حفظ اللسان

حفظ اللسان | مرابط

الكاتب: محمد صالح المنجد

1211 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

إن ربنا سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم قد جاء عنهما الأمر بحفظ اللسان، هذا العضو السريع الحركة، أسرع الأعضاء حركة وأنشطها، لا يكل ولا يمل من كثرة الاستعمال، قال الله عز وجل في كتابه العزيز: {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [سورة ق 18]. فكل ما خرج منه يُكتب ويُرصد، ويُحفظ ويُجمع؛ لينشر يوم الدين، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت».

وجاء سفيان بن عبد الله الثقفي إلى النبي صلى الله عليه وسلم يقول له سائلًا: "يا رسول الله ما أخوف ما تخاف عليَّ؟ فأخذ بلسان نفسه، ثم قال: «هذا» أخرجه الترمذي وقال حسن صحيح. 

وقال صلى الله عليه وسلم:  «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده»  وقال للصحابي: فكف لسانك إلا من خير وقال لمن سأله ما النجاة؟ قال: املك عليك لسانك رواه الترمذي وحسنه، وفي حديث معاذ المشهور قال له النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن أوصاه: « ألا أخبرك بملاك ذلك كله، كف هذا وأشار إلى لسانه»، قلت: يا رسول الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به، قال: «وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم»  (رواه الترمذي وغيره وهو حديث صحيح).

ألا أخبرك بملاك ذلك؛ أي ما يحكم الأمور ويعين على تقويتها، أخذ صلى الله عليه وسلم بلسانه وأشار إلى هذا العضو وقال قولًا بعد الفعل كف، أي: امنع هذا، هذه الإشارة والقول تدل على اهتمام الشارع بحفظ هذا العضو، وقدم عليك على قوله هذا إشارة للاهتمام بهذا الأمر، فلم يقل أمسك هذا عليك، وإنما قال أمسك عليك هذا، وهذه الإشارة في اللغة تكون لمزيد من التعيين، أو التحقير؛ لأن الناس كثير ما يتساهلون به، ولم يكتفِ صلى الله عليه وسلم بالقول وإنما أخذ بلسانه بالفعل؛ ليدل بقوله وفعله على هذا الأمر، بيانًا لصعوبة ضبط اللسان، ومعنى الحديث لا تتكلم بما لا يعنيك كما ورد في الحديث الآخر من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ومن كثر كلامه كثر سقطه، ومن كثر سقطه كثرت ذنوبه، وكثرة الكلام لها مفاسد لا تُحصى.

وقال الصحابي: وإنا لمؤاخذون، أي: معاقبون ومحاسبون بما نتكلم به، أي: على جميع الكلام الخارج، لأن معاذًا لا يخفى عليه أن بعض الكلام يحسب للإنسان، فقال له: وهل يكب ويلقي الناس ويسقطهم ويصرعهم على وجوههم أو على مناخرهم -وهي أول ما يصل إلى الأرض إذا سقط الإنسان على وجهه- إلا حصائد ألسنتهم، وفي هذا بلاغة نبوية عظيمة، فإنه شبه ما يتكلم به الإنسان بالزرع المحصود، شبهه بالمنجل، فكما أن المنجل الذي يُحصد به الزرع يقطع ولا يميز بين الرطب واليابس، والجيد والرديء، فكذلك لسان بعض الناس يتكلم بكل نوع من الكلام حسنًا وقبيحًا مثل المنجل، يحصد كل ما يأتي عليه، لا يكب الناس في النار إلا حصائد ألسنتهم، من الكفر، والقذف، والشتم، والغيبة، والنميمة، والبهتان.

فعليك يا عبد الله بطول الصمت فإنه مطردة للشيطان، ومن صمت نجا، والإسلام في السلامة من اللسان، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:  «المسلم من سلم المسلمون من لسانه» خص اللسان بالذكر؛ لأنه يعبر عما في النفس، وهو أمضى من اليد، ولذلك قدمه على اليد، في قوله من لسانه ويده؛ لأن اللسان يؤثر ويقول في الماضين، والموجودين، والحادثين بعد، وأما اليد فيمن هو أمامها، ولذلك كان التأكيد عليه، وتقديمه في هذا الحديث.

