حجاب المرأة ولباسها في الإسلام

حجاب المرأة ولباسها في الإسلام | مرابط

الكاتب: عبد العزيز الطريفي

688 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

ما لا يُختلَفُ فيه مِن لباسِ المرأةِ:

لا يَخْتلِفُ العلماء في جميعِ المذاهبِ: أنَّ المرأةَ يجبُ عليها ألَّا تَلْبَسَ لباسًا ملتصِقًا يَصِفُ جسمَها، ولا أنْ تلبَسَ شَفَّافًا يُبْدِي لونَ أو هيئةَ ما يجبُ عليها سَتْرُه مِن بَدَنِها، وهُنَّ المقصوداتُ بقولِه صلى الله عليه وسلم في أحدِ الصنفَيْنِ مِن أهلِ النارِ: (نِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ) (1)؛ يعني: لا هي كاسيةٌ ولا هي عارِيَةٌ؛ لشُفُوفِ لباسِها ووَصْفِه، وفي» المسنَد» عن أسامةَ بنِ زَيْدٍ رضي الله عنهما، قال: كَسَانِي رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قُبْطِيَّةً كَثِيفَةً مما أهدَاها له دِحْيَةُ الكَلْبِيُّ، فكَسَوْتُها امرأتي، فقال: ما لَكَ لم تَلْبَسِ القُبْطِيَّةَ؛ قلتُ: كسوتُها امرأتي، فقال: (مُرْها فلْتَجْعَلْ تحتَها غِلَالَةً؛ فإنِّي أخافُ أن تَصِفَ حجمَ عِظامِها) (2).

وقد أجمَعَ الصحابةُ والتابعونَ على النهيِ عنه؛ فقد جاءَ عن عمرَ رضي الله عنه مِن وجوهٍ؛ أنَّه كان ينهى النساءَ عن لُبْسِ ما يَصِفُ وَيشِفُّ؛ رواه جماعةٌ كعبدِ اللهِ بنِ خُبَيْبٍ الجُهَنِيِّ، وعبدِ الله بنِ أبي سَلَمَةَ، وأبي يزيدَ المُزَنِيِّ، وأبي صالِحٍ، ومسلمٍ البَطِينِ، وسُليمانَ بنِ مُسهِرٍ؛ كلُّهم يرويه عن عُمَرَ (3)، ورواه نافعٌ عنِ ابنِ عُمَرَ (4)، وعكرمةُ عنِ ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما (5).

وقد روى مالكٌ في «الموطَّأ»، عن علقمةَ بنِ أبي علقمةَ، عن أُمِّه؛ أنَّها قالَتْ: «دخلتْ حفصةُ بنتُ عبدِ الرحمنِ على عائشةَ أُمِّ المؤمِنِين، وعلى حفصةَ خمارٌ رقيقٌ، فشقَّقَتْهُ عائشةُ وكَسَتْها خمارًا كثيفًا» (6)؛ واللِّبَاسُ مالٌ مُحترَمٌ لا يُتلَفُ إلا للنهيِ عنه وتحريمِه.

وروى ابنُ أبي شيبةَ، عن ميمونِ بنِ مِهْرانَ، قال: «لا بأسَ بالحَرِيرِ والدِّيبَاجِ للنساءِ؛ إنما يُكْرَهُ لهنَّ ما يَصِفُ أو يَشِفُّ» (7).

ويجبُ ألَّا يكونَ لباسُ المرأةِ عندَ الرجالِ مطيَّبًا؛ ففي «الصحيح» عن زينبَ، قالتْ: قال لنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: (إذا شَهِدَتْ إحداكُنَّ المسجِدَ، فلا تَمَسَّ طِيبًا) (8)؛ وهذا في قُرْبِها مِن الرجالِ في المساجِدِ؛ مواضِعِ العبادةِ، وخُلُوِّ القلبِ؛ فكيفَ بغيرِها؟!

ويحرُمُ أن يكونَ لباسُ المرأةِ مشابِهًا لِلِباسِ الرجالِ؛ ففي «الصحيح»، قال ابنُ عبَّاسٍ رضي الله عنهما: «لَعَنَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم المُتَشَبِّهِينَ مِن الرجالِ بالنساءِ، والمتشَبِّهَاتِ مِن النساءِ بالرجالِ» (9).

ويجبُ ألَّا يكونَ لباسُ المرأةِ مختصًّا بلباسِ غيرِ المسلماتِ، فتُشابِهَهُنَّ؛ فإنَّ التشبُّهَ بالكفارِ في اللباسِ نُهِيَ عنه الرجالُ والنساءُ؛ ففي «الصحيح»، عنِ ابنِ عمرٍو، قال: رأى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عليَّ ثوبَيْنِ مُعَصْفَرَيْنِ، فقال: (إنَّ هذه مِن ثيابِ الكفارِ؛ فلا تَلْبَسْها)، قلتُ: أَغْسِلُها؟ قال: (لا؛ أَحْرِقْها) (10).

