقَدْ وَجَدْتُ المَوْتَ قَبْلَ ذَوْقِهِ     إنَّ الجَبَانَ حَتْفُهُ مــنْ فَوْقِهِ

كُلُّ امْـــــــرِئ مُجَـــــــــاهِدٌ بِطَـــــــــــوْقِهِ     كالثَّوْرِ يَحْمِي جِلْدَهُ بِرَوْقِهِ

 قالت: فقلت: والله! ما يدري عامر ما يقول. قالت: وكان بلال إذا أقلع عنه الحمَّى، اضطجع بفناء البيت، ثمَّ يرفع عقيرته، ويقول:

ألا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَبِيْتَنَّ لَيْلَةً     بِــــــوَادٍ وَحَوْلِي إِذْخِـــــــرٌ وجَـــــلِيْلُ

وهَـــــــلْ أَرِدَنْ يَوْمـــــًا مِيَاهَ مَجَـــــــــنَّةٍ     وَهَلْ يَبْدُوَنْ لِي شامَةٌ وَطَفِيْلُ

قالت: فأخبرت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بذلك، فقال: «اللهمَّ! حبِّبْ إلينا المدينة، كما حببت إلينا مكَّة، أو أشدَّ، وانقل حُمَّاها إلى الجُحْفَةِ. اللَّهمَّ! باركْ لنا في مُدِّنا، وصاعنا» [البخاري (1889) ومسلم (1376)]. وقد استجاب الله دعاء نبيِّه صلى الله عليه وسلم، وعُوفي المسلمون بعدها من هذه الحمَّى، وغدت المدينة موطنًا ممتازًا لكلِّ الوافدين، والمهاجرين إليها، من المسلمين على تنوُّع بيئاتهم، ومواطنهم.

 

21 – مكافأة النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم لأمِّ معبد:

وقد روي: أنَّها كثرت غنمها، ونمت؛ حتَّى جلبت منها جَلَبًا إلى المدينة، فمرَّ أبو بكر، فرآه ابنها فعرفه، فقال: يا أُمَّه! هذا هو الرَّجل الَّذي كان مع المبارك.

فقامت إليه فقالت: يا عبد الله! مَنِ الرَّجل الَّذي كان معك؟ قال: أو ما تدرين من هو؟! قالت: لا! قال: هو نبيُّ الله، فأدخلها عليه، فأطعمها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وأعطاها، وفي روايةٍ: فانطلقت معي، وأهدت لرسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا من أقطٍ، ومتاع الأعراب، فكساها، وأعطاها، قال: ولا أعلمه إلا قال: وأسلمت، وذكر صاحب (الوفاء): أنَّها هاجرت هي وزوجها، وأسلم أخوها خُنَيْس، واستشهد يوم الفتح.

 

22 – أبو أيُّوبٍ الأنصاريُّ رضي الله عنه ومواقف خالدة:

قال أبو أيوب الأنصاريُّ رضي الله عنه: «لـمَّا نزل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي؛ نزل في السُّفْل، وأنا وأمُّ أيوبٍ في العُلْو، فقلت له: يا نبيَّ الله – بأبي أنت، وأمي! إنِّي لأكره وأُعْظِمُ أن أكون فوقك، وتكون تحتي، فاظْهَرْ أنت، فكن في العلوِّ، وننزل نحن فنكون في السُّفل، فقال: يا أبا أيوب! إنَّ أرفق بنا، وبمن يغشانا أن نكون في سُفْل البيت.

قال: فلقد انكسر حُبٌّ لنا فيه ماءٌ، فقمت أنا، وأمُّ أيوب بقطيفة لنا، مالنا لحاف غيرها، ننشِّفُ بها الماء؛ تخوفًا أن يقطر على رسول الله صلى الله عليه وسلم منه شيءٌ، فيؤذيه» [ابن هشام (2/144)].

