لماذا لا يثق الليبراليون بالليبراليات: الجزء الأول

لماذا لا يثق الليبراليون بالليبراليات: الجزء الأول | مرابط

الكاتب: إبراهيم السكران

2125 مشاهدة

تم النشر منذ 3 سنوات

الحمدلله وبعد،،

 

كيف يتعامل الليبرالي مع المرأة الليبرالية؟ كيف ينظر إليها؟

 

بطبيعة الحال أمامنا تصريحات الكتّاب الليبراليين الرسمية والمستمرة بأنه يجب النظر إلى المرأة باعتبارها إنسان، وكيان يجب احترامه، لا النظر إليها باعتبارها محلًا للشهوة والفتنة، وهناك ما هو أكثر من التصريح وهو أن الليبراليين يمارسون التعيير والإدانة المتكررة للناس وللمجتمع بأنهم ينظرون للمرأة نظرة جنسية، وأما هم –أي الليبراليين- فيتعاملون مع المرأة بمنظار متسامي عن هذه النظرة الغريزية.

ويرى الليبراليون أن هذه الرؤية التي يحملونها هي "مبرر وجودهم" في الساحة الثقافية السعودية، فهم يعرضون أنفسهم كـ"مخلّص" للمرأة من براثن مجتمع يريد أن يضعها فوق سرير الجنس..
 
هذا هو ما يقوله الليبراليون عن أنفسهم، لكن .. هل تكفي ياترى التصريحات المعلنة؟ هل هذا كل شيء؟
الواقع أن الصورة كانت غامضة نوعًا ما في بواكير الخطاب الليبرالي، لكن في الفترة الأخيرة تسربت شهادات متكاثرة من الداخل الليبرالي نفسه تكشف أن كل ما كان يقال لم يكن إلا (بيع كلام)، وأنه شعارات ترمى للاستهلاك الإعلامي فقط، وأن الصورة كانت أكثر قتامة أخلاقية مما يتوقع المرتابون..

 

شهادات بألسنة الليبراليين

 

منصور النقيدان

 

دعونا نتصفح شيئًا من هذه الشهادات الداخلية، إحدى هذه الشهادات أدلى بها الكاتب (منصور النقيدان)، وتأتي أهمية هذه الشهادة من عنصرين، أولهما أن الكاتب منصور النقيدان يتمتع بعضوية النادي الليبرالي، وفي نفس الوقت له خصومة تاريخية معروفة مع التيار الإسلامي؛ وبالتالي فيستحيل بأي وجه من الوجوه أن يكون النقيدان في محل تهمة بالتجني على الليبراليين، وأما العنصر الثاني لأهمية هذه الشهادة فهي أن النقيدان كشف معاناة فتيات ليبراليات كن يتصلن به ويخبرنه بما يجدنه من لا أخلاقيات الليبراليين.

أدلى النقيدان بهذه الشهادة في لقاء تلفزيوني على قناة الحرة، حيث يقول النقيدان فيه:

 

(ربما مع الأسف كثير ممن ينظر إليهم على أنهم مثقفين، وأصحاب رؤية واعية وراقية، ومتحررون، يعانون من هذه المشكلة الكبيرة مع المرأة، كثيرات يشتكين أن كثيرًا منهم يريد أن ينام معها، يريد أن يصاحبها، يريد أن يصادقها، ولكنه يفاجؤها يومًا ما بأنه لا يستطيع أن يتزوج بها، وهو نفسه في كتاباته، وفي حديثه، وحتى في ظهوره الإعلامي، يتحدث عن حقوق المرأة، وتحرير المرأة، وأنا تفاجأت فعلًا أن أكثر من زميلة من الزميلات يتحدثن عن آخرين ممن ينظر إلى شجاعتهم في الحديث عن المرأة، لكنهم يتحدثون مع زوجاتهم ومع الأخريات بشكل متخلف مع الأسف الشديد، أنا أتفهم شخصًا يفتي بثلاثة آلاف فتوى كلها تحاصر المرأة من ضفيرتها إلى ظفرها، أتفهم كيف أن مثل هذا الشخص ينظر إلى المرأة بمنظار أسود، لكني لا أتفهم شخصًا يدعو إلى تحرر المرأة، يدعو إلى تحريرها، يقف مع حقوقها؛ ثم ينظر إليها بمنظار مزدوج، يريد أن يصل منها إلى لذته ثم ينبذها ويبحث عن بنت قبيلته) [لقاء تلفزيوني مع منصور النقيدان، برنامج حديث الخليج، قناة الحرة، يونيو 2009م]

 

لاحظ هاهنا أن هذه ليست توقعات من ناقد خارجي، بل هذه وقائع ترويها فتيات، يصرحن بأن ثمة رموز ليبرالية، لهم حضور إعلامي، يتحدثون عن تحرير المرأة، لكن إذا وصلت الأمور إلى التعامل المباشر، وأطفئت كاميرات الإعلام؛ تحول الأمر إلى محاولة –كما يروي النقيدان- أن ينام معها ويحصل لذته ثم يبحث عن بنت قبيلته للزواج!

