أحفاد كعب بن الأشرف وقضية الحجاب

أحفاد كعب بن الأشرف وقضية الحجاب | مرابط

الكاتب: راغب السرجاني

2137 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

ذكرنا أن التنوع والتلون من أهم سمات الباطل في مواجهة الحق، ولكن يبقى أن هناك –دائمًا- طرقًا ووسائل ثابتة للباطل في هذه المواجهة، اعتمدها زعيم أهل الباطل إبليس منذ خروجه عن طاعة الله عز وجل، واتخاذه عداوة بني آدم دِينًا.
 
وقضية إنكار الحجاب واعتباره ردة ثقافية، تبين أن من وسائل الباطل الثابتة على مدار الأزمان إشاعة الفاحشة في الذين آمنوا بكل الوسائل الممكنة، المعروفة والمستحدثة.
 
إن مواجهة الباطل للحق عسكريًا ليست مضمونة النتائج في كثير من الأحوال، ففي وقت قوة الحق يكون النصر حليفه، وفي وقت ضعفه ربما تشحذ الحروب همم أبنائه لمواجهة عدوهم؛ لذا لا بد من وسيلة لتخدير أعصاب جنود الحق، وإلهائهم عن المواجهة الحقيقية والاستعداد لها.
 
وهذا السلاح الذي يستخدمه أعداء الحق -إشاعة الفاحشة- من الخطورة بمكانٍ حتى أنه استدعى تحذيرًا إلهيًّا خالدًا على مَرِّ الأزمان يحذر وينبه: [يَا بَنِي آَدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآَتِهِمَا] {الأعراف:27}.

 

المنهج الإبليسي: إشاعة الفاحشة

 

إنها وسيلة ثابتة في المنهج الإبليسي إذن، يستعملها الشيطان وأولياؤه من الكفار والمنافقين، فقوم لوطٍ جاءوا بفاحشةٍ ما سبقهم بها من أحدٍ من العالمين، وكانت هي الطامة التي سبَّبَت هلاكهم، وقد شغلت عليهم تلك الفاحشة تفكيرهم، لدرجة أنهم كانوا يفعلونها جهارًا، وفي أماكن تجمعهم ولا يختفون بها، بل ويعتدون على الرجال في الطريق بالفاحشة عنوة.
 
وعلى مدار التاريخ كان ذلك السلاح الفاتك -إشاعة الفاحشة في الذين آمنوا- كان حاضرًا في مواجهات الباطل مع الحق بقوة، مع اختلاف القائمين به وتنوعهم، ففي العهد النبوي على صاحبه أفضل الصلاة والسلام كان أحد يهود بني النضير يقود حربًا ضروسًا ضد المسلمين، ليست قبيلة بني النضير بكاملها لكن واحدًا منها، وكان اسمه كعب بن الأشرف وهو من قادة وزعماء بني النضير، وكان يصرّح بسب الله عز وجل وسب الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وينشد الأشعار في هجاء الصحابة رضي الله عنهم، ولم يكتف بهذا الأمر بل إنه ذهب ليؤلب القبائل على الدولة الإسلامية، وذهب أيضًا إلى مكة المكرمة وألّب قريشًا على المسلمين، وبدأ يذكِّرهم ويتذاكر معهم قتلاهم في بدر، بل فعل ما هو أشد من ذلك وأنكى - وهو كما نعرف من اليهود، ويعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم مرسل من رب العالمين - فعندما سأله القرشيون وهم يعبدون الأصنام قالوا له: أديننا أحب إليك أم دين محمد وأصحابه وأي الفريقين أهدى سبيلا؟
 
فقال الكافر: أنتم أهدى منهم سبيلًا.
 
وفي ذلك أنزل الله عز وجل: [أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا سَبِيلًا] {النساء:51}.
 
وهذا الكلام الذي قاله كعب لقريش شجعهم على حرب المسلمين.
 
