هل القرآن منقول من الكتاب المقدس ج2

هل القرآن منقول من الكتاب المقدس ج2 | مرابط

الكاتب: د منقذ السقار

648 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

ب. قصص الأنبياء والأمم السابقة بين القرآن والكتاب المقدس

الموضوع الثاني الذي يشترك القرآن والكتاب المقدس في الحديث عنه، هو قصص الأنبياء والسابقين، والمفروض أننا نتحدث عن حقائق تاريخية لن تختلف بين القرآن والكتاب المقدس بل والمؤرخين.

لكن قراءة سريعة في هذا الموضوع في الكتابين تثبت فروقًا هائلة بين معطيات الأحداث التاريخية هنا وهناك، علاوة على كيفية العرض وغايته، فقصص الكتاب المقدس وردت في سياق تاريخي بحت، بينما وردت قصص القرآن في سياق الاعتبار والتدبر، مع الإعراض عن كافة التفاصيل التاريخية التي لم يحفل بها القرآن الكريم لعدم فائدتها، فالكتب الإلهية ينزلها الله للعظة، وليس للتأريخ للأمم والأشخاص.

وننبه في هذا الصدد إلى أن في القرآن قصصًا عن أنبياء وأمم لا وجود لذكرهم في كتب اليهود والنصارى، مثل: قصة هود وصالح وشعيب وذي القرنين وأصحاب الكهف وقصة موسى مع الخضر، وغيرها كثير.

وأما القدر الذي اشتركا فيه، فبينهما من التخالف فيه ما لا يحصيه إلا الله، ففي حين يعظم القرآن الأنبياء ويعتبرهم أعظم البشر وأفضلهم {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ وَمِنْ آَبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (الأنعام: ٨٤ - ٨٧)، نجد في مقابله في الكتاب المقدس حديثًا عن الأنبياء على خلاف ذلك، فما من رذيلة ولا بلية إلا ونسبها الكتاب إلى أنبياء الله تبارك وتعالى.

فهارون عليه السلام النبي العظيم منزه عن الشرك وعن بناء العجل الذي بناه السامري وعبده بنو إسرائيل من دون الله (انظر طه: ٨٥ - ٨٧)، لكن التوراة تجعله بانيًا للعجل الذهبي المعبود من دون الله (انظر الخروج ٣٢/ ٢ - ٤).

وإذا كان داود في القرآن نبيًا عظيمًا {اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ} (ص: ١٧)، فإنه في الكتاب المقدس كان زانيًا (انظر صموئيل (٢) ١١/ ١ - ٢٦)، وقاتلًا، فقد قتل مائتين من الفلسطينيين، وقطع غلفهم، ليقدمها مهرًا لزوجته ميكال (صموئيل (١) ١٨/ ٢٧).

وأما سليمان فيصفه القرآن بالنبي الأواب: {وَوَهَبْنَا لِدَاوُدَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} (ص: ٣٠)، في حين تزعم التوراة بأنه ترك وصايا الله، وبنى معابد للأصنام إرضاء لزوجاته الوثنيات (الملوك (١) ١١/ ٣ - ١١)، فهذه المفارقات العظيمة في الصورة الإجمالية، وأكثر منها في تفاصيل الأخبار، وهي جميعًا تثبت التمايز بين الكتابين بما يحيل أن يكون القرآن منحولًا من الكتاب المقدس.

 

ج. الأحكام التشريعية بين القرآن والكتاب المقدس

يشترك أيضًا القرآن مع الكتاب المقدس في الحديث في موضوع الأحكام التشريعية التي يشرعها الله لعباده، والمسلمون يؤمنون بوحدة أصول الشرائع الإلهية التي أنزلها الله على نبيه - صلى الله عليه وسلم - وإخوانه الأنبياء {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} (الشورى: ١٣)، والقرآن نزل مصدقًا لما جاء به الأنبياء {وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (يونس: ٣٧).

