حقيقة التوكل على الله

حقيقة التوكل على الله | مرابط

الكاتب: عبد الله القرني

337 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

حقيقة التوكل على الله تعالى هي أن تبذل ما تقدر عليه من أسباب ومع ذلك تفوض أمرك إلى الله تعالى ثقة في أنه المدبر لكل شيء، وأنه لا خير إلا خيره، وأنه لا حول ولا قوة إلا به، وأن الله تعالى إن لم يعاملك بفضله وإحسانه فلا أقل من أن يعاملك بعدله، وأما الظلم فسبحانه تعالى أن يدخل تقديره، فإذا تخلف ما يأمله العبد من خيري الدنيا والآخرة فإنما هو لأجل تقصيره وتخاذله عن القيام بما هو في وسعه مما أمره الله به، ولأجل ضعف توكله وثقته في الله تعالى.

فأما دعوى التوكل مع ترك الأسباب فإنما هي في الحقيقة عجز وكسل، وأما الاعتماد على الأسباب دون تفويض الأمور إلى الله وحسن تدبيره، أو مع ضعف تفويض الأمور إليه فإنما هو شرك ينافي توحيد الله تعالى، إما في أصله وإما في كماله، بحسب ما يقوم بقلب العبد من ذلك.

والتوكل على الله تعالى بهذا المعنى والثقة في الله تعالى في أن يختار لعبده ما هو الخير له في أمر دنياه وآخرته قرينان لا يتخلف أحدهما عن الآخر، وكلما قوي توكل المؤمن على ربه زادت ثقثه في الله تعالى حتى لا يصبح يبالي ما يقدر الله له، لعلمه أن الخير هو فيما يختاره الله له.

توكل الأنبياء

وأنبياء الله تعالى هم الذين حققوا هذا المقام كما ينبغي، فكان من تقدير الله لهم أن جعل من عاقبة أمرهم ما هو من آيات الله في تدبيره لخلقه، فكانوا بذلك في مقام الأسوة والقدوة لعباده المؤمنين، وأن من اقتدى بهم واستن بسنتهم فلا شك أن الله يعامله بأن يكون له في عاقبة أمره من جنس ما كان لهم من العاقبة الحسنة، وأن المؤمن إذا استقام على طريقتهم في الثبات على أمر الله تعالى مع تفويض الأمور إليه أثابه الله من الخير والكرامة بما لم يظنه ولم يخطر له على بال.

نموذج إبراهيم عليه السلام

فإبراهيم عليه السلام وهو يساق إلى النار ليحرق فيها لم يكن يخطر له أن تنقلب حرارة النار إلى برد وسلام يناقض طبيعتها، وإنما كان معه الثبات على أمر الله تعالى بإظهار التوحيد وإبطال الشرك مع الثقة في أن عاقبة أمره مع قومه ليست متوقفة على مجرد تدبيرهم وكيدهم وإنما على ما يختاره الله له.

نموذج موسى عليه السلام

وموسى عليه السلام وهو يقود بني إسرائيل للنجاة بهم من ظلم فرعون وقومه لم يكن يعلم والبحر أمامه والعدو خلفه كيف سينجيه الله تعالى، وإنما كان معه الثبات على أمر الله تعالى بإخراج قومه، مع الثقة في الله في أنه سيهديه وقومه إلى طريق النجاة، وحين دب الخوف والخور إلى قلوب بني إسرائيل وهم ينظرون إلى أنه لا نجاة لهم من الهلاك، فهاجوا واعترضوا على موسى عليه السلام بقولهم:" إنا لمدركون "، لكن ذلك لم يزعزع ثقة نبي الله موسى عليه السلام في وعد الله له ولقومه بالنجاة، وإن لم يدرك حينها كيف ستكون، ولم يخطر له حينها أن البحر الذي هو مظنة الغرق والهلاك سيكون طريقا سالكا مأمونا يخرجون منه إلى الضفة الأخرى، ومع هذا الموقف العصيب جاء جوابه وثقته في الله تعالى فخاطب قومه بما يجب عليهم من الثبات على أمر الله وانتظار الفرج منه توكلا عليه وتفويضا للأمور إليه فقال:" كلا إن معي ربي سيهدين ".

نموذج محمد صلى الله عليه وسلم

والنبي ﷺ وهو في الغار ومعه صاحبه أبو بكر رضي الله عنه في طريقهم للهجرة إلى المدينة النبوية، والمشركون واقفون فوق الغار، وأبو بكر رضي الله عنه يحذر النبيﷺ بأن المشركين لو نظروا إلى موضع أقدامهم لرأوهم، وفي هذا الموقف الحرج يأتي جواب النبيﷺ الواثق في نصر الله لهما فيقول لأبي بكر:" لا تحزن إن الله معنا "، فليس بعد الثبات على أمر الله تعالى لرسوله ﷺ بالهجرة وبذل الأسباب في ذلك مع الثقة في تحقيق موعود الله تعالى إلا طمأنة أبي بكر رضي الله عنه بألا يحزن، لأن الله الذي بيده تدبير كل شيء هو الذي سينجيهم ويخلصهم من كيد أعدائهم، وإن كانوا في غاية القرب منهم، وجاء في الصحيحين أنه قال له:" ما ظنك باثنين الله ثالثهما "،  وأما كيف سيكون ذلك، وما الطريقة التي ينجون بها فليست من شأنهم، وإنما هي من تدبير الله وحده.

