جوهر العولمة هو عملية تنميط العالم بحيث يصبح العالم بأسره وحدات متشابهة، هي في جوهرها وحدات اقتصادية تم ترشيدها، أي إخضاعها لقوانين مادية عامة؛ مثل قوانين العرض والطلب، والإنسان الذي يتحرك في هذه الوحدات هو إنسان اقتصادي جسماني لا يتسم بأي خصوصية، ليس له انتماء واضح، ذاكرته التاريخية قد تم محوها، وإلا لما أمكن فتح الحدود بحيث تتحرك السلع ورأس المال بلا حدود أو سدود أو قيود. فالخصوصيات الثقافية والأخلاقية تعوق مثل هذا الانفتاح العالمي. وفى غياب الانتماء والهوية والمنظومات القيمية والمرجعيات الأخلاقية والدينية تتساوى الأمور، ويصبح من الصعب التمييز بين الجميل والقبيح، وبين الخير والشر، وبين العدل والظلم وتسود النسبية المطلقة. وأهم تعبير أيديولوجي عن العولمة هو فلسفة ما بعد الحداثة التي يطلق عليها أيضا anti-foundationalism والتي يمكن ترجمتها حرفيا بعبارة "ضد الأساس" والتي يمكن ترجمتها بتصرف "رفض المرجعيات"، مما يعنى السقوط في اللاعقلانية الكاملة. وقد وصف رورتي ما بعد الحداثة أنها تعنى أن الإنسان لن يقدس شيئًا حتى ولا نفسه، فهي ليست معادية للدين والأخلاق وحسب، بل معادية للإنسان ذاته.
المصدر:
عبد الوهاب المسيري، مقال "الفيديو كليب والجسد والعولمة"، https://www.elmessiri.com/articles_view.php?id=39