الكتاب المعجز الجزء الثاني

الكتاب المعجز الجزء الثاني | مرابط

الكاتب: د منقذ السقار

670 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

تحدي القرآن في العصر الحديث

ويحكي الدكتور إبراهيم خليل قصة طبيب مصري مسيحي استفزه تحدي القرآن، فعزم على إنشاء كتاب يجيب فيه التحدي، ويسميه: "وانتهت تحديات القرآن".

وسعيًا لتحقيق ذلك كتب الطبيب المصري رسالة أرسل صورة منها إلى ألفي عالم أو معهد أو جامعة ممن تخصصوا بالدراسات العربية والإسلامية في مختلف أنحاء العالم يدعوهم لمساعدته في إنجاز هذا الكتاب المهم، وكان مما سطره في خطابه قوله: "القرآن يتحدى البشرية في جميع أنحاء العالم في الماضي والحاضر والمستقبل بشيء غريب جدًا، وهو أنها لا تستطيع تكوين ما يسمى بالسورة باللغة العربية ... السورة رقم ١١٢، وهي من أصغر سور القرآن، ولا يزيد عدد كلماتها عن ١٥ كلمة، ويتبع ذلك أن القرآن يتحدى البشرية بالإتيان بـ (١٥) كلمة لتكوين سورة واحدة كالتي توجد بالقرآن ...

سيدي: أعتقد أن مهاجمة هذه النقطة الهامة والخطيرة، وذلك بالإتيان بأكبر عدد ممكن من السور كالتي توجد، أو - آمل أن تكون - أفضل من تلك الموجودة بالقرآن سيسبب لنا نجاحًا عظيمًا لإقناع المسلمين بأنا قبلنا هذه التحديات، بل وانتصرنا عليهم ... فهل تتكرم يا سيدي مشكورًا بإرسال ١٥ كلمة باللغة العربية أو أكثر من المستوى البياني الرفيع مكونًا جملة كالتي توجد في القرآن .. ".

وللتوثيق أورد الدكتور إبراهيم خليل صورة الخطاب وعناوين الجهات (٢٠٠٠ عنوان) التي أرسل إليها، وتكررت محاولة الطبيب المسيحي أربع مرات طوال سنة ١٩٩٠م، فكانت محصلة ثمانية آلاف رسالة أرسلها إلى ٢٠٠٠ جهة أو شخصية علمية؛ أن وصلت إليه ردود اعتذار باهتة عرض الدكتور إبراهيم خليل صورها في كتابه، منها اعتذار كلية الدراسات الشرقية والإفريقية في جامعة لندن، فقد كان ردها: "آمل أن نتفهم أن كُليتنا وأعضاءها يرفضون الخوض في المنازعات الدينية، وبالتالي فإنه لا يمكننا إجابة طلبك ".

وأما رد إذاعة حول العالم التنصيرية (مونت كارلو) فكان: " الموضوع الذي طرحته موضوع هام، لكننا كإذاعة لا نحب أن ندخل في حمى وطيس هذه المعركة، إذ لا نظن أنها تخدم رسالة الإنجيل، فرسالتنا هي رسالة محبة، وليست رسالة تحدي ... ".

وأما رد الأب ليو من الفاتيكان فكان مثيرًا للشفقة: "بوصفنا مسيحيين فنحن لا نقبل بالطبع أن يكون القرآن هو كلام الله على الرغم من إعجابنا به؛ حيث يعتبر القمة في الأدب العربي .. هناك نقطة عملية تعوق مسألة الإتيان بسورة من مثل القرآن، وهي: من ذا الذي سيحكم على هذه المحاولة إن تمت بالفعل ... "، ولذلك اعتذر عن إجابة طلبه.

وأعاد الطبيب القبطي مراسلة جميع معاهد ومؤسسات الفاتيكان طالبًا إجابة التحدي، وعرض أن يكون هو شخصيًا الحكم بين القرآن والفاتيكان، وطلب من الأب " ليو" في الفاتيكان أن ينقل أي جزء مكون من ١٥ كلمة من الكتاب المقدس ليعارض بها القرآن، فكانت الإجابة صمت مطبق لا يشبهه إلا صمت أصحاب القبور (1)، ليصدق فيهم جميعًا قول الله تعالى: {قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} (الإسراء: ٨٨).