ثم كان من أمر سراقة في لحاقه بالنبي ﷺ وأبي بكر رضي الله عنه ما كان، وأنه لما رأى أن أقدام فرسه قد ساخت لدعوة النبي ﷺ عليه وقع في قلبه أن الله سيظهر أمره، وطلب من النبي ﷺ أن يتركه يعود ولا يدعو عليه، فكان من شأنه أنه صار يصرف الناس عن أن يطلبوا النبي ﷺ في الجهة التي جاء منها، فانقلب حاله بتدبير الله تعالى من عدو يُخشى بأسه إلى منافح عن النبيﷺ يصد الناس عن إلحاق الأذى به وبصاحبه.

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#التوكل
اقرأ أيضا
شبهات حول الحجاب: الحجاب يمنع المرأة من التعبير عن نفسها | مرابط
أباطيل وشبهات المرأة

شبهات حول الحجاب: الحجاب يمنع المرأة من التعبير عن نفسها


يقول بعض المنكرين والرافضين للحجاب: إن الحجاب هو عدو حرية المرأة وانطلاقها لتعبر عن نفسها إنه يجعل المرأة كخيمة متنقلة ويأسر جمالها ويمنعه من أن يعبر عن حيوية هذا الإنسان المبدع والحقيقة أن هذه شبهة حادثة في عصرنا وإليكم الرد عليها والجواب الكافي المبين لما تنطوي عليه من أباطيل وأخطاء

بقلم: سامي عامري
1003
الخصوصية الثقافية | مرابط
اقتباسات وقطوف

الخصوصية الثقافية


فالثقافات المتباينة تتحاور وتتناظر وتتناقش ولكن لا تتداخل تداخلا يفضي إلى الامتزاج البتة ولا يأخذ بعضها عن بعض شيئا إلا بعد عرضه على أسلوبها في التفكير والنظر والاستدلال فإن استجاب للأسلوب أخذته وعدلته وخلصته من الشوائب وإن استعصى نبذته واطرحته.

بقلم: محمود شاكر
375
المدخل إلى فهم إشكالات ما بعد السلفية ج2 | مرابط
مناقشات

المدخل إلى فهم إشكالات ما بعد السلفية ج2


حين أخبرني الشيخ أحمد سالم عن كتاب ما بعد السلفية وكان يتوقع رفضا واسعا للكتاب أبديت مخالفتي لهذا التوقع وأن مثل هذا النقد سيكون متقبلا عند التيار الأوسع من السلفيين كنت أرى أن مثل هذا النقد من كاتبين فاضلين سيكون له أثر إيجابي لحظة ما وصلني الكتاب بدأت متلهفا بقراءته قرأته بشكل دقيق فاحص شعرت بعد الانتهاء منه أنني كنت ساذجا جدا حين ظننت أن مثل هذا النقد سيحدث أثرا إيجابيا أو من الممكن أن تتقبله أكثر النفوس أو أن يكون الفضاء الذي سيحدثه فضاء صحيا السبب هو في الروح التي كتب بها هذا النقد وحك...

بقلم: فهد بن صالح العجلان
1145
منزلة السنة من الكتاب الكريم الجزء الأول | مرابط
تعزيز اليقين فكر مقالات

منزلة السنة من الكتاب الكريم الجزء الأول


إن القرآن روح الإسلام ومادته وفي آياته المحكمة شرع دستوره وبسطت دعوته وقد تكفل الله بحفظه فصينت به حقيقة الدين وكتب لها الخلود أبد الآبدين والرجل الذي اصطفاه الله لإبلاغ آياته وحمل رسالاته كان قرآنا حيا يسعى بين الناس كان مثالا لما صوره القرآن من إيمان وإخبات وسعي وجهاد وحق وقوة وفقه وبيان فلا جرم أن قوله وفعله وتقريره وأخلاقه وأحكامه ونواحي حياته كلها تعد ركنا في الدين وشريعة للمؤمنين إن الله اختاره ليتحدث باسمه ويبلغ عنه فمن أولى منه بفهم مراد الله فيما قال ومن أولى منه بتحديد المسلك الذي...

بقلم: محمد الغزالي
1579
هل تعلم النبي القرآن من بحيرا وورقة بن نوفل | مرابط
أباطيل وشبهات مقالات تعزيز اليقين

هل تعلم النبي القرآن من بحيرا وورقة بن نوفل


من أبرز الأباطيل والشبهات التي أثارها أعداء الدين قديما وحديثا: أن النبي صلى الله عليه وسلم قد تعلم هذا القرآن من بحيرا الراهب وورقة بن نوفل وأخذ عنهما هذا العلم وبثه بين العرب أي أن القرآن ليس وحيا من عند الله وإنما يندرج تحت علم أهل الكتاب والرد على هذا الزعم بسيط وميسور جدا فما حفظه التاريخ وما وصلنا من أخبار ومن قرائن الأحوال يثبت عكس ذلك وهو ما يوضحه الكاتب منقذ السقار في هذا المقال

بقلم: د منقذ محمود السقار
8672
الإيمان في القلب | مرابط
أباطيل وشبهات تعزيز اليقين مقالات

الإيمان في القلب


نسمع كثيرا على ألسنة عامة الناس عبارة الإيمان في القلب والحقيقة قد يتخيل السامع أن المراد بها هو تعظيم الإيمان القلبي وتعظيم الاهتمام بباطن الإنسان وسريرته ولكن الحقيقة أن هناك سياقات أخرى تأتي فيها هذه العبارة ولا تكون إلا باطلا محضا وينتج عنها الكثير من المفاسد وهذا ما يوضحه لنا المقال

بقلم: عبد الله بن صالح العجيري وفهد بن صالح العجلان
2424