خيركم لمن؟

خيركم لمن؟ | مرابط

الكاتب: معتز عبد الرحمن

258 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

أحيانا كانت تستوقفني أحاديث نبوية شريفة مثل (خيركم خيركم لأهله) وما في موضوعه من أحاديث تفضيل الإحسان إلى الأهل والزوجة والأولاد على أي إحسان آخر، وكان توقفي للتأمل سببه اعتقادي في بديهية اهتمام المرء بأهله أكثر من غيرهم، ومع كون هذا الاهتمام والتفضيل بديهيا حسب ما كنت أظن أرى كثرة الأحاديث النبوية في الحث عليه وتذكير المؤمنين بأنه أفضل من غيره!

وكان هذا التوقف قبل عهد المسئولية وربما في بداياته، إذ مع مرور الوقت وكثرة الاحتكاك والتعامل تبين عمليا كيف أن اعتقادي في بديهية هذا الاهتمام عند الرجال – وحتى النساء – لم يكن دقيقا على الإطلاق، وأن الكثير من الناس يسهل عليه أن يوجه خيره وفضله وحسن خلقه إلى كل الناس أكثر من توجيه هذا إلى أهله، فخير الموظفين وخير الأصدقاء وخير الجيران في أحيان كثيرة لا يكون خير الأزواج ولا خير الآباء، والأمر نفسه في الزوجات والأمهات، وخذها قاعدة أن كلامي الآتي يشمل الجنسين، فالنساء شقائق الرجال.

الإحسان إلى الغير أيسر من الإحسان إلى الأهل؟

فلماذا يكون الإحسان إلى الغير أحيانا أيسر من الإحسان إلى الأهل؟!  ربما من أسباب هذا - في رأيي..

الانقطاع والديمومة

أولا: الانقطاع والديمومة، فالإحسان إلى الناس ممن نقابلهم لساعات في اليوم ولأيام في الشهر أو في العام وضبط النفس معهم وإكرامهم قد يكون أيسر من فعل هذا مع المرتبطين بك دائما والمتصلين بك دائما، ففرص الملل وفقدان الحماس في الحالة الثانية أكبر، فالأمر يشبه قوله صلى الله عليه وسلم (خير الأعمال أدومها وإن قل) وفي هذا إشارة أن المداومة على القليل أصعب من عمل الكثير بصورة غير دائمة ومستمرة، والاهتمام بالأهل أمر جمع بين الديمومة والكثرة معا.

المصلحة

ثانيا: المصلحة المباشرة العاجلة، فعندما يحسن المرء التعامل مع الآخرين في العمل وغيره كثيرا ما يجني فائدة عاجلة من هذا الفعل ولو السمعة الطيبة التي قد تتحول في حد ذاتها إلى مال أو مكانة، بجانب أن الآخرين يتعاملون مع خدماته الشخصية لهم كديون (جمايل) سيردونها له في أقرب فرصة وأقرب احتياج، أما مع الزوجة\الزوج والأولاد وربما سائر الأرحام قد لا يكون الانتفاع بهذه المباشرة ولا بهذه السرعة، وضعيفو البصيرة الذين لا يرون إلا تحت أقدامهم كثيرون، كثيرون جدا، وللأسف لا يدركون هذا عادة إلا متأخرا، بعدما يذهب أصحاب الفائدة السريعة وتذهب فوائدهم معهم، ويأتي وقت جني الثمرة طويلة الأمد فلا يجدونها.

تعامل الأهل مع العطاء

ثالثا: الأهل يتعاملون مع عطاء (الزوج/ الأب/الزوجة/الأم..) كأمر واجب عليه، كأمر اعتيادي كشروق الشمس يوميا، فقلما يجد من التقدير المستمر والتحفيز ما يجده من الأغراب إذا أسدى إليهم شيئا، وهذا مضعف للهمة صارف لخيرية الإنسان لمن يشعر عندهم بالتقدير أكثر ممن يفتقد هذا منهم، وهذه حالة خاصة من النقطة الثانية.

إهمال الأهل

رابعا: إهمال المرء لأهله آثاره وخيمة عليهم وعلى المجتمع أكثر بكثير من آثار إهماله لمن دونهم، فكان فضل المهتم بهم والراعي لهم عظيما على قدر الفساد الذي أنقذ المجتمع منه، فإنه إذا لم يكن زميلا جيدا، صديقا جيدا، فإن هذا شيء سيئ ومضر للفرد والمجتمع ولكنه لا يكون أبدا على قدر الضرر والفساد الذي يقع إذا لم يكن زوجا جيدا أو أبا جيدا.

