حدود النظر إلى المخطوبة أثناء الرؤية

حدود النظر إلى المخطوبة أثناء الرؤية | مرابط

الكاتب: قاسم اكحيلات

250 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

السؤال:
هل يجوز للخاطب رؤية شعر المخطوبة في الرؤية الشرعية؟ وما يحل له رؤيته؟

الجواب:
نظرا لكثرة الأسئلة حول هذا الموضوع وما يلحقه من استغلال فالأفضل أن نبين أحكام النظر الخاص بالخاطب والمخطوبة:

فالأصل أن الخاطب رجل أجنبي لا يحل له من المرأة شيء، وهو داخل في عموم قول ربنا: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ ‌يَغُضُّوا ‌مِنْ أَبْصَارِهِمْ ﴾ [النور: 30]. لكن الشرع استثنى مريد الخطبة وأباح له النظر لمن يريدها، لأن هذا يحقق دوام الألفة مستقبلا ويكون سببا للزواج من عدمه، عن أنس بن مالك، أن المغيرة بن شعبة أراد أن يتزوج امرأة، فقال له النبي ﷺ: «اذهب فانظر إليها، فإنه ‌أحرى ‌أن ‌يؤدم بينكما». (1) وقوله (يؤدم بينكما) أي يوفق ويؤلف.
وهذا مما لا خلاف فيه أصلا، قال ابن قدامة: «لا نعلم بين أهل العلم خلافا في ‌إباحة ‌النظر إلى المرأة لمن أراد نكاحها». (2)

والفقهاء مختلفون في هذا النظر هل هو جائز فقط أم مستحب، فقال الحنفية والمالكية والشافعية وبعض الحنابلة: يندب النظر. «والمذهب عند الحنابلة أنه يباح لمن أراد خطبة امرأة وغلب على ظنه إجابته نظر ما يظهر غالبا». (3)
والراجح أنه مستحب، لأن النبي ﷺ رغب في ذلك فخرج عن الإباحة.

الخاطب الذي يمكن من النظر هو الذي يرجى قبوله، اما الذي لا تراه أهلا لها فلا يحل لها تمكينه، ولا هو يحل له أيضا النظر إليها، قال ابن القطان الفاسي:«لو كان خاطب المرأة عالما أنها لا تتزوجه، وأن وليها لا يجيبه، لم يجز له النظر وان كان قد خطب: لأنه إنما أبيح النظر ليكون سببا للنكاح، فإذا كان على يقين من امتناعه فيبقى النظر على أصله من المنع». (4)
لذا فالمؤمنة لا يصح منها أن تمكن أحدا من النظر إليها وهي تعلم عدم قبولها له، ولا يحل كذلك للرجل الإقبال على النظرة إذا غلب على ظنه أنه سيرفض.

لا يشترط علمها بالنظر إليها على الراجح، لقول النبي ﷺ:«إذا خطب أحدكم امرأة، فلا جناح عليه أن ينظر إليها إذا كان إنما ينظر إليها لخطبة، ‌وإن ‌كانت ‌لا ‌تعلم». (5)

ومع ذلك كره المالكية أن يكون من غير علم قال الدردير«(بعلم) منها أو من وليها ويكره استغفالها». (6)
قال الدسوقي: «وقوله: ‌وكره ‌استغفالها أي لئلا يتطرق أهل الفساد لنظر محارم الناس ويقولون: نحن خطاب». (7)

من كانت منتقبة ورأت القبول من نفسها كشفت وجهها، ولا يحل إرسال صورتها لأحد، فمن لا يريد تكبد المشاق من أول يوم من أجلك لا خير فيه، وكما يقولون:"ومن يخطب الحسناء لم يغله مهرها". ثم هذه الصورة لا تفيد شيئا، قال النبي ﷺ:«‌ليس ‌الخبر كالمعاينة». (8)

ولا يجوز للمسلمة أن تكون متساهلة في التمكين من صورها، فتجعلها ملعبة، بل هي عزيزة، «عن المغيرة بن شعبة، قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فذكرت له امرأة أخطبها (، فقال: " اذهب فانظر إليها، فإنه أجدر أن يؤدم بينكما " قال: فأتيت امرأة من الأنصار، فخطبتها إلى أبويها، وأخبرتهما بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكأنهما كرها ذلك، قال: فسمعت ذلك المرأة وهي في خدرها، فقالت: إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، أمرك أن تنظر، فانظر، ‌وإلا ‌فإني ‌أنشدك، كأنها عظمت ذلك عليه، قال: فنظرت إليها: فتزوجتها، فذكر من موافقتها». (9)
فأمر النظر لا يتهاون فيه كما هو الحال اليوم للأسف.