 

والله كلما قرأت هذا النص شعرت بالغبن يحرقني من خسة اللؤم والدناءة.. ومكثت مرة أتساءل: ما الذي يدفع الليبرالي لممارسة هذه الازدواجية؟ ويبدو لي أن هذا الليبرالي قام بحساب المعادلة حسبةً بسيطة، فكأنه يقول: هذه الفتاة التي قبلت أن تتبسط معي بالحديث وأنا أجنبي عنها، وقبلت أن تخرج معي؛ انهارت الثقة بها، ولا يمكن أن آمن أن تتبسط مع غيري وتخرج معه بعد أن أتزوج بها..
 

أميرة القحطاني


حسنًا دعنا نواصل مع شهادات أخرى، هذه الروائية "أميرة القحطاني" والتي سبق أن أصدرت رواية بعنوان (فتنة)، وكان للرواية صدى في الصحافة السعودية، وتقول هي عن نفسها (كتّابي وشعرائي كثر لكنني نشأت على حب اثنين: عبدالرحمن منيف، ونزار قباني)، المهم أن هذه الروائية سبق أن سجلت شهادة أليمة، ونشرتها في صحيفة الجزيرة، حيث تقول:

 

(عندما اقتربت من هذا الوسط الثقافي، وتعاملت من بعض المثقفين فيه؛ اكتشفت أنني عشت كذبة كبيرة، وأنا هنا لا أعمم فهناك من يعمل في هذا الوسط ويملك أخلاقا نبيلة، ولكن الكفة الأخرى كانت هي الأثقل وهي الأعم، للأسف أقولها وأنا أحترق ألمًا على عالمي الذي خلته جنةً من جنات الدنيا، هذا العالم الذي يحمل الكذابين والمنافقين والوصوليين و(النسونجيين)، وهذه الكلمة وحدها كارثة..) [مقالة بعنوان: مع الاعتذار للمثقفين المحترمين، صحيفة الجزيرة الثقافية، الاثنين 3/11/2008].

 

 

في النص السابق توضح الروائية "أميرة القحطاني" لحظة صدمتها بالانحطاط الأخلاقي في الداخل الليبرالي، واكتشافها الأليم لانتشار ظاهرة (الليبرالي النسونجي)، ثم تواصل الكاتبة "أميرة" بعض القصص حول هؤلاء الليبراليين النسونجيين، والتي حدثت لها حين كانت تكتب في مجلة ليبرالية شهيرة، فتقول:

 

(وعلى طاري النسونجيين إليكم هذه القصة القصيرة لمثقف نسونجي تخطى الستين عامًا، هذه القصة جرت معي عندما كنت اكتب في إيلاف، فقد تحدثت مع كاتب وصاحب مؤلفات لإجراء لقاء صحفي معه، وقبل إجراء الحوار - الذي لم يتم - دار بيني وبينه حديث حول الكتابة والنجاح والفشل، فقال لي حرفيًا "أنا أستطيع أن اجعل من الإنسانة العادية كاتبة كبيرة!" فقلت له وأنا في دهشة مما اسمع: الكتابة موهبة لا تصنع ولا تمنح، فقال لي بكل ثقه: "أنا جعلت من إنسانه عادية كاتبة كبيره وقد أصبحت الآن مشهورة لكنها تنكرت لي عندما اشتهرت"، وعرفت من خلال حديثه انه كان يريد ثمنًا لذلك التوجيه الذي يقول أنه قدمه لتلك الكاتبة، وطبعا عرض علي المساعدة "بشرط" أن يكون هناك ثمن لهذه المساعدة التي لم أطلبها منه أساسًا، ودون أن أدخل معه في تفاصيل، وقبل أن أنهي معه مكالمتي سألته: هل هناك مثقفات يتعاملن معه ويتقبلن هذا الأسلوب في التعامل؟ قال وبصوت عال جدا: (طبعا)!، وأريد أن أنوه فقط بأن هذا الرجل لم يكن يخجل من الإفصاح عن رغبته، بل كان يتحدث بكل ثقة، وكأن نساء العالم كلهن ساقطات!)[مقالة بعنوان: مع الاعتذار للمثقفين المحترمين، أميرة القحطاني، صحيفة الجزيرة الثقافية، الاثنين 3/11/2008].