 

اعتراف أعداء القرآن قديمًا

لقد اعترف أعداء القرآن - قديمًا- بعظمة القرآن رغم عدائهم له، وذلَّت رقابهم لما سمعوه من محكم آياته، فها هو الوليد بن المغيرة سيد قريش وسابقها إلى محاربة النبي - صلى الله عليه وسلم - يسمعه وهو يقرأ قوله تعالى: {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} (النحل: ٩٠)، فيقول قولته المشهورة: "والله إنَّ لقولِه الذي يقولُ لحلاوة، وإنّ عليه لطلاوة، وإنه لمثمرٌ أعلاه، مغدِقٌ أسفلُه، وإنه ليعلو وما يُعلى، وإنه ليَحطِم ما تحته" (2).

ولما جاء عتبة بن ربيعة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - سمعه يقرأ أوائل سورة فصلت، فرجع إلى قريش قائلًا: "إني واللهِ قد سمعت قولًا ما سمعتُ بمثلِه قط، والله ما هو بالشعر ولا السحر ولا الكهانة، يا معشر قريش: أطيعوني واجعلوها بي، خلّوا بين هذا الرجل وبينَ ما هو فيه، فوالله ليكونن لقوله الذي سمعتُ نبأ" (3).

وأما عمر بن الخطاب فقصة إسلامه مشهورة حين دخل على أخته فوجدها تقرأ في سورة طه، فلما قرأ فواتح السورة؛ رقّ قلبه ودخل في الإسلام، وأصبح عمرُ الفاروقَ الذي فرق الله به بين الحق والباطل.

وأما جبير بن مطعم - رضي الله عنه - فسمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في المغرب بالطور، فلما بلغ هذه الآية: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيء أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوااتِ وَالأَرْضَ بَل لاَّ يُوقِنُونَ أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَبّكَ أَمْ هُمُ الْمُسَيْطِرُونَ} قال: (كاد قلبي أن يطير)، وفي رواية: (وذلك أول ما وقر الإيمان في قلبي) (4).

وأما الطفيل الدوسي فقدم مكة، فحذرته قريش من سماع القرآن، وقالوا: وإنما قوله كالسحر، يفرق بين الرجل وبين أبيه، وبين الرجل وبين أخيه، وبين الرجل وبين زوجته، وإنا نخشى عليك وعلى قومك ما قد دخل علينا، فلا تكلمنه ولا تسمعن منه شيئًا.

يقول الطفيل: فوالله ما زالوا بي حتى أجمعت أن لا أسمع منه شيئًا، ولا أكلمه حتى حشوت في أذني كرسفًا [قطنًا]؛ فَرَقًا [خوفًا] من أن يبلغني شيء من قوله، وأنا لا أريد أن أسمعه.

لكن الله أبى إلا أن يسمعه وهو في الطواف بعض القرآن فقال لنفسه: "واثكل أمي، والله إني لرجل لبيب شاعر، ما يخفى علي الحسن من القبيح، فما يمنعني أن أسمع من هذا الرجل ما يقول؟ فإن كان الذي يأتي به حسنًا قبلتُه، وإن كان قبيحًا تركتُه".

فجلس إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يستمع القرآن، ثم ما لبث أن أسلم (5).

ومثله خبر الشاعر لبيد بن ربيعة العامري، وهو من فحول شعراء الجاهلية، وصاحب إحدى المعلقات السبعة، سأله عمر بن الخطاب يومًا: أنشدني من شعرك، فقرأ له سورة البقرة، فقال: إنما سألتك عن شعرك، فقال: ما كنت لأقول بيتًا من الشعر بعد إذ علمني الله البقرة وآل عمران (6).