 


 

المصدر:

 http://iswy.co/e2blf8

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#حفظ-اللسان
اقرأ أيضا
إعادة تفسير الإسلام | مرابط
اقتباسات وقطوف

إعادة تفسير الإسلام


تعليق: يدور الحديث في هذا المقتطف حول التيار الإصلاحي الذي خرج من مدرسة الإمام محمد عبده والذي انتهى به الحال في النهاية إلى التلبس بمضامين علمانية وإن قيلت بعبارات إسلامية وهذا المقتطف للكاتب والمؤرخ الكبير المهتم بشؤون الشرق: ألبرت حوراني

بقلم: ألبرت حوراني
1998
الضابط في الأمور المحدثة | مرابط
مقالات

الضابط في الأمور المحدثة


إن الناس لا يحدثون شيئا إلا لأنهم يرونه مصلحة إذ لو اعتقدوه مفسدة لم يحدثوه فإنه لا يدعو إليه عقل ولا دين فما رآه الناس مصلحة نظر في السبب المحوج إليه: فإن كان السبب المحوج إليه أمرا حدث بعد النبي صلى الله عليه وسلم من غير تفريط منا فهنا قد يجوز إحداث ما تدعو الحاجة إليه وكذلك إن كان المقتضي لفعله قائما على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لكن تركه النبي صلى الله عليه وسلم لمعارض زال بموته.

بقلم: شيخ الإسلام ابن تيمية
271
شرح حديث إذا أنا مت فأحرقوني ج1 | مرابط
تفريغات

شرح حديث إذا أنا مت فأحرقوني ج1


قال المؤلف رحمه الله: وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: كان رجل يسرف على نفسه فلما حضره الموت قال لبنيه: إذا أنا مت فأحرقوني ثم اطحنوني ثم ذروني في الريح فوالله لئن قدر الله علي ليعذبني عذابا ما عذبه أحدا فلما مات فعل به ذلك فأمر الله الأرض فقال: اجمعي ما فيك ففعلت فإذا هو قائم فقال: ما حملك على ما صنعت قال: خشيتك يا رب أو قال: مخافتك فغفر له

بقلم: محمد ناصر الدين الألباني
612
قياس الداعيات أنفسهن بعائشة رضي الله عنها | مرابط
أباطيل وشبهات

قياس الداعيات أنفسهن بعائشة رضي الله عنها


عائشة كانت تحدث الرجال من وراء حجاب وهو حكم خاص بها وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب الأحزاب: 53. وهذا الحجاب في كل وقت حال الخروج أيضا فهن يخرجن في هودج فهل تلزم الداعية المعاصرة نفسها بهذا؟ فالآية هذه لا تتحدث عن اللباس بل على الستار من إزار وجدار فكانت زوجات النبي ﷺ لا يخرجن إلا فيه فمن تطيقه منهن؟

بقلم: قاسم اكحيلات
347
القول بعدم توسع المحدثين في نقد المتن | مرابط
أباطيل وشبهات تعزيز اليقين مقالات

القول بعدم توسع المحدثين في نقد المتن


يناقش الكاتب محمد أبو شهبة بعض الشبهات المثارة حول السنة النبوية قديما وحديثا والتي روج بعضها المستشرقون وتلقفها بعدهم أحفادهم من منكري السنة والعلمانيين وأعداء الملة والدين وفي هذا المقال يناقش الكاتب شبهة أن المحدثين لم يهتموا بنقد المتون

بقلم: محمد أبو شهبة
1758
أفضل الصدقة | مرابط
اقتباسات وقطوف

أفضل الصدقة


مقتطف سريع من كتاب فتح الباري شرح صحيح البخاري للعلامة ابن حجر العسقلاني يفسر فيه معنى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما الصدقة ما كان عن ظهر غنى فيذكر لنا الأقوال التي وردتنا عن سلفنا وعن الصحابة والتابعين في هذا الحديث

بقلم: ابن حجر العسقلاني
1951