 

الواقع أن هذه القصة التي ذكرتها الروائية أميرة القحطاني تكشف جزءًا من اللعبة، وهو طبيعة الثمن الذي يقدمه بعض الليبراليين للمستغفلات من الليبراليات، وهو مساعدتها في الوصول للشهرة الإعلامية ولكن بمقابل "لا أخلاقي".

 

الطريف أن هذه المقالة لما صدرت أربكت الداخل الليبرالي حينها، وواجهت الكاتبة حملة من الضغوط الليبرالية والاتهامات الساخنة، ولذلك أعقبتها الكاتبة بمقالة أخرى ترد فيها على نقادها كانت بعنوان (مع الاعتذار لبعض المثقفين مرةً أخرى) وبدأتها بقولها (أثارت مقالتي السابقة المعنونة بـ"مع الاعتذار للمثقفين المحترمين" حفيظة بعض الكتاب في المنتديات، خصوصا بعض الذكور الذين يتوارون خلف أسماء نسائية،..) ثم واصلت الإجابة عن نقد ليبراليي المنتديات لها.
 

سمر المقرن


وفي عام 2008م أصدرت الروائية السعودية (سمر المقرن) رواية بعنوان (نساء المنكر) مكرسة لتشويه هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الطريف أن الرواية منعت من دخول الكويت وأخذت صدى في الصحافة السعودية، وبعد هذه الضجة قام الإعلامي العماني خالد العلوي بإجراء حوار مع الروائية سمر المقرن، ونشر هذا الحوار في صحيفة الصوت الكويتية، ولكن الحوار تضمن في الحقيقة شهادة فاجأت الجميع، تقول سمر المقرن:

 

(الليبراليين في السعودية يتمسحون بالليبرالية وهم أبعد ما يكون عنها، فالليبرالية تعني الحرية وتعني الانفتاح، لكنهم ينظرون إلى الليبرالية من الجانب التنظيري فقط، فعلى أرض الواقع كل تلك التنظيرات تتبخر وتعد كلاما على ورق، كما أنهم ينظرون إلى المرأة باعتبارها ماكينة تفريخ، أو أنها وسيلة للترفيه والمتعة والجنس فقط، وينظرون لها نظرة لا أخلاقية)[حوار مع سمر المقرن، جريدة الصوت الكويتية، أجرى الحوار خالد العلوي].

 

سمر المقرن ممن اغتر بشعارات الليبراليين السعوديين، وكتبت روايتها على أساس المفاهيم التي تلقتها منهم، ولكنها حين احتكت فعليًا بهذا الوسط الليبرالي اكتشفت كما تقول سمر أن الليبراليين يريدون المرأة (وسيلة للترفيه والمتعة والجنس فقط، وتتبخر تنظيراتهم السابقة في الهواء) !، أي أنهم لا يقبلون بها زوجة لأنهم لا يثقون بها، وهذا الكلام ليس كلام شيخٍ في مركز صيفي، بل هو كلام روائية ليبرالية اكتشفت الواقع المر وأطلقت آهتها على صفحات الصحف!

 

نادين البدير

 

وهذه الكاتبة الليبرالية المتطرفة "نادين البدير"، سبق أن كتبت شهادةً عن لاأخلاقيات الداخل الليبرالي، ونشرتها في صحيفة الوطن، تقول الكاتبة نادين:

 

(من السهل الكشف عن أولئك الذين يدعون الليبرالية دون أن يؤمنوا بها أو يطبقوها على أنفسهم، فحياتهم الخاصة مليئة بالمفاجآت التي تعكس ازدواجية الشخصية..، هناك الليبرالي الذي ينادي بخروج المرأة واختلاطها بالرجل، مطالبة واقعية ومنطقية ومفرحة، لكن لنسأله: أين زوجتك أو زوجاتك؟ أين أخواتك؟ أين بناتك؟ هل يخرجن فعلا ويختلطن بالرجال؟ أين نساء عائلتك عن الندوات التي تعقدها مع غيرك من المثقفين؟ لمن إذًا توجه دعوات التمرد؟ إنها لنساء الغير، لزوجات الغير، وبنات الغير)[مقالة بعنوان: الليبرالية السعودية: موضة أم نفاق؟، نادين البدير، صحيفة الوطن، 29ديسمبر2005].

 

تلاحظ في هذه العبارة التي تقولها نادين (الليبرالي يوجه دعوات التمرد لنساء الغير) أنها تختصر الانتهازية الليبرالية اللاأخلاقية، ودجل شعارات تحرير المرأة وحقوق المرأة التي يتستر بها بعض الكتبة الليبراليين، وأن كثيرًا من الليبراليين يقول هذه الشعارات ليحصل على بغيته من نساء الغير، لكنه لا يرضى أن تكون هذه المرأة الليبرالية زوجةً له لأنه لا يثق بها.

