منهجية الرسول في التعريف بالله عز وجل

منهجية الرسول في التعريف بالله عز وجل | مرابط

الكاتب: عبد العزيز الطريفي

312 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

في هذه الكلمة التي نتكلم فيها على شيء من معرفة حق الله سبحانه وتعالى، وهذا يظهر في قول النبي صلى الله عليه وسلم لذلك الأعرابي الذي جاء إليه فقال: (أتدري ما الله؟)، جاء في السنن من حديث محمد بن جبير عن أبيه عن جده: (أن أعرابيًا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، هلكت الأموال وضاعت العيال وانقطعت السبل، فاستسق لنا فإنا نستشفع بك على الله ونستشفع بالله عليك، قال: فاحمر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: ويحك! أتدري ما الله؟ فأخذ يسبح رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تغير وجهه وهو ينزه الله عز وجل مما قاله ذلك الأعرابي).

النبي صلى الله عليه وسلم حينما جاءه ذلك الأعرابي وهو يريد أن يستغيث به على الله وأن يستغيث بالله عليه، أي: يريد أن يجعل الله عز وجل وسيلة توصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لينفع أو يضر، وهذا عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم لكنه ما عرف الله، ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم ما قال له: ويحك! أتدري من أنا، وإنما قال له: (ويحك! أتدري ما الله؟)، يعني: جهلت قيمة الله فضللت في حقه وأعطيت حق الله جل وعلا لغيره، ولهذا أراد من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينزل الغيث؛ بل أراد ما هو أشد من ذلك، أن يجعل الله عز وجل شفيعًا عند رسوله حتى ينزل الغيث.

هذا الاختلال في أمر المعرفة هو سبب ضلال البشرية في حق الله سبحانه وتعالى؛ أنهم عرفوا حقائق الأشياء وجهلوا غيرها، ونفس الإنسان تملؤها المعرفة، فإذا عرف حيوانًا ولم يعرف غيره تعلق به، وإذا عرف مخلوقًا وكرمه تعلق به إذا لم يعرف من هو أكرم منه، وإذا عرف قويًا ولم يعرف من هو أقوى منه تعلق به وظن أنه أكرم الناس، ولهذا الله سبحانه وتعالى يعرف نفسه إلى عباده بذكر أسمائه وصفاته، وذكر حقه على عباده لازم لذلك، ويبين الله عز وجل أيضًا حقه على عباده بتعريف عباده بأنفسهم وبيان أيضًا ضعفهم وقصورهم.

ولهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم لما جاءه ذلك الأعرابي واستشفع به على الله واستشفع بالله عليه؛ وقال له: (ويحك! أتدري ما الله؟ وأخذ يسبح النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال: إن الله فوق عرشه، وعرشه على سماواته، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم بيده هكذا وفرج بين أصابعه كالقبةً)، والنبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يعرف الله عز وجل إلى ذلك الأعرابي بذكر شيء من مخلوقات الله وهي السماوات، وكذلك العرش، وأن يبين منزلة الله عز وجل ببيان منزلة بعض مخلوقاته التي هي أعظم من الإنسان، وهذا ما يستعمله النبي صلى الله عليه وسلم بالتعريف بالله، وبيان منزلته عند الناس، وذلك ببيان مخلوقاته وعظمها.

وقد جاء في ذلك أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تدل على هذا المعنى أن بيان حق الله عز وجل يتضح ببيان مخلوقات الله عز وجل التي هي أعظم من الإنسان، وذلك أن الإنسان بحاجة إلى كسر نفسه وكسر المعظم عنده، وكسر نفسه ببيان جهله، وهذا ما يأمر الله عز وجل الإنسان به أن يتفكر وأن يتدبر بحاله ومنزلته وقصوره وضعفه، "وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ" [الذاريات:21]، وكذلك بيان أن ما يدرك من حواس تخدعه ولا تدله إلى الحق دومًا، وإنما يكبو ويتعثر ويسقط، وكذلك أيضًا يخدع نفسه ويخطئه عقله كثيرًا ويرديه، ولهذا جعل الله عز وجل في الإنسان نفسه وهواه تغالبه وتصارعه؛ حتى توقعه فيما يخالف أمر الله سبحانه وتعالى.

ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم يدلل كثيرًا في ذكر بعض الأحوال من جهة معرفة الله سبحانه وتعالى بمعرفة مخلوقاته وتعظيمها، بالنسبة لضعف الإنسان وقصوره، ولهذا الله عز وجل يقول: "لَخَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ" [غافر:57]، يعني: أن الإنسان إذا كان يعظم نفسه عند نفسه ويرى أنه هو المعظم والسيد والآمر والناهي ليعلم أن خلق السموات والأرض أعظم وأكبر منه، ولكن جهله بذلك لا يعني أنه أعظم من غيره، وقد جاء في المسند وغيره من حديث عباس، وجاء أيضًا من حديث أبي هريرة عليه رضوان الله.

وجاء أيضًا من حديث عبد الله بن مسعود عليه رضوان الله تعالى موقوفًا: (أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى سحابة تمطر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما هذه؟ (والنبي صلى الله عليه وسلم يعلم، ويعلم أنهم يعلمون ما هذه)، فقالوا: السحاب، قال: والمزن؟ قالوا: والمزن، قال: والعنان؟ قالوا: والعنان، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أتدرون كم بين السماء الدنيا وبين الأرض؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ما بين السماء الدنيا والأرض مسيرة خمسمائة عام، وهل تعلمون ما بين السماء الدنيا إلى السماء التي تليها؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: مسيرة خمسمائة عام، قال: وهل تعلمون ما بين أدنى السماء وأعلاه وسمك كل سماء؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: مسيرة خمسمائة عام).

والنبي صلى الله عليه وسلم حينما أراد وبدأ هذا من تعريف المسافة التي تكون بين السماء وبين الأرض، والتي تكون بين السماء والتي تليها بدأ بها من سحابة تمطر، وأراد أن يعرف بهذا لأن ينتقل فيما وراءه، (حتى بلغ النبي صلى الله عليه وسلم السماء السابعة، قال: وتعلمون ما فوق السماء؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: العرش، وما بين أدناه وأعلاه مسيرة خمسمائة عام)، وهذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد أن يبين ضعف الإنسان ببيان قياس زمنه، من جهة مسيرة الإنسان وذهابه وضربه بأسفاره، أن يبين أن ما خلق الله عز وجل من المسافات الشاسعة ما يجب على الإنسان أن يعلمه، ومعرفته في ذلك ترجع إلى الإنسان بماذا؟ ترجع إلى الإنسان باستضعاف نفسه ومعرفة قيمة الخالق.

ولهذا إذا ضل الإنسان في معرفة الموازين والقوى فإنه يختل حينئذ من جهة التوكل، المحبة، الخوف، الرجاء، وما ينتج عن ذلك من بذل العبودية لله سبحانه وتعالى بعبادة الجوارح، السجود لغير الله، سؤال غير الله، التضرع لغير الله؛ كحال ذلك الأعرابي الذي جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم واستشفع بالله عليه؛ لأنه عرف شيئًا وجهل أشياء فكفر بالله سبحانه وتعالى، ولهذا النبي عليه الصلاة والسلام كان يعرف الله عز وجل للناس بتعريف مخلوقات الله عز وجل إليهم، وذلك أنهم يعلمون أن كل ما يرونه هو من خلق الله، فاعرف خلق الله غيرك تعلم ضعفك وتعلم مقدار الله سبحانه وتعالى، ولهذا ما وقع الناس في معصية، وما وقع الناس في كفر وفي شرك أو بدعة فيما يخالف أمر الله سبحانه وتعالى، أو غلب الهوى الإيمان، ما كان ذلك ليكون إلا بسبب ضعف الإنسان بمعرفة الله سبحانه وتعالى.