بل فعل هذا الكافر أمورا تخرج عن أدب العرب وعن فطرتهم سواء في إسلامهم أو في جاهليتهم، فقد بدأ يتحدث بالفاحشة في أشعاره عن نساء الصحابة رضي الله عنهن وعن أزواجهن جميعًا.
 
ويظهر من خلال موقف كعب بن الأشرف مدى الانحراف الجنسي ومحاولة إثارة الغرائز واستخدام ذلك في إفساد الأرض، فنحن نجده يتحدث عن نساء الصحابة رضي الله عنهن؛ يتحدث بالفاحشة وبما لا يستقيم مع صاحب فطرة سليمة، فكانت هذه إحدى طرق اليهود التي استخدموها قبل النبي صلى الله عليه وسلم وفي عصره وبعده، كما فشا فيهم الزنا.
 
قال صلى الله عليه وسلم: "أَوَّلُ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ".
 
وكان هذا شيئًا عامًّا في تاريخهم وإلى الآن، فمعظم وسائل الإعلام من سينما وغيرها من برامج وأفلام إباحية تمت بصلة قوية إلى اليهود؛ فأكثر من 50 % من وسائل الإعلام في العالم مملوكة لليهود، وما بين 80 إلى 90 % من الإعلانات التي تقدم في هذه الوسائل من البرامج أو الأفلام تقوم أساسًا على إثارة الغرائز والجنس والنساء، ولا بد أن ينتبه المسلمون إلى هذا الأمر جيدًا.
 
كما شهد العهد النبوي موقفًا آخر حيث قام رأس النفاق عبد الله بن أُبي بن سلول بمحاولته الدنئية الشهيرة لإشاعة الفاحشة في الذين آمنوا من خلال حادث الإفك، إذ اتهم أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها بارتكاب الفاحشة مع الصحابي الجليل صفوان بن المعطل في غزوة بني المصطلق، ونشر ذلك الإفك ليطعن شرف رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ، وليثلم جدار الشرف في الجماعة المسلمة كلها، فإذا كانت أم المؤمنين ذاتها وقعت في ذلك الذنب فما بالك بمن دونها؟!!
 
ومن هنا استحق ابن سلول وأمثاله من المنافقين ذلك التهديد العنيف بالعقاب في الدنيا والآخرة [إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ] {النور: 19}.
 
فمجرد حب إشاعة الفاحشة يستحق صاحبه ذلك العذاب، فما بالك بمن يقوم بنشر الفاحشة فعلاً ؟!!

 

قضية الحجاب

 

واستمر ذلك التوجه عند أهل الباطل على مدار التاريخ، ومن ذلك ما حدث في بدايات القرن العشرين من موجة الدعوة إلى خلع الحجاب التي تبنتها بعض المنظمات النسائية في أوروبا التي راعها كونُ الحجاب هو الزي الرسمي والشعبي لكل فئات نساء المجتمع المسلم، فاستقطبت بعض الشخصيات من النساء والرجال فيما يشبه غسيل المخ، ليصيروا دعاةً ضد العفة والفضيلة عن قصدٍ منهم أو عن جهل.
 
ومع تقدم التقنيات في النصف الثاني من القرن العشرين صارت الحرب في سبيل إشاعة الفاحشة أشد كثافة، وأكثر تطورًا، فمع ظهور وانتشار التلفاز والسينما دأب المنافقون وسادتهم على نشر الرذيلة، وتجميلها من خلال الإعلام، وما يقدمونه من أفلام تُهَوِّن من شأن التبرج والزنا وشرب الخمور، وتجعل كل هذه الفواحش من الأمور المعتادة التي يلجأ إليها أغلب أبطال العمل الفني، ومع ذلك يظهرونهم بالمظهر الطيب السعيد الناجح في كل مجالات حياته، من أجل أن يقوم المشاهدون بتقليدهم.
 