تحريرُ محلِّ النزاعِ فيما يجبُ أن يُستَرَ مِن بدنِ المرأةِ:

يَشرَعُ اللهُ في الدِّينِ عباداتٍ وأحكامًا، ويَحُدُّ حدودًا، تَخْتلِفُ مَنازلُها ومَوازينُها حتى في العبادةِ الواحدةِ؛ كالصلاةِ والصدقةِ والنُّسُكِ؛ فيها الفَرْضُ، وفيها النَّفْلُ، ومنها المُتَّفَقُ عليه، ومنها المختَلَفُ فيه.

ويجبُ قبلَ الكلامِ على تفصيلِ مسائلِ الحجابِ، وسَتْرِ المرأةِ بلباسِها، أنْ نذكُرَ ما أجمَعَ عليه العلماءُ مِن أحكامِ الحجابِ واللباسِ، حتى لا يتسلَّلَ أحدٌ إلى مواضعِ الخلافِ وهو لا يحترِمُ الإجماعَ، فالتسليمُ بالقطعيَّاتِ قبلَ بحثِ الظَّنِّيَّاتِ، ومِن هذا تأكَّدَتْ معرفةُ محلِّ النزاعِ في مسألةِ لباسِ المرأةِ وحجابِها عند الأجانبِ؛ فنقولُ:

أجمَعَ العلماءُ أنَّ حجابَ المرأةِ بمفهومِه العامِّ: شريعةٌ ودِينٌ، وأنَّه ثابتٌ قطعيٌّ متواترٌ في الكتابِ والسُّنَّةِ، ومَن أنكَرَ شريعةَ لباسِ المرأةِ وحجابِها، وقال: إنَّ لباسَها عادةٌ تُبْدِي ما تشاءُ وتستُرُ ما تشاءُ، فهو منكِرٌ لقطعِيٍّ معلومٍ مِن الدينِ بالضرورةِ؛ كمنكِرِ الصلاةِ، والزكاةِ، والحَجِّ.

وأجمَعَ العلماءُ مِن جميعِ المذاهبِ الأربعةِ وغيرِها: أنَّ تغطيةَ وجهِ المرأةِ الحُرَّةِ الشابَّةِ عندَ خوفِ الفتنةِ بها، واجبٌ؛ خاصَّةً عندَ مَن يُطْلِقُونَ أبصارَهم إليها، ولا تَحْترِزُ منهم إلا بتغطيةِ وجهِها؛ حكى الإجماعَ على هذا جماعةٌ؛ كابنِ رَسْلانَ، وا لجُوَيْنِيِّ (11)، وغيرِهما، قال ابنُ رَسْلانَ الشافعيُّ: «ويدلُّ على تقييدِه بالحاجةِ -يعني: النظرَ- اتفاقُ المسلمينَ على منعِ النساءِ أنْ يَخْرُجْنَ سافراتِ الوجوهِ؛ لا سِيَّما عندَ كثرةِ الفُسَّاقِ» (12).

وأجمَعَ العلماءُ مِن جميعِ المذاهبِ الأربعةِ وغيرِها: أنَّ تغطيةَ المرأةِ الحرةِ الشابَّةِ لوجهِها شريعةٌ ربانيَّةٌ لذاتِه؛ وإنما خلافُهم في التاركةِ له- في غيرِ فتنةٍ -هل هي تاركةٌ لفرضٍ تأثَمُ به، أو لمستَحَبٍّ وفضيلةٍ؟

وأجمَعُوا: أنَّ المرأةَ العجوزَ لها أن تكشِفَ وجهَها؛ بشرطِ ألَّا تتبَرَّجَ بزينةٍ على وجهِها، وأنَّ تغطيةَ المرأةِ العجوزِ لوجهِها خيرٌ لها مِن كشفِه؛ لقولِه تعالى: {وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ} [النور: 60].

وأجمَعَ العلماءُ: أنَّ عورةَ الأَمَةِ ليست كعورةِ الحُرَّةِ، وأنَّ ما يجبُ على الحرةِ مِن السَّتْرِ، لا يجبُ كُلُّه على الأمَةِ، حكى الإجماعَ جماعةٌ؛ كابنِ عبدِ البَرِّ، وغيرِه (13).

وأجمَعَ العلماءُ: على التفريقِ بين عورةِ السَّتْرِ وعورةِ النظرِ، وإنِ اختلَفُوا في حدودِ كلٍّ منهما، فعورةُ السترِ: عورةٌ في ذاتِها؛ ولذا تُسْتَرُ لذاتِها، وعورةُ النظرِ: تُسْتَرُ لأجلِ الناظرِ لها ولو لم تكن عورةً في ذاتِها.

ومَن لم يُفَرِّقْ بين عورةِ الأَمَةِ وعورةِ الحُرَّةِ، وبين عورةِ السترِ وعورةِ النظرِ، اختَلَّ أصلُه؛ فاختلَّتْ تفريعاتُه تبغًا، ولم يَحْمِلْ كلامَ الفقهاءِ على ما أرادُوه.