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#التعريف-بالله
اقرأ أيضا
رائدة النسوية بين التنظير والحياة الواقعية | مرابط
النسوية

رائدة النسوية بين التنظير والحياة الواقعية


هذه الرائدة النسوية المتمردة والتي كانت تدعو نساء العالم للتمرد على الرجل كانت تكتب لحبيبها الأمريكي نيلسون ألغرين -في لحظة شفقة وتية وعشق هائم بعد أن هجرها عشيقها الأول جان بول سارتر لبعض الوقت وذهب لمن هي أصغر سنا- وتقول له: سأكون مطيعة لك مثل زوجة عربية.

بقلم: د. عائض الدوسري
293
إنهم يبرمجونك! | مرابط
اقتباسات وقطوف

إنهم يبرمجونك!


إنهم يبرمجونك يا رجل عن بعد إنه تتم برمجتك يا رجل! تشاهد هذا في الأخبار فتقول: لقد شاهدت هذا في الأخبار.. إنها حقيقة.. لا ليست كذلك إنها هراء! نعم إن هذه هي حقيقة هذا الجهاز المسمى بالتلفاز إنه يقوم ببرمجة عقولنا إنه يقوم بقصف العقل بمجموعة هائلة من الصور بدون تسلسل منطقي لها

بقلم: محمد علي فرح
331
نتوكل على الله سبحانه | مرابط
اقتباسات وقطوف

نتوكل على الله سبحانه


لو علم المرء أن فلانا من المسؤولين هو المتكفل بمعاملته لتنفس اليقين وفرغ قلبه من الشك بتحقق مطلبه فكيف يفوت المرء على نفسه أن يكون الله خالق هذه الحاجات والخالق لسبل قضائها والخالق لموانعها هو الذي سيتكفل بأمرك إذا توكلت عليه

بقلم: إبراهيم السكران
680
إياك نعبد وإياك نستعين | مرابط
تفريغات

إياك نعبد وإياك نستعين


العبودية في قوله: إياك نعبد الفاتحة:5 العبودية هي التذلل والخضوع ولهذا تقول العرب: طريق معبد أي: مذلل إذا ذلل الناس الطريق بشيء من توطينه وتهيئته للسير يقول: طريق معبد كذلك العبد يسمى عبدا إذا كان متذللا بين يدي سيده. وهنا قال: إياك نعبد الفاتحة:5 لا نتذلل إلا لك سبحانك وتعاليت في هذا التذلل إلا لله جل وعلا والعبادة في ذلك مختلفة: ظاهرة وباطنة فالباطنة هي أعمال القلب من المحبة والخوف والرجاء والتوكل على الله سبحانه وتعالى والاستعانة والخشية وغير ذلك من أمور العبادة.

بقلم: عبد العزيز الطريفي
642
أثر الإيمان في بناء الأمم ج1 | مرابط
تفريغات

أثر الإيمان في بناء الأمم ج1


محاضرة هامة عن عن أثر الإيمان في بناء الأمم والأفراد -والكلام القادم- سيكون عن أسباب انهيار الأمم ولماذا تنهار أمم وشعوب ولماذا تبقى غيرها فالأمر يحتاج إلى وقت طويل ولكن خطورة الأمر وأهميته هي التي تجعلنا نتحدث عنه بما يفتح الله تبارك وتعالى به علينا

بقلم: د سفر الحوالي
460
صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ج4 | مرابط
تفريغات

صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ج4


إن الله سبحانه وتعالى قد فرض فرائض وشرع شرائع وأمر بلزومها ومن أعظم هذه الشرائع هي أركان الإسلام الخمسة التي أمر الله عز وجل بها وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بركنيتها للإسلام كما جاء في حديث عبد الله بن عمر في الصحيحين وغيرهما في قوله عليه الصلاة والسلام: بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت من استطاع إليه سبيلا

بقلم: عبد العزيز الطريفي
712