إن من محاسن الإسلام أنه دين جاء بالمعرفة وبتطبيقها، وأوصى بالأخلاق وفرض الشرائع وقدم النموذج الذي التزمها وطبقها، وذلك كله متمثل في حياة الرسول -صلى الله عليه وسلم- العملية وسيرته التي نجد فيها الامتثال التام، والالتزام الكامل لما أمر الله به في القرآن؛ ولذلك قالت عائشة -رضي الله عنها- عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: (كان خلقه القرآن).
إن وجود النموذج العملي المطبق لشرع الله تعالى، الملتزم بأوامره غاية الالتزام؛ لمن أهم ما يسهل -على النفوس- تطبيق الإسلام والالتزام به، ويبعد -عنها- النظرة الأفلاطونية الخيالية. وإذا عاش الناس الإسلام عمليا وفعلوه في حياتهم السلوكية؛ فسيشعرون بقيمته وحلاوته، ويستغنون به، وسيدركون حق الإدراك معنى : محاسن الإسلام.
ولعل من الحكمة الإلهية في اختيار النبي من البشر؛ تسهيل عملية الامتثال والاقتداء والتطبيق، فلو كان من غير البشر لقيل: إن من طبق تعاليم الله إنما هو كائن له خصائص مختلفة عن صفات البشر تعينه على هذا الامتثال وتسهله عليه.
وقد ابتلى الله سبحانه نبيه -صلى الله عليه وسلم- بأنواع من الابتلاءات الشديدة؛ حتى يدرك الناس أن هذا الرجل الشريف العظيم -وإن اختاره الله سبحانه وتعالى واصطفاه واجتباه بالنبوة- إنما هو بشر يعرض له ما يعرض للبشر من المرض والتعب والمصائب وغير ذلك، ولم يمنعه ذلك من أن يكون أعبد الناس وأتقاهم لربه، وأشدهم له خشية.
ولأجل ذلك كله؛ فإننا لا نجد شخصية في التاريخ قد اعتني بأقوالها وأفعالها، وسجلت سيرتها ودقائق أحوالها كمثل ما اعتني بذلك في حق النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-، بل لقد استحدث المسلمون -لأجل حفظ سيرته وأقواله وهديه؛ بل وحتى سكتاته- قانونا علميا لا مثيل له في حفظ الأخبار والمرويات؛ وهو علم الحديث. إذ إن هذا العلم لم يستحدث ولم يبتكر إلا لأجل المحافظة على سيرة الرسول -صلى الله عليه وسلم- وهديه وأقواله من أن يدخلها التغيير.
المصدر:
أحمد بن يوسف السيد، محاسن الإسلام: نظرات منهجية، ص37