اختلف العلماء في حدود نظر الخاطب إلى مخطوبته، وأخذ الناس -وخاصة المتفقهة منهم- في استغلال الخلاف القائم، فمنهم من يريد النظر إلى الشعر والساق.. بحجة أن النبي ﷺ لم يبين الحدود وهذا خطر.

للعلماء أقوال: اتفق الحنفية والمالكية والشافعية على أن ما يباح للخاطب نظره من مخطوبته الحرة هو الوجه والكفان ظاهرهما وباطنهما إلى كوعيهما لدلالة الوجه على الجمال، ودلالة الكفين على خصب البدن.
وهناك رواية عند الحنفية أن القدمين ليستا بعورة حتى في غير الخطبة.

أما الحنابلة فعندهم رواية في الوجه فقط، وفي أخرى أنه يرى ما يظهر غالبا أنه ينظر إلى ما يظهر منها غالبا كوجه ويد ورقبة وقدم.
وهناك قول آخر وهو جواز النظر إليها كلها، قال ابن حزم: «مسألة: ومن أراد أن يتزوج امرأة حرة أو أمة، فله أن ينظر منها - متغفلا لها وغير متغفل - إلى ما بطن منها وظهر». (10). وهذا القول هو الـأخطر من بين الأقوال إذا ترك من غير ضبط.

لذا كان الظاهر هو قول الجمهور، وهو أن يرى منها أي شيء غير الوجه والكفين بدليل حديث ‌سهل بن سعد الساعدي قال: «جاءت امرأة إلى رسول الله ﷺ، فقالت: يا رسول الله، جئت أهب لك نفسي، قال: فنظر إليها رسول الله ﷺ ‌فصعد ‌النظر ‌فيها وصوبه، ثم طأطأ رسول الله ﷺ، فلما رأت المرأة أنه لم يقض فيها شيئا جلست، فقام رجل من أصحابه فقال: يا رسول الله، إن لم يكن لك بها حاجة فزوجنيها». (11) ولا يتصور أنها كشفت عن رقبتها وعن شعرها بحضرة الرجال.

ثم أن الوجه هو مجمع المحاسن، وهو دليل الجمال والرغبة، وأن هذا هو ما يظهر غابا حال الاستغفال وما يظهر عن غير قصد، وهذا أحفظ للعورات وصيانتها، وهو حد الحاجة فلا يتوسع فيها.
ومن أراد التقين من أمر كلف إحدى محارمه من النساء فله أن يبعث امرأة تنظر له وقد ورد في هذا أحاديث ضعيفة.

للخاطب أن يكرر النظر إلى المخطوبة حتى يتبين له هيئتها فلا يندم على نكاحها ويتقيد في ذلك بقدر الحاجة، ومن ثم لو اكتفى بنظرة حرم ما زاد عليها؛ لأنه نظر أبيح لحاجة فيتقيد بها. فإذا نظر وتقين وحصل القبول لم يحل تمكينه من النظر إليها مرة أخرى لأن النظر أبيح للحاجة وقد انتفت.

ولا يجوز خلوة الخاطب بالمخطوبة للنظر ولا لغيره لأنها محرمة ولم يرد الشرع بغير النظر فبقيت على التحريم؛ ولأنه لا يؤمن من الخلوة الوقوع في المحظور.

ومن لم ير من الآخر ما يعجبه سواء الرجل أو المرأة فلا يذكر ذلك صراحة وليسكت ويعتذر بما لا يجرح، ففي حديث الواهبة: «‌فصعد ‌النظر ‌فيها وصوبه، ثم طأطأ رسول الله ﷺ رأسه». (12). فلا يقول هو أو هي لا أريده.


