هل القرآن منقول من الكتاب المقدس ج2

هل القرآن منقول من الكتاب المقدس ج2 | مرابط

الكاتب: د منقذ السقار

739 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

ب. قصص الأنبياء والأمم السابقة بين القرآن والكتاب المقدس

الموضوع الثاني الذي يشترك القرآن والكتاب المقدس في الحديث عنه، هو قصص الأنبياء والسابقين، والمفروض أننا نتحدث عن حقائق تاريخية لن تختلف بين القرآن والكتاب المقدس بل والمؤرخين.

لكن قراءة سريعة في هذا الموضوع في الكتابين تثبت فروقًا هائلة بين معطيات الأحداث التاريخية هنا وهناك، علاوة على كيفية العرض وغايته، فقصص الكتاب المقدس وردت في سياق تاريخي بحت، بينما وردت قصص القرآن في سياق الاعتبار والتدبر، مع الإعراض عن كافة التفاصيل التاريخية التي لم يحفل بها القرآن الكريم لعدم فائدتها، فالكتب الإلهية ينزلها الله للعظة، وليس للتأريخ للأمم والأشخاص.

وننبه في هذا الصدد إلى أن في القرآن قصصًا عن أنبياء وأمم لا وجود لذكرهم في كتب اليهود والنصارى، مثل: قصة هود وصالح وشعيب وذي القرنين وأصحاب الكهف وقصة موسى مع الخضر، وغيرها كثير.

وأما القدر الذي اشتركا فيه، فبينهما من التخالف فيه ما لا يحصيه إلا الله، ففي حين يعظم القرآن الأنبياء ويعتبرهم أعظم البشر وأفضلهم {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ وَمِنْ آَبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (الأنعام: ٨٤ - ٨٧)، نجد في مقابله في الكتاب المقدس حديثًا عن الأنبياء على خلاف ذلك، فما من رذيلة ولا بلية إلا ونسبها الكتاب إلى أنبياء الله تبارك وتعالى.

فهارون عليه السلام النبي العظيم منزه عن الشرك وعن بناء العجل الذي بناه السامري وعبده بنو إسرائيل من دون الله (انظر طه: ٨٥ - ٨٧)، لكن التوراة تجعله بانيًا للعجل الذهبي المعبود من دون الله (انظر الخروج ٣٢/ ٢ - ٤).

وإذا كان داود في القرآن نبيًا عظيمًا {اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ} (ص: ١٧)، فإنه في الكتاب المقدس كان زانيًا (انظر صموئيل (٢) ١١/ ١ - ٢٦)، وقاتلًا، فقد قتل مائتين من الفلسطينيين، وقطع غلفهم، ليقدمها مهرًا لزوجته ميكال (صموئيل (١) ١٨/ ٢٧).

وأما سليمان فيصفه القرآن بالنبي الأواب: {وَوَهَبْنَا لِدَاوُدَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} (ص: ٣٠)، في حين تزعم التوراة بأنه ترك وصايا الله، وبنى معابد للأصنام إرضاء لزوجاته الوثنيات (الملوك (١) ١١/ ٣ - ١١)، فهذه المفارقات العظيمة في الصورة الإجمالية، وأكثر منها في تفاصيل الأخبار، وهي جميعًا تثبت التمايز بين الكتابين بما يحيل أن يكون القرآن منحولًا من الكتاب المقدس.

 

ج. الأحكام التشريعية بين القرآن والكتاب المقدس

يشترك أيضًا القرآن مع الكتاب المقدس في الحديث في موضوع الأحكام التشريعية التي يشرعها الله لعباده، والمسلمون يؤمنون بوحدة أصول الشرائع الإلهية التي أنزلها الله على نبيه - صلى الله عليه وسلم - وإخوانه الأنبياء {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} (الشورى: ١٣)، والقرآن نزل مصدقًا لما جاء به الأنبياء {وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (يونس: ٣٧).