ومع انتشار الفضائيات صارت الكليبات العارية هي عنوان العديد من القنوات التي صارت تدغدغ مشاعر الشباب والفتيات والرجال والنساء على حَدًّ سواء، مما نرى صداه وتأثيره على زي الفتيات في الطرقات. وفي مجال الانترنت أظهرت دراسة حديثة أن العالم العربي هو الأول في العالم من حيث البحث عن كلمة (جنس) على شبكة الإنترنت، كما بلغ عدد المواقع الجنسية على الشبكة في أواخر عام 2003م 2.4 مليون موقع، كما أن مستخدمي الشبكة حول العالم يتبادلون 2.5 مليار رسالة جنسية يوميًا.
 
كل ما مضى يبين لنا سِرَّ الحرب الضروس على الحجاب الذي فرضه اللهُ عزَّ وجل على الفتيات والنساء المسلمات. إن هذه الحرب هدفها الأول هو إشاعة الفاحشة في الذين آمنوا، حتى تخمد قوة الحق في نفوس المؤمنين، وتثور قوى الغريزة، فيسوقهم أعداؤهم كما يسوقون ذوات الأربع.
 
وقد اتخذت هذه الحرب ميادين عدة، ففي أوربا بدأت فرنسا داعية الحرية بمنع المسلمات ارتداء الحجاب في المدارس، لأن فيها ما يقرب من ثمانية ملايين مسلم يمثلون أكبر جالية إسلامية في أوربا، وفرنسا تريد إذابة كل ما يتعلق بالإسلام من قلوبهم، وتريد أن تدمر الأخلاق الإسلامية في نفوسهم، ثم حذت عدة مقاطعات ألمانية حذوها رغم أن ألمانيا تتظاهر بأنها لا تريد العداء مع المسلمين!
 
أما في العالم الإسلامي فالمنافقون يقومون بهذا الدور على أكمل ما يريده أعداء الله؛ لأن لهم عقليةً واحدة، وهدفًا واحدًا هو إشاعة الفاحشة في الذين آمنوا، وتحت هذا الهدف يندرج القانون التونسي الذي يمنع الحجاب من عشرات السنين، ويعتبره زيًّا طائفيًّا حتى اليوم.
 
إنهم يريدون العُري، يريدوننا قومَ لوطٍ آخرين نأتي المنكر علانية، يشعرون بالضيق إذا رأوا مظاهر العفة سائدة في المجتمع، إنهم -لا شك- يستمتعون –بل ويستفيدون- من إشاعة الفاحشة في الذين آمنوا، وهدفهم الأسمى أن يهدموا بنيان المجتمع المسلم، فقد فهموا جيدًا أنَّ مَن يريد تقويض أركان مجتمع ما استعصى على الهزيمة والتغيير؛ فعليه أن يهدم حصن الأخلاق والعفة فيه.

 


 

المصدر:

  1. راغب السرجاني، بين التاريخ والواقع، ج1، ص34، بتصرف.
تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#راغب-السرجاني #قضية-الحجاب
اقرأ أيضا
كيف حرمت المرأة الغربية من شخصيتها | مرابط
المرأة

كيف حرمت المرأة الغربية من شخصيتها


لقد ألحقت الحضارة الخزي بالأمهات بصفة خاصة فهي تفضل على الأمومة أن تحترف الفتاة مهنة البيع أو أن تكون موديلا أو معلمة لأطفال الآخرين أو سكرتيرة أو عاملة نظافة. إنها الحضارة التي أعلنت أن الأمومة عبودية ووعدت بأن تحرر المرأة منها. وتفخر بعدد النساء اللاتي نزعتهن تقول حررتهن من الأسرة والأطفال لتلحقهن بطابور الموظفات.