 

وشهد المستشرقون في العصر الحديث

وفي العصر الحديث أيضًا شهد المنصفون من المستشرقين بعظمة القرآن، وسجلت كلماتُهم بحقه المزيدَ من الإعجاب والدَّهش من نظمه وبيانه ومضمونه، ومنه قول المستشرق فون هامر في مقدَّمة ترجمته للقرآن: "القرآن ليس دستورَ الإسلام فحسب، وإنما هو ذِروة البيانِ العربي، وأسلوبُ القرآن المدهش يشهد على أن القرآنَ هو وحيٌ من الله، وأن محمدًا قد نشر سلطانَه بإعجاز الخطاب، فالكلمةُ [أي القرآنُ] لم يكن من الممكن أن تكونَ ثمرةَ قريحةٍ بشرية".

وأما فيليب حتّي فيقول في كتابه "الإسلام منهج حياة": "إن الأسلوب القرآني مختلف عن غيره، إنه لا يقبل المقارنة بأسلوب آخر، ولا يمكن أن يقلد، وهذا في أساسه هو إعجاز القرآن .. فمن جميع المعجزات كان القرآن المعجزة الكبرى".

وأما جورج حنا فيقول في كتابه "قصة الإنسان": "إذا كان المسلمون يعتبرون أن صوابية لغة القرآن هي نتيجة محتومة لكون القرآن منزلًا ولا يحتمل التخطئة، فالمسيحيون يعترفون أيضًا بهذه الصوابية، بقطع النظر عن كونه منزلًا أو موضوعًا، ويرجعون إليه للاستشهاد بلغته الصحيحة كلما استعصى عليهم أمر من أمور اللغة".

ويقول الفيلسوف الفرنسي هنري سيرويا في كتابه "فلسفة الفكر الإسلامي": "القرآن من الله بأسلوب سام ورفيع لا يدانيه أسلوب البشر".

وأما المستشرق بلاشير فلم يألُ جهدًا في الطعن في القرآن ومعاداته في كتابه "القرآن"، لكن الحقيقة غلبته، فقال: "إن القرآن ليس معجزة بمحتواه وتعليمه فقط، إنه أيضًا يمكنه أن يكون قبل أي شيء آخر تحفة أدبية رائعة؛ تسمو على جميع ما أقرته الإنسانية وبجَّلته من التحف".

وقال المؤرخ ول ديورانت: " ولغة القرآن هي اللغة العربية الفصحى الخالصة، وهو غني بالتشبيهات والاستعارات القوية الواضحة والعبارات الخلابة التي لا توائم ذوق الغربيين. وهو بإجماع الآراء خير كتاب، وأول كتاب في الأدب النثري العربي".

وبهرت جزالة القرآن وروعة أساليبه المستشرق الشهير، الأديب غوته، فسجل في ديوانه "الديوان الشرقي للشاعر الغربي" هذه الشهادة للقرآن: "القرآن ليس كلام البشر، فإذا أنكرنا كونه من الله، فمعناه أننا اعتبرنا محمدًا هو الإله".

وقال: "إن أسلوب القرآن محكم سام مثير للدهشة .. فالقرآن كتاب الكتب .. وأنا كلما قرأت القرآن شعرت أن روحي تهتز داخل جسمي" (7)

 


 

الإشارات المرجعية:

  1. انظر: لماذا أسلم صديقي؟ إبراهيم خليل، ص (٦٧ - ١١١).
  2. السيرة النبوية، ابن كثير (١/ ٤٩٩).
  3. أخرجه البيهقي في الدلائل (٢/ ٢٠٢)، وابن إسحاق في السيرة (١/ ١٨٧).
  4. أخرجه البخاري ح (٤٨٥٤) و (٤٠٢٣).
  5. انظر: سيرة ابن هشام، ص (٣٨٢).
  6. الاستيعاب في معرفة الأصحاب، ابن عبد البر (٣/ ١٣٣٥).
  7. انظر هذه الشهادات وغيرها: قالوا عن الإسلام، عماد الدين خليل (٥٢، ٥٨ - ٥٩، ٧٥، ١٤٥)، وقصة الحضارة، ول ديورانت (١٣/ ٥٢).