 

23 – هجرة عليٍّ رضي الله عنه وأمره بالمعروف، ونهيه عن المنكر في المجتمع الجديد:

بعد أن أدَّى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمانات الَّتي كانت عنـده للنَّـاس لحـق برسول الله صلى الله عليه وسلم، وأدركه بقُباء بعد وصوله بليلتين، أو ثلاثٍ، فكانت إقامته بقُباء ليلتين، ثمَّ خرج مع النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم إلى المدينة يوم الجمعة، وقد لاحظ سيِّدنا عليٌّ مدَّة إقامته بقُباء امرأةً مسلمة لا زوج لها، ورأى إنسانًا يأتيها من جوف اللَّيل، فيضرب عليها بابها، فتخرج إليه، فيعطيها شيئًا معه، فتأخذه، قال: فاستربت بشأنه، فقلت لها: يا أمةَ الله! مَنْ هذا الرجل الذي يضرب عليك بابك كلَّ ليلةٍ فتخرجين إليه، فيعطيك شيئًا لا أدري ما هو! وأنت امرأةٌ مسلمةٌ لا زوج لك؟ قالت: هذا سهلُ بن حُنيف، قد عرف أني امرأةٌ لا أحد لي، فإذا أمسى عدا على أوثان قومه، فكسرها، ثمَّ جاءني بها، فقال: احتطبي بهذا، فكان عليٌّ رضي الله عنه يأثر ذلك من أمر سهل بن حنيف، حين هلك عنده بالعراق.

 

24 – الهجرة النَّبويَّة نقطة تحوُّلٍ في تاريخ الحياة:

«كانت الهجرة النَّبويَّة من مكَّة المشرَّفة إلى المدينة المنوَّرة أعظم حدثٍ حوَّل مجرى التَّاريخ، وغيَّر مسيرة الحياة، ومناهجها؛ التي كانت تحياها، وتعيش محكومةً بها في صورة قوانين، ونظمٍ، وأعرافٍ، وعاداتٍ، وأخلاقٍ، وسلوكٍ للأفراد والجماعات، وعقائد، وتعبُّداتٍ، وعلمٍ، ومعرفةٍ، وجهالةٍ، وسفه، وضلالٍ، وهدًى، وعدلٍ، وظلمٍ».

 

25 – الهجرة من سنن الرُّسل الكرام:

إنَّ الهجرة في سبيل الله سنَّةٌ قديمة، ولم تكن هجرة نبيِّنا محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم بدعًا في حياة الرُّسل لنصرة عقائدهم، فلئن كان قد هاجر من وطنه، ومسقط رأسه من أجل الدَّعوة حفاظًا عليها، وإيجادًا لبيئةٍ خصبةٍ تتقبلها، وتستجيب لها، وتذود عنها؛ فقد هاجر عددٌ من إخوانه من الأنبياء قبله من أوطانهم؛ للأسباب نفسها، التي دعت نبيَّنا للهجرة. وذلك: أنَّ بقاء الدَّعوة في أرضٍ قاحلةٍ لا يخدمها؛ بل يعوق مسارها، ويشلُّ حركتها، وقد يعرضها للانكماش داخل أضيق الدوائر، وقد قصَّ علينا القرآن الكريم نماذج من هجرات الرُّسل، وأتباعهم من الأمم الماضية؛ لتبدو لنا في وضوحٍ سنَّةٌ من سنن الله في شأن الدَّعوات، يأخذ بها كلُّ مؤمن من بعدهم؛ إذا حيل بينه وبين إيمانه، وعزَّته، واستُخفَّ بكيانه، ووجوده، واعتُدِيَ على مروءته وكرامته.

هذه بعض الفوائد، والعبر، والدروس، وأترك للقارئ الكريم أن يستخرج غيرها، ويستنبط سواها من الدُّروس، والعبر، والفوائد الكثيرة النَّافعة من هذا الحدث العظيم.