لقد كان من البدهي أن تتشابه الشرائع المنزلة على الأنبياء لوحدة المشرّع جل وعلا، ومرة أخرى نذكر أن بين الكتابين من التشابه على قدر ما في كتب القوم من الحق، فقد ذكر القرآن شريعة القصاص، وأنها شِرعة شرعها الله لليهود من قبل {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} (المائدة: ٤٥)، فهذه الشريعة عدل من الله، ولذا قررها على أنبيائه وفي شرائعه، ومنها شريعة محمد - صلى الله عليه وسلم - التي قررها القرآن: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ} (البقرة: ١٧٩)، ولا يعني هذا التشابه - الذي يتناسب وعدل الله - أن النبي كان ينقلها من كتبهم.

لكن التطابق ممتنع بين الشرائع القرآنية والكتابية في كثير من الصور، ففي هذه الكتب الكثير من الشرائع التي لم يذكرها القرآن، لا بل تتعارض مع قواعد التشريع القرآني الذي يرى فيها ظلمًا محرمًا، كشريعة كسر عنق الحمار "وأما بكر الحمار فتفديه بشاة، وإن لم تفده تكسر عنقه، كل بكر من بنيك تفديه" (الخروج ٣٤/ ١٩ - ٢٠).

وكذلك قتل صاحب الثور قصاصًا من الثور الذي نطح رجلا فقتله. (انظر الخروج ٢١/ ١٨ - ٣٢)، وشريعة الإكراه على الزواج بزوجة الأخ المتوفى من غير أن يكون له ولد (انظر التثنية ٢٥/ ٥ - ١٠)، وأيضًا شرائع الكهنوت وإناطة إقامة العبادات والشعائر بهم (انظر سفر اللاويين في مواضع كثيرة منه) والتي لا نجد لها أثرًا في القرآن الذي لا يوجد فيه أي مسألة أو حكم يقر النظام الكهنوتي فضلًا عن الدخول في تفاصيله.

ومن أمثلة التباين بين الكتابين أن القرآن يحرم الكثير والقليل من الخمر {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ} (المائدة: ٩٠)؛ فإن الكتاب المقدس يرى شربها وسيلة لعلاج مشكلات الفقراء، بنسيان أتعابهم وآلامهم: "أعطوا مسكرًا لهالك، وخمرًا لمرّي النفس، يشرب وينسى فقره، ولا يذكر تعبه بعد" (الأمثال ٣١/ ٧).

وفي العهد الجديد دعا بولس لشرب الخمر من غير إسراف في تعاطيه: "لا تكن فيما بعد شراب ماء، بل استعمل خمرًا قليلًا من أجل معدتك وأسقامك الكثيرة" (تيموثاوس (١) ٢٣/ ٥)، والفروق كثيرة يطول المقام بتتبعها.

ونختم بذكر شهادتين لمستشرقين منصفين، أولهما المستشرق الإنجليزي لايتنر الذي يقول في كتابه "دين الإسلام": "بقدر ما أعرف من دِينَيِ اليهود والنصارى أقول بأن ما علمه محمد ليس اقتباسًا , بل قد أوحى إليه ربه, ولا ريب في ذلك".

وأما الشهادة الثانية فهي لهنري دو كاستري، وفيها يقول: "ثبت أن محمدًا لم يقرأ كتابًا مقدسًا, ولم يسترشد في دينه بمذهب متقدم عليه" (١).

 


 

الإشارات المرجعية:

  1. قالوا عن الإسلام، عماد الدين خليل، ص (١٠٨، ١٣٣).

 

المصدر:

د. منقذ السقار، تنزيه القرآن الكريم عن دعاوى المبطلين، ص65
 

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#تنزيه-القرآن-الكريم
اقرأ أيضا
اللغة العربية ودعوات العامية | مرابط
لسانيات

اللغة العربية ودعوات العامية


إذن اللغة العربية هي لغة متخطية للحدود التاريخية والجغرافية والقومية بل والحدود الزمكانية إن صح التعبير فهي لغة كلام الله المنزه المنزل من فوق سبع سموات وهي لغة أهل الجنة.. فكيف لا تكون الحرب عليها بهذه الضراوة؟! بكلتا النقطتين يتبين لنا ملمح مهم من ملامح الإعجاز القرآني بخلاف الإعجاز اللغوي والعلمي والتشريعي وما إلى ذلك.. ألا وهو صيانة هذه الأمة والحفاظ على وحدتها ووجودها إلى قيام الساعة..

