حدود النظر إلى المخطوبة أثناء الرؤية

حدود النظر إلى المخطوبة أثناء الرؤية | مرابط

الكاتب: قاسم اكحيلات

324 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

السؤال:
هل يجوز للخاطب رؤية شعر المخطوبة في الرؤية الشرعية؟ وما يحل له رؤيته؟

الجواب:
نظرا لكثرة الأسئلة حول هذا الموضوع وما يلحقه من استغلال فالأفضل أن نبين أحكام النظر الخاص بالخاطب والمخطوبة:

فالأصل أن الخاطب رجل أجنبي لا يحل له من المرأة شيء، وهو داخل في عموم قول ربنا: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ ‌يَغُضُّوا ‌مِنْ أَبْصَارِهِمْ ﴾ [النور: 30]. لكن الشرع استثنى مريد الخطبة وأباح له النظر لمن يريدها، لأن هذا يحقق دوام الألفة مستقبلا ويكون سببا للزواج من عدمه، عن أنس بن مالك، أن المغيرة بن شعبة أراد أن يتزوج امرأة، فقال له النبي ﷺ: «اذهب فانظر إليها، فإنه ‌أحرى ‌أن ‌يؤدم بينكما». (1) وقوله (يؤدم بينكما) أي يوفق ويؤلف.
وهذا مما لا خلاف فيه أصلا، قال ابن قدامة: «لا نعلم بين أهل العلم خلافا في ‌إباحة ‌النظر إلى المرأة لمن أراد نكاحها». (2)

والفقهاء مختلفون في هذا النظر هل هو جائز فقط أم مستحب، فقال الحنفية والمالكية والشافعية وبعض الحنابلة: يندب النظر. «والمذهب عند الحنابلة أنه يباح لمن أراد خطبة امرأة وغلب على ظنه إجابته نظر ما يظهر غالبا». (3)
والراجح أنه مستحب، لأن النبي ﷺ رغب في ذلك فخرج عن الإباحة.

الخاطب الذي يمكن من النظر هو الذي يرجى قبوله، اما الذي لا تراه أهلا لها فلا يحل لها تمكينه، ولا هو يحل له أيضا النظر إليها، قال ابن القطان الفاسي:«لو كان خاطب المرأة عالما أنها لا تتزوجه، وأن وليها لا يجيبه، لم يجز له النظر وان كان قد خطب: لأنه إنما أبيح النظر ليكون سببا للنكاح، فإذا كان على يقين من امتناعه فيبقى النظر على أصله من المنع». (4)
لذا فالمؤمنة لا يصح منها أن تمكن أحدا من النظر إليها وهي تعلم عدم قبولها له، ولا يحل كذلك للرجل الإقبال على النظرة إذا غلب على ظنه أنه سيرفض.

لا يشترط علمها بالنظر إليها على الراجح، لقول النبي ﷺ:«إذا خطب أحدكم امرأة، فلا جناح عليه أن ينظر إليها إذا كان إنما ينظر إليها لخطبة، ‌وإن ‌كانت ‌لا ‌تعلم». (5)

ومع ذلك كره المالكية أن يكون من غير علم قال الدردير«(بعلم) منها أو من وليها ويكره استغفالها». (6)
قال الدسوقي: «وقوله: ‌وكره ‌استغفالها أي لئلا يتطرق أهل الفساد لنظر محارم الناس ويقولون: نحن خطاب». (7)

من كانت منتقبة ورأت القبول من نفسها كشفت وجهها، ولا يحل إرسال صورتها لأحد، فمن لا يريد تكبد المشاق من أول يوم من أجلك لا خير فيه، وكما يقولون:"ومن يخطب الحسناء لم يغله مهرها". ثم هذه الصورة لا تفيد شيئا، قال النبي ﷺ:«‌ليس ‌الخبر كالمعاينة». (8)

ولا يجوز للمسلمة أن تكون متساهلة في التمكين من صورها، فتجعلها ملعبة، بل هي عزيزة، «عن المغيرة بن شعبة، قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فذكرت له امرأة أخطبها (، فقال: " اذهب فانظر إليها، فإنه أجدر أن يؤدم بينكما " قال: فأتيت امرأة من الأنصار، فخطبتها إلى أبويها، وأخبرتهما بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكأنهما كرها ذلك، قال: فسمعت ذلك المرأة وهي في خدرها، فقالت: إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، أمرك أن تنظر، فانظر، ‌وإلا ‌فإني ‌أنشدك، كأنها عظمت ذلك عليه، قال: فنظرت إليها: فتزوجتها، فذكر من موافقتها». (9)
فأمر النظر لا يتهاون فيه كما هو الحال اليوم للأسف.

