مسالك النقد التيمي للمذهب الأشعري

مسالك النقد التيمي للمذهب الأشعري | مرابط

الكاتب: د. سلطان العميري

540 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

يعد ابن تيمية من أشهر العلماء الذين قاموا بنقد المذهب الأشعري، ومن أكثرهم توغلا في تتيع تفاصيله بالنقض والاعتراض. وقد سلك في نقده للمذهب الأشعري عددا من المسالك المنهجية، هي أشبه بالمداخل العلمية الكبرى التي يجب أن تحاكم إليها كل المذاهب العقدية.

ومن أصول تلك المسالك:

المسلك الأول: المحاكمة إلى قواطع النصوص الشرعية وظواهرها، فقد تتبع ابن تيمية النصوص الشرعية المتضمنة للعقائد المعارضة لمقررات المذهب الأشعري، وبين تنوعها في دلالتها وتراكيبها ومواردها، فأثيت من خلال ذلك أن النصوص الشرعية يستحيل أن تكون متفقة مع مقررات المذهب الأشعري.

وأثبت بذلك ضخامة الانحراف الذي وقع فيه علماء الأشاعرة، وضخامة التحريف الذي وفعوا فيه، وضخامة عدد النصوص الشرعية التي يتعارض مذهبهم معها، فمشكلة المذهب الأشعري ليست مع نص ولا نصين ولا عشرة ولا مائة نص، وإنما مشكلته مع مئات النصوص الشرعية.

فإنه بناء على مذهبهم يجب عليهم أن يؤولوا أو يفوضوا مئات النصوص في الكتاب والسنة، ويقدموا عنها جوابا. وهذا الكشف أوقع أتباع المذهب الأشعري في مأزق شرعي ظاهر، وكشف لهم حجم التكاليف الشرعية التي يجب أن يقوموا بها.

المسلك الثاني: المحاكمة إلى المستفيض عن أثمة السلف، فإن من أعظم ما قام به ابن تيمية في مواجهة المذهب الأشعري أن جمع أقوال أئمة السلف في القرون الثلاثة ومن جاء بعدهم مما فيه مناقضة ظاهرة لمقررات المذهب الأشعري.

فقد جمع قدرا كبيرًا من أقوال أئمة السلف في إثبات الصفات الاختيارية والصفات الذاتية في عدد من كتبه، كدرء تعارض العقل والنقل وشرح الأصفهانية والحموية وغيرها، وبين أن ما عليه أتباع المذهب الأشعري يخالف تلك الأقوال.

فجعل أتباع المذهب الأشعري في مواجهة مباشرة مع أئمة السلف، وهذه المواجهة تعد ورطة منهجية ظاهرة الخطورة على المذهب الأشعري، فإنها تبطل شرعية المذهب وتكشف عن حجم الانحراف الواقع في مقرراته.

المسلك الثالث: تكثيف النقد التفصيلي، فلم يقتصر ابن تيمية على إظهار حجم مخالفة المذهب الأشعري لقواطع النصوص الشرعية والمستفيض من أقوال أئمة السلف، وإنما زاد مع ذلك بأن فام بالنقد التفصيلي لمقررات المذهب الأشعري في عقائده وأدلته، فقد تنبع أقوال الأشاعرة فولا قولا، ودليلا دليلا، وقام بنقدها بالتفصيل.

وهذا النقد جعل الواجبات العلمية على المذهب الأشعري في غاية الاتساع والإرهاق، فإنه يجب عليهم منهجيا أن يقدموا جوابا تفصيليا لكل ما أورده ابن تيمية على مذهبهم من اعتراضات، سواء على جملة العقائد أو على جملة الأدلة.

وهذا جهد علمي في غاية العناء والإرهاق، لأن كثيرا مما أورده ابن تيمية يصعب الجواب عليه أو يستحيل.

المسلك الرابع: توسيع المحاكمة العقلية، فلم يقتصر ابن تيمية على نقد المذهب الأشعري من جهة النقل فقط، وإنما توسع دائرة نقده فشملت الجانب العقلي، فقد تتبع الأدلة العقلية التي يعتمد عليها أتباع المذهب الأشعري وأدر عليها كما كبيرًا من الاعتراضات العقلية.