 

المصدر:

د. منقذ السقار، تنزيه القرآن الكريم عن دعاوى المبطلين، ص47

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#تنزيه-القرآن-الكريم
اقرأ أيضا
الدائرتان: بين العلم الشرعي والعلم الطبيعي | مرابط
أباطيل وشبهات مقالات الإلحاد

الدائرتان: بين العلم الشرعي والعلم الطبيعي


إننا نقبل العلم الطبيعي كوسيلة بحث ولا نقبله كفلسفة شاملة ننظر من خلالها للحياة worldview ﻷن تبني هذه النظرة يجعلك متبعا للمذهب الطبيعي متبعا لفلسفة تنظر بها للعالم وتفسره من خلالها وأنت في اتباعك هذه الفلسفة لا تبني اتباعك على طريقة العلم الطبيعي والتجريب بل تبني اتباعك على طريقة فلسفية

بقلم: د. حسام الدين حامد
299
هل الخلاف شر كله؟ | مرابط
مقالات

هل الخلاف شر كله؟


إشكالية تربى عليها جيل كامل وهي أن الخلاف شر كله وفي نفس الوقت تعلم أن من الخلاف ما هو معتبر وسائغ! فلذلك تراه منظرا لأدب الخلاف لكن عند التطبيق تراه يشتد على كل من خالفه ويود لو أنه حمل الناس على قوله ودفن كل قول مخالف.

بقلم: أحمد عبد السلام
232
هل التدين يعني الحرمان من اللذات | مرابط
أباطيل وشبهات مقالات

هل التدين يعني الحرمان من اللذات


إذا ظننا أن الاستقامة التدين تعني جفاف الحياة والحرمان من اللذات فنحن لم نفهم ديننا إنها إحلال لذات عظيمة علوية محل لذات دونية كنت تلتذ برؤية فتاة متبرجة واليوم تلتذ روحك عندما تكون دعوتك سببا في أن تراها متسترة مطيعة لربها جل وعلاكنت تلتذين بجلب أنظار الشباب إليك واليوم تلتذين بصرف أنظارهم إلى قضايا أمتهم وسبيل مجدها

بقلم: إياد قنيبي
756
من صور الاعتداء على حقوق الآخرين | مرابط
فكر

من صور الاعتداء على حقوق الآخرين


من صور الاعتداء على حقوق الآخرين: التدخين في مكان عام يشارك فيه المدخن أناس يتأذون من رائحته الكريهة وفيهم المريض وصغير السن فكم هو مقدار الأنانية في مكنون هذه الشخصية العجيبة يا أخي إن كنت مصرا ولا تقبل النصيحة فتقلع عن التدخين فاقتل نفسك بعيدا عنا ولا نحب لك ذلك.

بقلم: د. جمال الباشا
289
هل يسجن الجمال المرأة | مرابط
فكر اقتباسات وقطوف المرأة

هل يسجن الجمال المرأة


إن المرأة مخنوقة بالثقافة الصورة التي يضع الإعلام معاييرها ويصدر مشاهيرها من ممثلات هوليود وغيرهن كثير من مشاهير المطربات ورموز السيدات من الطبقة الثرية فتطارد النساء هذه المعايير المزيفة في لهث دون أن ينتبه إدراكها إلى أن ما يعرضه الإعلام معدل عليه مسلط خلاله شتى أنواع الإضاءات والألوان وأدوات التجميل والزيف السينمائي

بقلم: أمل الصالح
566
الحق والواجب | مرابط
اقتباسات وقطوف

الحق والواجب


عبارة شاملة للمفكر الجزائري مالك بن نبي يعبر فيها عن فكرة التقدم والنهضة التي يسعى لها الجميع ومن هنا يقف بنا أمام فكرة هامة وهي فكرة الواجبات والحقوق فالأولوية يجب أن تكون للواجبات كما عبر مالك بن نبي: ليس الشعب بحاجة إلى أن نتكلم له عن حقوقه وحريته بل أن نحدد له الوسائل التي يحصل بها عليها وهذه الوسائل لا يمكن إلا أن تكون تعبيرا عن واجباته

بقلم: مالك بن نبي
2167