اختلف العلماء في حدود نظر الخاطب إلى مخطوبته، وأخذ الناس -وخاصة المتفقهة منهم- في استغلال الخلاف القائم، فمنهم من يريد النظر إلى الشعر والساق.. بحجة أن النبي ﷺ لم يبين الحدود وهذا خطر.

للعلماء أقوال: اتفق الحنفية والمالكية والشافعية على أن ما يباح للخاطب نظره من مخطوبته الحرة هو الوجه والكفان ظاهرهما وباطنهما إلى كوعيهما لدلالة الوجه على الجمال، ودلالة الكفين على خصب البدن.
وهناك رواية عند الحنفية أن القدمين ليستا بعورة حتى في غير الخطبة.

أما الحنابلة فعندهم رواية في الوجه فقط، وفي أخرى أنه يرى ما يظهر غالبا أنه ينظر إلى ما يظهر منها غالبا كوجه ويد ورقبة وقدم.
وهناك قول آخر وهو جواز النظر إليها كلها، قال ابن حزم: «مسألة: ومن أراد أن يتزوج امرأة حرة أو أمة، فله أن ينظر منها - متغفلا لها وغير متغفل - إلى ما بطن منها وظهر». (10). وهذا القول هو الـأخطر من بين الأقوال إذا ترك من غير ضبط.

لذا كان الظاهر هو قول الجمهور، وهو أن يرى منها أي شيء غير الوجه والكفين بدليل حديث ‌سهل بن سعد الساعدي قال: «جاءت امرأة إلى رسول الله ﷺ، فقالت: يا رسول الله، جئت أهب لك نفسي، قال: فنظر إليها رسول الله ﷺ ‌فصعد ‌النظر ‌فيها وصوبه، ثم طأطأ رسول الله ﷺ، فلما رأت المرأة أنه لم يقض فيها شيئا جلست، فقام رجل من أصحابه فقال: يا رسول الله، إن لم يكن لك بها حاجة فزوجنيها». (11) ولا يتصور أنها كشفت عن رقبتها وعن شعرها بحضرة الرجال.

ثم أن الوجه هو مجمع المحاسن، وهو دليل الجمال والرغبة، وأن هذا هو ما يظهر غابا حال الاستغفال وما يظهر عن غير قصد، وهذا أحفظ للعورات وصيانتها، وهو حد الحاجة فلا يتوسع فيها.
ومن أراد التقين من أمر كلف إحدى محارمه من النساء فله أن يبعث امرأة تنظر له وقد ورد في هذا أحاديث ضعيفة.

للخاطب أن يكرر النظر إلى المخطوبة حتى يتبين له هيئتها فلا يندم على نكاحها ويتقيد في ذلك بقدر الحاجة، ومن ثم لو اكتفى بنظرة حرم ما زاد عليها؛ لأنه نظر أبيح لحاجة فيتقيد بها. فإذا نظر وتقين وحصل القبول لم يحل تمكينه من النظر إليها مرة أخرى لأن النظر أبيح للحاجة وقد انتفت.

ولا يجوز خلوة الخاطب بالمخطوبة للنظر ولا لغيره لأنها محرمة ولم يرد الشرع بغير النظر فبقيت على التحريم؛ ولأنه لا يؤمن من الخلوة الوقوع في المحظور.

ومن لم ير من الآخر ما يعجبه سواء الرجل أو المرأة فلا يذكر ذلك صراحة وليسكت ويعتذر بما لا يجرح، ففي حديث الواهبة: «‌فصعد ‌النظر ‌فيها وصوبه، ثم طأطأ رسول الله ﷺ رأسه». (12). فلا يقول هو أو هي لا أريده.


الإشارات المرجعية:

  1. [سنن ابن ماجه (1/ 599 ت عبد الباقي)]
  2. [المغني لابن قدامة (9/ 489 ت التركي)].
  3. [الموسوعة الفقهية الكويتية (19/ 197)].
  4. [إحكام النظر في أحكام النظر بحاسة البصر (ص475)]
  5. [مسند أحمد (39/ 15 ط الرسالة)]
  6. [الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (2/ 215)]
  7. نفس المصدر السابق
  8. [مسند أحمد (3/ 341 ط الرسالة)].
  9. [مسند أحمد (30/ 66 ط الرسالة)]
  10. [المحلى بالآثار (9/ 161)]
  11. [صحيح البخاري (7/ 6 ط السلطانية)]
  12. [صحيح البخاري (7/ 7 ط السلطانية)]
تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#النظر-إلى-المخطوبة
اقرأ أيضا
الانتفاع بالقرآن الكريم | مرابط
اقتباسات وقطوف