الإشارات المرجعية:

  1. [سنن ابن ماجه (1/ 599 ت عبد الباقي)]
  2. [المغني لابن قدامة (9/ 489 ت التركي)].
  3. [الموسوعة الفقهية الكويتية (19/ 197)].
  4. [إحكام النظر في أحكام النظر بحاسة البصر (ص475)]
  5. [مسند أحمد (39/ 15 ط الرسالة)]
  6. [الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (2/ 215)]
  7. نفس المصدر السابق
  8. [مسند أحمد (3/ 341 ط الرسالة)].
  9. [مسند أحمد (30/ 66 ط الرسالة)]
  10. [المحلى بالآثار (9/ 161)]
  11. [صحيح البخاري (7/ 6 ط السلطانية)]
  12. [صحيح البخاري (7/ 7 ط السلطانية)]
تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#النظر-إلى-المخطوبة
اقرأ أيضا
الاجتهاد وتمدين الإسلام | مرابط
اقتباسات وقطوف

الاجتهاد وتمدين الإسلام


أما الآخر الذي أحب أن ألفت النظر إلى خطورته فهو تطوير الإسلام لكي يوافق الواقع في حياتنا المعاصرة. وقد بدأ هذا الاتجاه كما رأينا في أول الأمر بإحساس الحاجة إلى مواجهة الأقضية الجديدة باستنباط أحكام شرعية توافقها ورأينا صدى ذلك فيما كتبه الطهطاوي وخير الدين التونسي

بقلم: محمد محمد حسين
350
الكوارث والذنوب | مرابط
فكر

الكوارث والذنوب


فإن كثيرا من الناس يجهل تنوع أسباب البلاء والمصائب وحكم الخالق في ذلك ويجهل تبعا لذلك تنوع آثار النوازل والمصائب الشرعية والقدرية على من حلت بهم فثمت أمور مهمة يجب إدراكها وإذا تحقق في الإنسان العلم بها عرف أن لا تلازم بين نزول المصائب واختصاص من نزلت به بتعاظم ذنوبه على غيره ممن لم تنزل به مصيبة

بقلم: عبد العزيز الطريفي
1148
محور دعوة الرسل والمزاحمات المعاصرة الجزء الثاني | مرابط
تعزيز اليقين فكر مقالات

محور دعوة الرسل والمزاحمات المعاصرة الجزء الثاني


من أظهر الأمور الدينية: أن المهمة الأولى لدعوة الرسل والهدف المركزي فيها هو تعبيد الناس لله تعالى وغرس التعلق به في كل حياتهم كما قال تعالى:ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة النحل:36 فمقصد بعثة الرسل وأساس دعوتهم ومنتهى أعمالهم وغاية جهادهم وقطب الرحي في حياتهم والفكرة التي حولها يدندنون ومنها يقصدون وإليها يرجعون وفيها يبذلون هي: عبادة الله وحده وغرس فكرة العبودية في عقول الناس وقلوبهم وإنكار عبادة كل الأوثان

بقلم: سلطان العميري
2228
موانع قبول الحق | مرابط
اقتباسات وقطوف

موانع قبول الحق


مقتطف رائع لابن قيم الجوزية من كتاب هداية الحيارى يشير فيه إلى موانع قبول الحق التي تحول بين الشخص وبين الانقياد للحق حتى لو أنه ليس جاهلا به فهناك الكثير من المحاور الأخرى أو الأسباب الأخرى التي تمنع ذلك وهنا يستعرضها لنا بشكل دقيق

بقلم: ابن القيم
2152
لئن كان قال ذلك لقد صدق | مرابط
تعزيز اليقين

لئن كان قال ذلك لقد صدق


المتأمل لما قاله أبو بكر رضي الله عنه لئن كان قال ذلك لقد صدق يدرك أن هناك قاعدة تأسس عليها إيمان الصديق رضي الله عنه فهذه العبارة ليست عشوائية ولم تأت اعتباطا لو كان النبي قال كذا فقد صدق إذن أيا كان الذي قاله النبي إنه صادق في كل ما يقول المهم أن يثبت عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال ما قال إنه التسليم المطلق للوحي ولمثل هذا كان أبو بكر هو الصديق فالتسليم هو محض الصديقية كما يقول ابن القيم رحمه الله وهذه هي القاعدة التي تأسس عليها إيمان الصديق رضي الله عنه

بقلم: محمود خطاب
790
صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ج2 | مرابط
تفريغات

صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ج2


إن الله سبحانه وتعالى قد فرض فرائض وشرع شرائع وأمر بلزومها ومن أعظم هذه الشرائع هي أركان الإسلام الخمسة التي أمر الله عز وجل بها وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بركنيتها للإسلام كما جاء في حديث عبد الله بن عمر في الصحيحين وغيرهما في قوله عليه الصلاة والسلام: بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت من استطاع إليه سبيلا

بقلم: عبد العزيز الطريفي
685