بقلم: عمرو كامل
419
هل يخشى المسلمون الموت | مرابط
اقتباسات وقطوف

هل يخشى المسلمون الموت


مقتطفات من كتاب وطن الراشدين للكاتب عمرو عبد العزيز وهو من أهم مؤلفات الكاتب ويقدم فيه كما ذكر تصورا مبدأيا عن كليات عدة قضايا معاصرة يتوجب على كل مسلم تكوين تصور عنها مع التزام بإعادة ضبط النغمة السياسية والمجتمعية والمفاهيمية إلى الحالة الأولى لدولة الخلفاء الراشدين العظمى

بقلم: عمرو عبد العزيز
2113
الهجرة إلى الله ورسوله | مرابط
مقالات

الهجرة إلى الله ورسوله


لما فصل عير السفر واستوطن المسافر دار الغربة وحيل بينه وبين مألوفاته وعوائده المتعلقة بالوطن ولوازمه أحدث له ذلك نظرأ فأجال فكره في أهم ما يقطع به منازل السفر إلى الله وينفق فيه بقية عمره فأرشده من بيده الرشد إلى أن أهم شيء يقصده إنما هو الهجرة إلى الله ورسوله فإنها فرض عين على كل أحد في كل وقت وأنه لا انفكاك لأحد عن وجوبها وهي مطلوب الله ومراده من العباد

بقلم: ابن القيم
629
يوسف زيدان.. سارق لا يفقه ما يسرق! | مرابط
مناقشات

يوسف زيدان.. سارق لا يفقه ما يسرق!


نشر يوسف زيدان منذ سنة على إحدى القنوات الفضائية حلقة من أحد برامجه أثارت ضجة إذ زعم أن قصة أصحاب الفيل لا علاقة لها بمكة.. محاولا إيهام المشاهدين أن دعواه كشف من كشوفه الفريدة وما أكثرها!.. وقد تلبس هنا بالسرقة والكذب.. وقد رددت على دعواه في كتاب شبهات تاريخية حول القرآن الكريم الصادر حديثا.. وإليكم نصه

بقلم: د. سامي عامري
320
من مكايد الشيطان: الفتنة بالقبور وأهلها ج2 | مرابط
أباطيل وشبهات مقالات

من مكايد الشيطان: الفتنة بالقبور وأهلها ج2


مقال تأصيلي محكم حول مسألة القبور والأضرحة وما وقع فيه عوام المسلمين من المفاسد العظيمة في تعظيم هذه القبور والتمسح بها والدعاء عندها والصلاة إليها بل وحتى الحج إليها واعتقاد أن أصحابها يملكون نفعا وضرا وسعادة وشقاء وعزة وذلا وغير ذلك من الأمور التي لا يملكها إلا الله وحده.. وهذا التأصيل مقتطف من كتاب إغاثة اللهفان لابن القيم وفيه رد على كل الشبهات المحيطة بهذا الموضوع وتبيين للعقيدة الصحيحة في هذا الباب.

بقلم: ابن القيم
408
مختصر قصة التتار الجزء الخامس | مرابط
تاريخ أبحاث

مختصر قصة التتار الجزء الخامس


سلسلة مقالات مختصرة تضع أمامنا قصة التتار وكيف بدأت هجماتهم على بلاد المسلمين وكيف تغيرت الأوضاع في بلادنا الإسلامية إثر هذه الهجمات فانهار المدن وانفتحت البوابات وظهرت شخصيات قيادية وقفت في وجه هذا الإعصار التتري الرهيب سنقف على الكثير من الفوائد والعبر والمواقف الفارقة وسنعرف تاريخ أمتنا وما مرت به من محن فالمستقبل لا يصنعه من يجهل الماضي

بقلم: موقع قصة الإسلام
1275