الانتفاع بالقرآن الكريم


كثيرا ما يحدث أن يقرأ المسلم القرآن الكريم ويشعر أنه لا ينتفع به وهذا لوجود عدد من الحوائل التي تمنع ذلك وبين يديكم نصيحة غالية من الإمام ابن القيم منتقاة من كتاب الفوائد يضع أمامنا طريقا لاحبا للانتفاع بالقرآن الكريم فإذا أردت أن تنتفع بالقرآن اقرأ هذه النصيحة النفيسة وتمسك بها

بقلم: ابن القيم
919
فضل اللغة العربية | مرابط
تفريغات لسانيات

فضل اللغة العربية


ولما دخل الإسلام جزيرة العرب ألبس اللغة الثوب الجديد ثم بعد ذلك فتح الله الأمصار على يد المهاجرين والأنصار الذين رفعهم الله بتمسكهم بكتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم فحدث الجهاد مع الأعاجم ثم حصل السبي للعبيد والإماء فلما دخل الأعاجم بلاد الإسلام أصبحت اللغة العربية يحدث فيها الغلط واللحن فلما ظهر اللحن ابتدأ جهابذة اللغة والسنة والكتاب وقالوا: لا بد من حفظ كتاب ربنا وسنة نبينا ولا يكون ذلك إلا بالضوابط والقواعد النحوية

بقلم: محمد حسن عبد الغفار
505
كلام محرج للاختلاطيين | مرابط
مقالات المرأة

كلام محرج للاختلاطيين


هل مجرد وجود الرجال والنساء في مكان واحد بغير تقارب لا يدخل في الاختلاط المحرم؟ هل المقصود بالاختلاط المحرم في كلام العلماء هو الامتزاج والتلاصق وتقارب الرجال بالنساء وذلك مثل ما يوجد في عامة الأفراح أو ما يوجد في الجامعات المختلطة من التقارب والتلاصق أو ما يوجد في الموالد؟ هل مجرد وجود النساء والرجال تحت سقف واحد بغير تقارب بأن يكون هؤلاء في جانب وهؤلاء في جانب ليس هو الاختلاط المنهي عنه في كلام العلماء أصلا؟ يجيبكم الشيخ قاسم اكحيلات.

بقلم: قاسم اكحيلات
565
لحظة فداء | مرابط
فكر مقالات

لحظة فداء


كل ما نعرف من رحمة الأبوة والأمومة بأطفالهم فإنه سيذهب بها هول لحظة مشاهدة النار يوم القيامة فيتمنى الأب العطوف والأم الحنون أن يتخلصوا من هذه النار حتى لو أرسلوا فلذات أكبادهم إليها يقول الحق تبارك وتعالى في مشهد مرعب: يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه أطفالهم الذين كانوا يفدونهم ويقدمونهم على أنفسهم ستأتي لحظة الفداء الكبرى التي تصعق فيها النفوس من شدة الهلع حين تسمع فوران نار يوم القيامة وشهيق لهبها وهي تأكل الناس والحجارة وأمام ذلك المشهد فإن الوالد يود لو يفتدي من عذاب يومئذ ببني...

بقلم: إبراهيم السكران
1379
خلاصة في المجاز | مرابط
فكر مقالات لسانيات

خلاصة في المجاز


مسألة المجاز في العربية والقرآن مسألة تشعب الخلاف فيها وقد جرت مباحثتها مع بعض الأفاضل وفي هذا المقال يعرض لنا الكاتب إبراهيم السكران رؤيته الخاصة في هذا الموضوع ويقف على بعض جوانب الاختلاف بين العلماء بين المؤيدين أو المانعين للمجاز

بقلم: إبراهيم السكران
1750
فلسفة الزواج | مرابط
المرأة

فلسفة الزواج


إن العلاقة الوثيقة والحب العميق بين الرجل والمرأة ليسا ناشئين عما تتطلبه الحياة الدنيا من الحاجات فحسب فالمرأة ليست صاحبة زوجها في حياة دنيوية وحدها بل هي رفيقته أيضا في حياة أبدية خالدة. فما دامت هي صاحبته في حياة باقية فلا ينبغي لها أن تلفت نظر غير رفيقها الأبدي وصديقها الخالد إلى مفاتنها ولا تزعجه ولا تحمله على الغضب والغيرة.

بقلم: بديع الزمان النورسي
330