لقد كان من البدهي أن تتشابه الشرائع المنزلة على الأنبياء لوحدة المشرّع جل وعلا، ومرة أخرى نذكر أن بين الكتابين من التشابه على قدر ما في كتب القوم من الحق، فقد ذكر القرآن شريعة القصاص، وأنها شِرعة شرعها الله لليهود من قبل {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} (المائدة: ٤٥)، فهذه الشريعة عدل من الله، ولذا قررها على أنبيائه وفي شرائعه، ومنها شريعة محمد - صلى الله عليه وسلم - التي قررها القرآن: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ} (البقرة: ١٧٩)، ولا يعني هذا التشابه - الذي يتناسب وعدل الله - أن النبي كان ينقلها من كتبهم.

لكن التطابق ممتنع بين الشرائع القرآنية والكتابية في كثير من الصور، ففي هذه الكتب الكثير من الشرائع التي لم يذكرها القرآن، لا بل تتعارض مع قواعد التشريع القرآني الذي يرى فيها ظلمًا محرمًا، كشريعة كسر عنق الحمار "وأما بكر الحمار فتفديه بشاة، وإن لم تفده تكسر عنقه، كل بكر من بنيك تفديه" (الخروج ٣٤/ ١٩ - ٢٠).

وكذلك قتل صاحب الثور قصاصًا من الثور الذي نطح رجلا فقتله. (انظر الخروج ٢١/ ١٨ - ٣٢)، وشريعة الإكراه على الزواج بزوجة الأخ المتوفى من غير أن يكون له ولد (انظر التثنية ٢٥/ ٥ - ١٠)، وأيضًا شرائع الكهنوت وإناطة إقامة العبادات والشعائر بهم (انظر سفر اللاويين في مواضع كثيرة منه) والتي لا نجد لها أثرًا في القرآن الذي لا يوجد فيه أي مسألة أو حكم يقر النظام الكهنوتي فضلًا عن الدخول في تفاصيله.

ومن أمثلة التباين بين الكتابين أن القرآن يحرم الكثير والقليل من الخمر {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ} (المائدة: ٩٠)؛ فإن الكتاب المقدس يرى شربها وسيلة لعلاج مشكلات الفقراء، بنسيان أتعابهم وآلامهم: "أعطوا مسكرًا لهالك، وخمرًا لمرّي النفس، يشرب وينسى فقره، ولا يذكر تعبه بعد" (الأمثال ٣١/ ٧).

وفي العهد الجديد دعا بولس لشرب الخمر من غير إسراف في تعاطيه: "لا تكن فيما بعد شراب ماء، بل استعمل خمرًا قليلًا من أجل معدتك وأسقامك الكثيرة" (تيموثاوس (١) ٢٣/ ٥)، والفروق كثيرة يطول المقام بتتبعها.

ونختم بذكر شهادتين لمستشرقين منصفين، أولهما المستشرق الإنجليزي لايتنر الذي يقول في كتابه "دين الإسلام": "بقدر ما أعرف من دِينَيِ اليهود والنصارى أقول بأن ما علمه محمد ليس اقتباسًا , بل قد أوحى إليه ربه, ولا ريب في ذلك".

وأما الشهادة الثانية فهي لهنري دو كاستري، وفيها يقول: "ثبت أن محمدًا لم يقرأ كتابًا مقدسًا, ولم يسترشد في دينه بمذهب متقدم عليه" (١).

 


 

الإشارات المرجعية:

  1. قالوا عن الإسلام، عماد الدين خليل، ص (١٠٨، ١٣٣).

 

المصدر:

د. منقذ السقار، تنزيه القرآن الكريم عن دعاوى المبطلين، ص65
 

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#تنزيه-القرآن-الكريم
اقرأ أيضا
خطر الكسل المعرفي | مرابط
مقالات ثقافة

خطر الكسل المعرفي


كثير من الشباب لديه كسل معرفي رهيب فتراه يبادر إلى تبني أفكار كثيرة بمجرد أن يسمع بكلمة دليل أو عقل!! ولو كلف نفسه بالبحث قليلا أو بسؤال عدد من أهل الخبرة لأدرك بأن كثيرا مما يسمى دليلا وعقلا هو مجرد كلام فارغ لا قيمة له.