بقلم: علي عزت بيجوفيتش
258
الطفل الإسلامي والطفل الغربي الجزء الأول | مرابط
تفريغات

الطفل الإسلامي والطفل الغربي الجزء الأول


تأملوا تكريم الشريعة للطفل الذي يولد جاءت بأشياء تدل على أنه قد حدث أمر مهم وليس مجرد أرحام تدفع ولا مجرد ولد خرج وإنما يحتفى به غاية الاحتفاء ويكرم غاية التكريم الشريعة تكرم الطفل من مبدأ أمره فيحنك بأن تلين التمرة حتى تصير مائعة بحيث تبتلع ويفتح فم المولود وتوضع فيه ويدعى له بالبركة كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم

بقلم: محمد المنجد
619
زهد أبي ذر الغفاري | مرابط
مقالات

زهد أبي ذر الغفاري


حدثنا عبد الله حدثنا محمد بن عبد بن حسان حدثنا جعفر يعني ابن سليمان عن رجل قد سماه عن شهر بن حوشب عن عائذ الله عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا وما استقللتم على الفرش ولا تمتعتم من الأزواج ولا شبعتم من الطعام ولخرجتم إلىالصعدات تجأرون إلى الله عز وجل فكان أبو ذر إذا حدث هذا الحديث يقول: يا ليتني شجرة تعضد

بقلم: أحمد بن حنبل
1595
دولة الكلام المبطلة الظالمة | مرابط
فكر مقالات

دولة الكلام المبطلة الظالمة


إن المعقول المتبادر من حكمة الله في نعمة النطق ومزية الكلام التي ميز بها الإنسان وفضله من سائر أنواع جنسه الحيواني هو أنها التعبير عما في النفس من العلم ليتعاون الناس بإفضاء كل بما في نفسه إلى غيره على تكميل علومهم وتحسين أعمالهم ولكن الأشرار منهم كفروا هذه النعمة بما أساءوا من استعمالها في الكذب والإفك والخلابة حتى قال بعض الأذكياء: إن حكمة الكلام وفائدته إخفاء ما في النفس وصرف الأذهان عن الحقائق

بقلم: محمد رشيد رضا
840
مراجعة لكتاب التبرج المسيس للوهيبي | مرابط
فكر مناقشات

مراجعة لكتاب التبرج المسيس للوهيبي


مازالت مشكلات الانحلال السلوكي والتدهور الأخلاقي مسيطرة على المشهد في الكثير من مجتمعات المسلمين وخصوصا في مسألة العلاقة بين الجنسين وموضوعات تحرير المرأة واعتدنا أن نسمع تحليلات تقليدية لهذه المشاكل ترجعها إلى عوامل فردية أو ظواهر عشوائية غير موجهة ولا مقصودة ولكن مؤلف كتاب التبرج المسيس قرر أن يتتبع هذه الظواهر ويصل إلى محركاتها الأولى وبالطبع وصل في تحليله إلى خيوط سياسية كأن هذا المشهد الذي نراه جميعا يقع ضمن أهداف سياسية ومخططات دولية ومن هنا نجد أنفسنا أمام سياسات مكافحة الإرهاب المحل

بقلم: إبراهيم السكران
2350
مأزق المترقب | مرابط
فكر مقالات

مأزق المترقب


واضعا يده على ذقنه يتفرج باهتمام بالغ على مشروعات العلم والدعوة والثقافة والحقوق تتسابق فعالياتها بين ناظريه هو يعرف أسماءها جيدا وفي أيام مضت تواصل مع بعض رجالات الإنتاج في هذه المشروعات بل له الآن علاقات طيبة مع بعضهم وبحوزته أيضا رقم الهاتف الخاص لبعضهم كما أن أحدهم دعاه يوما لمجلس ضم بعض هؤلاء المنتجين بل هو لا يزال يتذكر أنه أرسل لبعضهم رسالة جوال أو بريد إلكتروني ورد عليه لكنه إلى الآن ليس جزءا من أي مشروع ولم يبدأ الخطوة الثانية في أي حلم سبق أن فتح له ملفا في جهازه المحمول

بقلم: إبراهيم السكران
991