سد الذرائع في باب الاختلاط

سد الذرائع في باب الاختلاط | مرابط

الكاتب: ابن تيمية

309 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

وقد كان من سنة النبي صلى الله عليه وسلم وسنة خلفائه التمييز بين الرجال والنساء، والمتأهلين والعزاب، فكان المندوب في الصلاة أن يكون الرجال في مقدم المسجد والنساء في مؤخره، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: “خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها”.

وقال: "يا معشر النساء لا ترفعن رؤوسكن حتى يرفع الرجال رؤوسهم" من ضيق الأزر، "وكان إذا سلم لبث هنيهة هو والرجال لينصرف النساء أولا؛ لئلا يختلط الرجال والنساء" وكذلك يوم العيد كان النساء يصلين في ناحية فكان إذا قضى الصلاة خطب الرجال ثم ذهب فخطب النساء فوعظهن وحثهن على الصدقة كما ثبت ذلك في الصحيح.

وقد كان عمر بن الخطاب وبعضهم يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قد قال عن أحد أبواب المسجد أظنه الباب الشرقي: "لو تركنا هذا الباب للنساء فما دخله عبد الله بن عمر حتى مات".

وفي السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال للنساء: "لا تحققن الطريق وامشين في حافته" أي لا تمشين في حق الطريق وهو وسطه وقال علي رضي الله عنه:"ما يغار أحدكم أن يزاحم امرأته العلوج بمنكبها؟! " يعني في السوق.

وكذلك لما قدم المهاجرون المدينة كان العزاب ينزلون دارا معروفة لهم متميزة عن دور المتأهلين، فلا ينزل العزب بين المتأهلين.

وهذا كله لأن اختلاط أحد المصنفين بالآخر = سبب الفتنة، فالرجال إذا اختلطوا بالنساء؛ كان بمنزلة اختلاط النار والحطب.

وكذلك العزب بين الآهلين فيه فتنة لعدم ما يمنعه، فإن الفتنة تكون: لوجود المقتضى، وعدم المانع.

فالمخنث الذي ليس رجلا محضا ولا هو امرأة محضة لا يمكن خلطه بواحد من الفريقين فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بإخراجه من بين الناس.

وعلى هذا المخنث من الصبيان وغيرهم لا يمكن من معاشرة الرجال ولا ينبغي أن تعاشر المرأة المتشبهة بالرجال النساء بل يفرق بين بعض الذكران وبين بعض النساء إذا خيفت الفتنة.

كما قال صلى الله عليه وسلم: “مروهم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع”.

وقد نهى عن مباشرة الرجل في ثوب واحد وعن مباشرة المرأة المرأة في ثوب واحد مع أن القوم لم يكونوا يعرفون التلوط ولا السحاق وإنما هو من تمام حفظ حدود الله كما أمر الله بذلك في كتابه وقد روى أن عمر بلغه أن رجلا يجتمع إليه نفر من الصبيان فنهى عن ذلك.

وأبلغ من ذلك أنه نفى من شبب به النساء وهو نصر بن حجاج لما سمع امرأة شببت به وتشتهيه ورأى هذا سبب الفتنة فجز شعره لعل سبب الفتنة يزول بذلك فرآه أحسن الناس وجنتين فأرسل به إلى البصرة ثم إنه بعث يطلب القدوم إلى وطنه ويذكر ألا ذنب له فأبى عليه وقال أما وأنا حي فلا.

وذلك أن المرأة إذا أمرت بالاحتجاب وترك التبرج وغير ذلك مما هو من أسباب الفتنة بها ولها فإذا كان في الرجال من قد صار فتنة للنساء أمر أيضا بمباعدة سبب الفتنة إما بتغيير هيئته وإما بالانتقال عن المكان الذي تحصل به الفتنة فيه لأنه بهذا يحصن دينه ويحصن النساء دينهن وبدون ذلك مع وجود المقتضى منه ومنهن لا يؤمن ذلك وهكذا يؤمر من يفتن النساء من الصبيان أيضا

وذلك أنه إذا احتج إلى المباعدة التي تزيل الفتنة كان تبعيد الواحد أيسر من تبعيد الجماعة الرجال أو النساء إذ ذاك غير ممكن فتحفظ حدود الله ويجانب ما يوجب تعدي الحدود بحسب الإمكان وإذا كان هذا فيمن لا ريبة فيه ولا ذنب فكيف بمن يعرف بالريبة والذنب

وهكذا المرأة التي تعرف بريبة تفتن بها الرجال تبعد عن مواضع الريب بحسب الإمكان فإن دفع الضرر عن الدين بحسب الإمكان واجب فإذا كان هذا هو السنة فكيف بمن يكون في جمعه من أسباب الفتنة ما الله به عليم والرجل الذي يتشبه بالنساء في زيهن


