أزمة غياب العقلانية بين الباحثين الغربيين

أزمة غياب العقلانية بين الباحثين الغربيين | مرابط

الكاتب: إبراهيم السكران

1412 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

بسم الله الرحمن الرحيم
 
من الظواهر الأليمة والمنتشرة بشكل واسع بين الباحثين الغربيين هي أزمة التفكير النصوصي الجامد وغياب العقلانية المفتوحة، وهذا ما سبب احتباس وتخلف العلوم الغربية، وضعف هيمنتها على العالم..
 
من المضحك بين الباحثين الغربيين أنهم في سياق البرهنة والاثبات يدورون في حلقة نصوصية متقوقعة.. ولا يفكرون بعقول مفتوحة، غير مرتبطة وخاضعة لـ"نصوص".
 
 

القاضي ونصوص القانون

خذ مثلًا هذه المشاهد التي تفسر لنا الضعف العلمي في العلوم الغربية:
 
تأتي للقانوني الغربي (قاضي، محامي، شارح، أكاديمي) وتقول له من غير المعقول أن يكون "العقد" الفلاني ممنوع، أو أن يكون "التصرف" الفلاني ممنوع، فيحتج عليك بنصوص القانون..
فتقول له: ولكن هذا النص القانوني لم يوافق عقلي؟!
فيتفرس في وجهك من جديد وكأنه يتساءل هل أنت معتوه أم لا؟
ويبدي استغرابه من رفضك للقانون، حتى ولو لم يوافق عقلك !
 

المؤرخ الغربي

وتأتي للمؤرخ الغربي وتقول له من غير المعقول أن يكون الملك "هنري الثامن" تزوج ست زوجات، وقام بإعدام بعضهن!! هذا يتناقض مع منطق الأمور!
 
فيقول لك: ولكن هذه "نصوص" التاريخ والتي سجلها شهود كثيرون! فتحاول أن تقنعه أن الأمر غير معقول، فيحتج عليك بنصوص التاريخ!!
 

الاقتصادي الغربي

وتأتي للاقتصادي الغربي وتقول له من غير المعقول بتاتًا أن يكون ماركس ينكر أهمية مفهوم الملكية الفردية في تنمية الاقتصاد وتحفيز الانتاج، ماركس عقلية ضخمة فكيف يمكن أن يقول كلامًا ساذجًا كهذا؟
 
فيستغرب تساؤلك وإنكارك العقلي، ويحتج عليك بنصوص ماركس، ويرى أن هذه الحجة كافية جدا للبرهنة!!
 
فتقول له: يا عزيزي دعنا من نصوص ماركس وفكر بعقلانية مفتوحة، فيدركه الوجوم ويستغرب كيف تفكر في فلسفة ماركس بعيدًا عن نصوص ماركس ذاته؟! كيف يمكن أن تنسب إلى ماركس أي فكرة من دون الالتزام بنصوص ماركس ذاته؟!
 

السياسي الغربي

وتأتي للسياسي والدبلوماسي الغربي فلا تكاد تفتح معه موضوعًا، إلا وتذرع بنصوص الاتفاقيات الدولية، وأن هذا نص المادة كذا في اتفاقية كذا، ويدخلون في حيص بيص في تفسير نصوص الاتفاقيات.. فيأخذ مني الاستغراب كل مأخذ.. وأقول لهم: يا أيها المتقوقعون.. دعونا من النصوص وفكروا في الالتزامات والحقوق بعقلانية، إلى متى هذا التخلف؟!
 
ومع ذلك.. يستمرون في تعيين مراكزهم التفاوضية على أساس تفسير نصوص الاتفاقيات!!
 

المؤسسات الغربية

بل تجد المؤسسات الغربية تجعل من وظائف المحاكم العليا فيها أن تكون المرجعية النهائية في حسم النزاع حول تفسير نصوص القانون!!
 
فبالله عليك.. انظر كيف يضيع القضاة أوقاتهم في تفسير نصوص القانون.. بدلًا من أن يفكروا من خلال "العقل" وحضارة "العقل" ومدنية "العقل" بعيدًا عن أغلال النصوص!!
 
