حقيقة التوكل على الله

حقيقة التوكل على الله | مرابط

الكاتب: عبد الله القرني

242 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

حقيقة التوكل على الله تعالى هي أن تبذل ما تقدر عليه من أسباب ومع ذلك تفوض أمرك إلى الله تعالى ثقة في أنه المدبر لكل شيء، وأنه لا خير إلا خيره، وأنه لا حول ولا قوة إلا به، وأن الله تعالى إن لم يعاملك بفضله وإحسانه فلا أقل من أن يعاملك بعدله، وأما الظلم فسبحانه تعالى أن يدخل تقديره، فإذا تخلف ما يأمله العبد من خيري الدنيا والآخرة فإنما هو لأجل تقصيره وتخاذله عن القيام بما هو في وسعه مما أمره الله به، ولأجل ضعف توكله وثقته في الله تعالى.

فأما دعوى التوكل مع ترك الأسباب فإنما هي في الحقيقة عجز وكسل، وأما الاعتماد على الأسباب دون تفويض الأمور إلى الله وحسن تدبيره، أو مع ضعف تفويض الأمور إليه فإنما هو شرك ينافي توحيد الله تعالى، إما في أصله وإما في كماله، بحسب ما يقوم بقلب العبد من ذلك.

والتوكل على الله تعالى بهذا المعنى والثقة في الله تعالى في أن يختار لعبده ما هو الخير له في أمر دنياه وآخرته قرينان لا يتخلف أحدهما عن الآخر، وكلما قوي توكل المؤمن على ربه زادت ثقثه في الله تعالى حتى لا يصبح يبالي ما يقدر الله له، لعلمه أن الخير هو فيما يختاره الله له.

توكل الأنبياء

وأنبياء الله تعالى هم الذين حققوا هذا المقام كما ينبغي، فكان من تقدير الله لهم أن جعل من عاقبة أمرهم ما هو من آيات الله في تدبيره لخلقه، فكانوا بذلك في مقام الأسوة والقدوة لعباده المؤمنين، وأن من اقتدى بهم واستن بسنتهم فلا شك أن الله يعامله بأن يكون له في عاقبة أمره من جنس ما كان لهم من العاقبة الحسنة، وأن المؤمن إذا استقام على طريقتهم في الثبات على أمر الله تعالى مع تفويض الأمور إليه أثابه الله من الخير والكرامة بما لم يظنه ولم يخطر له على بال.

نموذج إبراهيم عليه السلام

فإبراهيم عليه السلام وهو يساق إلى النار ليحرق فيها لم يكن يخطر له أن تنقلب حرارة النار إلى برد وسلام يناقض طبيعتها، وإنما كان معه الثبات على أمر الله تعالى بإظهار التوحيد وإبطال الشرك مع الثقة في أن عاقبة أمره مع قومه ليست متوقفة على مجرد تدبيرهم وكيدهم وإنما على ما يختاره الله له.

نموذج موسى عليه السلام

وموسى عليه السلام وهو يقود بني إسرائيل للنجاة بهم من ظلم فرعون وقومه لم يكن يعلم والبحر أمامه والعدو خلفه كيف سينجيه الله تعالى، وإنما كان معه الثبات على أمر الله تعالى بإخراج قومه، مع الثقة في الله في أنه سيهديه وقومه إلى طريق النجاة، وحين دب الخوف والخور إلى قلوب بني إسرائيل وهم ينظرون إلى أنه لا نجاة لهم من الهلاك، فهاجوا واعترضوا على موسى عليه السلام بقولهم:" إنا لمدركون "، لكن ذلك لم يزعزع ثقة نبي الله موسى عليه السلام في وعد الله له ولقومه بالنجاة، وإن لم يدرك حينها كيف ستكون، ولم يخطر له حينها أن البحر الذي هو مظنة الغرق والهلاك سيكون طريقا سالكا مأمونا يخرجون منه إلى الضفة الأخرى، ومع هذا الموقف العصيب جاء جوابه وثقته في الله تعالى فخاطب قومه بما يجب عليهم من الثبات على أمر الله وانتظار الفرج منه توكلا عليه وتفويضا للأمور إليه فقال:" كلا إن معي ربي سيهدين ".

نموذج محمد صلى الله عليه وسلم

والنبي ﷺ وهو في الغار ومعه صاحبه أبو بكر رضي الله عنه في طريقهم للهجرة إلى المدينة النبوية، والمشركون واقفون فوق الغار، وأبو بكر رضي الله عنه يحذر النبيﷺ بأن المشركين لو نظروا إلى موضع أقدامهم لرأوهم، وفي هذا الموقف الحرج يأتي جواب النبيﷺ الواثق في نصر الله لهما فيقول لأبي بكر:" لا تحزن إن الله معنا "، فليس بعد الثبات على أمر الله تعالى لرسوله ﷺ بالهجرة وبذل الأسباب في ذلك مع الثقة في تحقيق موعود الله تعالى إلا طمأنة أبي بكر رضي الله عنه بألا يحزن، لأن الله الذي بيده تدبير كل شيء هو الذي سينجيهم ويخلصهم من كيد أعدائهم، وإن كانوا في غاية القرب منهم، وجاء في الصحيحين أنه قال له:" ما ظنك باثنين الله ثالثهما "،  وأما كيف سيكون ذلك، وما الطريقة التي ينجون بها فليست من شأنهم، وإنما هي من تدبير الله وحده.

