العبد إذا انتبه إلى تماديه في دركات التقصير أو استمع إلى موعظة أزعجت قلبه عن رقدة الغفلة = فإن فعل الشيطان معه هو التحسير والتعيير حتى يكبّله عن مسالك التدارك بآصار الكآبة والحزن واليأس، ولا يزال به حتى يوقعه في أعظم مما كان عليه، وهو التنكّر لنعم الله الدينية ولطفه بعبده وكرمه ورحمته، فيجحد الموجود حسرةً على المفقود فيجمع بين الشرين!
أما فعل الرب سبحانه فالتبصير والتغيير ..
رجلٌ في زمن النبوة الطاهر يأتي النبي صلى الله عليه وسلم ليخبره أنه قد مسّ امرأة لا تحل له ليقضي النبي صلى الله عليه وسلم فيه ما شاء، فسكت عنه النبي صلى الله عليه وسلم حتى نزل قول الله جل وعلا: "أقم الصلاة طرفي النهار وزلفًا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات"، فلم يُعيَّر ولم يُخَذَّل ولم يُحسّر وإنما دُعي إلى الإصلاح والتغيير والعمل، ولذلك قال الله سبحانه: “إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحًا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورًا رحيمًا”.
حتى الرجل الذي تكرر منه شرب الخمر فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بتبكيته تنبيهًا لفؤاده وإنقاذًا لنفسه، إنما كان تبكيتًا يعين ولا يشين، ويوقظ ولا يميت، فلما تعدّى بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى التعيير والتخذيل واللعن = زجره النبي صلى الله عليه وسلم وقال: "لا تكونوا عَوْن الشيطان على أخيكم"، بل قطع النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه سبيل الشيطان إلى فؤاد الرجل، فقال في رواية أو واقعة أخرى: "لا تلعنوه، فإنه يحب الله ورسوله".
وعظ الفُضَيلُ رجلًا موعظة بليغة، ففزع الرجل وبكى وقال: "يا أبا علي، ما الحيلة؟!"، فقال الفضيل: "يسيرة، اتق الله فيما بقي يغفر لك ما قد سلف".
الحيلة يسيرة إذا انشغل المرء بالممكن من حاضره وغده، وأحسن الظن بالكريم، وجمع همه على الإصلاح والتغيير.
الحيلة عسيرة إذا حبس المرء روحه خلف قضبان آثام الماضي، وأنهكها بالتخذيل، وساء ظنه بربه حتى أيس من استقامة حاله، فيدفع نفسه إذن إلى مزيد من الغفلة فرارًا من آلام ظلام الأمس والغد، وهيهات!