 


 

المصدر:

  1. http://www.saaid.net/Doat/alsakran/91.htm
تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#إبراهيم-السكران #الليبرالية
اقرأ أيضا
اجتياحات أزمة الرجولة | مرابط
فكر الجندرية

اجتياحات أزمة الرجولة


وتتداخل مسألة الجماليات المعممة في التطورات الحديثة لمفاهيم الرجولة من خلال إعادة إنتاج أساليب الجسد الرجولي عبر تأثير الموضة الحديثة فبحسب جوان انتويسل لعب كل من المصورين وخبراء التجميل ومصممي الأزياء من الشواذ دورا في تغيير التمثيلات الخاصة بالرجولة من خلال جماليات الموضة التي أنتجت جماليات شاذة للجسد الرجولي.

بقلم: أ. سامي الحربي
528
ثقلاء على شفير البرزخ | مرابط
فكر مقالات

ثقلاء على شفير البرزخ


من المظاهر الأليمة التي بدت ملحوظة بعض الشيء هذه الأيام أن ترى الشخص يتبع الجنازة من أقاربه أو معارفه ويقف في زحام الناس في المقبرة أو متجافيا على مرمى خطوات يطل عليهم ثم يتجاذب مع صاحب له تعليقات الدعابة والهزل بل ربما استدعى من ذاكرته نوادر يتفكه بها طبع كلما رأيت هذا المشهد السمج انهمر على ذاكرتي حديث علي بن أبي طالب أنهم كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم- في جنازة فقعد وقعدوا حوله ونكس النبي صلى الله عليه وسلم- وقال: ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من النار أو من الجنة

بقلم: إبراهيم السكران
851
فطرية السببية | مرابط
تعزيز اليقين

فطرية السببية


في عقولنا وفطرنا مبدأ يسمى بمبدأ السببية ويعني أن كل شيء وجد بعد أن لم يكن موجودا -وهو ما يسمى بالحادث- فإنه لا بد من سبب قد أدى إلى وجوده لقد غرس هذا المبدأ في فطرتنا كبشر لا مناص منه لأحد ولا يستطيع الإنسان الاقتناع بخلافه ولا يحتاج إلى إقامة الحجج والبينات على صحته..

بقلم: هادي صبري
429
المصلحة بين الشريعة الإسلامية والعقلية العلمانية | مرابط
فكر العالمانية

المصلحة بين الشريعة الإسلامية والعقلية العلمانية


إن المصلحة التي يدركها العقل العلماني ليست هي المصلحة التي جاء بتحصيلها وحفظها الشرع وبالتالي فلا يصح الاستدلال بها علينا. فالمصلحة العلمانية مصلحة دنيوية مادية فقط ولازم ذلك أن يكون الدين وحفظه ورعايته خارج دائرة المصالح المستهدفة بل هو تابع لها وفرع عنها يتحاكم إليها بحيث يجب عليه أن يتشكل ويتغير لملائمتها. أما المصلحة الشرعية فهي مصلحة الدين والدنيا والآخرة والأولى والروح والمادة والدين فيها أول المصالح المرعية وأولاها كما تقتضي طبيعة العبودية وعليه فكل المصالح الأخرى فرع عن الدين بحيث ي...

بقلم: أحمد عبد السلام
321
تدمير الحضارة سنة الغزاة | مرابط
تاريخ

تدمير الحضارة سنة الغزاة


بينما كان فريق من التتار يعمل على قتل مسلمي بغداد وسفك دمائهم اتجه فريق آخر من التتار لعمل إجرامي آخر عمل ليس له مسوغ إلا أن التتار قد أكل الحقد قلوبهم على كل ما هو حضاري في بلاد المسلمين لقد شعر التتار بالفجوة الحضارية الهائلة بينهم وبين المسلمين فالمسلمون لهم تاريخ طويل في العلوم والدراسة والأخلاق عشرات الآلاف من العلماء الأجلاء في كافة فروع العلم الديني منها والدنيوي

بقلم: د راغب السرجاني
586
علاقة علم النحو بعلوم الشريعة | مرابط
لسانيات

علاقة علم النحو بعلوم الشريعة


ولو سقط علم النحو لسقط فهم القرآن وفهم حديث النبي صلى الله عليه وسلم ولو سقط لسقط الإسلام فمن طلب النحو واللغة على نية إقامة الشريعة بذلك وليفهم بهما كلام الله تعالى وكلام نبيه وليفهمه غيره فهذا له أجر عظيم ومرتبة عالية لا يجب التقصير عنها لأحد.

بقلم: ابن حزم
318