ثم كان من أمر سراقة في لحاقه بالنبي ﷺ وأبي بكر رضي الله عنه ما كان، وأنه لما رأى أن أقدام فرسه قد ساخت لدعوة النبي ﷺ عليه وقع في قلبه أن الله سيظهر أمره، وطلب من النبي ﷺ أن يتركه يعود ولا يدعو عليه، فكان من شأنه أنه صار يصرف الناس عن أن يطلبوا النبي ﷺ في الجهة التي جاء منها، فانقلب حاله بتدبير الله تعالى من عدو يُخشى بأسه إلى منافح عن النبيﷺ يصد الناس عن إلحاق الأذى به وبصاحبه.

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#التوكل
اقرأ أيضا
تفريق الرسول بين اختلاط المكث والاختلاط العارض | مرابط
مقالات

تفريق الرسول بين اختلاط المكث والاختلاط العارض


لنسأل الآن سؤالا كان يجب أن يطرح قبل ذلك وهو: وهل فرق النبي فعلا في صور الاختلاط بين الاختلاط العابر في زمن يسير واختلاط المكث الذي يأخذ زمنا كثيرا؟ الحقيقة أننا حين نتدبر صور الاختلاط في عهد النبوة التي من جنس واحد يتبين لنا فعلا كيف ميز النبي في أحكامها طبقا لعامل الزمن أو بشكل أدق طبقا لقوة الإفضاء إلى الفتنة وبين يديكم نماذج توضح ذلك.

بقلم: إبراهيم السكران
416
لماذا يقع الخطأ من المخلصين؟ | مرابط
اقتباسات وقطوف

لماذا يقع الخطأ من المخلصين؟


واعلم أن الله تعالى قد يوقع بعض المخلصين في شيء من الخطأ ابتلاء لغيره أيتبعون الحق ويدعون قوله أم يغترون بفضله وجلالته؟ وهو معذور بل مأجور لاجتهاده وقصده الخير وعدم تقصيره ولكن من تبعه مغترا بعظمته بدون التفات إلى الحجج الحقيقية من كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم فلا يكون معذورا

بقلم: عبد الرحمن المعلمي اليماني
343
صلاة الفجر بين الصادقين والمنافقين | مرابط
تفريغات

صلاة الفجر بين الصادقين والمنافقين


سنتكلم عن اختبار من الاختبارات الصعبة جدا فليس أي شخص ممكن ينجح فيه لدرجة أن الرسول صلى الله عليه وسلم جعل هذا الاختبار مقياسا واضحا بين المؤمن والمنافق فهو اختبار خطير والذي سيسقط في هذا الاختبار سيكون منافقا بنص كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم الاختبار هذا يا إخواني ويا أخواتي هو اختبار صلاة الفجر صلاة الفجر في جماعة للرجال وصلاة الفجر في أول وقتها للنساء

بقلم: د راغب السرجاني
733
الكتاب المعجز الجزء الأول | مرابط
تعزيز اليقين

الكتاب المعجز الجزء الأول


ولو عدنا ثانية إلى الفرض بأن القرآن من تأليف النبي - صلى الله عليه وسلم - وإنشائه لتبين لنا استحالة هذا الفرض بمجرد النظر في نظم القرآن وأسلوبه ومقارنته مع أسلوب النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديثه المدون في كتب السنة والحديث ليقيننا أنه لا يمكن لأديب أن يغير أسلوبه أو طريقته في الكتابة بمثل تلك المغايرة التي نجدها بين القرآن والسنة ولو شئنا أن نضرب لذلك مثلا فنقارن بين بيان القرآن وأسلوبه وبين كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - فكلاهما كلام بليغ لكن شتان بين كلام الباري وكلام عبده

بقلم: د منقذ السقار
799
لغة أضاعها أهلوها | مرابط
لسانيات

لغة أضاعها أهلوها


صرت تقرأ كتبا ومقالات لقوم من أشباه العوام وهم عند الناس كتاب ومؤلفون يلحنون في الفاعل والمفعول وهم من أئمة الأدب وأعيان الأدباء ما قرؤوا يوما كتابا في نحو ولا صرف ولا تمرسوا بأساليب العرب ولا عرفوا مذاهبها في كلامها وهم أساتذة الأدب الرسميون في الثانويات والجامعات

بقلم: علي الطنطاوي
659
المروجون لسؤال غير الله ودعائه | مرابط
أباطيل وشبهات فكر

المروجون لسؤال غير الله ودعائه


إن المروجين لسؤال غير الله ودعائه والنذر له.. بأقوالهم وأفعالهم هم كذلك يحاربون الفطرة والدين والعقل. أولئك مضلون صادون عن سبيل الله وهؤلاء كذلك.. ويجب بيان باطلهم وكشفهم وفضحهم بكل وضوح صراحة. هم والله قطاع طرق يصدون عن سبيل الله. ولا أعلم شيئا أولى بالرد والبيان والتفصيل من مقام إخلاص الدين لله الذي هو الأصل الذي خلق الله له السموات والأرض وما بينهما.. أن يكون الدين كله لله وليس بعضه له وبعضه لشركائهم!

بقلم: حسين عبد الرازق
306