المهم.. أنني تركت هذه الحقول النصوصية الجمودية وقلت في نفسي: لابد أن الفلسفة هي المكان الذي سأتخلص فيه من سلطة النص بتاتًا، فالفلاسفة كما يقولون هم الممثل النموذجي للعقل..
 

فلاسفة الغرب

ولما بدأت أستطلع نتاج الفلاسفة الغربيين وجدتهم في معارك طاحنة لا أول لها ولا آخر في تفسير نصوص الفلاسفة الذين سبقوهم، وكل يطرح تفسيرًا لفلسفة فلان، ويتبارون في هذه التفسيرات أيها الأدق والأعمق في استيعاب فلسفة الفيلسوف الفلاني..
 
ولا تكاد تجد فيلسوفًا معاصرًا إلا وله العديد من الأعمال التي يسمونها "قراءة في فلسفة فلان" يحاول فيها استكشاف فلسفة أحد الفلاسفة المشهورين من خلال نصوصه ورسائله..
 
فيالله العجب.. كيف أضاع هؤلاء الغربيون أوقاتهم في تفسير النصوص، والاحتكام للنصوص في نسبة أي أمر لصاحبه..
 

في عالمنا العربي

ونحن في عالمنا العربي –ولله الحمد- رزقنا الله مفكرين أفذاذ يفكرون في المسائل الشرعية دون الارتهان لألفاظ النصوص ودون الاحتباس في حروف النص.. فينسبون للشريعة أفكارًا ومفاهيم من وحي "العقل المطلق" أو "الذوق الرفيع".. فاستطاعوا تحريرنا من سلطة النص لندخل مملكة الذوق..
 
وهذا هو "الإبداع العلمي" الذي فات على الباحثين الغربيين المساكين! ولذلك تطور الفكر العربي المعاصر، وأخفقت العلوم الغربية..!
 
حين نريد أن ننسب للشريعة حكمًا فهل يجب أن نرتهن للنصوص حتى تكون نسبتنا علمية؟ أم يجوز لنا أن ننسب للشريعة ما استحسناه بذوقنا؟
 
بطبيعة الحال.. لا حاجة للنصوص حين نريد أن ننسب للشريعة شيء.. حتى لا نكون نصوصيين متقوقعين متشرنقين.
 

الاحتكام للنص

والمشكلة أن منهج "الاحتكام للنص" في الشرعيات هو منهج أسسه القرآن..
 
ولذلك لما جاء اليهود إلى النبي وحاوروه في حكم بعض الأطعمة، ونسبوا لشريعة موسى ما ليس منها، فأرشد الله نبيه إلى أن يجعل البرهان هو "الاحتكام للنص" فقال سبحانه لنبيه:
(قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) سورة آل عمران
 
ولما تحاور مشركوا قريش مع النبي فنسبوا لله الولد –تعالى الله عن ذلك- فأرشد الله نبيه إلى أن يكون مسار البرهان هو "الاحتكام للنص" فطالبهم بنص يثبت ذلك، فقال الله سبحانه:
(فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) سورة الصافات
 
العقل حجة فطرية شرعية، ولكن نسبة الأحكام للشريعة دون الاحتكام للنص، هذا إجراء ضد العقل، وضد المنهج العلمي!

 


 

المصدر:

http://saaid.net/arabic/232.htm

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#إبراهيم-السكران #العقلانية
اقرأ أيضا
من براهين النبوة | مرابط
تعزيز اليقين

من براهين النبوة


وكان من حكمة الله سبحانه ورحمته أن أيد أنبياءه ورسله بالآيات والبراهين وعزز دعوتهم بالحجج والدلائل التي من شأنها أن تزيح عن الفطر حجب الشبهات وتنفي عن القلوب خبث الشهوات وتستنقذ العقول من الظلمات بإذن الله وذلك أولا بما جعل في مخلوقاته من الدلالة على خالقها وشهادتها بربوبيته وألوهيته وكماله وحكمته وفي ذلك برهان الأنبياء على ما يدعون إليه من التوحيد والإيمان بالبعث ثم بما خص به أنبياءه من الآيات القولية والحسية الدالة على صدق نبوتهم