المصدر:
ابن تيمية، الاستقامة

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#الاختلاط
اقرأ أيضا
ليلة في بيت النبي الجزء الأول | مرابط
تفريغات

ليلة في بيت النبي الجزء الأول


نتعلم في هذه المحاضرة معنى الدفء الذي تعاني كثير من بيوت المسلمين فقده سببه أنهم لا يترسمون خطا النبي صلى الله عليه وسلم في معاملة النساء وكذلك النساء لا يترسمن خطا أزواج النبي عليه الصلاة والسلام في ضرب المثل في الوفاء وفي معرفة لماذا خلقت هذه المرأة ومعرفة حدود طاعة الرجل إن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب لنا أكثر من موقف بل حياته الكريمة كلها مليئة بهذا النموذج العطوف فقد كان يعامل النساء معاملة في غاية الرفق وفي غاية الرفعة وقد أوصانا عليه الصلاة والسلام بالنساء فقال: رفقا بالقوارير وحديث...

بقلم: أبو إسحق الحويني
602
التحدي الأعظم ج2 | مرابط
تعزيز اليقين

التحدي الأعظم ج2


جوانب الإعجاز في القرآن الكريم لا تكاد تنقضي وكلما تأملته وتدبرته ظهرت لك تفاصيل إعجازية لم تعلم عنها من قبل سواء في لغته أو بنائه أو محتواه العلمي أو تنبؤاته إلخ وهذا الأمر ليس محصورا على العرب والمسلمين وإنما متاح لكل من يتدبر بل إن من أشهر الآيات المعبرة عن هذا الجانب قوله تعالى في سورة فصلت: سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق ۗ أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد 53 ومن السياق يتضح أن الآية تتحدث عن الكفار والحاصل فعلا هو أن الإعجاز العلمي في العصور المتأخرة يقوم غا...

بقلم: موقع هداية الملحدين
1441
قطاع طريق النصيحة | مرابط
فكر مقالات

قطاع طريق النصيحة


كما أنه لطرق الناس وأموالهم قطاع فللنصيحة قطاع طريق يعترضون طريقها ويمنعون خيرها وهم العقبة الكبرى في تخلف المصالح أن تتم أو تثبت وكثير من الناس إنما يقلع عن زلته حياء ألا يجد موافقا إن أقام عليها مع حبه لها وتمنيه العودة إليها فإن وجد من يفسد على الناصح نصحه فهذه نعمة النفس التي جاءت بلا مقدار

بقلم: عبد العزيز الطريفي
2345
الغاية من الوجود | مرابط
تعزيز اليقين مقالات

الغاية من الوجود


إذا كان كل شيء في هذا الكون -ابتداء من أصغر ذرة في جسم الإنسان مرورا بالمجرات وانتهاء بما لا يزال يكتشف إلى اليوم في هذا الكون الفسيح- يدل على أنه ليس نتاج الصدفة فإنه يدل -كذلك- على وجود الغاية وانتفاء العبثية وراء إيجاده وإثبات الغاية ونفي العبثية هو أمر زائد على مجرد نفي الصدفة والعشوائية فإن نفي الصدفة يعني أن هناك سببا مناسبا وراء الشيء الذي حدث -فقط- وأما نفي العبثية فيعني أن هذا السبب كان له حكمة وغاية وقصد في إيجاد ما أوجد وليس لمجرد العبث

بقلم: أحمد يوسف السيد
2177
معنى الحجاب | مرابط
تفريغات المرأة

معنى الحجاب


قالت عائشة عليها رضوان الله تعالى كما روى البخاري و مسلم: رحم الله النساء المهاجرات حينما أنزل الله عز وجل: وليضربن بخمرهن قطعن مروطهن واختمرن بها قال غير واحد من شراح الحديث: إن المراد بذلك أنهن قطعن المروط وغطين بهن الوجوه وقد جاء هذا المعنى عن غير واحد من المفسرين.

بقلم: عبد العزيز الطريفي
298
أصول أربعة عند الصحابة | مرابط
فكر

أصول أربعة عند الصحابة


وهذه الأربعة هي أخص ما ينبغي أن يحيا في شباب أمة الإسلام فأكثرهم غرته الحياة الدنيا وألهته وشغلته عن طلب العلم بدينه والاستقامة عليه وإرادة الله والدار الآخرة. وكثير منهم لا يطلب الهدى في دينه وعمله من القرآن والسنة أصلا وإذا بلغه حكم عنهما اعترض وجادل فيه وألقى الشبهات والإشكالات عليه فلا يسلم له ولا يحكمه على نفسه.

بقلم: حسين عبد الرازق
376