الإشارات المرجعية:

  1. أخرجه مسلم (2128)؛ من حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه.
  2. أخرجه أحمد في «مسنده» (5/ 205 رقم 21786 و 21788).
  3. انظر: «مصنف عبد الرزاق» (9253 و 12142)، و «مصنف ابن أبي شيبة» (25288 و 25289)، و «تاريخ المدينة» لابنِ شَبَّةَ (3/ 793)، و «السنن الكبرى» للبيهقي (2/ 234).
  4. أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (25291).
  5. أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (25290).
  6. أخرجه مالك في «الموطأ» (2/ 913).
  7. أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (25286).
  8. أخرجه مسلم (443)؛ مِن حديثِ زينبَ امرأةِ عبدِ الله.
  9. أخرجه البخاري (5885).
  10. أخرجه مسلم (2077)
  11. «نهاية المطلب» (12/ 31).
  12. نقله عن العظيم آبادي في «عون المعبود» (11/ 162).
  13. انظر: «الاستذكار» (27/ 290).

المصدر:
عبد العزيز الطريفي، الحجاب في الشرع والفطرة، ص75

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#الطريفي #الحجاب #لباس-المرأة
اقرأ أيضا
اقتضاء العدل الإلهي للجزاء الآخروي | مرابط
اقتباسات وقطوف

اقتضاء العدل الإلهي للجزاء الآخروي


وأما اقتضاء العدل الإلهي للجزاء الأخروي فظاهر وجعل الله التسوية بين المحسن والمسيء حكما سيئا منافيا للحق الذي خلقت به السماوات والأرض والواقع أن هذا التفريق الذي يقتضيه عدل الله تعالى وحكمته غير متحقق تماما في الدنيا

بقلم: د سعود عبد العزيز العريفي
652
المجتمع الديموقراطي | مرابط
اقتباسات وقطوف الديمقراطية

المجتمع الديموقراطي


إذا وقفنا على مفهوم المجتمع الديموقراطي سنجد أكثر من تعريف ويبدو أن هناك طرفين أساسيين يتجاذبان تعريف هذا المجتمع الأول هو الغارق في المثالية المطلقة التي لا تعرف للواقع طريقا والثاني هو الواقعي المستمد من حياة الأنظمة الحاكمة وبين يديكم مقتطف للكاتب نعوم تشومسكي يوضح فيه هذين التعريفين

بقلم: نعوم تشومسكي
659
مصارع المغرقين | مرابط
فكر مقالات

مصارع المغرقين


سأل رجل الإمام الشافعي عن مسألة فقال: يروى فيها كذا وكذا عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال له السائل: يا أبا عبد الله تقول به فرأيت الشافعي أرعد وانتقص فقال: يا هذا أي أرض تقلني وأي سماء تظلني إذا رويت عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثا فلم أقل به نعم على السمع والبصر على السمع والبصر

بقلم: فهد بن صالح العجلان
741
المرأة المسلمة في رمضان: الاقتصاد في الطعام | مرابط
تفريغات المرأة

المرأة المسلمة في رمضان: الاقتصاد في الطعام


كما أن عليك -أيتها الأخت المسلمة- في هذا الشهر العظيم أن تجتنبي ما حرم الله من أنواع الحرام كالغيبة والنميمة وإنني أحذر من خطورة اجتماعات ما بعد صلاة التراويح فإنني ألاحظ أنه يحدث في البيوت في الاجتماعات كثير من اللغط والأمور المحرمة وقول الزور وانزلاق اللسان سهل جدا

بقلم: محمد المنجد
471
الفصل فيما يتناجى الناس به | مرابط
اقتباسات وقطوف

الفصل فيما يتناجى الناس به


مقتطفات من كتاب جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثا من جوامع الكلم للإمام زين الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن شهاب الدين الشهير بابن رجب رحمه الله وهو من أشهر وأبرز المؤلفات الجامعة لأصول وكليات الدين

بقلم: ابن رجب الحنبلي
2506
تفسير سورة العصر 1 | مرابط
تفريغات

تفسير سورة العصر 1


سورة العصر سورة عظيمة فيها من النصح وفيها من التوجيه وفيها من بيان الأحكام وفيها من دلالة الإنسان وإيقاظ عقله وقلبه وتنبيهه أيضا إلى رشده ما يستيقظ منه الغافل لو تدبر وتأمل هذه السورة التي يقول فيه الإمام الشافعي رحمه الله: لو ما أنزل على أمة محمد إلا هذه السورة لكفتهم يعني: سورة العصر وهذه السورة فيها من المعاني العظيمة التي يتوقف الإنسان عندها حائرا مما تضمنته مع قصرها فهي من قصار سور القرآن ولكنها عظيمة المعاني

بقلم: عبد العزيز الطريفي
522