وأقام ابن تيمية محاكم عقلية لمنظومة المذهب الأشعري، ومحص أصول ما يعتمدون عليه من الأدلة وكشف قدرًا كبيرًا من الإشكالات المنهجية الواقعة فيها.

المسلك الخامس: استثمار النقد الداخلي، فلم يكتف ابن تيمية بالنقد الذي يقدمه من تلقاء نفسه للمذهب الأشعري، وإنما استثمر التقد الذي قام به عدد من علماء الأشاعرة أنفسهم لعدد من عقائدهم وأدلتهم، وحشد ذلك كله في كتبه.

ويدخل في هذا المسلك إيراد اعتراف عدد من علماء الأشاعرة بقدر من الإشكالات العميقة في عدد من الأصول العقدية، كما هو ظاهر عند الآمدي.

ويدخل في هذا المسلك إيراد اعترافات عدد من علماء الأشاعرة بالتراجع عن علم الكلام وأنه غير مفيد لمقاصد الشريعة.

المسلك السادس: استثمار التناقض الداخلي، فقد اعتمد ابن تيمية في نقد المذهب الأشعري على ما في مقرراته من تناقض وتعارض، وذكر جملة منها، وقد تتبع عددًا من الباحثين التناقضات التي ذكرها ابن تيمية وجمعوها في كتب مفردة.

ويعد ابن تيمية من أبرز العلماء الذين تتبعوا تناقضات المذهب الأشعري في عدد من الأبواب العقدية، وجمع قدرا كييرا منها بما لا يكاد يوجد عند غيره من العلماء.

وهذا الجهد أوقع أتباع المذهب الأشعري في مأزق علمي كبير، فإنه فتح عليهم أبواب التكاليف العلمية المرهقة التي لا يكاد يوجد منفذ للخلاص منها.

المسلك السابع: استثمار النقد الكلامي والفلسفي، كما استثمر ابن تيمية النقد الأشعري، فإنه استثمر في الوقت نفسه النقد الكلامي والفلسفي للمذهب الأشعري، فأورد عددًا من الاعتراضات التي قام بها المعتزلة أو الفلاسفة وغيرهم.

وهذا المسلك يجعل القذائف النقدية الموجهة إلى هيكل المذهب الأشعري متسعة غاية الاتساع. وفي هذا المسلك كان ابن تيمية في غاية الحذر، فإنه لم يستثمر إلا ما يراه صحيحًا أو مستقيمًا في مناهج الإلزام والجدل، بل حذر بوضوح من الاعتماد على الأوجة الباطلة في الرد على المذاهب المنحرفة.

المسلك الثامن: الاهتمام بإنشاء البديل، فكما اجتهد ابن تيمية في نقد المذهب الأشعري بعدد من المسالك والطرق، فإنه اجتهد أيضًا في إنشاء البديل وتشييد أركانه وإبراز معالمه، فقد توسع في ذكر تفاصيل العقائد التي دلت النصوص الشرعية عليها، وتفاصيل الأدلة الشرعية التي يجب الاعتماد عليها في الدين، سواءًا كانت أدلة نقلية أو عقلية.

فالقارئ للتراث التيمي في نقد المذهب الأشعري يجد فيه مادة بنائية كبيرة تغنيه بقدر كبير جدًا عن مقررات المذاهب الكلامية.

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#ابن-تيمية #المذهب-الأشعري
اقرأ أيضا
تأثير الإسلام في أحوال النساء في الشرق | مرابط
تاريخ

تأثير الإسلام في أحوال النساء في الشرق


والإسلام قد رفع حال المرأة الاجتماعي وشأنها رفعا عظيما بدلا من خفضها خلافا للمزاعم المكررة على غير هدى والقرآن قد منح المرأة حقوقا إرثية أحسن مما في أكثر قوانيننا الأوربية كما أثبت ذلك حينما بحثت في حقوق الإرث عند العرب أجل أباح القرآن الطلاق كما أباحته قوانين أوربة التي قالت به ولكنه اشترط أن يكون للمطلقات متاع بالمعروف...