بقلم: سعود العريفي
410
حيثما كان العدل فثم شرع الله | مرابط
تعزيز اليقين فكر مقالات

حيثما كان العدل فثم شرع الله


وليس للمسلم أن يطرح حكم الشريعة طلبا للعدل استقلالا عنها فإن هذا فاسد من جهة الدين والذي يلزم المسلم بالاحتكام للشرع وليكن على ثقة أنه متى التزم حكم الشريعة فسيؤول به الأمر إلى تحقيق العدل وأنه متى خالفها فسيقع في مناقضة العدل إذ اطراح الحكم والحالة هذه اطراح للعدل أيضا

بقلم: عبد الله بن صالح العجيري وفهد بن صالح العجلان
2379
عدالة الصحابة رضي الله عنهم | مرابط
تعزيز اليقين اقتباسات وقطوف

عدالة الصحابة رضي الله عنهم


اتفق أهل السنة على عدالة الصحابة رضي الله عنهم واستدلوا على ذلك بدلائل من الكتاب ومن السنة ومن واقع الصحابة وسيرتهم وهذا الباب من أكثر الأبواب الشرعية التي نقل فيه إجماع أهل السنة ويطول المقام جدا بتتبع الإجماعات فيه وفي هذا المقتطف طائفة يسيرة من هذه الإجماعات

بقلم: أحمد يوسف السيد
1177
سبيل السعادة على أيدي الرسل | مرابط
اقتباسات وقطوف

سبيل السعادة على أيدي الرسل


لا سبيل إلى السعادة والفلاح لا في الدنيا ولا في الآخرة إلا على أيدي الرسل ولا سبيل إلى معرفة الطيب والخبيث على التفصيل إلا من جهتهم ولا ينال رضا الله البتة إلا على أيديهم.. فالطيب من الأعمال والأقوال والأخلاق ليس إلا هديهم وما جاؤوا به. فهم الميزان الراجح الذي على أقوالهم وأعمالهم وأخلاقهم توزن الأقوال والأخلاق والأعمال وبمتابعتهم يتميز أهل الهدى من أهل الضلال.

بقلم: ابن القيم
195
لمن أكتب | مرابط
مقالات

لمن أكتب


لمن أكتب لم أحاول قط أن أعرف لمن أكتب ولم أكتب ولكني أحس الآن من سر قلبي أني إنما كنت أكتب ولا أزال أكتب لإنسان من الناس لا أدري من هو ولا أين هو: أهو حي فيسمعني أم جنين لم يولد بعد سوف يقدر له أن يقرأني ولست على يقين من شيء إلا أن الذي أدعو إليه سوف يتحقق يوما على يد من يحسن توجيه هذه الأمم العربية والإسلامية إلى الغاية التي خلقت لها وهي إنشاء حضارة جديدة في هذا العالم تطمس هذه الحضارة التي فارت بالأحقاد والأضغان والمظالم ولم يتورع أهلها عن الجور والبغي في كل شيء حتى في أنبل الأشياء وهو ال...

بقلم: محمود شاكر
647
الجندرة: مطية الشذوذ الجنسي | مرابط
الجندرية

الجندرة: مطية الشذوذ الجنسي


شاع استعمال مصطلح الجندر أو الجندرة في أدبيات العديد من الأقلام -خاصة النسائية وتم تداوله على نطاق كبير بمعنى مخالف لمعناه الحقيقي والغريب في الأمر أن غالب هذه الأقلام لا يعوزها سعة الإطلاع ولا حسن الفهم الشيء الذي يجعل تغليب حسن الظن أمرا متكلفا فما الدافع ترى لهذا التزييف أهو تمرير أجندة مشبوهة تحت ستار تقدمي مقبول أم هو استجابة لشهوة حب الظهور في المقاعد الأمامية لقطار النظام العالمي الجديد والانشغال بالتلويح باليدين -للجمهور المتفرج- عن النظر لما بداخل القطار

بقلم: نزار محمد عثمان
2998