واقرأوا مشاكل الناس، شكاوى الزوجات من الإهمال وشكاوى الأزواج أيضا من الإهمال، وكيف يؤدي هذا إلى تحطم الأسر وأحيانا إلى الوقوع في الفواحش أو مقدماتها والعياذ بالله، بجانب الوقوع في الحقد والحسد والانشغال بالآخرين، وانظروا إلى آثار هذا الإهمال على الأولاد والنشء ثم على المجتمع بالتبعية، لتستشعروا قدر الخيرية التي يحققها ذلك الحاضن لأسرته المشغول بهم، المشغول (بهم) أي بكل شيء يخصهم، وأهمه دينهم وخلقهم ونفسيتهم ونضجهم العقلي والعاطفي، وليس فقط مشغولا بأكلهم ولبسهم ومدارسهم.

أن تكون خير راع

وإجمال هذا، أن تكون خير راع لأهلك أمر يحتاج إلى هم وتعب دائم مستمر، مع ضعف في العائد العاجل وربما أيضا في التقدير وإظهار العرفان لا سيما من الأبناء الصغار، ولكنه خير درع للمجتمع كله وليس لأسرتك وحدها، فصار بذلك بابا واسعا بلوغ الدرجات العالية عند الله تبارك وتعالى إن أخلصت فيه وأحسنت، فاجعل من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وقودا لك كي تصبر وتستمر.

لا تهمل الآخرين، لا تكن سيئا مع الآخرين، فالفضل في الإحسان إلى كل الناس ثابت وواضح، ولكن إياك أن تغتر بما تفعله في بساتين غيرك، وتترك بستانك بلا رعاية كافية تفوق كل رعاية وكل اهتمام.

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#خيركم-لأهله
اقرأ أيضا
الإيمان في القلب | مرابط
أباطيل وشبهات تعزيز اليقين مقالات

الإيمان في القلب


نسمع كثيرا على ألسنة عامة الناس عبارة الإيمان في القلب والحقيقة قد يتخيل السامع أن المراد بها هو تعظيم الإيمان القلبي وتعظيم الاهتمام بباطن الإنسان وسريرته ولكن الحقيقة أن هناك سياقات أخرى تأتي فيها هذه العبارة ولا تكون إلا باطلا محضا وينتج عنها الكثير من المفاسد وهذا ما يوضحه لنا المقال

بقلم: عبد الله بن صالح العجيري وفهد بن صالح العجلان
2319
ذكر ما يصدأ به القلب | مرابط
اقتباسات وقطوف

ذكر ما يصدأ به القلب


قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن المؤمن إذا أذنب كانت نكتة سوداء في قلبه فإن تاب ونزع واستغفر صقل قلبه وإن زاد زادت حتى تعلو قلبه فذلك الران الذي ذكر الله عز وجل في كتابه كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون وقال حذيفة إذا أذنب العبد نكت في قلبه نكتة سوداء فإذا أذنب نكت في قلبه نكتة سوداء حتى يصير قلبه كالشاة الربداء

بقلم: ابن الجوزي
658
الحرية بين الحقيقة والوهم | مرابط
اقتباسات وقطوف

الحرية بين الحقيقة والوهم


الحرية هي المعنى الذي يسعى إليه جميع الناس ويريد كل واحد أن يعيشه ويلتذ به ولكن ما هو الطريق المسلوك للوصول إليها هنا نقف أمام مفترق طرق بين الرجل الصادق الذي يدعو إليها وإلى وسائلها وبين الرجل الدجال الذي يخدع الناس ويرشدهم إلى مواطن الخلل التي لا تفضي إلى شيء

بقلم: محمود شاكر
1460
ماذا لو | مرابط
تعزيز اليقين فكر مقالات

ماذا لو


عندما نسمع الآيات التي تتكلم عن القدر والأحاديث مثل واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك فلنعلم أنها تذكرنا بحقيقة أن هذه الأقدار إنما قدرها الله الذي نعلم عن علمه وحكمته ولطفه ورحمته وعدله فلنسلم له أنفسنا بطمأنينة

بقلم: إياد قنيبي
2280
صدقة السر | مرابط
مقالات

صدقة السر


سمة مميزة جوهرية في الشريعة ليست لغيرها هي فكرة عمل السر ..ليس من جهة إخلاص الفاعل فقط بل أكثر من جهة حفظ ماء وجه الضعيف وحماية نفسه ورعاية مشاعره ورفع أي حرج عنه تدفعه إليه طبيعة الحاجة والضعف التي يضطر معها لقبول ما لا يقبله غيره من إراقة ماء الوجه!

بقلم: محمد وفيق زين العابدين
230
فلسفة الزواج | مرابط
المرأة

فلسفة الزواج


إن العلاقة الوثيقة والحب العميق بين الرجل والمرأة ليسا ناشئين عما تتطلبه الحياة الدنيا من الحاجات فحسب فالمرأة ليست صاحبة زوجها في حياة دنيوية وحدها بل هي رفيقته أيضا في حياة أبدية خالدة. فما دامت هي صاحبته في حياة باقية فلا ينبغي لها أن تلفت نظر غير رفيقها الأبدي وصديقها الخالد إلى مفاتنها ولا تزعجه ولا تحمله على الغضب والغيرة.

بقلم: بديع الزمان النورسي
240