بقلم: جوستاف لوبون
223
ذم الجدال والخصومات في الدين | مرابط
مقالات

ذم الجدال والخصومات في الدين


عقد الإمام الآجري في كتاب الشريعة بابا في ذم الجدال والخصومات في الدين ومع أن المقصد الأساس من هذا الباب هو بيان الموقف من أهل الأهواء والبدع وضرورة مجانبتهم إلا أنه ألحق بذلك ما قد يكون من الجدل والمناظرة في مسائل الأحكام مما يسوغ فيه الخلاف والترجيح عند أهل العلم وهنا أكد على التمييز بين ما تكون المناظرة فيه لأجل نصرة الحق من الطرفين وأن هذا مما لا بأس به بخلاف ما قد يكون من انتصار الشخص لقوله أو لمذهبه فإن هذا مما لا ثمرة له ولا تحمد عواقبه وقل من يسلم منه.

بقلم: عبد الله القرني
264
ردود علماء الغرب على الإلحاد المعاصر | مرابط
مناقشات

ردود علماء الغرب على الإلحاد المعاصر


كتاب ردود علماء الغرب على الإلحاد المعاصر هو في الأصل رسالة دكتوراه نوقشت وأجيزت في قسم العقيدة بالجامعة الإسلامية لكن الكتاب ليس مجرد عمل أكاديمي بحت وإنما هو في الحقيقة نتيجة تجربة ومجاهدة ثرية ومثيرة للباحث الدكتور عبدالله السويدي يتبين بها معنى أن الله تعالى إذا أراد شيئا هيأ أسبابه وأن الإنسان إذا جاهد في الله وسعى بإخلاص في طلب الحق هداه الله تعالى ووفقه وصرف عنه ما يعيقه عن الوصول إلى غايته.

بقلم: عبد الله القرني
428
الليبرالية السعودية والتأسيس المأزوم ج4 | مرابط
أبحاث الليبرالية

الليبرالية السعودية والتأسيس المأزوم ج4


المراقب الواعي إذا تجول في مخرجات التيار الليبرالي ووقف على أبرز محطاته وسلط الأضواء على مرتكزاته المعرفية تصيبه الدهشة بسبب ما يراه من الفقر الشديد في مؤهلات النمو الصحي وبسبب ما يلحظه من الهشاشة الكبيرة في مرتكزات شرعية وجوده في الساحة الفكرية وسيكتشف أن الليبرالية السعودية تعاني من أزمة فكرية ومنهجية عميقة أزمة في المصطلح وأزمة في الخلفيات الفلسفية وأزمة في السلوكيات اليومية وأزمة في الالتزام بالقيم وأزمة في الاتساق مع المبادئ وأزمة في الاطراد وأزمة في التوافق بين أسس الليبرالية وبين قطع...

بقلم: سلطان العميري
1499
من آثر الدنيا واستحبها | مرابط
اقتباسات وقطوف

من آثر الدنيا واستحبها


كل من آثر الدنيا من أهل العلم واستحبها فلا بد أن يقول على الله غير الحق في فتواه وحكمه في خبره وإلزامه لأن أحكام الرب سبحانه كثيرا ما تأتي على خلاف أغراض الناس ولا سيما أهل الرياسة والذين يتبعون الشبهات فإنهم لا تتم لهم أغراضهم إلا بمخالفة الحق ودفعه كثيرا فإذا كان العالم والحاكم محبين للرياسة متبعين للشهوات لم يتم لما ذلك إلا بدفع ما يضاده من الحق

بقلم: ابن القيم
836
ما يسرني أن عندي مثل أحد ذهبا | مرابط
تفريغات

ما يسرني أن عندي مثل أحد ذهبا


الإيمان بالإسلام كتابا وسنة هو الذي يوفق أفق المؤمن وعقله وتفكيره والعكس بالعكس تماما لهذا نحن ندعو دائما وأبدا إلى اتباع الكتاب والسنة ليس على طريقة التأويل -هذه الطريقة التي ابتدعها الخلف- وإنما على طريقة التسليم التي سلكها السلف ولذلك نكرر دائما وأبدا: نحن لا ندعو إلى الكتاب والسنة فقط بل إلى الكتاب والسنة وعلى منهج السلف الصالح

بقلم: محمد ناصر الدين الألباني
596