بقلم: د. سلطان العميري
628
التفريط الديني والتهكم بالمتدينين | مرابط
اقتباسات وقطوف

التفريط الديني والتهكم بالمتدينين


كيف يتخلص الإنسان كليا من ضغط التأنيب الداخلي الحقيقة أن السخرية بالمتدينين من أهم الوسائل التي توفر للإنسان الراحلة الكلية من هذه الضغوط وضع الصورة المطلوبة في قالب هزلي يبدد نفوذها على النفس البشرية ولذلك نبه القرآن إلى هذه العلاقة بين التفريط والسخرية

بقلم: إبراهيم السكران
577
خير أمة | مرابط
اقتباسات وقطوف

خير أمة


خص الله الأمة الإسلامية بكثير من الخصائص والمميزات فهم خير أمة أخرجت للناس أتباع النبي الخاتم الذي لن يأتي بعده نبي آخر ولهذا عصمهم الله من الاجتماع على الضلال وجعلهم شهداء على الناس وخصهم بالرواية والإسناد وحفظ الذكر الذي نزله وغير ذلك وهذا مقتطف لشيخ الإسلام ابن تيمية يتحدث عن الأمر

بقلم: شيخ الإسلام ابن تيمية
1960
من أخلاق الكبار: صفية أم المؤمنين | مرابط
تفريغات

من أخلاق الكبار: صفية أم المؤمنين


أيها الأخ الكريم سل نفسك ما موقفك ممن وشا بك وشاية سيئة سعى فيك وأراد الإيقاع بك والإساءة إليك ما موقفك منه هذه صفية أم المؤمنين لها جارية ذهبت إلى عمر متبرعة بوشاية وفرية.. تقول إن صفية تحب السبت وتصل اليهود.. فماذا كان رد فعل أم المؤمنين؟

بقلم: خالد السبت
480
من الذي اخترع لفظ الاختلاط ج2 | مرابط
فكر مقالات المرأة

من الذي اخترع لفظ الاختلاط ج2


يعتبر الاختلاط بين الجنسين من أكثر المناطق الشائكة التي يصطدم فيها المنهج الإسلامي مع المنهج العلماني بين القبول والرفض بين الإباحة والمنع ونحن في هذا المقال نقف على عدد من التساؤلات والنقاط هل لفظ الاختلاط دخيل على الإسلام هل صحيح أن المذاهب الفقهية الأربعة لم تعرف مسألة الاختلاط بين الرجال والنساء وهل فعلا المجتمع الغربي لا يعرف فكرة الفصل بين الجنسين وما هي ملامح أزمة الاختلاط في واقعنا المعاصر وغير ذلك من النقاط الهامة

بقلم: إبراهيم السكران
1416
شبهات الحداثيين العرب حول تدوين السنة النبوية والرد عليها ج1 | مرابط
أباطيل وشبهات تعزيز اليقين

شبهات الحداثيين العرب حول تدوين السنة النبوية والرد عليها ج1


هذه دراسة نقدية تبرز أهم الشبهات التي أثارها الحداثيون العرب حول تدوين السنة النبوية وما يتعلق به ولقد حاولت ذكر أبرز الشبهات المتداولة حديثا بين أوساط الحداثيين والعقلانيين وبينت بطلان هذه الشبهات معتمدا في ذلك على جملة من الأدلة العقلية والنقلية ومستعينا بأقوال جملة من أهل العلم ممن درسوا هذه الشبهات وبينوا زيفها متتبعين في ذلك سقطاتهم ومسلطين الضوء على عثراتهم وهناتهم وموضحين الآليات القويمة في التعامل معها والله الموفق والمستعان وعلى نبيه الصلاة السلام

بقلم: شنوف عبدالهادي
2513