ومن أشراط الساعة: تمني الرجل الموت، وجواز ذلك، لشدة ما ينزل في الأفراد من فتنة أو ضراء؛ وقد جاء في الصحيح من حديث مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بالقبر فيتمنى أن يكون مكانه)، وفي هذا إشارة إلى أن تمني الموت في بعض الأحيان جائز عند استحكام الشر واستغلاقه، وعند شدة الفتن والتباس الأمر، يعني: أن يدعو الإنسان أن يقبضه الله غير مفتون، وأن يكون مكان صاحب القبر.
وفيه أن هذا لا يناقض ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يتمنى أحدكم الموت لضر نزل به)، ومعنى هذا أن الإنسان مهما نزل به من ضر ينبغي ألا يدعو، ولكن قد يحمل ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة هنا إلى الاستثناء لشدة الفتن واستحكام الشر، فإن الإنسان إذا كان لا يأمن على نفسه من الوقوع في الفتنة لا حرج عليه أن يتمنى الموت، وهذا من لوازم ظهور الفتن والشر في الناس والمجتمعات واستحكام ذلك، حيث لا يجد الإنسان حيلة في دفع الشر، ودفع البغي، ودفع العدوان عن الدين أو عن نفسه ونحو ذلك، حتى يتمنى مع ذلك الموت.
وفيه إشارة إلى استحكام الفتن ليس على المجتمعات فيبتلى الإنسان إن أراد، ولكنه يبتلى رغمًا عنه؛ ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: (حتى يمر الرجل بالقبر)، يعني: الواحد من الناس، أي: أنه يتتبع بالفتنة والأذية والشر حتى يتمنى الأفراد الموت، وأن يكونوا كذلك.
وفيه أيضًا أن الإنسان مهما بلغ من ضر فإنه يحرم عليه الانتحار؛ ولهذا أشار النبي عليه الصلاة والسلام إلى زمن يستحكم فيه بالشر، وتظهر فيه الفتنة ظهورًا جليًا قد يستثنى مما نهى النبي عليه الصلاة والسلام منه في قوله: (لا يتمنى أحدكم الموت)، مع ذلك أشار إلى هذا، وأن غاية ما يريد المؤمن أن يتمنى الموت، وهذا فيه إشارة إلى أن قتل النفس من المحرمات في أي حال كان، وأن الإنسان ينبغي عليه أن يصبر حتى يتوفاه الله عز وجل، ويقرن ذلك بالدعاء من أن يحميه الله سبحانه وتعالى.
المصدر:
محاضرة أشراط الساعة رواية ودراية، الجزء الثالث، للشيخ عبد العزيز الطريفي