 


 

المصدر:

الموقع الرسمي للدكتور علي الصلابي

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#السيرة-النبوية
اقرأ أيضا
المدنية المادية وهل أفلست في إسعاد البشرية | مرابط
فكر

المدنية المادية وهل أفلست في إسعاد البشرية


أجمع العقلاء بعد ما بلوا هذه المدنية المادية وابتلوا بها أنها قد أفلست في إسعاد البشرية وذهبوا في تعليل ذلك مذاهب شتى أقربها إلى الصواب أن تلك المدنية إنما أفلست لأنها فقدت أهم العناصر للوصول إلى هذه الغاية وهو العنصر الروحي أو عنصر الدين فالمدنية إن لم تنتظم هذا العنصر فلن تصل إلى غايتها أبدا ذلك أن الدين يطهر النفوس من الأدران والأضغان ويكسر شرة الأطماع ويحرم التطاول والطغيان ويزيل الفوارق بين الأجناس والألوان وينظم العلاقات بين الأفراد والجماعات ويقيمها على أسس العدل والمحبة والتعاون

بقلم: أبو الوفا المراغي
7710
إنه الله | مرابط
تعزيز اليقين فكر مقالات الإلحاد

إنه الله


حوار ماتع يدور بين متشكك ومتيقن الأول هو أبو الحكم والثاني هو الكاتب حسام الدين حامد وفي هذا المقال المقتطف من كتابه المفيد لا أعلم هويتي يدور الحديث حول عناية الله سبحانه وتعالى بالإنسان ويعرض لنا الكاتب الكثير من الأدلة التي تشير إلى وجود الله وإلى كماله وحكمته وأنه لم يترك الإنسان هملا وهذه الأدلة ليست بعيدة عن الإنسان بل هي من داخل جسده

بقلم: د حسام الدين حامد
2091
مسائل في الحجاب | مرابط
تفريغات المرأة

مسائل في الحجاب


في هذا التفريغ جملة من المسائل مما اتفق عليه العلماء فيما يخص الحجاب مثل الأمر مجملا بالتعفف والاستتار ولون اللباس الذي تلبسه المرأة وأقوال العلماء في كشف شعر المرأة وحكم النقاب وغير ذلك من المسائل الهامة المرتبطة بحجاب المرأة المسلمة.

بقلم: عبد العزيز الطريفي
408
هنري ماكآو: بين النقاب والسفور | مرابط
فكر اقتباسات وقطوف المرأة

هنري ماكآو: بين النقاب والسفور


إن المرأة التي تلبس النقاب قد اتصفت بمجموعة من الصفات النفسية والتي تبدو رائعة إنها لا تهتم بالشكل الخارجي لمظهرها -يقصد ملبسها- مما يعطيها فرصة أكبر لتهتم بجسدها وشكلها بداخل بيتها أكثر من خارجه ﻷن الضغوط النفسية التي تتعرض لها تكون أقل مما يعطيها مساحة للتأنق داخل البيت براحة كبيرة

بقلم: محمد علي فرح
630
الخوف من البلاء | مرابط
اقتباسات وقطوف

الخوف من البلاء


والحقيقة أن من خالط الإيمان بشاشة قلبه فإنه سوف يجني أولى ثمرات إيمانه في الدنيا بتذوق طعم الحياة بنكهة مختلفة لأن نظرته للأشياء من حوله ستكون أكثر شمولا للزمان والمكان والأحوال فينشأ عن ذلك طمأنينة النفس وسكينة القلب وهدأة البال فلا يجزع عند البلاء مع الجازعين ولا يتسخط عند المصيبة مع المتسخطين لأنه موقن أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه

بقلم: د. جمال الباشا
431
حتى لا تذبل الزهور: قواعد مختصرة لمواجهة الخلافات الزوجية | مرابط
المرأة

حتى لا تذبل الزهور: قواعد مختصرة لمواجهة الخلافات الزوجية


لا تقارنوا حياتكم بغيركم وخاصة النساء لأن النساء عندهن في الأصل شغف بالكماليات والجماليات والتحسينيات فبالتالي إذا قارنت حياتك التي أنت تعيشينها مع زوجك في حياة من قد فتح الله عليهم أو ربما استدرجهم سبحانه بهذا المال ولا تعلمين حقائق ودخائل الأمور التي بينهم فلن تهنئي بعيش عليك بالرضا بما قسم الله -سبحانه وتعالى- لك.

بقلم: حمود بن ثامر
842